آراء

عبد السلام فاروق: صراع عالمى على الكعكة الإفريقية

رغم امتلائها بالكنوز والموارد والمعادن النفيسة ظلت قارة إفريقيا هى الأشد فقراً دائماً وأبدا!

كانت دوماً مرتعاً للغزاة والمغامرين والمستعمرين، ومن قبلها موطناً للأمراض والأوبئة، وحالت تضاريسها الصعبة دون إمكانية الربط بين أجزائها بشبكة من الطرق تنعش الاقتصاد بين دولها المختلفة. وعندما جاءها المستعمرون الأوروبيون من بريطانيا وألمانيا وفرنسا والبرتغال وإيطاليا واستعبدوا أهلها ونهبوا خيراتها وكنوزها، تركوها وقد تم تقسيمها تقسيماً جغرافياً لا يراعى الاختلافات العرقية والخلافات القبلية؛ ما جعل أغلب تلك الدول تعانى ويلات النزاعات والحروب الأهلية والصراعات الحدودية من حين لآخر وهو ما يتعارض مع إمكانية التنمية الاقتصادية على طول الخط.

السنوات الأخيرة شهدت طفرة اقتصادية فى عدد من الدول الإفريقية مثل رواندا وجنوب إفريقيا ونيجيريا إما بفضل الاكتشافات البترولية كما فى نيجيريا، أو بفضل التخلص من النزاعات القبلية والتفرغ للتنمية كما فى رواندا، أو الانتماء لكيانات اقتصادية ناشئة كما فى حالة جنوب إفريقيا مع مجموعة البريكس الاقتصادية.

الآن تتسابق الدول الكبري فى آسيا وأوروبا والأمريكتين على التقرب لقادة إفريقيا طمعاً فى الاستثمار فى تلك القارة الواعدة ذات الكنوز غير المستغلة. فهل تصبح إفريقيا مسرحاً لحرب باردة جديدة، أو حتى حروباً ساخنة فى موجة جديدة لنهب ثرواتها وخيراتها وكنوزها؟

السودان.. هل هى مجرد بداية؟

عام 2011 شهد انفصال جنوب السودان عن شمالها بعد سنوات من الاضطرابات والقلاقل..

واليوم تجدد الصراع بين مكونات الشعب السودانى متمثلة فى قوات الجنجويد المنحدرة من الغرب السودانى وبين الجيش السودانى، ذلك الصراع الذى ينذر بتقسيم جديد للسودان إلى غرب وشرق..

تلك الحرب المستعرة فى السودان لا تغيب عنها الأيادى الخارجية ذات النوايا الخبيثة؛ وإلا ما كانت الحرب امتدت وطالت كل هذا الوقت، ومن المتوقع أن تطول شهور وربما سنوات أخرى بسبب إمدادات السلاح التى لا تنقطع من دول عدة لها مطامع فى ثروات السودان. هناك الذهب واليورانيوم فى الغرب، وهناك الماشية والمياه والأراضى الخصبة فى الشرق. وهو ما يجعل شبح التقسيم ليس مستغربا ولا مستبعداً من مآلات الحرب الدائرة فى البلاد..

اليوم روسيا تحاول توسيع نفوذها فى إفريقيا، بجمع الولاءات وحشد التحالفات فى القارة السمراء ربما من خلال القمة الروسية الإفريقية التى تنعقد هذا الشهر.

القمة الروسية الإفريقية الثانية.. رسائل ودلالات

فى الفترة بين 26 و 28 يوليو انعقدت القمة الروسية الإفريقية الثانية بسانت بطرسبرج، وهى القمة التى من خلالها تم مناقشة الملفات الاقتصادية المشتركة بين روسيا من جهة والدول الإفريقية المشاركة بالقمة من جهة أخرى.. ولا شك أن انعقاد القمة فى مثل هذا التوقيت الحرج له دلالات لا تخفى على أحد..

ثمة حرب تحالفات بين الكتلتين الشرقية والغربية تجرى على قدم وساق.. أمريكا من ناحية تحاول بشتى الطرق جمع كل قواها وأحلافها فى مواجهة الصين وروسيا وأحلافهما الحاليين والمحتملين. وكل أرض تخسرها أمريكا من معسكرها تكسبها روسيا فى صفها عاجلاً أو آجلاً. فالانحياز بات أمراً محتوماً لاسيما مع دول نامية متعطشة للدعم المادى والاقتصادى ممن يقدمه.

العقوبات الأمريكية والأوروبية التى فُرضت على روسيا منذ بدايات الحرب الأوكرانية الروسية ساهمت فى تعميق أواصر الصداقة القديمة بين روسيا ودول إفريقية عدة، لأنها باتت منفذاً محتملاً لبضائعها، ومصدراً محتملاً لاقتصادها..

هناك أسباب عديدة تجعل دول إفريقيا مطمئنة للتعامل والتعاون مع الصين وروسيا أكثر من ميلها لفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية؛ لعل أهم تلك الأسباب أن الغرب يمثل قوى استعمارية مستغلة تهدف فى الأساس لنهب الثروات واستغلال الشعوب. بينما لم يكشف تاريخ الصين وروسيا أطماعاً استعمارية أو رغبة فى استغلال البلدان والشعوب، وإنما التكامل الاقتصادى وتبادل المنفعة على أساس من الندية والاحترام المتبادل. وهو ما يجعل كفة روسيا ترجح خاصة فى توقيت كهذا تعانى فيه الامبراطورية الرأسمالية من كبوات قد تؤدى مستقبلاً إلى ضعف وهزال.

سباق صيني - أمريكي محموم

شهدت نهايات العام المنصرم محاولة تفعيل ما أسمته واشنطن:"استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية تجاه أفريقيا جنوب الصحراء"! لقد حددت أمريكا منطقة الوسط والجنوب الإفريقي لإعادة رسم استرتيجية علاقتها مع تلك المنطقة باعتبارها الأسرع نمواً، وأن بها أكثر النظم البيئية تنوعاً،وبها أكبر مناطق التجارة الحرة فى العالم، بالإضافة لحوزها على أكبر الكتل التصويتية فى الأمم المتحدة!

جاءت تلك الاستراتيجية بناء على دراسات وبحوث أرعبت صانع القرار الأمريكي ودفعته للهرولة نحو إفريقيا يريد ضمها لصالحه بأسرع وسيلة. فالدراسات الأمريكية تؤكد أن الصين فاجأت روسيا وفرنسا وكل القوى القديمة ذات التأثير إفريقياً بأنها سحبت البساط من تحت أقدام الجميع!!

لقد نجحت الصين فى نيل ثقة كل الدول التى استقبلت الاستثمارات الصينية؛ ليس فقط بسبب التدفقات المالية والمشروعات التنموية التى أنجزتها الصين فى تلك البلدان، وإنما أكثر بفضل دعمها للاستقلال والحرية الاقتصادية والسياسية عن كل القوى الاستعمارية المستغلة، بحيث باتت الصين بديلاً سياسياً موثوقاً للبلدان الإفريقية. هكذا، تؤكد التقارير، استطاعت الصين الخلط بين العناصر الأيديولوجية والسياسية والتجارية والاقتصادية والثقافية والأمنية والعسكرية لدى تعاملها مع إفريقيا.

بهذه الطريقة فازت الصين بقصب السبق إفريقياً على حساب أمريكا وحلفائها الأوروبيين. ليصل حجم الاستثمارات الصينية فى إفريقيا ما يقارب خمسة أضعاف الاستثمارات الأمريكية بما يعادل نحو 250 مليار دولار سنوياً. وليصبح لشركة واحدة صينية كشركة نورينكو مشروعات وشراكات فى نحو 13 دولة إفريقيا من بينها إثيوبيا وكينيا وناميبيا ونيجيريا والسنغال وأوغندا وزامبيا وزيمبابوى! ما يعنى أن الاستراتيجيات الأمريكية والمخططات الغربية تلاقى فشلاً ذريعاً فى مقابل نجاح الصين وروسيا فيما فشلت فيه الولايات المتحدة !

سلة عملات دولية ومحلية!

من برلمان جيبوتى أعلن الرئيس الكينى وليم ساموى روتو ضرورة السعى للتعامل مع جيبوتى بالعملة المحلية فى عمليات تبادل السلع، وهو ما سيفتح الباب واسعاً للتخلى عن الدولار، على الأقل فى التعاملات البينية بين البلدان المتجاورة فى إفريقيا وربما فى العالم أجمع!

في هذا السياق أيضا، جاءت تصريحات نالدى باندور وزيرة خارجية جنوب إفريقيا بأن عملة بريكس الموحدة القائمة على الذهب ستكون على قمة أولويات النقاش فى قمة البريكس فى أغسطس القادم. وهو ما يعكس توجهاً لدى الكتلة الشرقية،فى الصراع الكوكبي المحتدم، للتخلى عن الدولار شيئاً فشيئاً واستبداله بسلة عملات دولية ومحلية أخرى.

مثل هذا التوجه يجد الآن أصداءً واسعة لدى كل المتضررين من سياسات الهيمنة الأمريكية، خاصةً بعدما تسببت فيه موجات رفع الفائدة على الدولار من آثار كارثية على اقتصاديات الدول الفقيرة التى ترزح أغلبها تحت نير ديون صندوق النقد الدولى.

إن ما يبدو فى الأفق أن الصين وروسيا بات لهما اليد العليا فى الاستثمارات والتحالفات الإفريقية . وأن أقدام أمريكا وفرنسا والغرب تنسحب شيئاً فشيئاً مع ضعف قبضتها وتآكل نفوذها الإفريقي والعالمى. ولا شك أن تلك الفترة هى أزهى الفترات التى يمكن للقارة السمراء أن تستغلها لصالحها تنموياً إذا أجاد القادة قراءة أوراق اللعبة بمهارة وذكاء!

***

د. عبد السلام فاروق

في المثقف اليوم