آراء

كريم المظفر: بوتين و بايدن وقمة اللغة الواحدة

كريم المظفراختتمت الأربعاء 16 يونيو الجاري في في المدينة السويسرية الواقعة على ضفاف البحيرة والمعروفة باسم "مدينة السلام"، القمة الأولى للرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي جو بايدن، والتي عقدت في، واستغرقت المحادثات فيها ما مجموعه 4.5 ساعات، منها محادثات استمرت أكثر من 1.5 ساعة على نطاق ضيق بحضور وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأمريكي أنتوني بلينكن، والتي أكد سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، على أن روسيا في إطار التحضير للقمة مع الولايات المتحدة، بذلت قصارى جهدها لتنتهي بشكل إيجابي، حيث ناقشت بالدرجة الأساس  الاستقرار الاستراتيجي والأمن السيبراني والنزاعات الإقليمية والعلاقات التجارية والتعاون في منطقة القطب الشمالي .

وشارك في المحادثات الموسعة من الجانب الروسي لافروف ونائبه سيرغي ريابكوف، ورئيس الأركان العامة فاليري غيراسيموف، ومساعد الرئيس يوري أوشاكوف، ونائب رئيس إدارة الرئيس الروسي دميتري كوزاك، والمتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، ومبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف، بالإضافة إلى سفير موسكو لدى واشنطن أناتولي أنطونوف، و في المقابل، شمل الوفد الموسع المرافق لبايدن كلا من بلينكن، ونائبة الوزير للشؤون السياسية، فيكتوريا نولاند، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، والمسؤول المعني بشأن روسيا وآسيا الوسطى في مجلس الأمن القومي إريك غرين، وسفير واشنطن لدى موسكو جون سوليفان

وعلى الرغم من الأجواء التفاؤلية الحذرة من نتائج هذه القمة، وإشارة الرئيس الروسي إلى أن المحادثات عقدت "بلغة واحدة" (التي لم يتبادل فيها الرئيسان بوتين و بايدن دعوات لزيارة روسيا والولايات المتحدة، فقد اعتبرها الرئيس الروسي أنه من السابق لأوانه القيام بذلك)، وناقشت مواضيع الاستقرار الاستراتيجي والعلاقات التجارية والأمن الإقليمي والأمن السيبراني، إلا أن الكريملين أكد بشأن إمكانية استبعاد الولايات المتحدة من قائمة "الدول غير الصديقة" لروسيا، وقال الناطق الصحفي باسم الكرملين دميتري بيسكوف إنه "لا يوجد أي أساس" لمثل هذه الخطوة في الوقت الحالي، مشددا في الوقت نفسه على أن المحادثات بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي جو بايدن جرت كما توقعته موسكو تقريب، وقال بيسكوف، تعليقا على سير المباحثات، إنها "كانت مثلما توقعنا تقريبا، لكن الكل سيتوقف على كيفية استمرارها لاحقا"، مضيفا أنه من غير الواضح بعد من سيترأس الوفد الروسي الذي سيفاوض الجانب الأمريكي بشأن الاستقرار الاستراتيجي .

ووفقا للإعلان المشترك للرئيسين والذي صدر في ختام قمتهما في جنيف أكد الطرفان تمسكهما بالمبدأ القائل إن الحرب النووية لا يمكن أن يكون فيها منتصر ويجب ألا يتم شنها أبدا، وأن التمديد لمعاهدة "ستارت 3" بين موسكو وواشنطن يدل على تمسك البلدين بمراقبة الأسلحة النووية، وأنه ومن أجل تحقيق هذه الأهداف ستطلق روسيا والولايات المتحدة في أقرب وقت الحوار الثنائي الشامل حول الاستقرار الاستراتيجي والذي سيكون جوهريا ونشطا.

وأوضح الرئيسان أنهما يسعيان من خلال إطلاق هذا الحوار إلى "وضع أساس للمراقبة المستقبلية للأسلحة والإجراءات لتخفيض الأخطار"، وأشار بوتين و بايدن في الإعلان المشترك إلى أن روسيا والولايات المتحدة سبق أن أظهرتا أنهما قادرتان - حتى في فترات التوتر - على تحقيق تقدم في إنجاز الأهداف المشتركة في ضمان قابلية التنبؤ في المجال الاستراتيجي وخفض أخطار نشوب نزاعات مسلحة وتهديد حرب نووية، وأعلن الرئيسان عن قرارهما إطلاق حوار ثنائي حول الاستقرار الاستراتيجي، مؤكدين تمسك موسكو وواشنطن بضرورة منع شن حرب نووية، وتأمل موسكو في صياغة تفاصيل الحوار الروسي الأمريكي المقبل حول الاستقرار الاستراتيجي بوتيرة متسارعة، بالاتفاق مع واشنطن، وأشار نائب رئيس وزارة الخارجية الروسية، عضو الوفد الروسي، سيرغي ريابكوف إلى أنه في الوقت الحالي لا يمكنه الإجابة على السؤال الخاص بالمجموعات المواضيعية المحددة التي سيتم إنشاؤها في إطار الحوار الثنائي.

وبسبب الرفض الأمريكي، واخفاق إدارات الرئيسين في التوصل الى اتفاق، بشأن فكرة عقد مؤتمر صحفي مشترك، لان بايدن يفضل أن يتحدث للصحافة على انفراد، وبدوره خرج الرئيس بوتين إلى وسائل الإعلام، وبذلك عقد الرئيسان مؤتمرا صحفيا منفصلا، تبادلا كليهما كلمات الاطراء لبعضهم البعض ، فالرئيس فلاديمير بوتين وصف نظيره الأمريكي بالمحاور البناء، وانه قد " اقتنع مرة أخرى أن الرئيس بايدن شخص ذو خبرة كبيرة، وهذا واضح تمامًا"، إلا ان الرئيس الروسي ابى ان يترك هذه المناسبة للرد على تصريحات نظيره الأمريكي السابقة والتي ووصفه بها ب(القاتل )، وتساءل من هو القاتل الذي يتسامح بقتل المدنيين سواء في أفغانستان والعراق ؟، في حين اكد الرئيس الأمريكي أن بوتين لا يسعى لحرب باردة، مؤكدا في الوقت نفسه أهمية عقد لقاء شخصي بينه وبين الرئيس بوتين، وإنهم يعملون على رؤية حيث لديهم مصالح مشتركة، وأشاد الخبير في الشؤون الروسية في معهد كينان التابع لمركز وودرو ويلسون (واشنطن) بالقمة واعتبر انعقادها مهم جدا، ولكن الى أي مدى كان يكون افضل بكثير، لكن عدم انعقادها " كان من الممكن أن يكون أسوأ بكثير" .

وكما جرت العادة فقد سارع الخصم السياسي لبايدن في واشنطن، الجمهوريون، إلى مهاجمة الرئيس الديمقراطي بالانتقاد، الذي برأيهم كان يجب أن يكون أكثر تصادمية، وشدد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في حديثه لسكاي نيوز، على إن واشنطن لم تتلق شيئًا من القمة مع روسيا، وأن الاجتماع سار بشكل جيد بالنسبة لموسكو، وقال "لم نحصل على شيء، أعطينا المسرح لروسيا، ولم نحصل على شيء "، مشددا في الوقت نفسه على أن الولايات المتحدة غير قادرة على إيقاف نورد ستريم 2، وهو أمر مهم، و أن القمة عقدت لصالح الاتحاد الروسي، وأضاف: "أعتقد أنه كان يومًا جيدًا لروسيا".

ويجمع المراقبون على ان اهم اتفاق تمخضت عنه القمة هو إعادة السفراء الى بعثاتهما الدبلوماسية، (وتوقع نائب وزير الخارجية الروسية سيرغي ريابكوف عودة سفيرهم الى واشنطن أناتولي أنطونوف الذي وصل إلى موسكو يوم 21 مارس لإجراء مشاورات، نهاية الشهر الحالي) وتقرر أيضًا أن تبدأ وزارة الخارجية الروسية ووزارة الخارجية الأمريكية مشاورات حول النطاق الكامل للتعاون على المسار الدبلوماسي، وان "هناك شيء نتحدث عنه، لقد تراكمت الكثير من المعوقات، وبدا لي أن كلا الجانبين مصمم على البحث عن حلول" بحسب تعبير الرئيس بوتين .

وحول سير القمة لم يلاحظ فيها بتعبير بوتين و بايدن "أي عدائية، او ضغوطات " من قبل أي من الطرفين، وان اللقاء جرى في سياق مبدئي، على الرغم من وجود مواقف وتقديرات مختلفة تماما حول الكثير من القضايا، لكن كلا الطرفين كما اكد الرئيس الروسي أبديا رغبة في فهم بعضهما بعضا وإيجاد سبل لتقريب المواقف، و "ان الحديث كان بناء بما فيه الكفاية، ونتاج ذلك تم الاتفاق على بدء مشاورات حول قضية الهجمات السيبرانية، والتي استنادا إلى مصادر أمريكية إلى أن أغلب الهجمات السيبرانية في العالم تنفذ من داخل الولايات المتحدة، وتأتي بعدها كندا، ومن ثمن أمريكا اللاتينية وبعدها بريطانيا، بينما روسيا ليست في قائمة الدول الأولى من حيث عدد مثل هذه العمليات، وكما أوضح الرئيس الروسي.

أما القضية الأوكرانية، كانت حاضرة في مباحثات القمة، وكما نقل عن مصدر امريكي رفيع، فقد تحدث القادة عما إذا كانت "هناك فرص لمحاولة فك مسار عملية مينسك"، وعلى الرغم من كلمات الرئيس الأمريكي بأن بلاده تؤيد وحدة أوكرانيا ودعمها لكييف، فان الرئيس الروسي بدوره اكد ان لدى بلاده التزام واحد حول أوكرانيا وهو الإسهام في تطبيق اتفاقات مينسك لتسوية الأزمة، وفي حال استعداد الطرف الأوكراني سلك هذا السبيل" فإننا سنتجه عبره"، ومثل هذا الاتفاق لم يرق الى أوكرانيا، وأكد ميخائيل بودولاك، مستشار رئيس وحدة العمليات الخاصة الأوكرانية، أن " السيد بوتين " أصر مرة أخرى على التطبيق الحرفي لاتفاقيات مينسك، وهناك مشكلة هنا، إن النص الكلاسيكي لـ "مينسك" وتسلسل النقاط المقترح هناك يلعبان بالتأكيد لصالح الاتحاد الروسي، وقال "نحن نعرف ما تقوله اتفاقيات مينسك بالفعل، لكننا لا نريد الوفاء بها".

ولم تغفل القمة الخطوط الحمراء، التي تهدد بها واشنطن موسكو بين الفينة والفينة، وحصول تفاهم لدى روسيا والولايات المتحدة حول مسألة الخطوط الحمراء، وبين الرئيس الروسي أنه لم يتم مناقشة القضايا خلال المحادثات من هذه الزاوية، مؤكدا في الوقت نفسه إمكانية توصل البلدين إلى توافقات حول قضية تبادل السجناء، في حين شدد الرئيس الأمريكي وخلال مؤتمره الصحفي، على وجود "آفاق حقيقية لتحسين العلاقات" مع روسيا، وأن علاقات الولايات المتحدة مع روسيا يجب أن تكون مستقرة وقابلة للتنبؤ، وعلى البلدين إيجاد مجالات للتعاون، مشيرا إلى أنه يجب أن تكون هناك "قواعد أساسية" لتلتزم بها موسكو وواشنطن في العلاقات بينهما.

وحاول الرئيس الأمريكي التقليل من خطواته المعادية تجاه روسيا، وأكد أن أجندته ليست معادية لروسيا أو أي دولة أخرى، واعتبر بايدن أن الخطوات التي تنسبها الولايات المتحدة لروسيا تقلص من سمعة البلاد على الساحة الدولية، وإنه حدد 16 قطاعا حيويا، ستعتبر واشنطن استهدافها بهجمات إلكترونية غير مقبول، وأنهما ( أي في القمة ) اتفقا على تكليف الخبراء في البلدين بالعمل على تفاهمات معينة بشأن "ما الذي يتخطى الحدود" في المجال السيبراني، مؤكدا بوضوح أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع "محاولات الاعتداء على السيادة الديمقراطية الأمريكية"، وسترد على أي محاولة للمساس بمصالحها أو مصالح حلفائها.

وفيما يتعلق بالقضايا الدولية، أشار بايدن إلى أنه عبر في حديثه مع بوتين عن قلقه إزاء الوضع في بيلاروس، وأنهما بحثا ضرورة فتح الممرات الإنسانية في سوريا لنقل المساعدات الغذائية، وناقشا الملف الإيراني، حيث اتفقا على العمل من أجل ضمان عدم حصول طهران على أسلحة نووية، وبشأن أفغانستان، أشار بايدن إلى أنه بحث مع بوتين ضرورة توحيد الجهود لمنع انتعاش الإرهاب في أفغانستان، وأن بوتين عرض على واشنطن المساعدة في هذا المجال.

اما في موضوع مثير للخلافات بين روسيا والولايات المتحدة، قال بايدن إنه تطرق إلى ملف حقوق الإنسان مع الرئيس الروسي، مشيرا إلى أنه ستكون هناك "عواقب مدمرة" بالنسبة لروسيا في حال توفي في السجن المعارض الروسي أليكسي نافالني، الذي أدين في قضية اختلاس أموال قبل عدة سنوات، ودعا بايدن كذلك لإطلاق سراح المستثمر الأمريكي مايكل كالفي المحكوم عليه بالسجن في روسيا، وربط بهذه القضية بمصير الاستثمارات الأمريكية في روسي، وردا على ذلك قال الرئيس بوتين، ردا على سؤال حول "المعارضة غير النظامية في روسيا" وقضية المعارض المعتقل، إنه( أي نافالني) كان علم بأنه انتهك القانون الروسي وأن عليه التسجيل لدى الجهات المعنية كشخص محكوم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ، لكنه تجاهل هذا المطلب وغادر روسي، وأشار إلى أن نافالني وصل إلى روسيا من ألمانيا، التي سفر إليها لتلقي العلاج، وهو كان على علم بأنه في قوائم المطلوبين، معربا عن اعتقاده : " أنه أراد أن يكون معتقلا".

كانت الاجتماعات، أقصر من أن تسمح بأي شيء يتجاوز تعداد المطالبات من كلا الجانبين، وأعلان بايدن وبوتين أن الحدث كان ناجحًا، يرجع ذلك أساسًا إلى أنهما كانا قادرين على الالتقاء على الإطلاق في وقت كانت فيه العلاقات بين أكبر قوتين نوويتين في العالم في أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة، وهو ما اجمع عليه المراقبون أيضا، وعلى أنه على الرغم من الخلافات العديدة واستحالة الصداقة الشخصية، ستتمكن موسكو وواشنطن دائمًا من إيجاد لغة مشتركة في حل جميع المشكلات.

 

بقلم الدكتور كريم المظفر

 

في المثقف اليوم