آراء

كريم المظفر: رسائل بوتين من فلاديفوستوك

حدثان مهمان في روسيا، جلبتا انتباه العالم، الأول هو القلق الكبير الذي احدثه وصول الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، بقطاره المدرع الى روسيا، والترقب لما ستؤول اليه نتائج لقاءه مع الرئيس فلاديمير بوتين، المتواجد في الشرق الروسي، والتهديدات الامريكية بفرض العقوبات اذا أرسلت كوريا الشمالية أي أسلحة إلى روسيا، باعتباره انتهاكا مباشرا لقرارات مجلس الأمن الدولي، الامر الذي سخر منه المتحدث باسم الكريملين الذي قال " إن ما يهم الدولتين هو مصالحهما وليس تحذيرات واشنطن"، والاشارة الى ان روسيا ستواصل تعزيز علاقات الصداقة مع كوريا الشمالية.

القطار المدرع الخاص بالزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، بعرباته الخضراء مع الخطوط الصفراء، غادر بيونغ يانغ عصر الأحد، وصل إلى روسيا عبر جسر فوق نهر رازدولنايا في إقليم بريموريه، لم يقلق الولايات المتحدة وحدها، بل ان ذلك القلق قد دب في قلوب اليابانيين أيضا، والجارة الكورية الجنوبية، خصوصا وأن وزير الدفاع، سيرغي شويغو، سيشارك في محادثات الرئيس بوتين مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، لكن من غير المخطط عقد اجتماع منفصل بين وزيري الدفاع الروسي والكوري الشمالي.

وفي اليابان وبعد ان عبر أمين الحكومة اليابانية هيروكازو ماتسونو، عن قلق طوكيو من هذه الزيارة بما ذلك تأثيرها المحتمل على الوضع في أوكرانيا، فقد أكد وزير الخارجية الياباني، يوشيماسا هاياشي، ان حكومة بلاده تواصل جمع وتحليل المعلومات بدرجة عالية من الاهتمام، والخاصة بزيارة زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون إلى روسيا، وعلق على زيارة كيم جونغ أون إلى روسيا لبحث التعاون العسكري المزعوم، أما بالنسبة لتفاصيل أو نتائج القمة بين زعيمي كوريا الشمالية وروسيا، "فنحن كحكومة يابانية لسنا في وضع يسمح لنا بإعطاء أي إجابة في هذا الشأن"، وبالرغم من ذلك، فإن أي نقل للأسلحة من كوريا الشمالية يتعارض مع أحكام قرارات مجلس الأمن الدولي، وتنوي بلاده متابعة التطورات عن كثب لمعرفة ما إذا كانت هناك أي انتهاكات في هذا المجال.

أما في كوريا الجنوبية والتي لازالت تحتفظ باتصالات مع روسيا، بالرغم من أنضمامها إلى العقوبات، فإن موسكو بحسب تعبير نائب وزير الخارجية الروسي أندريه رودينكو، تبقي سيئول شريكا تجاريا لها، ولدى الروس والجنوبيون مصالح مشتركة من وجهة نظر استقرار الوضع في شمال شرق آسيا وشبه الجزيرة الكورية، أما بشأن القلق الذي عبرت عنه كوريا الجنوبية، فقد أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، أندريه رودينكو، أن روسيا مستعدة لإبلاغ سيئول بنتائج زيارة زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون إلى روسيا في حال تلقي طلب بذلك منها، وقال "لديهم سفارة في موسكو، وإذا أرادوا، يمكننا تقديم المعلومات المتوفرة لدينا".

والحدث المهم الآخر هو كلمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خلال الجلسة العامة للمنتدى الاقتصادي الشرقي المنعقد الآن في فلاديفوستوك، والتي وجه خلالها رسالتان مهمتان، الأولى الى أوكرانيا، اكد فيها إن روسيا تعمل على تطوير أسلحة تعتمد على مبادئ فيزيائية جديدة، وقال " ان الأسلحة المبنية على مبادئ فيزيائية جديدة ستضمن أمن أي دولة في المستقبل التاريخي القريب”، ودعا كييف الى الاحتكام الى لغة العقل والجنح الى السلام، خصوصا في الوقت الراهن، في ظل خسائرها الجسيمة في الهجوم المضاد، والذي كلفها مقتل اكثر من 70 ألف عسكري حتى الان، دون تحقيق أي نتائج وأن الأسلحة الغربية، ولن تغير في مسار العملية العسكرية الروسية، وحتى اذا حصلت على الطائرات الامريكية أف 16، فإنها لن تغير من واقع الإنجازات العسكرية الروسية على طوال مواقع القتال .

وغالبًا ما يعني هذا النوع من الأسلحة تطوير تقنيات جديدة نوعيًا لم تكن مستخدمة من قبل، وتشمل هذه الأسلحة الليزر والأشعة فوق الصوتية والترددات الراديوية وأنواع أخرى من الأسلحة، وفي السابق، استخدمت روسيا الأسلحة التي وفرت ميزة على القوات المسلحة الأوكرانية في منطقة المنطقة العسكرية الشمالية، وتم اختبار مكرر السحابة للطائرات بدون طيار بنجاح، وتتمثل ميزتها في أنه أثناء التطوير، تحول المتخصصون إلى ترددات أخرى، مما سيحمي سلامة مشغلي الطائرات بدون طيار.

وخاطب الرئيس الروسي الولايات المتحدة الامريكية، بالكف عن المطالبة في وقف اطلاق النار، فالأجدر بواشنطن مطالبة زيلينسكي أولا، الغاء القرار الذي أصدره من قبل بمنع التفاوض مع روسيا حول السلام، ومن ثم البدأ بمفاوضات جدية حول وقف العمليات العسكرية، ولكن على ما يبدو من وجهة نظر الرئيس الروسي ان القيادة الأوكرانية لا تهتم بمصير شعبها، والا كيف يطلب من موسكو بوقف العمليات العسكرية، في الوقت الذي يشن العدو هجومه المضاد، كما أن الولايات المتحدة تفعل كل شيء من أجل مصالحها دون أي اعتبارات أخرى، يوفرون القنابل العنقودية وذخائر اليورانيوم المنضب ويضربون بعرض الحائط كل المبادئ، وان إدارة البيت الأبيض أعلنت من قبل أن استخدام القنابل العنقودية تعد جريمة حرب، والآن يوفرون هذه القنابل لأوكرانيا.

وجاءت دعوة الرئيس الروسي القيادة الأوكرانية للسلام، جاءت متزامنة مع خروج أوكرانيا عن طورها، وبدأت بكيل سيلا من الإهانات لبعض الدول الكبرى والعديد من المنظمات الدولية الرئيسية، واعتبر ميخائيل بودولياك مستشار رئيس مكتب الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، الأمم المتحدة، بأن الأمم المتحدة في الواقع منظمة غائبة تماما، وهي عبارة عن مكتب لجماعات الضغط (لوبي) لكسب المال، من أجل شيخوخة جيدة للأشخاص الذين يشغلون مناصب إدارية هناك، وان الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية والصليب الأحمر ومنظمة العفو الدولية، كلها "منظمات وهمية تلوث وعينا بتقييمات تافهة كالقمامة".

وفي حديث مع مجلة "الطبعة الجديدة" الأوكرانية، أشار بودولياك إلى أن الهند والصين تتمتعان بإمكانات ذهنية ضعيفة، لأن هاتين الدولتين، على حد تعبيره، "لا تقومان بتحليل عواقب خطواتها"، وقال: "ما هي مشكلة الهند والصين؟ مشكلة مثل هذه الدول هي أنها لا تحلل العواقب المترتبة على خطواتها، وللأسف إمكانياتها الفكرية متدنية جدا، فهذه الدول اليوم تجني الأموال من هذه الحرب، تجني الأموال بشكل فعال، تماما مثل الجمهورية التركية، وهذا من حيث المبدأ -مصالح وطنية، ولهذه العبارة وقع جميل – "ونحن نلتزم باحتياجات مصالحنا الوطنية"، وأشار إلى أن هذه الدول تستثمر بشكل فعال في العلوم، فالهند، على سبيل المثال، "تمشي بالفعل على سطح القمر، ولكن هذا لا يعني أن هذا البلد يفهم بالضبط ما هو العالم الحديث" .

وهذه ليست المرة الأولى التي يدلي فيها مسؤولون أوكرانيون بتصريحات فاضحة ووقحة، ففي أكتوبر 2022، أقال فلاديمير زيلينسكي سفير أوكرانيا لدى كازاخستان بيوتر فروبلفسكي، الذي أدلى ببيان حول ضرورة قتل الروس، وتمت إقالة أندريه ميلنيك من منصب سفير أوكرانيا في برلين، بسبب تصريحاته اللاذعة غير المحتشمة، ففي الربيع الماضي قام بتشبيه المستشار الألماني أولاف شولتس بـ"المرتديلا السيئة"، وفي أكتوبر، شتم إيلون ماسك ردا على خطته المقترحة للسلام بين روسيا وأوكرانيا.

والرسالة الثانية التي وجهها الرئيس الروسي في تصريحاته، كانت موجهة للغرب بشكل مباشر، والعالم بشكل عام، لفتح اعينهم امام "الاستثمار في روسيا باعتباره الأفضل والأكثر أمانا"،وقال ان تجميد الموارد الروسية، لم تكن مشكلة بحد ذاتها، فقد تمكنت روسيا من صنع ضعف ما قاموا بتجميده، وإنما المشكلة في حدوث شرخ في الثقة، والتشديد على انه لن يكون هناك أي تأميم أو أي إلغاء للخصخصة في روسيا، ويجب ألا يخاف رجال الأعمال من أي إجراءات من جانب الدولة، ولكن يجب عليهم الالتزام بقوانين الدولة، وهناك امتيازات على مستوى الجمارك والضرائب داخل روسيا لمساعدة أوساط الأعمال في الشرق الأقصى، وأشار الى عودة سلاسل الإنتاج للعمل بطبيعية، وعودة العملة الوطنية للارتفاع، وانه يجب على روسيا أن تتفق مع أوساط الأعمال باعتبار ان العمل داخل روسيا أكثر أمانا، حتى "لا نقع في نفس الجحر مرتين".

وخصصت روسيا وفقا للرئيس بوتين،  2.3 تريليون روبل (حوالي 24.4 مليار دولار) لمشاريع تطوير المناطق في الشرق الأقصى، وارتفع حجم التجارة بين روسيا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ بنسبة 13.7% على مدى العام الماضي، وبنسبة 18.3% خلال النصف الأول من العام الجاري، وان ديناميكيات الاستثمار في الشرق الأقصى أسرع بـ 3 مرات من ديناميكيات الاستثمار في عموم روسيا، لذلك ان الشرق الأقصى اليوم هو أولوية استراتيجية لروسيا خلال القرن الحادي والعشرين،بالإضافة الى ان روسيا تقوم بمد الغاز إلى المناطق الشرقية ونعمل على تأمين الطاقة النظيفة لهذه المناطق، وان مشروع "أركتيك للغاز المسال-2" يعتمد على تكنولوجيا روسية، وليس له مثيل في العالم، وبفضله سيتضاعف إنتاج الغاز المسال في روسيا بفضله بنحو ثلاث مرات ما سيعزز القدرة الصناعية والإنتاجية لروسيا، ومن المتوقع أن يزاد إنتاج الغاز الطبيعي المسال في القطب الشمالي الروسي 3 أضعاف ليصل إلى مستوى 64 مليون طن سنويا بحلول عام 2030.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

في المثقف اليوم