آراء

كريم المظفر: تروس تفشل في درس الجغرافية في موسكو

كريم المظفرأجرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، محادثات مع  وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس في موسكو، أقل ما يمكن وصفها وكما قال رئيس الدبلوماسية الروسية بأنها "حديث البكم مع الصم"، خصوصا وان الوزيرة التي دافعت بحماسة عن سيادة أوكرانيا لدرجة أنها صنفت منطقتي فورونيج و روستوف (الروسيتين) ضمن أراضيها، والإصرار  تروس " على ان بريطانيا لن تعترف أبدًا بالسيادة الروسية على هذه المناطق"، ما حدا بالسفيرة البريطانية في موسكو ديبورا بونيرت التدخل في الموقف وقال " أننا، في الواقع، كنا نتحدث عن المناطق الروسية " أي أن هاتين المدينتين هما ضمن قوام الاتحاد الروسي .

تحدث الوزير لافروف، كثيرًا عن الفهم الانتقائي للغرب لمبدأ عدم قابلية الأمن للتجزئة، وعن فشل أوكرانيا في الامتثال لاتفاقيات مينسك، ووصف مرة أخرى أحداث فبراير 2014 في دولة مجاورة بأنها مناهضة للدستور (انقلاب)، وردًا على كلمات تروس حول الحاجة إلى سحب القوات الروسية، أشار إلى أنه لا البنتاغون ولا وزارة الدفاع الأوكرانية يرون تهديدًا بغزو روسي، كما لفت الانتباه إلى حقيقة أن القوات الروسية موجودة على أراضيها، في الوقت نفسه، فإن القوات البريطانية التي تصل إلى أوروبا الشرقية هي خارج المملكة المتحدة.

وبصراحة القول، شعر الوزير لافروف بخيبة أمل وهو يلخص واقع محادثاته في مؤتمره الصحفي المشترك مع الوزيرة البريطانية "لأننا قادرون على التحدث إلى الصم، ويبدو أننا نستمع، لكننا لا نسمع، على الأقل تفسيراتنا الأكثر تفصيلاً، بشكل عام، وقعت على أرض غير مهيأة "، وربما كان الجزء الأكثر إثارة للرعب في المؤتمر الصحفي وهي كلمات الوزير حول السفارة الروسية في كييف، ذلك الذي يشير إلى أن موسكو لا تزال لا تستبعد بعض الأحداث الدراماتيكية حول أوكرانيا أو في البلاد نفسها، وأشار لافروف إلى أن عددًا من البعثات الدبلوماسية للدول الغربية (بما في ذلك السفارة البريطانية) تستدعي بعض موظفيها من أوكرانيا، وقال "لقد فكرنا بالفعل في أنفسنا: ربما يكون الأنغلو ساكسون هم الذين يعدون شيئًا ما إذا قاموا بإجلاء موظفيهم وقال: في هذه الحالة، لا تستبعد موسكو رحيل موظفيها الدبلوماسيين غير الأساسيين من هناك، وبشكل عام، في هذا المؤتمر الصحفي، تحدث الوزير الروسي في معظمه - متهمًا بشكل أساسي الدول الغربية بسياسة الكيل بمكيالين والنهج الانتقائي لالتزاماتها الأمنية .

حتى قبل أسبوع من وصول تروس، كان من المتوقع أن تتزامن محادثاتها في موسكو مع مناقشة "المسألة الروسية" في البرلمان البريطاني، وقالت الوزيرة نفسها إن الحكومة، وعلى وجه الخصوص، وزارتها تعد آلية جديدة للعقوبات من شأنها أن تسمح بفرض عقوبات أكثر صرامة ضد الكرملين مما تم تقديمه سابقًا، وفي إطاره، على سبيل المثال، سُمح حتى بمصادرة ممتلكات رجال الأعمال الروس المرتبطين بالقيادة الروسية، ووعدت تروس بتقديم الفاتورة ذات الصلة بحلول 10 فبراير .

وصادق البرلمان البريطاني الخميس على تعديلات توسّع دائرة الأفراد والكيانات الروسية التي قد تفرض لندن عقوبات عليها في حال قررت الحكومة ذلك، وتم إدخال التعديلات على "قانون العقوبات والتصدي لتبييض الأموال" الذي تم تبنيه في عام 2018، حيث كانت الصيغة السابقة لهذا القانون تتيح للحكومة البريطانية فرض العقوبات على الجهات الروسية التي تعتبرها لندن "متورطة بشكل مباشر في زعزعة الاستقرار في أوكرانيا"، ومع إقرار التعديلات تم توسيع دائرة الجهات والمؤسسات الروسية التي قد تطالها العقوبات في حال فرضها، ولا تنص التعديلات على فرض العقوبات تلقائيا، لكنها تتيح للحكومة صلاحيات إضافية في هذا المجال، لتستهدف العقوبات المحتملة قطاع الطاقة الروسي والقطاعين المالي والدفاعي، وفي غضون ذلك، وبحلول نهاية اليوم، تم تلخيص نتائج محادثات موسكو أيضًا في بريطانيا، وقام بذلك موظف لدى تروس، وهو نائب وزير الخارجية جيمس كليفرلي، الذي ذكر أنه وقع مشروع قانون بشأن العقوبات ضد الكرملين، ووصف بذكاء المفاوضات في موسكو بـ "ممارسة ضغوط دبلوماسية" على الاتحاد الروسي "وجهاً لوجه".

وزارة الخارجية الروسية بدورها أكدت أن الوزير سيرغي لافروف شدد خلال لقائه مع نظيرته البريطانية ليز تراس في موسكو اليوم أن روسيا ستنظر إلى العقوبات البريطانية ضدها على أنها "عدوان"، وسترد بشكل قاس ومدروس، وعلى أن أي خطوات غير ودية من الجانب البريطاني لن تبقى دون رد مناسب، وأن الأزمة في العلاقات الثنائية التي تسببت بها لندن تفرغ الحوار حول القضايا الدولية من محتواه، لافتة الانتباه إلى أنه لا بديل لتخلي المسؤولين البريطانيين بمن فيهم في الخارجية عن التصريحات الاستفزازية والنهج الرامي لتشديد العقوبات على روسي .

ومن الواضح أن محادثات لافروف مع تروس جرت تحت علامة هذا الحدث، ما دعا الوزير الروسي الى التأكيد بأنه لم أشارك في مفاوضات دبلوماسية لفترة طويلة يمكن إجراؤها على الهواء مباشرة، إلى حد كبير،" لأننا لم نسمع أي شيء سري وسري وسري، باستثناء ما يُسمع بانتظام من المدرجات العالية في لندن" لذلك وصف محادثته التي استمرت ساعتين مع تروس، بأنها "حديث البكم مع الصم"، و عندما سئلت إليزابيث تروس عن كيفية تقييمها لهذه المفاوضات، ردت بأنها في هذه المحادثة "لم تكن غبية"، وانها أوضحت بوضوح موقف المملكة المتحدة بشأن الوضع، وقالت " نحن نبذل قصارى جهدنا لمنع تصرفات روسيا في أوكرانيا، ولقد صممنا بشدة في جهودنا الدبلوماسية، كما أنني استمعت إلى الوزير لافروف .. آمل أن تستمر المفاوضات ".

الوزير لافروف، عرض خلال حديثهما التعبير عن الموقف الروسي من قضايا أوكرانيا وبيلاروسيا والصين وإيران، ومع ذلك، وفي المؤتمر الصحفي المشترك، تحدثت تروس حصريًا عن أوكرانيا، وحثت على تأكيد أن روسيا لن تهاجم الدولة المجاورة، وقالت تروس، إنها تود أن يتم نقل المعدات العسكرية، والجيش المنتشر على الحدود مع أوكرانيا، إلى مكان آخر، لأن تشكيل القوات في الوقت الحالي يشكل تهديدًا كبيرًا، ومن المثير للاهتمام أنه في خطابها كانت هناك إشارة إلى مذكرة بودابست - وثيقة بشأن ضمانات الأمن الدولي لأوكرانيا بعد تخلي الدولة عن الأسلحة النووية، وعادة ما تتجنب الولايات المتحدة الإشارة إليها في المحادثات الأمريكية الروسية.

المراقبون السياسيون الروس اجمعوا على انه، لم يكن هناك شيء يستحق العناء من الزيارة منذ البداية، وعلى وجه الخصوص، تم التعبير عن الرأي مسبقًا بأنه إذا وصلت تروس إلى موسكو بموقفها المعتاد، فإن المفاوضات ستكون قصيرة، وقد تم تقديم أوروبا بالتفصيل وبشكل متكرر، لكن الوفد الزائر أظهر مرة أخرى أنهم إما لم يكونوا على دراية بهذه التفسيرات التفصيلية، أو تجاهلوها تمامًا، ويلفت أليكسي فينيديكتوف، رئيس تحرير إذاعة Ekho Moskvy، الانتباه إلى تقارير إعلامية تقول إن تروس ارتكبت خطأ أثناء المفاوضات مع ملكية منطقتي الاتحاد الروسي، فيما يتعلق بالتقارير التي ظهرت في وسائل الإعلام من الجزء المغلق من المحادثات بين وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس ووزير الخارجية سيرغي لافروف، قالت ليز تروس ... خلال الاجتماع، "بدا لي أن الوزير لافروف كان يتحدث عن جزء من أوكرانيا، لقد أوضحت أن هاتين المنطقتين [روستوف وفورونيج] جزء من روسيا ذات السيادة ".

الانطباع العام عن المباحثات عكسه ما قرأته إليزابيث تروس في كلمتها من المكتوب في ورقتها، والتي ولد انطباعا راسخا لدى المراقبين، بأن الوزيرة البريطانية، قد توصلت إلى استنتاجات حول المفاوضات في موسكو مسبقًا، ومرة أخرى، كانت هناك اتهامات بأن الاتحاد الروسي كان يستعد لغزو، ودعوات لسحب القوات الروسية من الحدود، ومطالب لموسكو بالبدء في وقف التصعيد، وتكرار تلك التصريحات التي سمعت بالفعل أكثر من مرة وعلى لسان أكثر من مسئول غربي. 

باتت موسكو اليوم قبلة المسئولين الاوربيين، والكل يحاول ان يرسم لنفسه صورة (المنقذ) للازمة الحالية التي تشهدها العلاقات الروسية الغربية، تحت ستار الازمة الأوكرانية، وذلك لمعالجة قضاياهم الداخلية، وتحسين صورتهم لدى الناخبين الغربيين، في المقابل، تستغل موسكو هذه الزيارات للتشديد على أن السبيل الوحيد لتطبيع العلاقات الثنائية يكمن في الحوار المتساوي المبني على الاحترام المتبادل واعتراف كلا الطرفين بالمصالح المشروعة لأحدهما الآخر والبحث عن حلول مقبولة لكلاهما، وايصال رسائل مباشرة تؤكد إن المناهج الدبلوماسية والإنذارات النهاية والتهديدات والمواعظ التي اعتاد العديد من الغربيين حاليا أن يستخدموا هذه الأساليب في أنشطتهم العلنية، تؤدي إلى لا مكان، ولايمكن وصفها بحسب التعبير الروسي " بأنه دبلوماسية"، وبشكل عام، لا يتعب ممثلو حكومة المملكة المتحدة من تكرار قولهم إنهم "في طليعة الجهود المبذولة لكبح عداء روسيا تجاه جيرانها"، ومن المقرر أن يزور بن والاس موسكو الجمعة، حيث سيجري محادثات مع نظيره الروسي سيرغي شويغو، لكن، على ما يبدو، لن تختلف لهجة المحادثة ونتائجه كثيرًا عما حدث يوم الخميس في بيت الضيافة لوزارة الخارجية الروسية.

 

بقلم : الدكتور كريم المظفر

 

في المثقف اليوم