آراء

كريم المظفر: رسائل بوتين في لقاءه مع الأسد

كريم المظفرمرة أخرى يفاجأ الكريملين وسائل الاعلام المحلية والخارجية، بلقاء جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره السوري بشار الأسد في الكريملين يوم الاثنين، واعلن عنه في اليوم التالي، في زيارة لم يعلن عنها مسبقا، بررها المتحدث باسم الكريملين ديميتري بيسكوف، بان عدم الإعلان عن الزيارة جاءت بسبب اعتبارات أمنية معينة كان يجب اتباعها وهي واضحة تماما، وانه وانطلاقا من هذه الاعتبارات طبعا لم يتم الإعلان عن الزيارة وتم توفير المعلومات لوسائل الإعلام بعد عودة الرئيس السوري إلى بلاده .

تهنأة الرئيس بوتين للرئيس الأسد بالنتائج التي وصفها بالجيدة في الانتخابات الرئاسية السورية، وقال له مخاطبا "بأنها تؤكد أن السوريين يثقون بك"، وانه وعلى الرغم من كل الصعوبات والمآسي التي شهدتها السنوات السابقة، فإنهم "يعولون عليك" في عملية العودة إلى الحياة الطبيعية، حملت في طياتها رسالة روسية بثبات موقفهم في دعم الرئيس السوري ونتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في سوريا مؤخرا وفاز فيها الرئيس السوري .

أما الرسالة الثانية التي حاول الرئيس بوتين ايصالها، هي ما قاله عن الرئيس الأسد بأنه يفعل الكثير لإقامة حوار مع المعارضين السياسيين السوريين، وتعني ان السبيل الوحيد للمعارضة هو إيجاد لغة مشتركة مع الرئيس السوري باعتباره رئيسا شرعيا للبلاد للخروج من الازمة السورية التي طالت بسبب تشتت أطراف المعارضة السورية وصعوبة إيجاد موقف موحد لهم في الازمة التي لازالت تراوح في مكانها منذ 11 عاما.

أما بشأن الجهود المشتركة التي اوضحها الرئيس بوتين في كلماته خلال اللقاء، والتي من خلالها، كانت هذه الجهود بمثابة الضربة التي قسمت ظهر الإرهابيين، وسيطرة الجيش السوري الان على أكثر من 90٪ من أراضي البلاد، كانت الرسالة المهمة التي أراد الرئيس بوتين ان يركز عليها بصورة غير مباشرة، عندما اعرب ( أي بوتين ) عن أسفه بانه لا تزال هناك جيوب مقاومة للإرهابيين الذين لا يسيطرون فقط على جزء من الأراضي، بل ويواصلون ترهيب المدنيين أيضا، وبالتالي فإن روسيا لن تقف مكتوفة الايدي تجاه هذه المجاميع الى ما لانهاية. ومن جهته، وصف الأسد العقوبات المفروضة على سوريا بأنها لا إنسانية ولا شرعية، وأشار إلى أن جيشي سوريا وروسيا حققا نجاحات ملموسة في القضاء على الإرهاب.

روسيا والتي تعمل بشكل حثيث لإنهاء الازمة السورية، ترى ان المشكلة الرئيسية، في سوريا اليوم تكمن في أن القوات الأجنبية موجودة في مناطق معينة من البلاد، غير مصرح بها من قبل الأمم المتحدة او الحكومة السورية، وهو ما يتعارض بشكل واضح مع القانون الدولي، و لا يعطي لسوريا فرصة بذل أقصى الجهود لتعزيز وحدة البلاد ومن أجل المضي قدما في طريق إعادة إعمارها بوتيرة كان من الممكن تحقيقها لو كانت أراضي البلاد بأكملها تحت سيطرة الحكومة الشرعية.

الرئيس السوري بدوره، يرى ان التواجد الأجنبي ساهم بشكل مباشر في توقف العمليات السياسية لتحقيق الاستقرار النهائي للوضع في سوريا بشكل شبه كامل، وانه على مدى السنوات الثلاث الماضية، وكما أوضح الرئيس السوري، بان هناك أسباب معينة لذلك، وهناك دول معينة تؤثر بشكل مدمر بكل الطرق الممكنة على إمكانية إجراء العمليات السياسية، وهناك أيضا عوامل أخرى، " لكننا نفهمها تمامًا ونحاول بذل كل ما في وسعنا لحل هذه المشاكل الملحة"، وأشار إلى أن بعض الدول فرضت عقوبات على دمشق وصفها بأنها "معادية للإنسان ومعادية للدولة ومعادية للشرعية"، وعلى هذه الخلفية، أعرب الأسد بشكل منفصل عن امتنانه لوزارة الخارجية الروسية، التي تحمي مبادئ القانون الدولي.

الجانب الاقتصادي وتطوره، هو الاخر كان له رسالة لم تقل أهمية عن الجانب السياسي، و كان أيضا حاضرا في مباحثات الرئيسين، واشير خلال بحث العلاقات الثنائية، بما في ذلك التجارية والاقتصادية الى تطور مستوى التبادل التجاري بين روسيا وسوريا، ووفقا للرئيس الروسي فانه ازداد بمقدار 3.5 مرة في النصف الأول من العام الجاري، كما أنه تم تسليم أولى شحنات لقاحات "سبوتنيك V" و"سبوتنيك لايت" لسوري، في حين أعرب الأسد عن امتنانه لروسيا على مساعدتها بلاده في مكافحة تفشي فيروس كورونا وتقديم مساعدات أخرى، بما في ذلك إمدادات للمواد الغذائية.

كذلك عقد اجتماع للجنة الحكومية الروسية السورية المشتركة، وذلك بالتوازي مع القمة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والسوري بشار الأسد، برئاسة يوري بوريسوف نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس اللجنة عن الجانب الروسي، وبرئاسة منصور عزام وزير شؤون رئاسة الجمهورية رئيس اللجنة عن الجانب السوري، وتم إجراء تقييم عميق لصيغ ومشاريع التعاون الاقتصادي بين البلدين الصديقين وكذلك مناقشة عدد من الاتفاقات والمشاريع المشتركة في مجالات الزراعة والصناعة والطاقة والمياه وتكنولوجيا المعلومات إلى جانب الإجراءات المتخذة بهدف تسهيل وتعزيز التبادل التجاري بين البلدين مع التأكيد على الدور المحوري لقطاع الأعمال في البلدين في هذا المجا، كما تناولت المحادثات واقع وآفاق توفير البيئة المناسبة لتشجيع الاستثمارات المشتركة في المشاريع التي تخلق قيماً مضافة تصب في مصلحة البلدين والشعبين الصديقين والتحضيرات الجارية لعقد الدورة الثالثة عشرة للجنة الحكومية المشتركة حيث عبر الجانبان عن ارتياحهما للجهود المبذولة في سياق تطوير العلاقات الاقتصادية.

الزيارة التي قام بها الرئيس السوري الى موسكو، أثارت تساؤلات عديدة من بينها السبب الرئيس التي حملت بشار الاسد تحمل عناء السفر للقاء الرئيس بوتين؟ وان كان الخبراء الروس قد نفوا ارتباط هذه الزيارة بتفعيل مكافحة المسلحين في إدلب، لكنهم أكدوا انه بدلا من ذلك، خصص الاجتماع لتسوية قضايا العلاقات الدولية والمشاكل الاقتصادية الداخلية للدولة الشرق أوسطية، ويعتقد المؤرخ والعالم السياسي فلاديمير موشيغوف أن فلاديمير بوتين وبشار الأسد ناقشا، في ضوء مستوى الاجتماع، القضايا الجيوسياسية – وكذلك «كيفية علاج المرض وأعراضه" .

الموضوع الرئيسي للمحادثات بين قادة القوتين كان القضية التركية، وطموحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العالية للغاية، وحلمه باستعادة الإمبراطورية العثمانية، واعتبار أراضي الدول المجاورة تركية، واتباعه سياسات غير مناسبة، وانه وبالعودة إلى عام 1938، استلمت تركيا جزءًا من سوريا على شكل ضم جمهورية هاتاي السورية المتمتعة بالحكم الذاتي، وبقيت شهية أنقرة مفتوحة، ولم تكن

راضية عن ذلك، فقد ضم الأتراك اليوم مناطق واسعة من سوريا متاخمة للحدود السورية التركية، بالإضافة إلى ذلك، هناك توتر اقتصادي مفهوم تمامًا في البلاد، وبحسب الخبير السياسي موشيغوف فأن بشار الأسد طلب من فلاديمير بوتين تسوية العلاقات مع تركيا بطريقة أو بأخرى، فلا أحد يستطيع التعامل مع هذا.

أما آخرون، فقد أشاروا إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة: فالوضع غير المستقر في البلاد والعقوبات الاقتصادية الخارجية للدول الغربية ضد سوريا تتدخل، وإلى أن معظم حقول النفط في سوريا لا تزال تحت سيطرة الولايات المتحدة، والتي تستخدمها الجماعات المسلحة الكردية لهذا الغرض، وهذا وفقا للخبير العسكري ورئيس تحرير مجلة الدفاع الوطني إيغور كوروتشينكو، لن يكون من السهل إيجاد حل للمشكلة، وربما بحثًا عن إجابات لهذه الأسئلة، توجه الأسد إلى رئيس روسيا، لأنه من الواضح أن روسيا تعمل وفق خوارزمية مستخدمة منذ عدة سنوات، وتتفاعل مع جميع أطراف النزاع، بما في ذلك مع دول ثالثة مهتمة بالعمليات السورية.

 

بقلم الدكتور كريم المظفر

 

في المثقف اليوم