آراء

عبد الجبار العبيدي: بين التفسير الفقهي للنص المقدس والتفسير العلمي.. جدلية

نعم.. بين الواقع والحقيقة جدلية.. بين ما يعتقدون الذين يسمون انفسهم بالقادة.. وبين الحقيقة المغايرة لاعتقادهم جدلية.. ما حصل بين حماس والدولة العبرية غيرَ وجه التاريخ.. لكنها جدلية.. فلم تعد الدولة العبرية كما كانت ابداً.. فقد أنثلمت هيبتها النفسية.. ومن ينكسر لن يعود ابدا الى سابق عهده، كما انثلمت دولة المسلمين بعد احتلال المغول لها ولن تعد.. دولة.. نعم أنها جدلية.. لأن الدولتين لم يعترفا بالحقيقة والخطأ.. فهل سيقرأون الذين يسمون انفسهم بالقادة ما حصل ليعودوا الى رشدهم بعد غفلة الزمن الطويل؟؟ اربعة مصطلحات ذكرها النص المقدس نهاية اصحابها الخذلان ان لم يلتزموا بالقيم الربانية .. الخيانة، والاعتداء، والظلم، والفساد.. كلها اذا توفرت في كيان معين نهايته نهاية كل الساقطين.. لذا بعد سقوط بغداد على يد المغول عام 656 للهجرة لم تقم دولة للمسلمين.

لم تعد الكتابة في الدين والاخلاق والقيم في مجتمعات التخلف الديني المقيت نافعة للتغيير، والتي اوصلت الناس الى لا اخلاقية الحياة في الدين. بل، لا بد من الالتفات الى الاسباب والمسببات التي غيرت المجتمعات واوصلتها الى حتمية الفوضى والانتهاء.. فكان فهم الدين ومؤسساته خطئاً بعد ان تغير رجاله الناكرين للقيم الاخلاقية الى منافقين.. وتكالبهم على المنافع الخاصة باسم الدين وتركهم الوصايا العشر، حتى تبدلت سايكولوجية المجتمعات الدينية المتزمتة الى العدم.. بعد ان غيرت سلطة الفساد المناهج الدراسية الفلسفية القويمة وحولتها الى تخريف.. هذا ما يجب الالتفات اليه لامكانية انقاذ المجتمع واجياله الصاعدة من سماسرة السلطة ورجال الدين ومرجعياته الصنمية اليوم.. والتي مثلت نفسها بسلطة الشعب باطلاً.. فلا حل الا بالمقاومة والتصميم على التغيير لصالح الشعب والوطن وبالفكر الراجح والمنهج الدراسي الصحيح.. في التنفيذ.. فكانت ثورة تشرين الخالدة في عراق العراقيين.. بداية التصحيح.. والتي لا زالت نارها تحت الرماد تنتظر التغيير.

موضوع شائك ومعقد ومهم.. فالاقدام على كشف حقائقه يحتاج الى النظر الجدي في التفسير القديم للنص المقدس الذي خلف الامة وادى بها الى الانهيار الكبير حين اصبحت معتقدات الخُرافة هي التقديس - زيارات الأضرحة والدعاء واربعينيات التخريف -.. وبعد ان اصبحت قياداتها بيد اللا أخلاقيين.. كأننا لا زالنا نعيش في القديم منذ يوم كانت اللغة العربية تعبر عن التفكير القائم على ادراك المشخص وليس قاعدة اللغة وتطورها المستمر، ولم تكن التسميات الحسية فيها قد استكملت بعد تركيزها في تجريدات فكتبوا لنا التفسير الخاطىء حتى اصبح لدينا قانون مقدس لا يُخترق، فصيرورة التاريخ تستدعي تهميش القديم ساعتها، سنقلب الطاولة على الفقهاء والمفسرين، لا بل سيقلب رأي القارىء على المفسرين وما خلفوه من اقاويل الخرافة في الدين.. وهذا هو المهم.. بعد الاستناد الى المنهج التاريخي العلمي في الدراسات اللغوية سنصل الى تفسير يتوائم مع نظريات التحديث، لكن هذا التوجه الخطير يحتاج الى البرهان بالدليل وليست آقاويل.. هنا يتوقف الرأي على فلاسفة العلم الحديث.

ترافقه شجاعة وتضحية منقطعة النظير من القائمين على التفسير الجديد.. لنشره في صحف تقبل الرأي والرأي الاخر بقوة التنظير، وتقبل الحق دون خوف من تهديد او قتل او وعيد.. في مجتمع اصبح فيه القديم المقدس مطبوع في الافكار لا يقبل التغيير.. وحكم سلطوي يحتكم الى منطق القوة دون مناقشة الفكر الحديث للحفاظ على مكتسباته الباطلة دون الأمة، كي يبقى مفهوم الدين القديم وسيلة لسيطرتهم على السلطة والمال دون الاخرين.. كما هم عندنا حكام الوطن اليوم.. لكنهم مخطئون..

ان اثبات المنهج العلمي في التفسير، سيمهد الطريق الى الكثير من تغيير تفسير المفسرين الذي استند على الرأي لا على فلسفة اللغة في التحقيق..

ان التوجه الى القراءة المعاصرة للنص، وفقا للأرضية الفلسفية والمعرفية الحديثة، ستجعلنا نتوجه الى عرض وجهات نظر مختلفة الى الوجود والمعرفة والتشريع والاخلاق كلها مستندة الى النص المقدس، وليس الى التفسير القديم المتضارب اليوم - نملك 200 تفسير للقرآن لا ندري ما الصحيح-.. باعتبار ان الصيرورة التاريخية (نظرية التطور) تكمن فيها حقيقة التوحيد على اعتباران: " القرآن صالح لكل زمانٍ ومكان". من هنا فان حرية التعبير عن الرأي، وحرية الاختيار، هما أساس الحياة الانسانية في الاسلام.. وليست ما تدعيه باطلاً مرجعيات الدين.

نعود لنقول هل يجوز لنا ان نضع في المنهج المدرسي الايات القرآنية التي تتضارب مع الدساتير المدنية في حقوق الانسان كما في المادة الثانية من الدستور العراقي التي تقول: "لا يجوز سن قانون يتعارض مع الشريعة"، ولا ندري اية شريعة يقصدون شريعة الشيعة أم شريعة السُنة ام شرائع الأخرين. - ذاك زمان مضى-، من سيسمح لنا ذلك في التغيير من اصحاب سلطة الحقوق الباطلة.. امر في غاية الخطورة علينا ان نجتاحه وان كلفنا القلم والروح.. ليس مشكلة وانما المشكلة على الاصرار في التنفيذ لنصل الى تخريج فقهي وعلمي يتوافق مع الأثنين.. معا.. نعود فنقول: ان في التأسيس القرآني للمجتمع كما نعتقد لا كما يعتقدون غايتنا في التغيير..

لا يمكن لمن يريد ان يحكم حكما اسلاميا خالصا ان يعيد انتاج ومواصفات الحقبة النبوية وما تلاها بكامل مواصفاتها كما في داعش والقاعدة ومعتقدات ولاية الفقيه، لان الزمن يلعب دورا في عملية التغيير.. كما لا يمكن التخلص من تلك الحقبة برؤية جديدة تختلف كل الاختلاف عن السابق. لكون ان التجاهل لمفهوم المتغير الاجتماعي يضع المجتمع في حركة تضادية او جدلية لامكانية انتاج فترة جديدة المواصفات، وهنا تدخل صعوبة التغيير، لذا لابد من دراسة الظواهر في انقى اشكالها لاستخراج عملية التواصل الاجتماعي المطلوب.. اي لاعودة للماضي (العودة عبر الزمن مستحيلة).. ولا لسحق الماضي بكليته.. لذا لابد من خضوعنا لمبدأ القانون الذي يحكم الظاهرة الذي يفرض نفسه في ميلاد كل مجتمع جديد.. ان الإصرار من قبل السلطة المستندة على مؤسسة الدين المتخلفة على تطبيق الحكم الاسلامي المتزمت كما هو اليوم بعيدا عن القانون او بنظرية التفويض الآلهي، اصبح محكوما علية بالموت بالضرورة.

من هنا تكمن أهمية التجديد..

فالتجديد بحاجة الى صفوة قائدة جديدة واعية ومتقدمة لتقود وتوجه وتبتكر وتبني وتنظر الى الامام وتحسب حساب الحاضر والمستقبل لتحول المجتمع الى المسيرة الحضارية من اهل العلم ومؤسساته، لان القيادة السياسية وحدها -وان كانت مخلصة – لا تعطي اصحابها ميزة مادية او معنوية على غيرهم من افراد المجتمع، لأنها في واقع الامر اشد تمسكاً بحقيقة امتياز الفئة القائدة على غيرها.. هنا تقف الصفوة بصمودها وايمانها بالوطن وحقوق الشعب سدا منيعا ضد تصرفات السلطة لتميزها ببعد نظر يجعلها ترى على الافق البعيد ما لم تراه السلطة الحاكمة، لذا لابد من تقف مكانها وتتقهقر عن مطالبها الخاصة.. لان من لا يتقدم يتأخر.. ومن لا يصحو يموت.. كحركة الكون كله القائمة على الحركة العامة الى الامام.

هنا يجب ان يشخص دور المؤسسة الدينية التي تقف بتزمتها الفكري حجر عثرة في تقدم الاوطان.. والا ما معنى المرجع الاعلى هو الذي يقرر وقرارته 100% غير صائبة لجهلهه بحركة التاريخ ومتغيراتها.. لذا لم تتقدم الدول الاوربية والامريكية الا حينما فصلت الدين عن السياسة وأحلت محله القانون. فالصفوة القائدة هي الطموح للتقدم وليست مؤسسة الدين المنغلقة على نفسها بتاويلاتها البائدة المتخلفة التي ترجع التقدم الى ما سلف. وصدق المفكر لفيلسوف ارنولد توينبي حينما قال: "لا تزال الدولة بخير مادامت صفوتها بخير".

نعم من هنا تكمن أهمية التجديد لمشروع جدي على مستوى الرؤية التاريخية.. وجدية النظر في العمل الفكري والعلمي التطبيقي معاً.. ساعتها سيكون مشروع الدولة قابلا للفعل في ظروف العصر واوضاع الدولة بشكل خاص. نعم هنا بدخول مرحلة التعقل والتفكر وابعاد الوهم المرجعي الديني عن الرؤوس يواجه المجتمع التجربة ويخوض المعركة، وحين يشتد عضده يكون قد بلغ سن الرشد للتغيير.. والعقل والتصرف الموزون به يعرف بفعاله لمواجهة تفاعلات الواقعات عبر مسيرة الزمن حتى الوصول للنهاية والاستقرار.

وبدون هذا التوجه العلمي الصحيح سيبقى المجتمع يراوح في مكانه دون تقدم.. كما نحن في بلادنا المغتصبة من مؤسسة الدين اليوم.

نحن بحاجة اليوم الى ثورة علمية تزيح كل الكتب الصفراء المنضدة خلفهم وهي اس البلاء على الناس والمجتمع ورميها في النهر لخلق افكار جديدة وفق منهج علمي جديد يدخل المدرسة ولا عودة لمؤسسة الدين الصنمية التي نهبت اموال الدولة بحجة الخمس وهي ضريبة فرضت على عهد الرسول (ص) وقد انتهت بوفاته..

 ضرائب فات زمانها ولم نلمس منها غير الفرقة وتضخم مؤسسة الدين ومؤسساتها وقصورها وبذخها في لندن وباريس وايران والتي تخرج لنا كل سنة من مدارسها العاطلة فكريا الاف من المترهلين وتبني لنا المئات من المزارات الكاذبة التي تحلب بها جيوب المواطنين وتنقلنا الى الدعاء والرادود الكريه المبهم الكلمات لخلق جيوش المتخلفين والمذلة في ترجي السابقين.. لتجعل المواطن يعتمد على الادعية البائسة دون تحريك القدرة الفكرية فيه. من هنا يمتصون ثروة الوطن بلا عمل وقتل تطلعاتهم الفكرية.. ناهيك عن فكرة نشر الجهالة والاتكالية في نفوس المواطنين لنشر الجهل بينهم.. حتى اصبحت الجوامع والمزارات اكثر من المدارس بكثير.. وهنا الطامة الكبرى التي تواجه الوطن والمواطنين..

فاين الكُتاب والمثقفين الذي ملأوا الدنيا ضجيجاً بكتاباتهم البائرة دون تحقيق.. والتي هم يبررون ما يكتبون لانهم الاقدر على التبرير، والاسرع في الخيانة الوطنية لانهم القدر على التوصيف.

كفاية نحن نحترم شجاعة من يقول الحقيقة او بعضها.. قولوا الحقيقة قبل فوات الآوان.. ايها المدلسون.. فلم يعد التدليس نظرية تعريف.

***

د. عبد الجبار العبيدي

في المثقف اليوم