آراء

عبد الجبار العبيدي: بين الحقيقة والخُرافة

العماد الاكبر في معرفة المصطلحات الثلاثة التاريخ والحضارة والخُرافة واهميتها في حياة البشر، هي معرفة الانسان بالتاريخ واحوال البشر، ما عايشه وما توصل اليه بنفسه من ملاحظات، وهو في مسيرة قراءة تاريخ البشر.

من هنا نقول: ان موضوع الحضارة يحتاج الى معرفة الانسان بالتاريخ واحوال البشر. لذا فالكتابة في الحضارة والتاريخ يحتاج الى فتح باب التفكير والمناقشة في قضايا جديرة بأن توضع موضع التأمل والبحث وليس مصطلحات الدين الواهية التي يقصدون منها تخلف البشر. فاذا وفق الكاتب في ذلك فقد أوفى على الغاية من معرفته بتاريخ وحضارة البشر.

فلسفة التاريخ هي المحرك لمعرفة القوى المسيرة للتاريخ وقواعد تحكم سير الحوادث التي منها نستق قوانين الادراك للاحداث ومن ورائها استيعابها والتطبيق لها لتساعدنا على فتح الطريق الصحيح الخالي من العوائق لنسير فيه دون عراقيل لنوفر اسباب السعادة للبشر، ونبتعد عن الخُرافه الكلام المستملح للكذب غير المصدق من قبل فقهاء الدين والمحدثين بلا دليل الذي حولته الاديان الى حقائق غير مدروسة وغير ثابته في تاريخ البشر.

ان قصد الخرافة ان تجعلك تصدق بالماورائيات دون دليل بعد ان تحول عقلك الى عقيدة مستملحة لا تقبل المناقشة والتفكير كما في طروحات مؤسسة الدين (أمنيات الجنة والنار) دون معرفة العدل والقانون والعمل الصالح، وربطها بالحج وغيرها من ترهات كلام رجال الدين ، بهذه التوجهات الخرافية استطاع رجل الدين ان يحول المعقول الى وَهمَ، والعقل الى خرافة امنيات يتمناها البشر. لذا عندما يتحول الوَهَم الى حقيقة والخرافة الى عقيدة مغلفة بالعقيدة المقدسة يصل رجل الدين الى نهاية عقل البشروتدميره، من هنا فاصحاب الديانات عمدوا على نفي علم الفلسفة واستبدلوه بالعقيدة ليتمكنوا من حكم البشر بعقيدة التخريف التأملية دون حقيقة التاريخ والحضارة والعمل الصالح، لتغليب الخُرافة على البشر، كما نراها اليوم حين حولوا المبادىء الى خرافة بشر.

والتاريخ المكتوب لخدمة الملوك والامراء والسلاطين لم نعثر فيه سوى التعريف بحياتهم واحاطتها بالتمجيد وقوة خرافة البشر، حياتهم يكتنفها الظلم والانانية وأحتقار البشر، لكنك حين تقرأ للمؤرخين القدامى وحتى بعض المُحدثين لا تجد في معرفة حياتهم سوى صورا مختلفة لنظام القسوة وترصيع الكلام بصورا ثابته لهم تحسبها حضارة وتاريخ ناصع لا يناقش في حقوق البشر بل تهدف من ورائها الى ترسيخ الخرافة في عقل البشر، مؤسسة الدين نموذجاً.

فرق كبير بين مفكري الغرب ومفكرينا في امر مشكلة تقدم الانسان وماضيه وحاضره ومستقبله لتجد ان الفرق بين الاثنين هو ان نتوصل الى درس عميق في التوجه والتطبيق لانتاج حضارة البشر.في الاول تقدم وفي الثاني تخريف من اصحاب ديانات البشر.

مفكري الغرب بحثوا في كل مشاكل البشر وأعادوا النظر في كل ما قامت به الانسانية من تجارب في الماضي، ففتحوا لها ابوابا واسعة للتفكير والتغيير، فمهدوا بذلك لثورة طويلة بعيدة المدى في فكر الانسان والنظم السياسية والاجتماعية بدأت بثورات المفكرين الفرنسيين الذين نادوا بالحرية والاخاء والمساواة والثورة الامريكية التي نادت بالدستور والقانون وفصلت الدين عن السياسة، حتى بدأت الدولة تدخل في عصر الحقوق لا تخريفات البشر.

فهل يمكننا فهم حقوق الناس دون فهم معايير الحضارة والتاريخ وحقوق البشر، لتتطور حقوق الناس بالقانون لا باراء مرجعيات الدين المقفلة عقولهم الا ما يوازي فكر الدين لا البشر، وهكذا تطورت الثقافة ومحتواها ففتحت لهم افكار التفكر والتطور وحقوق البشر، فكانت الدولة هي الفكر لا ارادة قدسية البشر.فثمار الحضارة في التاريخ لا تظهر لنا الا اذا أضفنا الزمن الى جهد الانسان ليجربها مرة بعد اخرى فيثبت جدارتها في التغيير والتطور لا تقديم خرافات الدين في البشر، فالتقدم الحضاري ليس وحيا من الله كما قال احد مفكري الاسلام ابن حزم في كتابه مراتب العلوم بل اعطاه العقل ليفكر ويخترق ابواب العلم لتطوير البشر.

ماذا جنينا من ثوراتنا في عراق المظاليم غير ترهات الدين في أمنيات الأخرة في الجنة والنار، سرقة اموال الدولة، حكومات المحاصصة المذهبية دون عدالة القانون، قتل العلماء والمفكرين، مذاهب واجتهادات كلها تتنافى وعقلية البشر، بكاء ونحيب وتطبير وتخريف بحجة البكاء على المخلصين وما هي الا َوهَم من صنع فقيه الدين، لكنهم لم يعرضوا لنا ما اراد القائد الشجاع من ثورته التي جاء بها من اجل الاصلاح، بل منذ 1400 سنة وهم يعرضوا لنا كيف قتل القائد البشر، ولميقولوا لنا لمذا كانتثورة القائد البشر، فماذا استفدنا غير ترهات افكار مؤسسة الدين الوالغة في قدسية النص دون علم من بشر.

لم يحدثونا عن التخلي عن التعصب الديني، والحقيقة الدينية وتطورها وهل هي مطلقة ام محددة.ولم يقولوا لنا ان الثورات والتغيرات الدينية هي اساليب يرتبط نجاحها بتوفر القيادات المخلصة، والاهداف الواضحة والبناء السليم.لا بل ظلوا يعلموننا بالخضوع لهم باعتبار الخضوع اوامر الخالق العظيم، لا ما هكذا يكون الدين ولا قياداته ابدا.فالدين الذي ينقلنا الى عبيد فهو ليس بدين ولا نعتقد به مخلصين.

كانوا وما زالوا همهم السياسة والسلطة، والسياسة تعمي االبصر، ووتضلل الذهن، وتملأ القلب قسوة، وتجعل الانسان يرتكب جرائم لا توصف لتبقى السلطة والمال بيده وقتل الشرعية ليخلو لهم الحكم دون معارضة من احد، هذه هي سياسة المسلمين منذ وفاة صاحب الدعوة الى اليوم دون تغيير، لذلا بقينا على حالنا دون تقدم ولا تغيير.

والمشكلة كلها هي مشكلة عدم وجود دستور للدولة واذا وجد فهو مصاغ لخدمة السلطة لا الناس كما في دستور العراقيين اليوم الذي انكرته الامة فبقيت شروره ترافق الدولة دون حقوق.

فاين مناهجنا الدراسية التي تنبه العقول على الخطأ المستمر ونحن نهرول خلف الرادود،

الى لقاء اخرمع التاريخ لنبين كذب ودجل مؤسسة الدين؟

***

د. عبد الجبار العبيدي

في المثقف اليوم