آراء

كريم المظفر: هل تشفع لأوكرانيا عند الغرب استفزازاتها لروسيا

كريم المظفرالإفلاس الاوكراني يتجلى يوما بعد يوم، وخصوصا في ذلك الركوع على الركبتين والانبطاح الكبير، من قبل قادتها امام الغرب، والتوسل من اجل قبول كييف برنامج الشراكة مع حلف شمال الأطلسي،، وليس العضوية الكاملة، مقابل رفض غربي شبه كامل، عدا دول أوربا الشرقية السابق، والتي تم قبولها في الحلف لا لسواد عيونها وقوتها العسكرية او الاقتصادية، فمعظمها مفلسة رغم صغرها، وجيوشها ضعيفة في الإمكانات والمعدات، وكانت تعتاش على ما كان يقدمه لهم الاتحاد السوفيتي، وبعده ورثيه الشرعي الاتحاد الروسي، ولكن قبولهم كان بالدرجة الأساس نكاية في روسيا، وثانيا كي تواجه بهم واشنطن الاجماع الأوربي المنقسم ما بين الشرق الذي تدعمه أمريكا وبين الغرب الذي يضم الدول الاوربية المؤسسة لهذا الحلف والاتحاد، والتي تطالب بالتروي في قبول جورجيا وأوكرانيا وللأسباب أعلاه، وبالتالي سيكونان حتما عالة أخرى عليهم .

وآخر صرعات السياسة الأوكرانية الاستفزازية لروسيا، كما وصفتها المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا " بالغباء "، هي دعوة كييف واشنطن إلى نشر أنظمة دفاع جوي أمريكية على أراضي شبه جزيرة القرم النووية، في خطوة استفزازية لسياسة كييف في المنطقة وتجاه روسيا، واعتبرته الدبلوماسية الروسية بانه " دليل على نوايا الولايات المتحدة فيما يتعلق ببناء علاقات مع أوكرانيا نفسها، حيث يكون العامل الروسي هو مركز هذه العلاقات".

نائب رئيس الوزراء الأوكراني ووزير إعادة دمج "الأراضي المحتلة مؤقتًا" ألكسي ريزنيكوف، دعا أيضا الإدارة الأمريكية إلى تشديد العقوبات ضد الشركات التي تبني نورد ستريم 2، وإن على روسيا ألا "تعيد" شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا فحسب، بل يجب عليها أيضًا دفع تعويضات عن "احتلالها"، في شبه الجزيرة نفسها، قابلته روسيا بسخرية شديدة .

وكما يقول المثل الشعبي " اجه يكحلها عماها " حاول السكرتير الصحفي للرئيس فلاديمير زيلينسكي، سيرغي نيكيفوروف أن يقلل من أهمية تصريحات ريزنيكوف، وقال إن أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية باتريوت يمكن نشرها على أراضي أوكرانيا - ولكن كخيار افتراضي، وينبغي تقييم بيان بان ريزنيكوف ليس على أنه النية الحالية لرئيس أوكرانيا، ولكن كخيار افتراضي لتعزيز الدفاع عن أوكرانيا، وان نشر الدفاعات الجوية الأمريكية لا يعتمد فقط على كلمات ريزنيكوف، بل يعتمد ذلك على الإجماع في المجتمع الأوكراني، ورغبة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، والاستعداد لقبول حقيقة أن أي خطوة في هذا الاتجاه ستزعج الجار الشرقي، الاتحاد الروسي، وبذلك أفصح المسئول الاوكراني عن حقيقة علمهم بان مثل هذه التصريحات ستزعج الجار، وان اطلاقها ليس من قبيل الصدفة .

وقلل الخبراء العسكريون الأوكران من جدية هذه التصريحات، لان القوات المسلحة الأوكرانية لا تمتلك متخصصين مؤهلين لخدمة أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية، و إن نشر أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية في أوكرانيا سوف يستلزم إنشاء قواعد دائمة للجيش الأمريكي في البلاد، في حين أن المادة 17 من الدستور الحالي لأوكرانيا تحظر نشر قواعد عسكرية أجنبية على أراضي البلاد، ووفقًا للمادة نفسها من الدستور، يقتصر الدفاع عن أوكرانيا على القوات المسلحة لأوكرانيا، ومن أجل التغطية الكاملة لأراضي أوكرانيا من قبل الدفاع الجوي الأمريكي، إن وجد، ستحتاج الولايات المتحدة إلى عشرات المليارات من الدولارات، وبسبب العجز والاعتماد على الشرائح الأجنبية، فإن ميزانية الدولة لأوكرانيا غير قادرة على سداد هذه النفقات لواشنطن، أضف الى ذلك أن أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية لن تساعد أوكرانيا بأي شكل من الأشكال في حالة نشوب حرب مع شخص ما، حتى لو وضعتها الولايات المتحدة بالفعل على الأراضي الأوكرانية، بحسب تعبير النائب السابق لقائد قوات الدفاع الجوي للقوات البرية في الاتحاد السوفياتي، اللفتنانت جنرال ألكسندر لوزان، لصحيفة فزغلياد.

إن حجة القلق الاوكراني من استعداد روسيا لنشر أسلحة نووية على أراضي شبه جزيرة القرم "، ودعوة واشنطن إلى نشر أنظمة دفاع جوي أمريكية في أوكرانيا، غير مقنعة من وجهة نظر الخبراء العسكريين، لأنه لا يمكن لهذه المنظومة ان تبدد هذا القلق الاوكراني، ولإن نظام الصواريخ الأمريكية باتريوت أقل شأنا من أنظمة الدفاع الجوي الروسية S-300V بالنسبة للطيران القتالي من الجيل 4 ++، على سبيل المثال، وبالنسبة لمقاتلات Su-35، فإن نظام الدفاع الجوي الأمريكي أيضًا لا يعمل كعقبة سالكة، وأن هذا ليس بسبب عدم قدرة الولايات المتحدة على إنشاء دفاع جوي أكثر فعالية، الأمر فقط هو أن البنتاغون لم يعارضه الطيران القوي لفترة طويلة، لذلك لم يكن الأمريكيون بحاجة إلى دفاع جوي متقدم للغاية.

مطلق التصريحات الأوكرانية ريزنيكوف على ما يبدو أنه ليس خبيرا في هذا المجال، فقد اعترف بأنه سمع للتو في مكان ما عن الدفاع الجوي، ولم يفهمه وأخبر علماء السياسة الأمريكيين عنها، واكتفى باللعب أمام الجمهور، لأن أوكرانيا إذا دخلت أوكرانيا في حرب "مع أحد"، فإن الصواريخ الباليستية ستعمل ضدها أولاً، وليس ضد الطائرات المأهولة، بالإضافة الى أن "الباتريوت" عديم الفائدة ضد الأهداف الباليستية، وقد ظهر ذلك، على سبيل المثال، من خلال هجوم الحرس الثوري الإسلامي الإيراني على القاعدة العسكرية الأمريكية عين الأسد في غرب العراق، ثم عجزت أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية عن اعتراض معظم الصواريخ.

هذه الدعوات رافقتها دعوات أوكرانية أخرى حول استفادة كييف وشركاؤها الغربيون من سيناريو تقسم روسيا إلى "عشر دول "، وهو ما عبر عنه وزير خارجية أوكرانيا السابق فلاديمير أوغريزكو، وقال ان مهمة الاوكرانيين اليوم " أن نشرح للغرب أنه من المربح أكثر أن يكون لديه عشر دول طبيعية مسالمة على أراضي الاتحاد الروسي الحالي من دولة واحدة"، وأن مهمة أوكرانيا هي إقناع الشركاء الغربيين بالفوائد الاقتصادية لهذا السيناريو،، في الوقت نفسه، لم يُجب أوغريزكو على سؤال حول كيفية حدوث "تفكك" البلد بالضبط، لكنه أشار إلى أن حدود عشر ولايات "مرسومة بالفعل على الخريطة".

وفي الوقت الذي أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فيه أن أوكرانيا تتحول إلى مشروع غربي "مناهض لروسيا" يهدف إلى المواجهة مع الاتحاد الروسي والتحريض على الكراهية تجاهه، وأشارته إلى أن العديد من الأوكرانيين لا يوافقون على هذا الوضع لكن لا يُسمح لهم بالتحدث، ومع تصاعد التصريحات الاستفزازية الأوكرانية، باتت روسيا تشعر بالقلق من تدهور الوضع الأمني في شرق أوكرانيا، في وقت لا يفعل رعاة كييف الغربيين شيئًا لإنهاء الحرب في دونباس، ووقف قتل السلطات الأوكرانية لشعبهم، ووفقا لما أعلنه نيقولاي لاكونين، نائب مدير إدارة الإعلام والصحافة بوزارة الخارجية الروسية، فان بعثة المراقبة الخاصة التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا سجلت حوالي ألف حالة انتهاك لوقف إطلاق النار، وفقًا للمعلومات الواردة من دونيتسك و لوغانسك، قُتل أكثر من عشرة أشخاص، من بينهم مدنيون، في القصف، في الوقت نفسه فأن السلطات الأوكرانية تواصل تعقيد الوضع في عملية التفاوض بدلاً من حل النزاع في دونباس.

وعلى الصعيد السياسي، وبدلاً من تسوية النزاع في دونباس، فان السلطات الأوكرانية تواصل اتخاذ خطوات تؤدي فقط إلى تعقيد الموقف المسدود بالفعل في عملية التفاوض، وأشارت الخارجية الروسية، الى انه في 5 أغسطس، وافق مجلس الوزراء الأوكراني على مشروع قانون "بشأن سياسة الدولة في الفترة الانتقالية"، الذي ينص على "نظام قانوني خاص" معين يهدف إلى تطهير المنطقة من القوى غير الموالية لـ كييف، بالإضافة إلى ذلك، وقال لاكونين إن الاتحاد الروسي سينتظر التقييمات القومية للسياسيين الأوكرانيين من المسؤولين الأوروبيين وممثلي المنظمات الدولية.

كما ان تصريحات مكتب الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، حول عودة شبه جزيرة القرم إلى سيطرة كييف وحماية السكان الأصليين من " الاضطهاد " بمثابة المهام الرئيسية للبلاد، وبالتالي، ويعرب المكتب عن أعتقاده أن شعب تتار القرم "يتعرض حاليًا للقمع والاضطهاد الهائل بسبب موقفهم الرافض للاحتلال ودعم وحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها"، وبالتالي إن عودة شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا هي مسألة وقت، وأعرب في الوقت نفسه عن ثقته في أن الأوكرانيين يقدرون شبه الجزيرة أكثر من الروس، وفقًا لزيلينسكي، فإن شبه جزيرة القرم و دونباس أراضي أجنبية للمواطنين الروس، في حين أعلن وزير الخارجية الاوكراني ديمتري كوليبا عن حقيقة أن كييف ستنتظر عاجلاً أم آجلاً عودة شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا، بالإضافة إلى ذلك، هدد روسيا بـ "حجارة من السماء".

واستكمالا للاستفزازات الأوكرانية، تعتزم كييف عقد اجتماع نهاية أغسطس الجاري أطلق عليه " منصة القرم " تعتبرها كييف أول منصة لمساعدة القرم، و "لأنها احتلال شبه الجزيرة "، دعيت لها بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، وتركيا وبريطانيا، وكندا ودول الاتحاد الأوروبي، رأى فيها الوزير سيرغي لافروف ماهي "ليس إلا بمثابة تجمع ساحرات "، أو ما يطلق عليه "شباش"،وهي كلمة تطلق على اللقاءات الليلية للسحرة، بهدف الاحتفال أو تنفيذ طقوس محددة، وخلالها سيستمر الغرب في رعاية مزاج النازية الجديدة والعنصرية الذي تنتهجه السلطات الأوكرانية الحديثة .

روسيا، ترى في التصريحات الأوكرانية المستمرة هي نتاج موقف الغرب من القرم، المعيب ويثير الخجل، ويحاول الإساءة للقرم بعد أن عبر سكان شبه الجزيرة عن إرادتهم في الاستفتاء، ونسي على الفور الاتفاق الذي توصل إليه رئيس أوكرانيا آنذاك (فيكتور) يانوكوفيتش مع زعماء المعارضة، بضمانة فرنسا وألمانيا وبولندا والاتحاد الأوروبي، وبضمانة من قبل الولايات المتحدة، ومع حلول الصباح، داست المعارضة على هذا الاتفاق، وأشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إلى أنه عندما طلبت روسيا من الجهات الضامنة، إعادة المعارضة إلى رشدها والعودة إلى تنفيذ كل ما تم التوقيع عليه، ردت هذه الجهات بالقول، إن "الديمقراطية سادت وانتصرت، وعندما جرى الاستفتاء في القرم (والقول للوزير لافروف)، بدعم من روسيا التي ضمنت سير الاقتراع بسلام، أخذوا يقولون: "لقد قمتم بضم القرم"، معتبرا إن هذا الموقف كان معيبا من جانب الشركاء الغربيين الذين دعموا قيام الانقلاب في أوكرانيا عام 2014.، ومنذ ذلك الحين، يجري التضييق على اللغة الروسية في أوكرانيا، وتجري محاولات لإهانة التعبير الحر عن إرادة سكان القرم.

وامام هذا التصعيد باتت العودة إلى إجراء مفاوضات مينسك بشأن تسوية الوضع في دونباس والتي وصلت إلى طريق مسدود، أمر ضروري من وجهة النظر الروسية، وأكد ممثل الاتحاد الروسي في مجموعة الاتصال الثلاثية بشأن تسوية الوضع في دونباس، بوريس غريزلوف بانه قد حان لاستئناف مثل هذه الاجتماعات بدون تنسيق وبالإمكان عبر مؤتمرات الفيديو، حيث توجد حاليًا كل الاحتمالات لذلك، في رأيه، سيكون للمشاركة الشخصية للأطراف تأثير إيجابي على فعالية عملية التفاوض، في المقابل تتحجج كييف بظروف الوباء، وكذلك عدم اعترافها بالرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشينكو، وبالتالي فإنها غير مستعدة للعودة الى مفاوضات مينسك .

ويصف المحللون السياسيون في أوكرانيا عذر رئيس الوفد الأوكراني إلى الكسندر أريستوفسيج في TCG، أن وفد كييف لن يذهب إلى الاجتماع في مينسك، لأنه لا يعترف بشرعية لوكاشينكو، بأنه " عذر سخيف وحتى كوميد " وشدد الأستاذ بجامعة لوغانسك التربوية الحكومية فيتالي دارنسكي، على أن "السلطة العليا لأوكرانيا (رادا والرئيس) فقط هي التي يمكنها الاعتراف بأن الرئيس لوكاشينكا غير شرعي، ولكن ليس مجموعة الاتصال في المفاوضات - ليس لديها مثل هذه الصلاحيات، وان مثل "العذر الغبي" هو في الواقع التخريب المعتاد من الجانب الأوكراني لعملية التفاوض بأكملها.

تجارب السنوات السابقة أثبتت أن أوكرانيا لا تنوي تنفيذ اتفاقيات مينسك، بل على العكس فإن سلطات كييف تواصل إطالة أمد العملية، وبالتالي تأتي بأعذار مختلفة، علاوة على ذلك، فإن الخبراء مقتنعون بأنه يوجد ولا يمكن أن يكون بديلاً لمنصة مينسك التفاوضية - فقد أثبتت عاصمة بيلاروسيا نفسها كمكان موثوق وآمن لجميع وفود TCG لسنوات عديدة.

هذه التصريحات الاستفزازية الأوكرانية لن تكون الأخيرة، وبحسب الممثل الدائم لشبه جزيرة القرم برئاسة جورجي مرادوف، الذي عبر عن أسفه من أن الاستفزازات ضد روسيا هي جزء أساسي من هذا المشروع المعادي لروسيا، وانه خلال القمة الدولية لما يسمى بمنصة إنهاء احتلال القرم، سيتم تطوير مجموعة كاملة من الاستفزازات المعادية لروسيا وشبه جزيرة القرم، بهدف إثارة التوترات في منطقة البحر الأسود، وفقًا لمرادوف، فإن هذا الاجتماع ضروري لتقويض الوضع الدولي حول شبه جزيرة القرم، والاستمرار العرب في معاقبة روسيا، بعد أن أدرك أنه لن يتمكن من "حرفها" عن الطريق الذي اعتمدته.

 

بقلم الدكتور كريم المظفر

 

 

في المثقف اليوم