آراء

علي الرئيسي: هيمنة الدولار وعملة البريكس

مع تزايد الاضطراب، والانقسام على المستوى العالمي، يتوقع الكثير من السياسيين، والاقتصاديين،  ورجال الاعمال، والاكاديميين، نظام عالمي  متعدد الأقطاب مما سيكون له تأثير كبير على النظام المالي والنقدي العالمي, الذي يهيمن عليه الدولار الأمريكي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وانبثاق نظام بريتون وودز. كان لسياسات الولايات المتحدة الخاصة بمكافحة الجائحة ومن ثم العقوبات الاقتصادية والمالية التي اتخذتها ضد روسيا بعد عمليتها الخاصة في أوكرانيا، والخلاف الأمريكي الصيني تأثير غير مسبوق على النظام الاقتصادي العالمي وبالذات على النظام النقدي ونظم المدفوعات.  هذه السياسات أضعفت من هيمنة الدولار كعملة احتياط عالمية واداة للمدفوعات. ورغم ان التكهن بضعف هيمنة الدولار ليست مسالة حديثة وتم الحديث عنها مرارا،  الا ان الكثير من المراقبين يعتبرون المسالة في هذه الحالة مختلفة.

وتزعم كارلا نورلوف، أستاذة العلوم السياسية في جامعة تورنتو، في مقالا لها في" بروجكت سندكت" انه رغم التضخم العالي، والزيادة المستمرة في الدين العام الامريكي، والمناخ العام المسيطر على العلاقات الدولية الذي يشبه الى حد ما مناخ الحرب الباردة، وزيادة الاهتمام بالتسلح والامن، الا انها تشكك في ان ذلك سيقود الى نظام نقدي متعدد الأقطاب في القريب العاجل.

خلال السنوات الماضية تم اختبار النظام الرأسمالي العالمي ومدى ترابطه، هذا مع وجود ثغرات في الامن الغذائي والطاقة، وخاصة مع استجابة الفدرالي الأمريكي بخفض أسعار الفائدة ومنح البنوك المركزية خطوط ائتمان وشراء السندات وإجراءات أخرى تحت عنوان ما يسمى" بالتسهيل النقدي"، هذا إضافة الى تعطل سلاسل التوريد مما ادى الى زيادة كبيرة في التضخم العالمي. وقد أدى ذلك لاحقا الى قيام الفدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة لمحاربة التضخم مما عجل من  التباطؤ الاقتصادي واضعاف لعملات الدول الناشئة، والتي أصبح معظمها  يعاني من تضخم مرتفع وزيادة في المديونية وعجز يتضاعف في ميزان المدفوعات.

لقد أدت سياسات الولايات المتحدة باستغلال هيمنتها على النظام المالي والنقدي الدولي وهيمنة الدولار على نظام المدفوعات ببحث الدول عن بدائل أخرى لهذا النظام، وخاصة كل من روسيا والصين وذلك من خلال مجموعة البريكس (التي تتكون حاليا من روسيا، والصين، والهند، وجنوب افريقيا، والبرازيل) والتي قطعت خطوات مهمة لتفعيل اليات الدفع بين دولها بعملاتها المحلية، كما قامت كل من الصين وروسيا بتطوير نظم للدفع بعيدا عن هيمنة اليات وأنظمة الدفع الغربية، فالصين على سبيل المثال قد طورت نظام للدفع بين البنوك يعمل كمقاصة بين البنوك حاله كحال مقاصة أمريكا،  كما ان روسيا أنشئت نظاما خاصا بالمدفوعات بين البنوك يتجاوز نظام سويفت التي تم حظر البنوك الروسية من الاستفادة منه، كما قامت الصين بخلق نظام لمبادلة العملات (SWAP) بالرومبيني، هذا إضافة ان بعض الدول قامت بسداد قروضها الى صندوق النقد الدولي بالعملة الصينية حيث ان الرومبيني هو عملة من عملات حقوق السحب الخاصة بالصندوق، كما ان فكرة بيع النفط بغير الدولار هي فكرة واردة تماما. ان هذ التطورات أدت  الى التخوف من ظاهرة التشظي، والانقسام، والانفصام، ونظام عالمي تزداد فيه السياسات الحمائية والعودة عن العولمة.

ورغم هذه التطورات المهمة في خلق بدائل للدولار كعملة للاحتياطيات والمدفوعات الا انه يظل مهيمنا علي النظام النقدي والمالي حتى الان، ان مقترح عملة البريكس على سبيل المثال يواجه تحديات عديدة: حيث تعتبر العملات الوطنية مصدر من مصادر السيادة النقدية وبالتالي اصدار عملة مشتركة يتطلب التنازل عن بعض من هذ السيادة، ويكون من الصعب التوافق على هذه التنازلات. كما ان اقتصادات واولويات دول البريكس تختلف ولذلك توحيد العملة يواجه تحديات في تنسيق وتوفيق هذه السياسات والاولويات. كما ان بعض هذ الدول لا تريد  التخلي عن السيادة النقدية كما هو الحال في التباين الصيني- الهندي حول العملة المشتركة. ان تأثير عملة البريكس على الاستقرار الاقتصادي والسياسي غير واضح وقد يؤدي الى مزيدا من عدم اليقين والتعقيدات، والعمل على اصدار عملة مشتركة يحتاج الى مباحثات غير سهلة للوصول الى اتفاقيات مقبولة من جميع الاطراف. ورغم هذه الصعوبات والتحديات فذلك لا يعني انه لا يمكن التوافق على اصدار عملة موحدة وتجربة اصدار اليورو وبقاءها حتى الان رغم التحديات والصعوبات  لدليل على انه بالإمكان التوصل الى توافق اذا توحدت الإرادة السياسية.

لقد كانت هناك تجربة اصدار عملة خليجية مشتركة خلال السنوات الماضية، وعلى الرغم ان اقتصادات دول مجلس التعاون هي اكثر تكاملا وتشابها من اقتصادات دول البريكس، الا ان تلك التجربة اعترضتها كثيرا من المصاعب والتحديات مما حذا  بدول مجلس التعاون الخليجي التخلي عنها مؤقتا. ومع  انبعاث الأمال في التخلي عن هيمنة الدولار وخلق نظام نقدي متعدد العملات قد يكون من المفيد من إعادة النظر في هذه التجربة والاخذ بالدروس والتجارب الماضية في سبيل الوصول الى نظام نقدي موحدة يكون أداة لكتلة خليجية اقتصادية موحدة، يكون لها حضور على مستوى عملات الاحتياط والدفع وتحفظ مصالح شعوب المنطقة في ظل التكتلات الاقتصادية العالمية الجديدة. وليكون النظام النقدي الخليجي الموحد خطوة نحو تعميق التعاون والتنسيق النقدي بين الدول العربية.   

***

علي الرئيسي

باحث في قضايا التنمية والاقتصاد

في المثقف اليوم