قضايا

رؤية في بنية الثوارت

انور الموسويالثورة الصريحة او العفوية: هي نتاج وليست سبب، لخلل ما يحصل في منظومة المجتمع الانساني وذلك الخلل يؤثر سلباً على افراد وجماعات كبيرة وتحصل انتكاسات وسلب للحقوق وظلم فتحصل تلك الثورات لإصلاح وتغيير الواقع منها يحقق اهدافه ومنها يفشل وقد تكون ذات قيادة منذ بزوغها او تتبلور فكرة القيادة عندها خلال مراحل تطورها ونموها.

كثورات الاتحاد الاوربي ١٨٤٨م والتي منها (نهاية الملكية المطلقة في الدنمارك، او إدخال الديمقراطية البرلمانية في هولندا والثورة التي أدت لسقوط حكومة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش. بسبب مطالبة الشعب لتحقيق اتفاقية الشراكة بين اوكرانيا و الاتحاد_الأوربي وهو السبب الذي قامت من اجله تلك الثورة عام ٢٠١٤م في كييف ومن ثم اتسعت.

الثورة الكريهة: سبب وليست نتاج، هي الثورة التي تتعكز على "الثورة الصريحة" وتستخدم الإخفاقات وتتحجج في سلب حقوق المجتمع والأفراد ومن ثم تدويرها كقضية رأي عام لضرب الخصوم ليس إلا، واستهداف القيم في المجتمع والإساءة الى مقدسات الآخرين، غالبا ما تكون تلك الثورات ممولة من جهات سياسية او مدفوعة الثمن من الخارج لتحقيق مكاسب سلطوية ضيقة، بلا اهداف محورية حقيقة لإصلاح بنية الدولة لذلك تفتقر إلى التعاطف المطلق،وهي تتخذ طرق وسمات منها:

١- استغلال الظروف السيئة لواقع الأفراد وكسبهم كمرتزقة لتحقيق الأهداف واغراءهم بالمال او غيره.

٢- التحجج بالتراجع الملحوظ للبنية الاقتصادية والعمرانية لواقع البلد واستغلال ذلك التراجع لتحقيق الأهداف السلطوية لا أكثر.

٣- استغلال قضايا الشهداء والفقراء والمظلومين والترويج لقضاياهم، بهدف صناعة رأي عام فحسب.وما ان تتحقق الأهداف الشخصية، يتم ترك هؤلاء وكأن شيئاً لم يكن وهذه النقطة لا تشمل الثورات فقط فهي تشمل ايضاً من يدعي المظلومية للفقراء والشهداء والتضحيات ليحصل من خلالها على مكاسب انتخابية.

٤- توظيف الموت والقتل الممنهج والإشاعات والتضليل، وتصدير كل ذلك، كقضايا للمظلومية لكسب مشروعية اكبر.

٥- غالبا ما تكون الثورات الكريهة مشخصة من خلال فقدانها للأهداف المنطقية وعدم تبنيها مشروع واضح المعالم وخارطة طريق منظمة ومنطقية، لذلك تجدها عشوائية تفتقر إلى رؤية تقديمة كبديل ناضج لمشاكل ووضع البلد. بل تجدها " تزاحمية " مركزة على امور مثيرة للشك والريبة وتفاصيل جزئية غير ذات صلة بالواقع، لافتقارها للمحتوى، أكثر مما هي منتجة لأمور واقعية وهادفة لايجاد حلول جوهرية. وهنا يكمن الفارق بين (الثورة الكريهة) و(والثورة العفوية). فالعفوية منها تجدها صادقة ومعيارها أنها غير مؤدلجة تماماً، نقية في طرحها تحتفظ جماعتها بالبعد القيمي للمنظومة الإنسانية هادفة في محتواها رصينة في طرحها، منتجة للتعاطف والتضامن من قبل جميع افراد المجتمع لذلك تجدها تتسع دوماً، بينما الأولى تجدها مثيرة للطعن وتنحسر بعد ثبوت الأدلة.

٦- لو افتقرت الى قيادة او هدف، صارت (عشوائية) ولم تدم او لا تحقق شيئاً. لكن لو توفرت لديها قيادة ظِل غير مرئية! صارت ثورة أشباح تدار بأصابع خفية غير موثوقة المصدر او التوجه، ومعيار ذلك تجدها تستخدم الجماعات البشرية المنتفضة (البريئة منها) كحائط صد امامي للايقاع بهم في التهلكة او الموت والمتجارة باسمائهم لديمومة بقاء تلك الاصابع الخفية والتي هي اللاعب الاساسي في الرقعة لتحقيق اهداف شخصية سياسية.

٧- من المؤكد ان تلك الثورات (غير المحترمة) أنها تتخلى عن أنصارها، والمؤيدين لها فور انهزامها وكشف زيفها، او حين تبدل الوضع وتغير ستراتيجية العمل عن طريق المفاوضات او سحب اليد من الداعمين لها، او فور تحقيق أهدافها الكريهة في إسقاط منظومة القيم او تحقيق الفوضى، فترى أنصارها(المغرر بهم) بلا سند او دعم ليكتشفوا بعد حين أنهم كانوا أدوات ليس الا لتحقيق اهداف بعيدة كل البعد عن تطلعاتهم وطموحاتهم.

٨- الفرق واضح بين ثورات تستهدف السلطة لغرض السلطة فحسب. وليس لاجل غيرها. ومعيارها عدم الالتزام باي معيار اخلاقي او قيمي ولا تمتلك رؤية إصلاحية تقدمية فهي ثورات مكرسة للديكتاتورية والشمولية التي تأتي بعد حين لو نجحت كما نجح هتلر في ذلك، وبين ثورات هادفة لتغيير واقع وتحقيق إصلاح من خلال برنامج عمل سياسي صادق وطموح كما نجح الشعب الاوكراني في ذلك.

٩- هناك حد فاصل بين الثورات نعم، لا يمكن تصور ثورة على (الكتلوك) ان تسير بنسق منتظم دائم اذ لا توجد ثورة مؤدبة وثورة غير مؤدبة (الثورة هي الثورة) هي الغضب والبركان. لكن توجد ثورة نقية حقيقية وتوجد ثورة كريهة مريبة. والحد الفاصل بين تلك الثورتين الرؤية والأهداف والبرنامج الاستيعابي لحل المشاكل او برنامج المطالبة بالحقوق وتلك الأهداف مصيرية عامة يشترك فيها جميع فئات الشعب المسلوب حقه (وهم الأكثرية) بطبيعة الثورة. لكن لو وجدت عدم استيعابية وتجزئة لتلك الفئات وتشكيل جماعات وتكتلات ثورية متضادة متصارعة فيما بينها، صار واضحاً لك انها ليست ثورة (الأكثرية) بل هي الثورة الكريهة بعينها التي ذكرنا سماتها فيما تقدم.

 

انور الموسوي

٢٨/٥/٢٠٢٠

 

في المثقف اليوم