آراء

شاكر عبد موسى: المكونات العراقية المظلومة

شاكر الساعديإنَّ القيمَ الصادقة تُعَدّ من أهم الركائز الأساسية التي تُبنى عليها المجتمعات البشرية، بوصفها مجموعة المعايير التي تحقق الاطمئنان للحاجات الإنسانية التي من شأنها المساهمة في الحفاظ على سلامة المجتمع واستقراره. وفي هذا السياق يشير بعض الباحثين إلى أنَّ مصيبةً الإنسان العظمى تتحقق في موته وهو حي بسبب موت ضميره، فالضمير على وفق هذا التحديد كالإنسان إما حي أو ميت، فيما يؤكد آخرون أنَّ الضميرَ الحي هو الضمير الذي يتمتع بقدر كبير من الحرية من صاحبه، فحينما يموت الضمير تغفو العقول في برك آسنة، ما يعني امتلاك هذا النوع من البشر القدرة على فعل كل ما يخالف المبادئ الإنسانية؛ لانَّ الضميرَ يعني وعي الفرد بتوافق ما يقوم به من عمل أو تعارضه مع المعايير الناظمة لمنظومة القيم الإنسانية النبيلة، ولا ريب أنَّ كل الأزمات والويلات والمحن والمصائب التي شهدتها المجتمعات الإنسانية – وما تزال تعيشها – تفرعت عن الأزمة الأم المتمثلة بأزمة الضمير الإنساني.

أولا: المكونات المظلومة:

1 - يهود العراق:

وصل اليهود الأوائل إلى العراق في القرن السادس قبل الميلاد بعد نفيهم من قبل الملك البابلي نبوخذ نصر إلى بابل، وبحلول عام 220 م أصبح العراق مركزاً للعلم والمعرفة والتطور اليهودي، وظل على هذا النحو لفترة دامت 500 عام، وعندما سيطر العرب المسلمون على العراق في عام 638 م، أصبح الإسلام الدين الرسمي واللغة العربية اللغة الرسمية للبلاد، وفي عام 720م، واجه اليهود الاضطهاد أذ مُنعوا من بناء المعابد، مما سبب لبعضهم أن يلوذوا بالفرار.

خلال الفترة (1058- 1900) م، تم احتلال العراق من قبل المغول والأتراك ثم الفرس على التوالي، وخلال تلك الحقبة كثيراً ما عومل اليهود ك “أهل الذمة”، وتعرضوا للضرائب الشخصية وغيرها من القوانين التمييزية، وفي ذلك الوقت تراوح عدد السكان اليهود بين 40 إلى 80الف نسمة.

وفي عام 1918م بدأ الانتداب البريطاني على العراق الذي لعب فيه اليهود دوراً مركزياً من خلال مساعدتهم في تطوير النظام القضائي والخدمة البريدية. وبالإضافة إلى ذلك، شغل اليهود مناصب في البرلمان مما أدى إلى استياء بعض المواطنين العراقيين من غير اليهود.

بعدها غادر هذا المكون العراق قسراً، بعدما كان يشكل 2.6بالمائة من مجموع سكان العراق عام 1947، ذلك المكون الذي حملَ مع هجرته ذكرياته الجميلة التي ما زالت عالقة بين آلام البعد والشوق إلى أرض المولد، وأحلامه الغافية علّها تعود الذكريات، والحنين ونسائم مدن العراق وهوائها العليل، ونذور الأمهات، وشموع خضر اليأس في مساءها الجميل، وهي تطفو على مياه نهريها دجلة والفرات، وما زال ذلك المهجَّر عن أرض الرافدين الحالم بالعودة إلى تلك الأيام الخوالي.

ففي بغداد وحدها كان عدد اليهود 50 إلف نسمة حسب إحصاء سكان بغداد عام 1920من قبل دائرة النفوس بعد صدور قانون الجنسية رقم (46) الذي اشرف على التعداد وزارة المستعمرات البريطانية، بينما كان عدد المسيحيين 15إلف، والشيعة 54إلف،والسنة 130إلف، ليكون مجموع سكان بغداد آنذاك ربع مليون نسمة.

لقد اهتم أغلب أثرياء يهود العراق بإنشاء المدارس الحديثة، وكان بين أولئك السيد ألبرت ساسون ومناحيم دانيال ورفقة نورائيل، وقد سمح لغير اليهود بالانضمام إلى مدارسهم من المسلمين والمسيحيين على حدٍ سواء.

لقد تم فتح العديد من مدارس الأليانس في عموم العراق، ففي عام 1903 فتحت أول مدرسة في البصرة، وفي عام 1907فتحت في الموصل، وكذلك عام 1910 فتحت مدرسة في العمارة، وفي عام 1920قرر اليهود تدريس مادة التاريخ اليهودي في المدرسة لأول مرة، وقد خرَّجت هذه المدارس العديد من الشباب الذين تبوؤوا دوراً بارزاً في المجتمع العراقي.

ازداد عدد اليهود الذين أنهوا دراستهم الابتدائية في المدارس اليهودية والحكومية، حتى أنه بدا أن نسبة الأميين من الذكور كانت صفراً، وبين الإناث كانت غير مرتفعة، ونتيجة لازدياد عدد خريجي المدارس الابتدائية ولافتتاح مدارس ثانوية إضافية، ازداد أيضاً عدد خريجي الثانوية من اليهود، وقد أبدى البريطانيون اهتماماً بالغاً بالمدارس اليهودية عند احتلالهم للعراق، فعملوا على زيادتها ودعمها مادياً والاهتمام بها.

اليهودي العراقي (ابراهيم الكبير) مدير عام المحاسبة والمالية هو اول من وضع النقود العراقية عام 1932 بدلا من الروبية الهندية والليرة التركية، أذ وضع خطط البنك المركزي العراقي واعتمد اسماء عربية للعملات منها (دينار، درهم، فلس) بدلا عن الهندية والتركية، ثم حدت ثمان دول عربية حدو العراق واطلقت على عملاتها نفس اسماء العملات العراقية.

إن تاريخ بعض ممن سجنوا من يهود العراق في سجون العهد الملكي كمقدمة، وأحد هؤلاء السجناء (حسقيل قوجمان) الذي ذكر معاناته من خلال مذكراته، وذكر تاريخ يهود العراق في العهد الجمهوري الأول 1958، ومعاناتهم وتأميم مقبرتهم في بغداد، وسياسة الزعيم عبد الكريم قاسم السمحة والجيدة معهم، والنشاط السياسي والمهني ليهود العراق في عهد حكم عبد الكريم قاسم (1958- 1963) .

أما تاريخ ما تبقى من المكون اليهودي في العهد الجمهوري الثاني أبان حكم الأخوين عبد السلام وعبد الرحمن محمد عارف (1963 – 1968)، والضغوطات التي مورست ضدهم ومنحهم الهوية الصفراء لتفريقهم عن بقية مكونات الشعب العراقي، وتسليط الضوء على جريدة اليقظة وتحريضها السلبي على أبناء المكون اليهودي، ومعاناتهم أبان حرب الأيام الستة عام 1967، كذلك ذكر تاريخ أبناء المكون اليهودي في حقبة العهد الجمهوري الثالث في عهدي أحمد حسن البكر وصدام حسين (1968- 2003) ودور نظام حزب البعث في عمليات الاختطاف والاعتقالات والتصفيات الجسدية ضدهم ومهرجانات أعواد المشانق في بغداد والبصرة، والدور الإرهابي الذي مورس ضدهم في قصر النهاية في عهد مدير الأمن العام ناظم كزار العيساوي (أبو حرب)، وعمليات الإبادة لهم ولعوائلهم .

كذلك واقع حال أبناء المكون اليهودي في حقبة نظام البعث وعمليات هروبهم عبرَّ الحدود ومصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة، ودور جمعية هياس في المساهمة في هجرة ما تبقى من يهود العراق عام 1973 ومدارس يهود العراق ومنها ثانوية فرنك عيني، إذ كان المسلمون يشاركون اليهود في سراءهم وضراءهم، وكانوا يحضرون مجالس اليهود، وكان اليهود يشاركون المسلمين عند وفاة احدهم وكانوا يشيعونه إلى مدينة النجف الاشرف.. إذن يهود العراق حب وانتماء متجذر في الوطن الأول العراق (1) .

2- الكرد الفيلية:

الكورد الفيلية (او الفيليون) هم كرد، كما يدل على ذلك اسمهم، وهم قسم لا ينفصل عن الشعب الكردي في العراق، وجزء لا يتجزأ من القومية الكردية المقسمة بين عدة دول (العراق وايران وسوريا وتركيا).

يتكلم الكورد الفيلية لهجة فرعية تابعة للهجة اللورية التي ينطق بها الكورد في المناطق الجنوبية من كردستان، خاصة المناطق القريبة من الحدود بين العراق وايران .. وكانت غالبية الكورد الفيلية تقطن (مدينة بغداد) وخاصة قبل حملات التسفير المتكررة، وكانوا متمركزين في "حي الأكراد" وبعض الأحياء الشعبية المجاورة لها وفي "حي الأكراد" في مدينة "الصدر"، "الثورة" سابقا .

وعند تحسن حالتهم الاقتصادية كانوا ينتقلون الى اماكن اخرى من العاصمة بغداد اكثر رفاها، مثل (حي العطيفية وحي جميلة) والاحياء الممتدة على طول شارع فلسطين وغيرها.

كما كان الكورد الفيلية يقطنون بأعداد أقل في المدن العراقية الواقعة على الحدود مع ايران شرقا وحتى الضفاف الشرقية لنهر الفرات غرباً، من جنوب كركوك شمالا حتى شمال مدينة البصرة جنوبا، من بين تلك المدن في محافظة ديالى (خانقين ومندلي وزرباطية والسعدية وشهربان) وفي محافظة واسط (بدره وجصان وشيخ سعد والنعمانية والحي والرفاعي) وفي محافظة ميسان (الكميت وعلي الغربي وعلي الشرقي) وغيرها .

قبل 42 عاماً وفي ظلمة الليل هاجم أوباش نظام صدام بيوت مواطنين عراقيين أباً عن جد لا لذنب ارتكبوه سوى أنهم ينتمون إلى قوميتهم الكردية ومذهبهم الشيعي،لكي ينتقم البعث المقبور من مواقفهم التاريخية المشرفة،بدءً بموقفهم الثوري إزاء ردة شباط 1963 ضد حكم عبد الكريم قاسم الوطني، مروراً بمواقفهم القومية الوطنية من الثورة الكردية منذ اندلاعها في أيلول 1961 .

فقد دشن البعث عنصريته الدموية التاريخية، بعد استلامه للسلطة عام 1968، بتهجير أكثر من 70ألف عائلة كردية فيليه إلى إيران الشاه في شتاء (1970-1971)، بحجة دعمهم لليسار العراقي وعدم إيمانهم بمبادئ البعث والثورة، وخروجهم في مظاهرات عارمة تأييدا لاتفاقية آذار1970 في ساحة التحرير ببغداد، وانخراطهم الواسع في التنظيمات الديمقراطية والجماهيرية للحزب الديمقراطي الكردستاني في تلك الفترة.

لقد تم إسقاط الجنسية العراقية عنهم وعن نصف مليون كردي فيلي آخر، بموجب قرار فريد من نوعه، صادر عن مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 666 المؤرخ في 7/5/1980 والمنشور في جريدة الوقائع العراقية الرسمية تحت رقم 2776، وتم تجريدهم من جميع الممتلكات والبيوت، والوثائق الثبوتية وشركاتهم ومتاجرهم العامرة ومصانعهم المنتجة، إذ تم حجز مئات الآلاف من العوائل الكردية الفيلية في بغداد والكوت وخانقين والحي وبدرة وجصان والبصرة وديالى وميسان.

أن الكثير من الشباب من الجيل العراقي الجديد يجهل الفرق بين العراقيين من أصول إيرانية والعراقيين من الكرد الفيلية ومعلوم أن (إحصاءات 1920 و1935 و1947 و1957 أظهرت أن الفرس يشكلون 1،2 واحد وأثنين بالعشرة بالمائة من مجموع سكان العراق سنة 1947 .. لترتفع نسبتهم إلى 1،7 واحد وسبعة بالعشرة بالمائة في إحصاء سنة 1957، ويتركز وجودهم في مراكز المحافظات مثل مدينة كربلاء ومدينة النجف، بالإضافة إلى مدينة الكاظمية والكرادة في محافظة بغداد، وبأعداد أقل في مدينة البصرة ومدن أخرى... أما الكرد الفيلية – اللور- يشكلون نسبة 2،5 اثنين وخمسة بالعشرة بالمائة من سكان العراق كما تقول الإحصائيات الحكومية الرسمية (2) .

3 - الأيزيدية:

الأيزيدية ديانة ترجع للألف الثالث قبل الميلاد وهم من بقايا أقدم المعتقدات السومرية - البابلية القديمة، وهي ليست تبشيرية، وتعتبر الأيزيدية أقدم من الزرادشتية وليست امتداد لها على الرغم من وجود عادات وتقاليد متشابهة، وأن الأيزيدية تعتمد على التراث الديني الشفاهي (علم الصدر) في ممارساتها الدينية.

الهوية الأيزيدية: هي عبارة عن منظومة متكاملة تبدأ من الأسماء التي يحملها / تحملها الرجال والنساء، مروراً بالعادات والتقاليد الاجتماعية والمراسيم والطقوس الدينية والمحرمات والقصص والأساطير وعلم الصدر ونوع الملابس وطرازها، وكيفية تعامل الرجال مع شعر الرأس والوجه، والمعتقدات حول الكون والخليقة والملائكة والبشر والطوفان وأهم التقاليد الاجتماعية - الدينية ألا وهو "الطبقات الدينية" ومسألة الزواج الداخلي، كل ذلك يشكل الهوية الأيزيدية.

لقد لاقى الأيزيديون حملات إبادة مستمرة من فرق داعشية متطرفة بعد سقوط مدينة الموصل عام 2014 نتيجة اعتقادها بأن الأيزيديين عبدت شيطان ولكن حقيقة الأمر أن نظرة الأيزيدية للشيطان هي نظرة مختلفة تماماً عن باقي الديانات فلا وجود للشيطان في معتقد الأيزيدية، وإن فكرة الخير والشر مصدرها واحد وهو الإله، أما الفرق الدينية الأخرى فتعتقد بوجود مصدر للشر يتمثل في الشيطان، الحية، عنكَار.

4 - الأكراد:

ينحدر الأكراد من أصول (هندو- أوروبية) تنتمي إلى القبائل الميدية التي استوطنت بلاد (ماد) في إيران الحالية، وأسست إمبراطوريتها في القرن السابع قبل الميلاد .

يمثل الأكراد حوالي 20 في المائة من سكان العراق أي نحو ستة ملايين ونصف مليون كُردي. أما عددهم في أجزاء كردستان الأربع المقسمة على العراق وإيران وتركيا وسورية فيبلغ أكثر من 40 مليون نسمة، ويعدون رابع أكبر مجموعة عرقية في الشرق الأوسط، حتى الآن ليست لديها دولة مستقلة.

أما من ناحية الدينية فينتمي الأكراد إلى مجموعات مختلفة من العقائد والديانات، ويصنّف أكثرهم كمسلمين سنة، وأقلية من الشيعة (الفيليون، الكُرد اللور، والشبك) إضافة إلى أتباع الديانة الكاكائية والأيزيديين.

وثار الأكراد في شمال العراق ضد الحكم البريطاني في فترة الانتداب، لكنهم قمعوا. وفي عام 1946 أسس (الملا مصطفى البارزاني 1903-1979 ) الحزب الديمقراطي الكردستاني بهدف الحصول على الحكم الذاتي في إقليم كردستان العراق .الكردعا9دربع سنوات

وبعد ثورة عام 1958، اعترف الدستور المؤقت بالقومية الكردية كقومية رئيسية واعتبر الأكراد شركاء في الوطن مع العرب والأقليات الأخرى، لكن الزعيم الكردي مصطفى البارزاني أعلن القتال المسلح عام 1961.

وفي عام 1970، عرضت الحكومة التي كان يقودها حزب البعث على الأكراد إنهاء القتال ومنحهم منطقة حكم ذاتي، لكن الاتفاق انهار واستؤنف القتال عام1974 .

وبعد عام انقسم الحزب الديمقراطي الكردستاني،أذ أسس السياسي المعروف (جلال حسام الدين نور الله نوري الطالباني1933- 2017) الاتحاد الوطني الكردستاني.

وفي نهايات سبعينيات القرن الماضي، بدأت الحكومة في توطين عرب في بعض المناطق لتغيير التركيبية السكانية، لا سيما حول مدينة كركوك الغنية بالنفط،كما قامت بإعادة توطين الأكراد في بعض المناطق قسراً.

وفي عام 1988، قبيل انتهاء الحرب مع إيران تعرضت مدينة حلبجة لغارات بالسلاح الكيماوي وأطلق (صدام حسين) حملة انتقامية ضد الأكراد سميت عمليات "الأنفال". (3)

وبعد هزيمة العراق في حرب الخليج عام 1991، اشتعلت انتفاضة واسعة في مناطق جنوب العراق وإقليم كردستان ولشدة قمع الدولة لهذه الانتفاضة، فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها منطقة حظر جوي على شمال العراق، مما سمح للأكراد بالتمتع بحكم ذاتي، واتفق الحزبان الكرديان على تقاسم السلطة، لكن الصراعات احتدمت، واشتعل صراع داخلي عام 1994، دام أربع سنوات.

وتعاون الحزبان الكرديان الرئيسيان مع قوات الغزو الأمريكي للعراق عام 2003التي أطاحت بصدام حسين، وشاركا في جميع الحكومات التي شكلت منذ ذلك التاريخ وكذلك في البرلمان العراقي، وشغل منصب رئيس الجمهورية أربعة أكراد حتى الآن، كما تشارك الحزبان في مؤسسات الحكم في الإقليم المكون من أربع محافظات هي دهوك وأربيل والسليمانية وحلبجة .

-5المسيحيون:

ازدهرت المسيحية في القرن الأول الميلادي، إذ كان معظم سكان العراق يعتنقون المسيحية، وبعض منهم اليهودية والمجوسية والمانوية وعبادة الأوثان، وبعد فتح المسلمين للعراق(636 م/ 14ه) تضاءلت أعداد المسيحيين بشكل كبير على مدى عدة قرون لأسباب عديدة منها اعتناق العديد منهم الدين الإسلامي .

أذ أقدم كنيسة في العراق موجودة أثارها في)محافظة كربلاء 108كم جنوب غرب بغداد) قرب بلدة عين تمر وهي من أقدم الكنائس في العالم .

مسيحيو العراق: من أقدم التجمعات المسيحية في الشرق الأوسط، يقدر عدد المسيحيين في العراق بنحو 636 إلف مسيحي في عام 2005، ويشكل المسيحيون 3 بالمائة من سكان البلاد، في حين بلغ عددهم واحد مليون مسيحي في عام 1980 بما يعادل 7 بالمائة من السكان .

انخفضت هذه النسبة بسبب الهجرة خلال فترة التسعينيات من القرن العشرين، وما أعقب حرب الخليج الثانية من أوضاع اقتصادية وسياسية متردية، كما أن هذه الهجرة تسارعت وتيرتها بعد احتلال العراق عام2003 وأعمال العنف الطائفي التي عصفت بالعراق وأدت إلى تهجير عدد كبير من مسيحيي العاصمة بغداد وخصوصاً ضاحية الدورة .. إضافة إلى مسيحيي المدن الأخرى إلى خارج العراق أو إلى منطقة إقليم كردستان العراق الآمنة نسبياً.

الديانة المسيحية "تواجه خطر الاختفاء في بعض أجزاء من العالم"، وتشير الإحصائيات إلى أن المسيحيين في فلسطين يمثلون 1،5 في المائة فقط من عدد السكان، بينما تراجع عددهم في العراق إلى 120 ألف مسيحي مقابل 1،5مليون مسيحي قبل عام/ 2003.

وكتب أحد الأساقفة البريطانيين: "تظهر الأدلة أن الأمر لا يقتصر على انتشار الاضطهاد الديني للمسيحيين جغرافيا، بل تشير أيضا إلى ارتفاع حدته في الفترة الأخيرة."

وأضاف: "في بعض المناطق، يقترب مستوى وطبيعة الاضطهاد من التعريف الدولي للإبادة الجماعية، وفقا للتعريف الذي تتبناه الأمم المتحدة."

6 - الشيعة:

الشيعة الإمامية الاثنا عشرية: هم تلك الفرقة من المسلمين الذين يقولون أن عليًا هو الأحق في وراثة الخلافة دون الشيخين وعثمان، وقد أطلق عليهم الإمامية لأنهم جعلوا من الإمامة القضية الأساسية في فكرهم الديني، وسُمُّوا بالاثني عشرية لأنهم قالوا باثني عشر إمامًا بعد النبي (ص) دخل آخرهم السرداب بمدينة سامراء وغاب فيه.

عاش الشيعة في عهد حكم الطاغية صدام حسين (1979- 2003) محنة كبرى لا تقل عن سائر المحن التي مروا بها، وسجل التاريخ من جرائم طاغية بغداد وأعوانه بحق الشيعة ما لا يقل عن جرائم أسلافه أمثال (معاوية ويزيد والحجاج والمنصور وغيرهم) .

بدءاً بالتهجير الى أيران على وجبتين الأولى سنة 1970 والثانية سنة 1980، ثم منعه المواكب الحسينية والكتاب الشيعي في المكتبات العامة ودور النشر، وتتبعه للمؤمنين والعلماء سجناً وقتلا، ثم تصفية رجالات ومؤسسات الشيعة بما يضيق به من مجلدات لاستيعابه وبيانه.

وقد كشفت القبور الجماعية عن غيض من فيض من المعاناة التي عاناها الشيعة في العراق حين سجنوا وحرقوا وذوبوا في أحواض التيزاب، وحين أرُّعبت نساؤهم وأطفالهم، وحين اصطبغت الأرض بدمائهم، بسبب مشروعهم السياسي الحديث الذي عبر عنه الشهيد السيد (محمد باقر الصدر1935-1980) في كتاباته وبحوثه ومحاضراته، أعقبه الشهيد السيد (محمد صادق الصدر1943- 1999) في نهضته الجديدة حينما فَعل صلاة الجمعة شيعياً في العراق لأول مرة.

ثانياً: العراق يأكل أبناءه

من كل ما ورد نستنتج أنه لا يمكن بناء الدولة المدنية في ظل الدولة القومية أو الدولة الدينية، لأن العقيدة، أية عقيدة كانت، لا تؤمن بحق جميع المواطنين على قدم المساواة، طالما أن القانون الديني يميز بين العقائد، والقانون القومي يميز بين الأعراق.

وهنا بالتحديد مكمن مشكلات التمييز ضد اليهود والنصارى والايزيديين سواء في تقلدهم للوظائف العليا والسيادية أو في بناء دور العبادة وترميمها أو عدم المساواة أمام القانون، وفي العرف العام، في حين أن الدولة المدنية تسمح لجميع المواطنين بممارسة عقائدهم بحرية ودون تمييز وبالشروط نفسها، علي أساس حق الجميع في المواطنة بالتساوي.

وكانت الحكومة العراقية خلال أربعينيات القرن العشرين تعجل بتهجير زهاء مائة وثلاثين ألف يهودي من العراق إلى فلسطين، مقابل عشرة دنانير عن كل مهاجر يصل إلى هناك، تدخل جيوب متنفذين في الحكومة العراقية.

ويتصدر العراقيون قائمة شراء المنازل في تركيا منذ العام 2015، لكنه تراجع للمركز الثاني بعد ايران مع بداية العام/ 2021، في حين أعلن وزير الداخلية التركي (سليمان صويلو) في 13 تشرين الثاني 2020، أن أكثر من 114 ألف شخص عراقي يتواجدون الآن على أراضي بلاده. (4)

لا أعتقد نحن بحاجة إلى نظريات علمية وفلسفية، ولا إلى مراجعات تاريخية، ولا إلى إعادة شحن ذاكرتنا بمجدنا التليد، ولا كذبنا على أنفسنا من إننا أصحاب وعي، ولا حتّى أصحاب أخلاق بعدما انهارت بفعل حزب البعث الدموي ورفاقه، ومن خلال حروبهم الكارثة وما نتج عنها من حصار مدمر أستمر من عام 1990 حتى سقوط النظام الدكتاتوري عام 2003، والتي يكُملها اليوم الرفاق الجدد من المعممّين بهمم عالية وهم يعيثون بالعقل والأخلاق والبلد دماراً وفساداً .

بل نحن بحاجة إلى بارومتر لقياس التخلف من خلال واقعنا المعاش، على أن نستخدمه بأسهل الطرق الممكنة أي المحاجة، لنريح عقولنا من أن تتيه بين أناشيد المجد الذي أفل (منصورة يا بغداد) بعدها أصبحت محتلة، أو بين الحلال والحرام والمقدّس واللامقدّس الذي يجيد المعمّمون اللعب بهما لسرقة وعي الناس وجيوبهم، تحت شعار (عظم الله لكم الأجر).

كيف لا نكون متخلفين، ونحن نجعل من عمود كهرباء مزاراً نحجّ إليه ؟، كيف لا نكون متخلفين ونحن نحجّ إلى جرّار زراعي، ونقدّم له النذور؟ أين هو التحضّر ومعمم يبصق في وجوهنا ليبعد عنّا الأمراض؟ أين هو التحضر ونفس المعمم يمنحنا "جكليتة" وليقسم برأس الإمام الحسين (عليه السلام) من أنها تشفي عشيرة كاملة ويصدقه "المتخلفون" لكنه يذهب ليعالج نفسه من الأمراض التي تصيبه إلى دول الجوار تاركاً "جكليتته" لأصحاب الحضارة السومرية والبابلية والأكدية ! .

هل قتال بالأسلحة الثقيلة بين عشيرتين جنوب العراق من أجل بقرة فيه سمة من سمات التحضر؟ هل سطوة العشائر وعاداتها السيئة بخصوص المرأة تحديداً، دون الخوض في كامل الموروث العشائري المتخلّف فيه شيء من التحضّر .

كيف لا نكون متخلفين وبلدنا خارج تصنيف جودة التعليم العالمي على المستويين الجامعي والابتدائي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس؟ كيف لا نكون متخلفين وهناك أجيال من الطلبة تسرّبت من المدارس بسبب الفقر؟ كيف لا نكون متخلفين ووعينا المصادر يدفعنا كي نرضخ للذل ولا نثور على واقع مزري نعيشه؟ كيف وعينا لا يُهزم، ونحن مهزومون من دواخلنا فنقبّل إطار سيّارة معمّم أو مداسه للتبرك؟ عن أي وعي يتحدثون ؟ .

وقد تصدرت محافظات (بغداد وكربلاء وذي قار) حالات الانتحار في العراق وذكرت إحصائية للسلطة القضائية عن عدد حالات الانتحار في البلاد عام 2019، إن بغداد وكربلاء وذي قار تصدرت بقية المحافظات بعدد المنتحرين من الذكور والإناث.

وقد "أكدت إحصائية" إن العاصمة بغداد سجلت 38 حالة انتحار متصدرة جميع المحافظات، تلتها كربلاء ب 23، ثم ذي قار ب22حالة، وجاءت المحافظات الأخرى في الإحصائية كالتالي: القادسية15، بابل 12، صلاح الدين6، البصرة3، ميسان 2، بينما سجلت محافظتا واسط وكركوك حالة واحدة لكل منهما، ولم تسجل ديالى والمثنى أية حالة انتحار.

أذن العراقيون الشرفاء وضحايا الأنظمة الفاشية وضحايا داعش سرطان العصر لا يدخلون النار بغض النظر عن القومية أو الدين أو الطائفة لأنهم عَذبوا في الحياة الدنيا... فكيف يعذبهم الله وهو الرحمن الرحيم؟ (5)

 

شاكر عبد موسى - العراق

.......................

(1) الحرة/ فرانس بريس 6 سبتمبر 2020.

(2) الموسوعة الحرة ويكيبيديا.

(3) وهي عمليات ممنهجة وجزءً من حملة للعقاب الجماعي، عرفت باسم "الأنفال" من قبل الحكومة العراقية ضد الشعب الكردي. وزعمت السلطات أنها كانت تخمد تمردا، بحجة وقوف بعض الأكراد مع الجانب الإيراني خلال الحرب الإيرانية العراقية، بين عامي 1980 و1988.وتقول هيومن رايتس ووتش إن ما يصل إلى 100 ألف شخص، معظمهم من المدنيين، لقوا حتفهم في عمليات تطهير عرقي باستخدام أسلحة كيميائية.

(4) موقع شفق نيوز في 15 كانون الثاني 2022.

(5) مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي / فاضل الخطيب / 27 شباط 2006.

 

في المثقف اليوم