آراء

عبد الخالق الفلاح: النظام العالمي والتغييرات القطبية

منذ نهاية الثمانينيات بدأ موضوع العولمة يرسم طريقه في اتجاه الإيديولوجية الليبرالية الجديدة، وأصبحت هذه الظاهرة تعني هيمنة على السوق وإلغاء الحدود بالنسبة للسلع والرساميل، وإخضاع السياسة للاقتصاد، وقد كان من نتائجها إضعاف الشعوب والدول إلى درجة يصعب معها تحديد الإطار الخاص بكل مجتمع سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، ناهيك عن احتكار الأقطاب الثلاث المتحكمة في الاقتصاد العالمي ل 86% من المعاملات المالية داخل البورصات، وظهور صراعات ثقافية نتيجة محاولة الغرب تعميم نموذجه الثقافي.

اثبتت الكثير من الوقائع ان الصراعات والنزاعات والأزمات والحروب والقتل والدمار تكون الولايات المتحدة يد فيها حتي تستمر على عرش القمة وعرش الأحادية القطبية ليس من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية وان يعيش العالم في سلام يعني خسارة كبيرة لواشنطن وتفرح عندما يحدث هنا ازمات وهناك قتل وهنا دمار وهناك تشريد كل هذا يعطي لها الحياة واستكمال المسيرة واستكمال هيمنتها ..ولكن سبق للمفكر اليساري الامريكي  نعوم تشومسكي  كان قد 'ألمح مِـراراً إلى أن النظام العالمي الجديد سينمو على ضِـفاف المحيط الهادي ويقذف بأوروبا، التي قادت الحضارة الغربية على مدى القرون الخمسة الماضية، إلى أعماق المحيط الأطلسي'

وبالفعل ان سرعة النظام الدولي تغير كثيراً وظهرت بعض الدول تحمل حلم تعدد الأقطاب مما افشلت حلم من كان يفكر ان يكون القوة التي لا تجابه وفعلا ظهرت دول للمواجهة تلك الأفكار على المستوى العالمي وأبرز هؤلاء الدول روسيا والصين هذين الدولتين يمتلكون من الأدوات السياسية والإقتصادية والفكرية والبنية التحتية ما يؤهلهم إلي وصول الحلم وتحقيقه.رغم ان هناك من الدول الأوروبية لا تسيغ استحداث قوى اخرى فلهذا اشعلت الحرب الاوكرانية- الروسية تدعم أوكرانيا بكل ما اتت لها من قوة في قتالها بالمال والسلاح.

في الماضي القوة كانت متمثلة في العدد والعتاد والسلاح والأدوات العسكرية الحديثة والمتطورة ولكن الآن الوضع تغير رأساً على عقب تحولت من قوة عسكرية إلي قوة تكنولوجية واقتصادية ومن يمتلك هذين القوتين ومعاهم القوة العسكرية يذهب إلي مكان بعيد في تعدد الأقطاب وليس الأحادية القطبية التي خططت لها أمريكا في القرن الماضي ونفذتها بنجاح ولكن بدأت تتراجع عن ذي قبل..

الاختلافات بين النظام العالمي الجديد والقديم تبرز في ثلاث نقاط كما تم حصرها من قبل المختصين وهي:

1- الاختلاف الأول، أن أطراف المثلث الجديد أكثر سُـيولة وأقلّ جموداً من المثلث القديم، فأي عمل يقوم به طرف من أطراف المثلث لن يثير بالضرورة ردّ فعل معارض من الطّـرفين الآخرين، كما أنه لا يوجد تحالف إستراتيجي بين طرفين ضدّ الطرف الثالث، وعلى عكس المثلث القديم، الذي لم يكن فيه للصِّين والولايات المتحدة اتصالات مع المجتمع السوفييتي السابق، بينما المثلث الجديد تفاعلى إلى حدِّ بعيد مع الاتصال فيما بين المثلث. والولايات المتحدة تبذل جهود مضنية للتحرك في التقرب الى الصين وتبعث باطراف مختلفة رسمية وغير رسمية للجلوس معها واخر هؤلاء وصول وزير الخارجية الأميركية الأسبق هنري كيسنجر،مهندس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين،إلى العاصمة الصينية بكين، في زيارة غير معلنة في الايام القليلة الماضية، حيث أجرى محادثات رفيعة المستوى مع عدد من المسؤولين.وله دوراً رئيسياً في تطبيع العلاقات بين البلدين في سبعينيات القرن الماضي، حين كان مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية للرئيس الأميركي آنذاك ريتشارد نيكسون، وهو شخص مرحب به في الصين في أي وقت، باعتباره صديقاً قديماً للشعب الصيني

2- الاختلاف الثاني، أن هَـمّ الأمن القومي المثلث الجديد لا يُـهيمن على هذا المثلث، كما كان الأمر إبّـان الحرب الباردة. وبرغم أنه (الهم) يلعب دوراً مُـهمّـاً في العلاقات الصينية - الأمريكية، خاصة في إطار تايوان، إلا أن روابط واشنطن وبكين عميقة بشكل استثنائي وتعمل على مُـستويات عدّة تتضمّـن علاقات مهمّـة بين المجتمعين. والأمن القومي، ليس البتّـة سِـمة من سِـمات العلاقات الأوروبية - الصينية التي تستنِـد إلى التجارة والتفاعل الثقافي المتزايد.

3- الاختلاف الثالث، يكمُـن في التباينات المهمّـة بين الأطراف الثلاث. الولايات المتحدة وأوروبا بالتأكيد، خلافاتهما حول العراق، وسلسلة الاتفاقات الدولية ودور الأمم المتحدة في العالم، وحظر الأسلحة على الصين، وأوروبا والصين، تتنازعان حول التجارة وحقوق الإنسان وانتشار الأسلحة وحرية المجتمع المدني، وكل هذه العوامل تُـسفر عن سيولة وتحوّلات عميقة في تركيبة المثلث الجديد، حيث تتقاطع المصالح مرّة وتتباين مرة أخرى.

وثبت لكثير من المختصين في العالم من ان الصين ليس مجرد دولة انما عقل إنتاج فكر تصنيع زراعة مليار ونصف المليار من البشر يعملون ليل نهار لنهضة الصين وبالفعل الان الصين قوة اقتصادية لا يستهان بها ليس يوجد قارة او بلد في العالم الا اذا يوجد استثمارات صينية بمليارات الدولارات..

اما روسيا الاتحادية وحكاية بوتين وقصته وإصراره وعزيمته وإرادته على الصمود والوقوف أمام 169 دولة منفردا لوحده في ميدان المعركة في اوكرانيا، ارهق الغرب وحير امريكا واصبح شوكة قوية في عنق بريطانيا وتريد التخلص منها بأي شكل من الأشكال دول تضررت ودول انتفعت من الحرب الروسية الأوكرانية..

وهناك العشرات من البلدان في نمو مستمر في ظل تشكيل التكتلات الجديدة مثل بريكس وشنغهاي وتكتلات اخرى توحي الى اننا امام تحولات جديدة،هذه التطوّرات أدّت بالتدريج إلى تبلوُر إجماع أو على الأقل شِـبه إجماع، بأن رحلة القطبية الأحادية في العالم انتهت.

***

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

في المثقف اليوم