آراء

نبيل عبد الأمير: لأحزاب الشيوعية العربية وذيليتها للاتحاد السوفيتي (2)

ظهرت بين أوساط الحزب الشيوعي السوفيتي وبالذات داخل لجنة العلاقات الخارجية في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي لعموم الاتحاد السوفيتي التي كان يرأسها وقتذاك بوناماريوف آراء جديدة حول العلاقات بالأحزاب الشيوعية في البلدان النامية وهوية العمل من أجل تحقيق الاشتراكية في تلك البلدان، وتبني التطور اللارأسمالي في بناء الاشتراكية.

كان رأي بونوماريوف والأعضاء المحيطين به حول طبيعة الثورة الاشتراكية وطرق انضاجها أو القيام بها في البلدان النامية، يحمل الكثير من التشاؤم والتطيّر، لا بل كان مفرطاً باليأس ويستكثر على الأحزاب الشيوعية في تلك البلدان النامية القدرة على تحريك الجماهير أو قياداتها للقيام بمهام الثورة، وإن التفكير بمثل هذا الأمر يبدو ضرباً من الخيال يستحيل تحقيقه.

بعد فترة من الزمن وضمن حملة ممنهجة ظهر رأي بونوماريوف إلى العلن، وبدأ الترويج له داخل أوساط الحزب الشيوعي السوفيتي، وأخذت حملة التنظير تتسع بعرض الفكرة القائلة عن إمكانية تحقيق الاشتراكية عبر النضال السلمي وطريق التطور اللارأسمالي، والتخلي عن التفكير بركوب موجة الثورات وضرورة قيادة الأحزاب الشيوعية لعملية تغيير أنظمة الحكم.

وأخذت تطفو على السطح وبشكل واسع فكرة الضغط على الأحزاب الشيوعية في البلدان النامية للأخذ بهذا التوجه دون سواه، رغم وجود آراء مخالفة لذلك عند العديد من السياسيين والباحثين السوفييت. كان حقل التجارب الأول في مصر بقيادة جمال عبد الناصر، فقد كانت هناك داخل القيادة السوفيتية رؤية خاصة ايجابية عن شخصية الرئيس عبد الناصر، ولقيت خطواته التي اتخذها في طريق بناء مصر واستقلالها تقييماً إيجابياً، وبالذات حين رفع شعار الطريق نحو الاشتراكية العربية والتزامه بالنهج الثوري لتحقيق ذلك. وهذا ما أغرى البعض في القيادة السوفيتية بالرغم من كون خطوات عبد الناصر في تطبيقه للاشتراكية كانت غامضة، لا بل متقلبة بين العروبة والإسلام والطوباوية، وكانت لا تعدو سوى خطوات لا ترقى حتى للمربع الأول في طريق بناء الاشتراكية. فراحت بعض القيادات السوفيتية ومثلهم في بعض معاهد الدراسات والصحف وبجهود استثنائية تكيل المديح وتشيد بسلطة عبد الناصر، واعتبرت اتخاذه قرار السير نحو الاشتراكية بداية جيدة ممكن أن تفضي في النهاية ليناء الاشتراكية العلمية، وكان من أكثر المتحمسين لهذا الرأي بوناماريوف ويشاطره في هذا الرأي يفغيني بريماكوف وأيكربيلاييف، وهؤلاء كانوا مقتنعين بشكل ناجز بأن مصر تحت قيادة عبد الناصر تسير في الاتجاه الصحيح، وليس المهم التسميات إن كانت اشتراكية إسلامية أم عربية وإنما المهم هو الابتعاد عن سياسة السوق الرأسمالية وبناء الاشتراكية.

وحين طرح مشروع الاتحاد الاشتراكي من قبل عبد الناصر أراد من الشيوعيين المصريين أن يتوافقوا كلياً مع رأي وتوجهات السوفييت في البناء السلمي للاشتراكية، ولذا عليهم أن يدخلوا طوعاً ومن ثم الذوبان في الاتحاد الاشتراكي العربي. وبدورهم كان الشيوعيون المصريون لا يميلون لرأي القيادة السوفيتية ويترددون في تأييد جمال عبد الناصر، لا بل إن أغلب قواعد الحزب الشيوعي المصري والكثير من قيادته يعتقدون بأن حكم عبد الناصر كان حكماً عسكرياً دكتاتورياً، ودليلهم على ذلك تفرده بالقرار وتضييقه المستمر على حزبهم وحملات الاعتقال المستمرة لأعضائهم من قبل أجهزة السلطة. لكن الضغوط السوفيتية التي وجهت للحزب الشيوعي المصري لقبول الذوبان في الاتحاد الاشتراكي العربي مما سرع بالدخول الطوعي كفصيل داخل الاتحاد الاشتراكي العربي، ومن ثم اقناع الشيوعيين المصريين بحل حزبهم.

تبني هذا النهج في بناء الاشتراكية مما بذل القادة السوفيت بعيداً لتنفيذها في العديد من البلدان النامية، منها: غانا بقيادة كوامي نكروما وغينيا بقيادة أحمد سيكوتوري وأثيوبيا بقيادة منغستو هيلي مريام والصومال على عهد محمد سياد بري. ففي تلك البلدان أنشأت حكوماتها بمساعدة الحزب الشيوعي السوفيتي مدارس حزبية لإعداد كوادر وطنية وفق النظرية الماركسية اللينينية، وكانت تقدم لهذه المدارس مساعدات كبيرة لغرض تطوير الدارسين فيها وبناء قاعدة واسعة منهم تقود بلدانها مستقبلاً نحو الشيوعية.

في المحصلة العامة، قاد «طريق التطور اللارأسمالي» إلى رأسمالية واضحة المعالم، وليست تحت أسماء أخرى، كانت فيها «السلطة» طريقاً إلى «الثروة» أو الأولى مظلة للثانية. هذا شمل القاهرة ودمشق والجزائر. في مصر، التي هي بوصلة العرب منذ عام 1919، قاد التحول من «رأسمالية الدولة» إلى «اقتصاد السوق»، إلى تحولات مرافقة في السياسة الخارجية وفي «الأيديولوجية الرسمية»، وفي اسم الحزب الحاكم. لم يحدث هذا بعد، ولأسباب عدة متشعبة، في دمشق والجزائر. وفي النتيجة ذهبت نظرية التطور اللارأسمالي لبناء الاشتراكية ادراج الرياح.

***

نبيل عبد الأمير الربيعي

في المثقف اليوم