آراء

السيف والدم.. إرث عربي قديم

عبد الجبار العبيديمنذ بداية كتابة تاريخ العرب قبل الاسلام كان تاريخ العداوة والسيف والدم هو الابرز في تاريخنا، .حين خرج علينا المؤرخ القديم يقول، ان بين بني عبد شمس وبني هاشم كانت عداوة أزلية، حين ولد عبد شمس وهاشم تؤمان من عبد مناف وأمهما عاتكة بنت مرة المضرية، وكانت أصبع أحدهما ملتصق بجبين الأخر، فكان لابد من فصلهما بالسيف، فكان بينهما دمُ منذ الميلاد،

لكننا لم نقرأ لهما من عداوة قبل الدعوة الاسلاميية، وقد اشتركا معاً في الاحلاف التجارية مع الشام واليمن "مجلس الملأ"، ولم تحصل العداوة بينهما الا بسبب المكاسب التجارية فيما بعد، لكنهم دخلوا الاسلام معا بعد فتح مكة حتى ولو كان عنوة .فما الذي حدث فيما بعد؟، وكيف تطور الامر الى خلاف السيف؟

بمجيء الدعوة لمحمد الهاشمي ظن الامويون انها لعبة لاخذ رئاسة مجلس الملأ منهم "مجلس الملأ تجمع قبلي لأدارة شئون القبائل العربية قبل الاسلام" كان برئاسة آل عبد شمس اجداد الأمويين، فكان بداية الخلاف الذي استمر طيلة سبعة قرون، وحتى سقوط الدولة العباسية عام 656 للهجرة، 1258 للميلاد،

بعد مجي الدعوة الاسلامية كدعوة أنسانية وما رافقها من احداث دموية تم فتح مكة "سنة 9 للهجرة" فكانت قيادة الرسول للدولة الجديدة قيادة مباشرة لا يشاركه فيها الا المخلصين من دعوته، .ومن أنضم اليه وفي قلب اعدائه نار تحت الرماد لانتزاع الدعوة منه.

بعد وفاة الرسول(ص) سنة 11 للهجرة اشتد الخلاف على الرئاسة كعادة العرب عليها فانتهى الخلاف الى أبتكار نظام الخلافة لادارة شئون الدولة الجديدة المنتظرة خلافاً لوثيقة المدينة المغيبة اليوم، حين نادى المنادي، منا أمير ومنكم أمير،

الخلافة كانت ابتكاراً، ولم تأتِ بنصِ، لكنها كانت بحاجة الى دراسة وتنظيم، فلا يمكن ان تترك الرئاسة دون تحديد مدة أومدى سلطان كما بدأت عند المسلمين "يقول احد الخلفاء المسلمين عندما طلب منه التنازل عنها لخلاف مع الرعية، قال: "لن انزع امر الله مني، " وكأن الله هو الذي ولاه الخلافة لا الناس، كما هم اليوم لن يبرحوها الا على اسنة الحراب "، فهل هذا يتفق مع طبيعة دولة الاسلام المنتظرة، وهي دولة الشورى "وأمرهم شورى بينهم"، وهذا اول خطأ ارتكب في التنظيمات الادارية لحكم الدولة الاسلامية منذ البداية، والذي جرَ الى خلاف الزمن الطويل.

ان هذا الخطأ المرتكب في تعيين الخليفة دون شورى العامة الذي أستبدل بالبيعة الخاصة، كان ضربة قاصمة لقيام دولة العدل والاستقامة التي وعد بها صاحب الدعوة الناس قبل وفاته،، وكان ينبغي ان يناقشها الفقهاء الذين تخلوا عنها بدافع سياسي، منذ ذلك اليوم ظهرت المعارضة بقيادة ابو عبيدة الذي قتل في طريق الشام بمؤامرة الاغتيال وهو في طريقه الى الشام مما أدى الى ظهور مبدأ خطير هو نزع فكرة الشورى العامة من الناس، لأن الناس ونقصد الجمهور كان لهم صلاحية عزل الخليفة عن السلطة اذا لم يرضوا عن سياسته.

نحن اليوم بالذات بحاجة الى دستور مكتوب يراعي حقوق الجماهير بغض النظر عن العقيدة الدينية والانتماءات الاخرى، لأن المحاصصة كما شاهدناها هي الفرقة بالذات وخاصة عند اتباع المذاهب اللامعترف بها دينياً وانما جاءت اجتهادا مرفوضاً من الفقهاء في العصر العباسي "البيويهي بالذات"ادى الى تفكيك الدولة الواحدة على اسا س المذاهبية، وهي من اهم المشاكل التي واجهت الامة المسلمين ولا زالت الى اليوم. فتفرقت وحدة العقيدة الى عقائد والملة الوطنية الى ملل، .فكانت بداية النهاية لموت الدولة الاسلامية.

ورغم قيام السلطة بتوحيد العبارات القرآنية المتداخلة عند جمع القرآن ومصادر الحديث النبوي لكن مسألة نظام الحكم قد تركت دون تقنين وعلى الشورى الصورية فقط، الا ان المشكلة الكبرى في الشورى كانت بيد رئيس الدولة، فهو الذي يختار أهل الشورى وهو الذي يجمعهم، وهوالذي يتقيد او لا يتقيد برأيهم، حتى اصبح الرأي شخصي يهم الخليفة ولاغير.كما رأيناه في الحكم الدكتاتوري الذي مر بنا سابقاً، وفوضى السياسة بنا اليوم

في هذا الجانب التقصيري من حكم الامة، ظل كل شيءهنا عائماً غير محدد بقواعد دستورية كما ارادتها وثيقة المدينة المغيبة الى اليوم، وكيف لعبت الحركة الفقهية في القرنين الثالث والربع الهجريين "الفترة البويهية" بها تمزيقا وفرقة، وتلك مصيبة كبرى حالت دون ضبط نظم الحكم في الاسلام وعند المسلمين بتعبير دقيق، لذا ظل نظام الحكم السياسي الاسلامي عائم وغامض، والحقيقة أننا لم نعرف طيلة حياة الدولة الاسلامية الفكر السياسي المقنن المنظم كما عرفته الدول الاخرى، اوقل كما عرفه الرومان الذي لازالت قوانينهم تدرس في جامعاتنا، .وها نحن كالقشة في مهب الريح اليوم.

ومن يرغب من طلبة الدراسات العليا في الجامعات العراقية والعربية ان يكتب اطروحة نافعهة عليه ان يقرأ ما كتبه المقريزي وهو تلميذ ابن خلدون في الفكرالاسلامي محاسنه ومساوئه وكيف يجب ان يكون،؟لعلنا نطلع على حقائق جديدة تغير لنا منهج التفكير.لنقف على الحالة المزرية التي وصل اليها نظام الحكم الاسلامي والذي نعاني منه اليوم تفرقة ونقصاً في الحكم والحقوق.

فهل سنبقى على حالة التمزق وفقدان الحقوق، ام نمزق الثوب القديم لنبني لنا دولة القانون ليبقى الدين سلوكا لا غير، مهمة صعبة ونحن لسنا لها مادامت العقيدة الدينية الممزقة اليوم تلعب دور التباعد والتفرقة والتمزق بين المسلمين، وهي ليست حلاً بعد ان انتهى عصر الاديان، وحل عصر الدستور والقانون،

قلنا ذهب العصر الاموي وجاء العصر العباسي الذي سيلعب دور التكوين مرة اخرى، لكننا واجهنا تمزقا اكثر مما واجهناه عند الامويين والذي انتهى باحتلال المغول، واليوم نواجه نفس المحنة بأنتهاء عهد الدكتاتوريين لنواجه عصر المحاصصة التي انهت وحدة العراقيين، لا اعتقد اننا سنخرج من المحنة اليوم الا بنظام حكم دستوري قانوني صحيح وليس بحكم قوانين الشريعة المخترعة منهم التي اختاروها خصيصا لموت نظام حكم العراقيين.

نحو اليوم نواجه محنة كبرى تتمثل في فساد الحاكم، وعبادته للسلطة وكرسي الحكم، وضرب الوصايا العشر في حكم الناس أخر ما لدينا من تعاليم القرآن، الآثرة والكراهية بين الأثنيات، انعدام الرقابة على المال العام، عبادة الشخصيات الدينية الميتة التي نعتقد انها ستحي العدالة والاموات واصحابها اليوم يمارسون الخيانة الوطنية والظلم والاعتداء "دولة القانون مثالاً"، عدم مصداقية الانتخابات، فقدان الرقابة المالية وعدم محاسبة المعتدين على المال العام، الاقاربية في التعيينات وخاصة في اماكن التخصصات العالية التي جلبت لنا ما لا يمكن ردمه للاصلاح، سهولة تمرير الصفقات، التزوير بالشهادات العلمية وفقدانالكفاءة في الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة لتحقيق حجم أو مستوى معين من النواتج بأقل التكاليف وهو من أهم مقاييس النجاح للمؤسسات في تحقيق أهدافها. والكفاءة كما نعرف هي الاستغلال العقلاني والأمثل والاقتصادي لموارد المؤسسة والفعالية وهي مدى تحقيق المؤسسة لأهدافها بأقل تكلفة وأقل وقت ممكن.وهذا معدوم في دولتنا وخاصة في المؤسسات والجامعات،

أضعاف التخصصات العلمية تمهيدا لانها التعليم لكسر جدار المعرفة الكلية عند العراقيين.واخيرا وليس اخراً، اهمال الصحة العامة والممرافق الصحية وجعلها تحت رحمة الجهلة من اصحاب شهادات التزوير، وهي وسيلة لتدمير الدولة والشعب والاجيال، وترك الطرق والمواصلات على حالها دون اصلاح لعرقلة حياة البناء، والاهم ان هذا الاهمال جاء بتقصد وليس بأهمال.

ماذا بقي لنا املا في الاصلاح بعد ان اصبحت دول الجوار الطامعة في اموالنا لا بل في بلادنا ككل "تقتل علماؤنا واولادنا دون رقيب اوحسيب حتى أغلقت علينا انهر ماء الحياة، فلم يعد العراق بلاد الرافدين بل بلاد الشطيطات، ونحن لازلنا مشغولين بمن يحكمنا من الروؤساء شيعي او سني او كردي او من المريخ، دولة خطط لها الاعداء والخونة بالانتهاء في مؤتمر لندن عام 2002 ومن حضره ووقع عليه من كل خونة الوطن والاثنيات، ومن تعاهدوا به على الانتهاء، فلم يبقَ لنا الاظهور مهديهم المنتظر، ليملأ الارض عدلا بعد ان ملأت ظلما وجورا، واصحابه يحكمون اليوم ولاندري لماذا لا يصلحون،؟ فاقد الشيء لا يعطيه ابدا، وأخيرا أقول:

لا حل لنا الا باختراق المستحيل، بقول الحقيقة كل الحقيقة امام السلطان الجائرممن يدعون العلم والدين وهم الاقدر على التبرير، نعم لقد انهارت قيم الحياة المقدسة عندهم، فكيف الحل،؟ الحل، بانتخابات جديدة يشارك الشعب فيها مشاركة فعالة ليمنع خونة الوطن من العودة ثانية لتحقيق الحقوق، بضمان، القوانين، بعد تعديل الدستور بألغاء تكوين كتلة الاكثرية بعد الانتخابات، بدعة المنحرفين.

***

د.عبد الجبار العبيدي

في المثقف اليوم