آراء

محمد سعد: نتائج الثورات العربية.. الإنسان المستقر!

مصر في الذكرى الثالثة عشرة للثورات العربية، وفي ظل الأوضاع الراهنة في دول الربيع العربي،، ما هي نتائج هذه الثورات...؟!

تعلمنا من التاريخ لكل ثورة لها أسبابها ونتائجها، المهم نتائج الثورات العربية علي المواطن، لقد خلقت وصنعت سيكولوجية اجتماعية جديدة، أُطلق عليها علماء الاجتماع\" بالمواطن المستقر \"أو المواطن العاقل من خلال مسلسل طويل من المطاردة والرعب والخوف والنهب، المواطن المستقر، في الحقيقة المتبلد والمستسلم والعاجز عن أن يقول لا، لم يعد يحتج على الظلم ولا يريد العدالة بل كل ما يريده الغفران عن ذنوب هذه الحقبة التاريخية الوهمية،، وهي أفضل طريقة للسيطرة على شعب بجعله يشعر بالإثم عن ذنوب وأخطاء التاريخ لكي يحصل على الغفران لا على العدالة،،، ولا يحتاج الحرية بل النجاة مثل أي طريدة هاربة من القتل.،، والمواطن المستقر المتكيف مع الاستبداد العام والفردي هو مريض لأنه يعمل ويفكر ويحلم ويتكلم بشخصية طارئة عليه عكس حقيقته، ويخرب ذاته على مراحل من خلال معاناة صامتة طويلة، والمواطن\" المستقر \"، يقول، (المفكر الفرنسي إتيان بواسيه) في كتابه {العبودية الطوعية} عندما يتعرض بلد ما لقمع طويل تنشأ أجيال من الناس لا تحتاج إلى الحرية وتتواءم مع الاستبداد، ويظهر فيه ما يمكن أن نسميه المواطن المستقر...!! إن الذين اغتصبوا السلطة في دول الربيع العربي بقوة السلاح يتصرفون الآن كأنهم في بلاد قاموا بغزوها...،، فالذين ولدوا وترعرعوا في عصور أنظمة سلطوية وفي أحضان الطغيان، يرضعون الطغيان طبيعيًّا ، عندما يتداخل الطغيان العام والتسلط الفردي مع تقاليد وقيم وقواعد وقوانين، تصبح ممارسته من الأخلاق والآداب والطاعة وحسن السلوك والتمرد عليه  نوعًا من الجريمة أو الانحراف أو العدوان... إلخ. لقد شابت الرؤية كل الفاعلين في الميادين في ترك الميادين، في الصراع على السلطة، إلى عملية تحويل شعوبهم إلى طريدة ومسخه في رعب الموت، وهاجس النجاة، وجعله يركض النهار والليل لكي يتخلص من حقول الألغام، وحقول السياسة، والفخاخ، والعبوات الناسفة، والسيارات المفخخة، والانتحاريين، والبلطجية والتلوث ونقص الخدمات والماء الصالح للشرب، والهواء الصالح للتنفس،،، والمنزل الصالح للسكن، والسيارة الصالحة للنقل، حتى يتصور أن مجده الكبير ونصره العظيم هو النجاة من موت يومي وشيك.،، هذه العملية ليست عفوية أبدا، بل هو مخطط لتحويل الشعوب إلى ذئب وحشره في خانة الحاجات والغرائز والوصول به إلى حالة اليأس التام، ودفنه داخل جلده وتخفيض أحلامه. هو الأسلوب الوحشي مع شعوب عربية أخرى من التخريب البطيء،،، التدرج في الدمار والتفسخ الهادئ، لان الانهيار السريع يبقي على قيم أخلاقية في إدارة الأزمات وليس حلها، نقل المعارك من مكان إلى آخر، لكي يصل الفرد والشعب درجة الإنهاك التام واليأس العاجز، وعندها يبدأ تنفيذ الجريمة الأكبر وهي توزيع الأرض على قبائل وأعراق ومذاهب، وتوزيع الثروة، كل ذلك حدث ويحدث في (اليمن وسوريا والعراق وليبيا).

لقد تم ضرب البنية التحتية من محطات كهرباء بعد سقوط كل نظام وإعادة المواطن العربي إلى مرحلة الكهوف من أجل بناء هوية جديدة من البياض العقلي كما تقول الباحثة (نعومي كلاين) في كتابها المرجعي:\" عقيدة الصدمة: رأسمالية الكوارث \"الغرض من قطع الهواتف مع الظلام والقصف هو حشر الشعب في وضع الرعب البدائي الأول حيث تنعدم المعرفة تمامًا بالمحيط،

وتنشط الهواجس والخيال، وفي هذه الحالة، تقول الباحثة، يتم إفراغ الإنسان من هويته الأصلية تحت الرعب حالة البياض التام ثم فرض هوية جديدة بالقوة، إن هذا المخطط الإجرامي لم ينجح كُليًّا في بعض الدول،، نحن أمام شعوب من دول الربيع العربي المواطن هارب ومطارد وملاحق ومشغول بفكرة النجاة والإنقاذ والطعام والنوم الآمن وليس العادل. الانشغال بفكرة النجاة كل يوم يعني إلغاء العقل والنظام والأمل والمستقبل، والأخطر من كل هذا المخطط هو وقت إملاء الشروط على الشعوب المنهكة وحشر الناس بين خيارات أحلاها أكثرها مرارة، ورفع راية اليأس والتسليم بالأمر الواقع. والصمت وتسليم السلطة والثروة والفرح بالنجاة وقضاء الوقت في التفكير في الأشياء الخاطئة بدل تجاوزها... أو خلق الأزمات لكي يضيع في دوامة البحث عن الحاجات الضرورية للإبقائه علي قيد الحياة. لا خيار آخر أمام اليائس غير الاستسلام وهو الهدف المركزي، لأن العالق في دوامة ومتاهة وخوف طويل لا يرى البندقية في يده أو السيجارة بين أصابعه، أو الحقيقة المشعة أمامه عندما يداهم.

الرعب يلغي الحرية والعدالة، واليأس يلغي طاقة المقاومة وتتحقق الهزيمة النفسية والغريق يبحث عن منقذ بصرف النظر عن أخلاق المنقذ،، لأن الفكرة للإنقاذ فحسب. تحت الرعب يتم إلغاء الإنسان بكلام أدق، وجعله يفرح بين وقت وآخر لأنه فلت ونجا من هذا الانفجار ليس إلا النجاة،، وهي لا تختلف عن تفاصيل حيوان هرب من مطاردة قاتلة، بعدها سيتم توزيع الأدوار بصورة مختلفة عن السابق لأن سيكولوجيا المواطن المستقر ليست الوطن والحرية والعدالة بل المرعى والأمن والطعام. شعوب دول الربيع مثل الطريدة اليائسة لن تحتج على الظلم بل تخاف الموت، سعيدة بالنجاة لا بالحرية!.

***

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث مصري في الجغرافيا السياسية

 

في المثقف اليوم