آراء

سليمان عميرات: مستقبل الحرب الروسية - الأوكرانية

مستقبل الحرب الروسية - الأوكرانية مع الوساطة الجزائرية العربية

بعد الزيارة الأخيرة للرئيس الجزائري إلى دولة روسيا الاتحادية وقبول الرئيس الروسي بوتين طلب الرئيس الجزائري تبون للسعي إلى وساطة توقف الحرب مع أوكرانيا وتبحث عن وجود حل سلمي ودائم يرضي الطرفين ويخدم مصلحة الدولتين الجارتين، ومن هذا المنظور يتضح لنا أن مهمة الوساطة الجزائرية ليست بالسهلة، لا من حيث صعوبة الموقف بين الطرفين الذي يوجب على وفد الصلح الجزائري بقيادة رئيس الدولة الحذر والحيطة، سواء من جهة الإطلاع على تاريخ العلاقات الدبلوماسية والجيوسياسية والتعاون فيما بين الدولتين وكذا التوتر الناتج بينهما بعد انفصال أوكرانيا عن الإتحاد السوفيتي إراديا، ثم العمل الجاد على وجود حل مؤقت هو ما أسميه حل فترة التفاوض والاتفاق بين الطرفين الذي يجب أن يسير في ظروف هادئة، بدون أحداث توتر الموقف أن تزعج أحد الطرفين عند التفاوض، ثم مرحلة الاتفاق سواء بتلاقي الآراء والمصالح أو تنافرها والبحث عن الحلول الوسطى، يتنازل فيها طرف هنا والطرف الآخر هناك حتى يستقيم الحل ويتقاسم الطرفان المصلحة بالتساوي والتراضي، والأمر الأخير الذي يعيق وفد الصلح هو تدخل أطراف خارجية في سعيها لإفشال مسعى الجزائر ونيتها في ترك الوضع متوترا بين الجارتين الذي يخدم مصالح معادية لروسيا كقوة استراتيجية عالمية، بفضلها يحافظ العالم على توازن القوى التي تصد القطب الوحيد ولو كان في يد مجموعة من الدول مثل الناتو أو الاتحاد الأوروبي وغيره.

القدرة الجزائرية على قيام الصلح:

للجزائر خبرة معقولة ومقبولة في مباشرة الصلح بين دولتين وترك بصمة طيبة وإيجابية في كل ما قامت به سابقا وما تسعى إليه في المستقبل، فبعد مفاوضات إيفيان التي أنجبت استقلال الجزائر والتي أصبحت تدرس في الثانويات والجامعات الجزائرية وبالأخص في تخصصي التاريخ والسياسة، ثم تلتها المالحة الوطنية التي قادها أطراف من الجيش الوطني الشعبي، والتي تكللت بنجاح باهر أنهى خطة إرهابية دولية كانت تستهدف استقرار الجزائر والتي صدرتها لدول تعيش نفس الأزمة، إلى جانب الموقف الجزائري والحنكة السياسية التي اتسم بها النظام في الآونة الأخير في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المستقلة ومسايرة الحوار بين الأطراف المتنازعة إلى أن يصلا إلى اتفاق ووئام يخدم الوطن، وقد شهد العالم بموقف الجزائر وهو موقف دولة لا نظام حكم ثم يزول معه، في قضايا عربية مثل ما جاء مع ليبيا واليمن وسوريا وفلسطين.

إن الجزائر صديقة الجميع، وكما هي صديقة روسيا وحليفة لها فهي أيضا صديقة أوكرانيا في تعاملها الاقتصادي والصناعي، كذلك أصبحت تتعامل دوليا مع الكل بالتساوي والمصلحة المتبادلة سواء سياسيا أو اقتصاديا أو تجاريا، وإن كانت تقترب من مصف الدول الكبرى فهي تعمل مع دول إفريقيا الند للند وبقانون رابح رابح، وبرهنت على ذلك في شراكة عربية وتركية، مع شركات إماراتية وقطرية ناجحة وشركات البناء التركية، كما لديها خبرة ليست بعيدة عن الأزمة الروسية – الأوكرانية في تهديد الحدود من طرف دولة جارة شقيقة، عندما تركت المنافس إن لم نقل العدو في بسط قوته بالسلاح والعسكر بالقرب من حدودها، والعمل السياسي مع طرف يتنافى مع سياسة والدولة ومبادئها وقد تعود النتائج وخيمة على الدولة الجارة، التي يراها بعض العسكريين خيانة العظمى حين تفتح أرضك وعرضك لعدو بعد أن ينال مراده يشمت فيك وتبقى دونه وتابعا له ذليلا ومحتقرا، فمن لا يصون جاره ويصونه جاره فلا قوة له ولا سند يحميه، وكل دخيل على مجموعة يبقى كالربيب بين الأشقاء.

الحلف الأطلسي أساس الحرب الروسية – الأوكرانية:

الكل يعلم أنه مع تفكك النظام الشرقي الإشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي في سنة 1991، وخروج أوكرانيا مع بعض الجمهوريات من الإتحاد، بقيت العلاقات العسكرية بين روسيا وأوكرانيا كما كانت عليه سابقا وذلك بفضل تعهد كييف على التخلي عن جميع الأسلحة الثقيلة والنووية لروسيا والتعاون في الصناعة العسكرية والمدنية ذات التكنولوجيا الدقيقة والعالية، لكن الحلف الأطلسي صار يعمل في السر والخفاء مع الدول المستقلة ونزعها من تحت وصاية روسيا والشرق وضمها تحت جناحه، ويظهر ذلك جليا في انضمام الكثير من الدول للحلف الأطلسي ومن ثمة إلى الاتحاد الأوروبي، منها المجر وبولندا بلغاريا وسلوفاكيا وتشيك ورومانيا وغيرها، ولم يعد يحمي جانبي روسيا سوى أوكرانيا وبلاروسيا، واليوم ترى الناتو في تمدد مستمر إلى الشرق واختياره أكثر لدول قريبة من روسيا وأكثرها مسيحية.

لهذا صارت روسيا ترى أن الخطر وشيك وأنها أراضيها أصبحت عرضة لاعتداء من القوى العظمى وأنه من حقها أن تقلق على أمنها وسلامة ترابها، وكما يقول المثل عندما تحس الأسود بالخطر والقلق على أمنها فهي تهاجم الذئاب، لذا فالمشكلة الكبرى والمعضلة ليست أوكرانيا بحد ذاتها، وإنما الخطر الذي تجلبه إلى حدود روسيا، وهذا النظام الحاكم الذي لا يحسب لأمن المنطقة ولا لمصلحة الشعب الأوكراني الذي له ميول روسية في تفكيره وانتماءه للشرق، وعليه يعتبره النظام الروسي هذا التصرف طيشا من الطرف الأوكراني وخرقا سافرا وانتهاكا من الناتو لمبادئ النظام العالمي والأعراف الدولية في الأمن والسلم الذي صار يهدد روسيا التي تصدت له بالقوة العسكرية، والتي كانت تطلب السيطرة على كييف وتنحية الحكومة والرئيس المعاديين لروسيا واستبدالهم باطراف متعاونة وتحترم كل العهود والمعاهدات بين الدولتين.

بعد أن اتجهت السياسة العسكرية الأمريكية إلى التدريب في البحر الأسود وبحر إيجا سواء مع تركيا واليونان ورومانيا منذ 2021، وتوسيع القواعد العسكرية في بلدان شرق أوروبا، أصبحت روسيا في خطر داهم، لذا عمدت سياسة التصدي لإستراتيجية الناتو واستعمال السياسة القمعية داخليا وخارجيا، كما تفعل ذلك في بيلاروسيا وكازاخستان.

وقد بدأت الأزمة بانطلاق الحرب على أوكرانيا في 24 فبراير 2022 بدعوى الدفاع عن الحدود الجديدة لروسيا وحلفائها، وقد تعرضت الدولتين لخسائر كبيرة من حيث عناصر الجيش والمعدات العسكرية والاقتصاد ولكن روسيا ترى أنها الطرف الوحيد الرابح في هذه المعركة، بما أنها قامت بتجارب واقعية وعلى الميدان في مشاركة كافة عناصر الجيش في الحرب واستعمال الأسلحة العادية في المعارك، سواء الدبابات والصواريخ والبوارج الحربية والجنود والضباط وتعبئة الشعب مع تدابير الاستنفار واللجوء إلى المخابئ، ولما نرى عدم تدخل الحلف الأطلسي مباشرة وحماية حليفته بالقوة العسكرية نعرف أن روسيا هي الرابح في الأزمة، وعليه فإن أوكرانيا وأوروبا هما الخاسران الكبيرين، مع تدمير الكثير من المباني والعتاد الحربي وهروب الشعب الذي لجأ إلى أوروبا الغربية، لأكثر من أربعة ملايين لاجئ ونفقة تصل إلى ثلاثين مليون يورو سنويا إذا استمر الأمر.

بين الناتو ومجلس الأمن، من المسئول عن السلم في العالم؟

ترى رروسيا أن الحلف الأطلسي NATO أصبح خطرا كبيرا خاصة بوجود مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم الكتحدة، الذي يضطلع بمسئولية حماية الدول الضعيفة من الاعتداء على حدودها والحفاظ على السلم في العالم، وهو اليوم يحاول التوسع شرقا لحساب الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، فهكذا تكتل عسكرية سوف يأدي حتما لحرب عالمية جديدة لصالح أعضائه، فهذا الحلف شارك مع الجيش الفرنسي في حربها ضد الجزائر المستعمرة والتي حصلت على استقلالها رغم مشاركة دول الناتو معها، وبهذا فالجزائر لا تؤمن بتكتل يدعو الاحتلال والاستعباد ويحمي مصالح دول قوية تهيمن على الاقتصاد العالمي وصناعة الأسلحة الفتاكة والمدمرة كما فعلت فرنسا بتجاربها النووية في الجزائر قبل وبعد الاستقلال.

لا زال الناتو متخوفا من دول الشرق مثل روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران، ونسي أن لهذه الدول الحق أيضا للدفاع عن حدودها واسترجاع ما نهب منها في أوقات الضعف والسيطرة الاستيطانية، كما لأوكرانيا الدفاع عن نفسها ضد أي إعتداء سواء من روسيا أو غيرها، ولروسيا أن توقف أي تهديد لحدودها الجغرافية ومن دخول قوة معادية إلى المنطقة التي تعتبرها محظورة.

ترى دول الناتو أن هجوم روسيا على أوكرانيا غير مبرر كما ترى ذلك أمريكا أيضا، وترى السياسة عكس ذلك فماذا لو تحالفت روسيا مع كندا وقامت بإنشاء قاعدة عسكرية للتدريب والتجسس، فما موقف أمريكا من هذا العدوان الصارخ في هذه الحالة، وماذا لو دعت روسيا كل من الصين وكوريا الشمالية والهند وإيران ومنغوليا وغيرها إلى تكتل يعدو إلى السلم في العالم وحماية مصالحها العسكرية المشتركة ومنطقتها من كل إعتداء.

ترى روسيا أن الاستراتيجية الحربية الروسية لا تريد احتلال أوكرانيا ولا إخضاعها بالقوة لهيمنتها، وربما أرادت فقط حماية نفسها وحدودها من تهور الرئيس الأوكراني الذي يتلاعب بمصير بلده رغم علمه بالعواقب مسبقا.

روسيا حاولت الوصول إلى العاصمة كييف وفرض تغيير الرئيس الحالي، وعندما رأت أنها لا تمتلك دعم الشعب الذي فر إلى أوروبا الغربية لاجئا،غيرت من خطتها واتجهت شرقا لحماية الجمهوريتين والسيطرة على البحر الأسود وميناء القرم بالسيطرة عليه وعلى مدينة ماريوبول.

إن العقوبات التي فرضتها أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي تكشف عن ضلوع الناتو، كونها غير مبنية على تهديد الأمن في إحدى مناطق العالم، بل لا تخدم سوى مصالح دول الناتو بالدرجة الأولى، والتي بدأت دعوة الصين إلى الانضمام إلى دعم هيئة الأمم المتحدة والنظام الدولي في مبادئه المتعلقة بالأمن والسلم الدوليين والسلامة الإقليمية.

مخطط الصالح الجزائري:

تنتهج الجزائر الصلح في موضوعين هامين، أولها هدوء ساحة التفاوض وهذا ما نسميه بالهدنة المشروطة، والتي تستجيب لبعض مطالب الدولتين قبل الاتفاق النهائي، وتتمحور في:

- الاتفاق على وقف إطلاق النار أو هدنة مؤقتة بين الطرفين دون الحديث عن انسحاب الجيش الروسي.

- وقف العقوبات على روسيا أو التقليص منها إلى الحد المقبول.

- تعهد أوكرانيا بعدم اللجوء إلى أي تكل أو مجموعة أوربية لجلب مساعدات عسكرية أو استخباراتية روسيا.

- تعهد الحلف الأطلسي بعدم التدخل في أمور البلدان المجاورة لها في فترة التفاوض، سواء أوكرانيا أو بيلاروسيا أو البحر الأسود.

- يدخل الطرفين في تفاوض مستمر إلى حين الوصول إلى إتفاق نهائي، يمكن لأي اتفاق جزئي أن يطبق إذا رأى الطرفان أن ذلك يخدم مصلحتيهما، ويبقى باقي وفود الدول الأطراف في مهمة التفاوض على حياد ما لم يطلب منهم التدخل حسب القواعد الدولية.

إن من أهم النقاط التي يجب أن تبرمج لطرحها أمام الطرفين وليست بالإجبارية أو وصاية من الوفد الجزائري بل تكون حسب طلبات الطرفين لوقف الحرب نهائيا والعمل سويا على أمن المنطقة، ويمكن ذكر ما تيسر منها:

- التعاون العسكري والسياسي الروسي – الأوكراني والعمل على حماية المنطقة من أي خطر أو اعتداء أجنبي أو من دولة على دولة أخرى هي صديقة.

- عودة العمل الصناعي العسكري بتكنولوجياته وخصائصه مع التعاون بين خبراء عسكريين بجيوش الدولتين.

- عدم انضمام أي طرف إلى حلف غربي أو شرقي أو أي تكتل اقتصادي يمكن أن يضر بالدولة الثانية أو قد ترى هي ذلك.

- التعاون الجاد مع حسن النية في إيجاد حلول ملائمة للأزمات السياسية مثل أزمة الجمهوريتين اللتين تطالب بعض الأطراف بها عن الاستقلال عن أوكرانيا، ولا تتدخل روسيا في الموضوع كوصي أو كقوة رادعة ما لم تكن لصالح أوكرانيا.

- وجود حل ملائم ومنطقي وقانوني لمشكلة جزيرة القرم.

- العمل على التآخي بين الشعبين وعودة العلاقات القديمة ما قبل الاتحاد السوفييتي والتعاون في مجالات عدة منها الثقافية والسياحية والعادات والتقاليد لكلتا الدولتين وفي مجال الأدب والعلوم والرياضة.

***

سليمان عميرات - الجزائر

في المثقف اليوم