آراء

كريم المظفر: هل تصلح سويسرا ان تكون وسيطا؟

أمام جمع كبير من سفراء العالم المعتمدين في روسيا، وصل عددهم الى 70 سفيرا، وضع وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، خلال مائدة مستديرة عقدت في الأكاديمية الدبلوماسية التابعة للخارجية الروسية، وضع لا فروف النقاط على الحروف الغامضة في العلاقات الدولية بين روسيا وعالم الغرب الجماعي، وحقيقة الملف الأوكراني ، وآخر التطورات السياسية والدبلوماسية والعسكرية فيه .

فأكثر السفراء الحاضرون، سواء بقصد او بغيره، لايعرفون الأسباب التي أدت الى بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، او الطبيعة التاريخية له، او حتى يتجاهلونها، لذلك حرص الوزير الروسي، على التذكير بما تم توضيحه سابقا، سواء من قبل المسئولين والدبلوماسيين الروس او وسائل الاعلام بقنواتها المختلفة المرئية والمسموعة والمقروءة، والندوات والمؤتمرات الدولية والمحلية، واثبات الحقيقة التاريخية لبداية الصراع مع النظام في أوكرانيا، الذي انتهج التعاون مع النازيين والذي بات عادة ومقياسا طبيعيا لدى الغرب، حيث ينوون الآن إلزام كافة أعضاء "الناتو" بمساعدة أوكرانيا، وفقا لنظام مشدد لتسليح نظام كييف كي يستمر القتال ضد روسيا.

ولعل من المعالم المهمة في أسباب الصراع مع النازيين في أوكرانيا، هي تلك النوايا التي عبر عنها النظام في كييف منذ البداية، والتي تمثلت في استبدال اللغة الروسية، وإهمال حقوق سكان القرم والدونباس، ممن اعتبروا الانقلاب في كييف 2014 غير شرعي، ووصف النظام النازي في كييف المدافعين عن الشرعية، ومن اعتبروا ما حدث في 2014 انقلابا، في القرم ودونباس بالإرهابيين وقاموا بشن الحرب ضدهم.

وللتاريخ فإن روسيا استطاعت في 2015 وقف الحرب التي بدئها الرئيس الاوكراني بيتور بوروشينكو في 2015، الذي أعلن ما يسمى "العملية ضد الإرهاب"، وهي عملية عسكرية للقوات المسلحة الأوكرانية ضد الدونباس وضد شعبها، وان اتفاقيات مينسك، اقترحت تقديم وضع خاص للدونباس، وأن يكون لديهم أجهزة حفظ النظام الخاصة بهم، لكن وعود فرنسا في الاتفاقية كانت كاذبة وكذلك ألمانيا، وفي عدد من دول أوروبا، ترغب الأقليات في نفس ما احتاجه أهالي الدونباس، أن يكون لهم لغتهم وثقافتهم وديانتهم وتاريخهم.

لقد مارست أوكرانيا من قبل الإرهاب بمقتل الصحفي العسكري تتارسكي، ومقتل داريا دوغينا وغيرها، وقد تقدمت روسيا إلى كييف بشأن الأنشطة الإرهابية، وكل من هو مرتبط بذلك، وذلك يتطابق مع المعاهدة الدولية لمكافحة الإرهاب وبها التزامات، ووفقا لطلب الخارجية الروسية إلى الجهات الأوكرانية، تطالب موسكو بتنفيذ كييف لهذه الالتزامات، وتنتظر أن تأخذ جميع الدول ذلك بعين الاعتبار، إضافة إلى التوجه عبر الخارجية الروسية، أرسلت النيابة العامة رسائل إلى الولايات المتحدة، وعدداً من الدول طلباً لتوفير معلومات بشأن الهجمات الإرهابية، وتصرفات النظام في كييف ورعاته.

والغريب في الامر، ان النظام الاوكراني أصر على محاربة الجانب الثقافي في إقليم الدونباس، ففي الوقت الذي اعترفت أوكرانيا باللغة التترية في القرم فقط، حرمت التدريس وسحبت الكتب باللغة الروسية من المكتبات، ولا يحرقونها كما فعل هتلر، لكنهم يحولونها إلى إعادة تدوير في المواد القرطاسية، ومنع أي فعاليات باللغة الروسية، حتى بات الحديث باللغة الروسية في الأماكن العامة محرما، ويعرض المواطنين للعقاب وتحرير المخالفات، ويحدث ذلك في ظل أغلبية تتحدث الروسية في أوكرانيا، حتى العسكريين يتحدثون أسهل باللغة الروسية، فتخيلوا أن يتم منع اللغة الفرنسية أو الإيطالية أو الألمانية في سويسرا، أو إلغاء الإنجليزية في أيرلندا على سبيل المثال.

كما تم التمييز ضد اللغة والثقافة الروسية، ونذكر بأن القوانين الخاصة باللغة الأوكرانية، وقد ذكرت كافة اللغات الأخرى ذات الوضع الخاص، لكن الوضع كان يتقلص، وبات الاتحاد الأوروبي متفقا مع أوكرانيا ، للإبقاء على اللغات التي تعتبر لغات الاتحاد خارج قوانين التقييد، وتوصلوا إلى استثناء بالنسبة لهم، وان كل لغات الاتحاد الأوروبي لديها استثناء، ووضع ليس سيئا في القوانين الأوكرانية، أما اللغة الروسية، فهناك انتهاك لحقوق الإنسان وحقوق الأقليات، والمعاهدات الدولية بهذا الشأن، وغيرها من القوانين التي لا تسمح بالتمييز، لكن الاتحاد الأوروبي يغمض عيناه عن ذلك.

وبعد انضمام القرم إلى روسيا، وبعد أن اعترفت روسيا باللغات الأساسية للقرم، التترية والروسية والأوكرانية، فلأول مرة، بدأ العمل ببناء مسجد القرم، وكل ذلك لم يكن موجوداً خلال إدارة شبه الجزيرة من قبل أوكرانيا، وانه تحت حكم أوكرانيا، كانت كل الفعاليات الثقافية والتعليم باللغة الروسية ممنوعا بشبه جزيرة القرم، وفي السنتين الأخيرتين تصوت أوكرانيا ضد مشروع لـ "تمجيد النازية"، ورغم ان روسيا قدمت هذا المشروع منذ عام 2005، ولكن أوكرانيا لم تصوت ولمرة واحدة لصالح هذا المشروع، على الرغم من تصويت الأغلبية لصالحه.

كما ان كييف قامت بالإساءة لسمعة مؤسسات الأمم المتحدة، حيث سُمح لكييف بعدم تقديم تقريرها لحقوق الإنسان، إلى المؤسسات الأممية، ويرفضون الاعتراف بالمشكلات التي يواجهونها من جانب النازيين الجدد، ويتم اعتقال المواطنين الأوكرانيين الذين يعارضون النظام في كييف، وملاحقة هؤلاء المواطنين استنادا لموقفهم السياسي، ما يمثل انتهاكا للحقوق السياسية للمواطنين، في الوقت نفسه تطالب كييف بمعاقبة روسيا، وفي العام الماضي أعلن مندوب أستراليا أن جهود السلطات في كييف كانت "مدهشة"، على الرغم من انتشار لقطات الوحشية العسكرية للعسكريين الأوكرانيين حتى في أرض المعركة، ولكن وكما أوضح الوزير لافروف، لا أحد يريد أن يطالب أوكرانيا بالتحقيق في الجرائم ضد حقوق الإنسان.

المعروف لنا جميعا، انه في كل الحروب والنزاعات والخلافات، عادة ما يكون الوسطاء من الأطراف الغير متحيزة لاحد اطراف النزاع، لضمان الحيادية في الوساطة، الا في الوساطة في الملف الأوكراني ، ففي الوقت الذي تحضر فيه سويسرا لعقد مؤتمر بشأن "صيغة زيلينسكي للسلام"، فأنها قد نزعت مسبقا ومع بداية العملية العسكرية الخاصة، لباس الحيادية ، التي كانت تتمتع به منذ عشرات السنين، فقد أنضمت سويسرا ليس فقط إلى العقوبات ضد روسيا فحسب، بل وأصبحت من المحفزين لهذه العقوبات، ويقول الوزير لافروف " قد التقيت وزير الخارجية السويسري وقلت له: لا يمكن أن ننظر إلى سويسرا كطرف محايد بشأن القضايا المختلفة كما كان يجري دائما " .

وفي مؤتمر سويسرا وكما أوضح وزير الخارجية الروسي، مطلوب جمع أكبر عدد من الدول، وبدأوا في إقناع الدول بأنه ليس من الضروري التوقيع على كل البنود، فبإمكان التوقيع على بند أو اثنين، وحتى عدم التوقيع، ويريدون الحصول على أكبر عدد من الدول بأي شكل، ويضعون هدفهم لا الوثيقة الختامية، وإنما جمع أكبر عدد من الدول، وأخذ صورة جماعية بأكبر عدد من ممثلي الدول، كي تلعب هذه الصورة دورا في دعم زيلينسكي.

والخلاصة في القول، ان تطورات السنوات الماضية اثبتت روسيا انها دائما مستعدة للحوار النزيه، وليس لديها ما تخفيه، وإن أسباب العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا واضحة، والمواجهة مع الغرب ستستمر طالما كان الغرب يشجع قضاء النظام الأوكراني على كل ما هو روسي، والعدوانية تجاه روسيا، والدفع بأوكرانيا نحو الكارثة، ويشدد الوزير لافروف على ان روسيا لا ترى أي وثيقة يثبت فيها الغرب أحقيته أو منطقه، في بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا وقبلها، وكان الأيديولوجيون الغربيون يقولون، " دعونا نسرّع بانضمام أوكرانيا إلى "الناتو"، والآن تسمع تصريحات مختلفة بشأن انهيار أوكرانيا، ويجب ألا يسمح بانهيار أوكرانيا لأن روسيا "سوف تهجم فورا على (الناتو)"، ويقولون أيضا " إننا لن نسمح بانتصار روسيا على أوكرانيا تحت أي ظرف من الظروف"، في الوقت الذي نفى فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفى كل المزاعم بشأن "هجوم روسيا على الغرب".

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

في المثقف اليوم