آراء

يوسف أبو الفوز: روسيا تخوض حربا أخرى على الحدود الفنلندية

تنشط الحكومة الفنلندية، في الأيام الاخيرة، دبلوماسيا واعلاميا، وينصب جهدها لطمأنة الشارع الفنلندي أولا، لما يجري على الحدود الشرقية البرية للبلاد، مع الجارة الأكبر روسيا، والتي تبلغ 1340 كيلومترا عبر غابات وبحيرات متشابكة، فقد عقد رئيس الوزراء الفنلندي بيتري أوربو (يمين تقليدي)، ووزيرة الداخلية الفنلندية ماري رانتانين (يمين متطرف) مؤتمرات صحفية مشتركة، متتالية، أعلنت فيها الحكومة الفنلندية، واعتبارا من الجمعة 17 تشرين الثاني الجاري، اغلاق نقاط العبور الحدودية الأربع في جنوب شرق فنلندا والتي تشكل جزءا مهما من نقاط العبور على الحدود الفنلندية الروسية، والسبب وراء ذلك كان في استمرار تدفق اللاجئين، القادمين كمجموعات صغيرة من العمق الروسي، رغم تساقط الثلج وموجة البرد، على الدراجات الهوائية، ليسلموا أنفسهم الى السطات الفنلندية طالبين اللجوء وفقا لقوانين الأمم المتحدة بمنح الحماية الدولية للأشخاص المعرضة حياتهم للخطر، وجّل القادمين، وقد اصبح عددهم بالمئات، من بلدان الشرق الأوسط، بشكل أساس العراق وسوريا والصومال وأيضا من أفغانستان وكينيا والمغرب واليمن، وسط اتهامات بأن السلطات الروسية تسهل وصولهم، بل وترشدهم وتجبرهم على ذلك، وتشير المعلومات ان بينهم من تواجد في روسيا بشكل غير شرعي لفترة من الزمن. ويشير المسؤولون الفنلنديون في تصريحاتهم الصحفية إلى أنه في الماضي، لم تسمح روسيا للمسافرين الذين يحملون وثائق غير كاملة بالتوجه إلى المعابر الحدودية الفنلندية، ولكن الآن تغيرت هذه السياسة بشكل واضح، وقال نائب قائد منطقة حرس الحدود بجنوب شرق فنلندا، إن (من الصعب التنبؤ بالمستقبل، لكن يبدو أن العدد سيزداد).

ولم تأت خطوة غلق مناطق العبور الحدودية، مفاجئة للمراقبين، الذين تابعوا تدهور العلاقات بين الجارين، خصوصا بعد انضمام فنلندا لحلف الناتو ، مطلع نيسان الماضي، فقد كررت مصادر حكومية فنلندية الإشارة الى كون السلطات الروسية تقوم بتوجيه طالبي اللجوء إلى الحدود الفنلندية كجزء مما يسمى (الحرب الهجينة)، التي تعرفها المصادر القانونية والعسكرية بأنها استراتيجية عسكرية تشمل مجموعات متنوعة وديناميكية من القدرات التقليدية وغير النظامية والإرهابية والإجرامية، وتجمع عادة بين الحرب النظامية والحرب السيبرانية (الاليكترونية)، وتعتبر اوساط غربية أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (خبير في الحرب الهجينة) من هنا تزداد المخاوف لان تلجأ روسيا لاستخدام (سلاح الهجرة) كجزء من حربها الهجينة، وتعتقد الجهات الرسمية الفنلندية ان الهدف منها  زرع الفتنة وعدم الاستقرار، حيث ان الالاف من المواطنين الفنلنديين يستخدمون المعابر الحدودية بشكل يومي لأغراض تتعلق بعملهم أو علاقاتهم الاجتماعية، وسبق لرئيس الوزراء الفنلندي نفسه الإشارة الى ان عمليات الاغلاق ستجعل الحياة اليومية أكثر صعوبة بالنسبة للأشخاص المسموح لهم بالسفر بين فنلندا وروسيا، وحالما تم الإعلان عن قرار الاغلاق نظمت تظاهرة احتجاجية سلمية في مدينة لابينرانتا في جنوب شرق البلاد، اشترك فيها حوالي ثلاث مئة مواطن دعوا الحكومة إلى إعادة فتح بعض نقاط العبور، وقالت احدى منظمي الاحتجاج للصحافة (لدينا الحق في الروابط العائلية. إنه أمر قاسٍ للغاية اتخاذ مثل هذا القرار قبل عيد الميلاد، الجميع تقريبًا كان لديهم خطط لقضاء عيد الميلاد مع أحبائهم).

وبين رئيس الجمهورية الفنلندية ساولي نينيستو (يمين تقليدي) إن سلوك روسيا، بتوجيه اللاجئين الى الحدود الفنلندية، كان مشابهًا لما حدث في الفترة 2015-2016، عندما سمحت لمئات من طالبي اللجوء بالوصول إلى المعابر الحدودية الفنلندية في (منطقة لا بلاند) ردا على التقارب من حلف الناتو. ويعتقد الرئيس الفنلندي أن العدد الكبير غير المعتاد من طالبي اللجوء الذين يصلون إلى الحدود الشرقية الآن قد يكون جزءًا من رد موسكو على قيام فنلندا بوضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية التعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة الامريكية. وقال يوكا سافولاينن من مركز التميز الأوروبي لمكافحة التهديدات ومقره هلسنكي:(إن سلوك روسيا على الحدود كان بمثابة رسالة واضحة إلى فنلندا). وأضاف: (إذا فتحوا الطريق من جانب روسيا، فسنواجه قريبًا مشكلة اللاجئين)، يذكر انه خلال أزمة موجة الهجرة الى أوروبا في عام 2015، وصل الى فنلندا حوالي 32000 طالب لجوء نسبة كبيرة منهم وصل عبر الحدود الروسية، ووفقا للتقديرات الرسمية الفنلندية الصادرة مؤخرا، فأن استمرار قدوم اللاجئين، بالوتيرة الحالية، من شأنه ان يصل فنلندا سنويا وعبر الحدود الروسية فقط عدد يقارب عشرين ألف لاجئ.

وبمجرد اعلان الحكومة الفنلندية عن اغلاق معابرها في جنوب شرق البلاد، بدأت تصل اعداد متزايدة من اللاجئين الى المعابر في شمال شرق البلاد، مما دفع الحكومة الفنلندية الى الإشارة الى انها ستدرس إمكانية غلق الحدود مع روسيا بالكامل، الا ان ذلك لاقى معارضة نائب مستشار العدل الفنلندي السيد ميكو بومالينين، حيث ذكرت تقارير صحفية ان موقفه المعارض يستند الى كون الوثائق التي قدمتها وزارة الداخلية الفنلندية تفتقر إلى المتطلبات القانونية اللازمة لتمكين تقدم وتنفيذ الاقتراح، فهي لم تعالج وتراعي بشكل كافٍ حقوق المهاجرين، كما هو مطلوب في الدستور الفنلندي، وقانون الاتحاد الأوروبي، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، فضلاً عن قضايا حقوق الإنسان الأخرى، مما دعا وزارة الداخلية الفنلندية لإستبداله بمقترح جديد نال ثقة مستشار العدل الفنلندي وأعطى الضوء الأخضر لإعتماده، فأعلنت الحكومة الفنلندية عن إغلاق ثلاثة معابر أخرى شمال البلاد حتى عشية يوم عيد الميلاد والإبقاء على معبر وحيد في أقصى شمال (منطقة لا بلاند)  في مدينة (رايا يوسبي)، فيه يتم معالجة كل طلبات اللجوء المقدمة على الحدود الشرقية. وعلى أثر ذلك التقى رئيس الجمهورية الفنلندي مع قيادات الأحزاب البرلمانية الفنلندية، من الحكومة وأحزاب المعارضة، لمناقشة الوضع على الحدود الشرقية، وأعلن مكتب الرئيس عن كون الاجتماع شهد توافقًا واسع النطاق حول كيفية التعامل مع الوضع، مع التركيز على ضرورة التزام الهدوء مع التصرف بشكل حاسم أيضًا.

من جانب آخر قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن موسكو سترد "بالطبع" على إغلاق فنلندا حدودها بالكامل، حسبما نقلت وكالة رويترز للأنباء، ولم تحدد نوعية الإجراءات التي ستتخذها بلادها، ولم تنس القاء اللوم على فنلندا في احداث المشاكل لكنها أضافت (أن الكرملين منفتح على الحوار فيما يتعلق بالقضايا المتعلقة بالحدود).

***

هلسنكي ــ يوسف أبو الفوز

في المثقف اليوم