قضايا

مريم لطفي: الترهل الفكري..

"ليس صحيحا مايشاع بأن الاطفال ينسون بسهولة.. فكثير من الناس يعيشون حياتهم وهم رهائن لافكار انطبعت في اعماقهم منذ سنوات" اجاثا كريستي

تطلق كلمة الترهل على الزيادة بوزن الجسم، تلك الزيادة التي تؤثر سلبا على صحة الانسان ونشاطه باداء عمله بل وتسبب له الكثير من الامراض، وكما ان الجسم يصاب بالترهل فالعقل والتفكير ايضا يصاب بالترهل نتيجة لركوده، فشانه شان البحيرة الراكدة التي تعشعش فيها الطحالب وتنعدم بها رؤية الاعماق، فالعقل الراكد تصاب به الشخصية الاحادية العقلية ذات الاتجاه الواحد الذي يتخذ نمطا واحد من التفكير ويقفل عليه كل حواسه حتى يصاب بالجمود.

ان القدرة على التفكير من خصائص الانسان الذي كرمه الله بها ودعاه الى التفكر والتدبر، فاذا احسن الانسان استخدام هذه الخصيصة ارتقى في سلم النجاح، واذا عطل الفكر وجمد وركد كان ذلك من اسباب الفشل في الحياة، فالتفكير هو عملية معالجة المعلومات وتصنيفها وتقييمها وفق استراتيجية معينة ينتج عنها نمط سلوكي يترجم الى افعال واقوال تساهم في تطور الحياة.

ان اتساع مفهوم الفكر يشمل الموروث الفكري للانسان ويكون ذلك في كافة المراحل المعرفية، ويضم النشاط الانساني بالعموم كالثقافة والحضارة.

وان تطور الفكرللفرد يؤدي بالتاكيد الى تطور المجتمع ، لان صلاح المجتمع بصلاح الفرد، والتطور الفكري ينشا من تطور المنطق الاساسي لتكريس قيم الاصالة والتواصل بين الماضي والحاضر والمستقبل والتفاعل مع المعطيات الخاصة بكل زمان ومكان.

لذا فالتدهور الفكري او ما يطلق عليه بالترهل الفكري هو نتيجة الركود والتوقف عن العطاء، والدوران في حلقة مفرغة وبقاء العقل في مساحة مغلقة تمنعه عن تقبل الجديد وتغلق امامه ابواب الاختلاط مع الاخر والتقوقع داخل الذات وضعف التقدم بل ان اتخاذ خطوة ما تعتبر من اصعب الامور والاستغناء عن ذلك يتيح للعقل الشعور بالامان وعدم المجازفة لاتخاذ اي خطوة مهما كانت بسيطة، هذا التفكير يكون عاجزا عن ادراك العلاقات بين الاشياء وحجمها ويعجز عن التعبير عما يدور في نفسه ، وكل العقد وكل داء يرجع بصورة مباشرة اوغير مباشرة الى السنين الاولى في حياة الطفل وطريقة تربيته وطبيعة شخصيته في تقبلها اور فضها لكل موروث او مكتسب، واذا تتبعنا المراحل العمرية لشخص يتصف بالترهل الفكري فلابد اننا سنصل الى حقيقة وصوله الى هذه المرحلة من التفكير المرضي، والترهل الفكري يتسم بالاتي:

- خمول الفكر ودورانه في حلقة مفرغة ترفض التغيير او التجديد.

- النمطية والقولبة في قالب واحد ورفض الاعتراف بالخطا.

- تقليص مساحة الفكر لصالح اي موضوع كان تكون المادة مثلا.

- ضعف البصيرة وعدم الالمام بعجلة الحياة التي تتطلب حراكا فكريا مستمرا.

- التفكير المبالغ:وهو تهويل الامور واعطاءها حجما مضاعفا ، في حين ان الامر عاد جدا بل وابسط من ذلك بكثير.

- الحكم على ظواهر الامور دون الولوج الى بواطنها .

- الاعتداد بالراي والتطرف باصدار القرارات دون مشورة احد.

- التظاهر بالبطولة واختراع الروايات الفارغة التي تدل على فراغ فكري كمن يكذب الكذبة ويصدقها.

- السلبية بالتعامل وهو توقع الاسوء دائما والبحث عن مسببات واسباب ونتائج ومقاصد كل عمل.

-العيش في الاوهام والخيالات الفارغة والاحلام البعيدة المنال التي يعيش صاحبها على التمني فقط.

- الكساد الفكري والاستسلام والعجز وعدم القدرة على فعل اي شئ ، فيصيب العقل عوق فكري نتيجة لكساد الافكار وتراكمها دون استثمارها لفعل الخير.

- التردد والاضطراب والاحتجاج عند معارضة اي فكرة جديدة لافكاره ومحاربتها لتفويت الفرصة على اي خيار جديد يتعارض مع افكاره.

- ضيق الافق والكسل والخمول والخوف الشديد من التجديد وتعويد النفس على القبول بكل ماهو قديم، لان التعويد بحد ذاته مرض يصعب التخلص منه.

- الابتعاد عن الناس الايجابيين والمبدعين خوفا من اصابته بالعدوى الفكرية.

- عدم السماح للعقل باضافة افكار جديدة وبذلك يضمن الحفاظ على ديمومة جموده الفكري.

- البلادة الحسية، فان نوافذ الفكر هي الحواس الخمسة والفراسة هي السادسة، فاذا عود الانسان حواسه على الخمول والكسل تعطلت عن اداء وظائفها فلا يكون هناك تمييز بين الاشياء ولاادنى اعتبار لاي لون او رائحة او منظر جميل وكما قال الله تعالى"لهم قلوب لايفقهون بها ولهم اعين لايبصرون بها ولهم اذان لايسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون"

- الانشغال بتوافه الامور واثارة البغضاء والشحناء بدلا من اشاعة ثقافة التسامح والالفة وكل الامور السيئة هي نظام تشويش لايقاف الفكر وتعطيله عن الابداع والتقدم.

- التمرد والثورة على كل من يحاول ان يمرر فكرة ما تتعارض مع افكاره.

- اصراره على انه افكاره صحيحة وكل المحيطين على خطا.

 وعليه فان الترهل الفكري هو افة تشل العقل البشري وتمنعه من التقدم وتتخذ من الامور البالية والافكار الرجعية ورفض كل ماهو جديد واقصاء اي فكرة تدعو الى التحرر الفكري من دوامة الجمود والركود وتنتج عن حالة من التشرذم والتشظي الفكري والنفسي والاجتماعي والاغتراب الثقافي والتزمت الفكري الذي يدعو الى الاتجاه الاحادي الرافض لفكرة التطور، ولابد من الوقوف عند اصحاب هذه العقلية ومحاولة ايجاد فضاءات تستوعب تغيير مجريات افكارهم ، فالانسان لم يخلق لياكل ويشرب ويتكاثر والا لبقي يعيش حالة البدائية وانتهى الامر ، لكن الموضوع فيه ابعاد حياتية قائمة على التفكر والتدبر وهو مادعانا اليه الله جل وعلا .

ولعلاج الترهل والجمود الفكري علينا ان نفتح بوابات الفكر ونسمح للافكار النيرة ان تحتل فضاءاءاتها بدلا من سيطرة الافكار الظلامية التي تدعو الى تقوقع الانسان وتقزم اراءاه وتكسيحها عن القيام بدور فاعل عن طريق التطور والتجدد الذي ينعش عصب الحياة من خلال تجديد الطاقات الفكرية والسماح بمرور التيارات الايجابية التي تسعى الى تشذيب الفكر والتخلص من الزوائد العالقة به التي تجعل منه كسيحا كمن تمكنت منه البدانة فاصبح مقعدا وعبئا ثقيلا على نفسه والاخرين.

واخيرا اقول: دع النسمات النقية تأخذ طريقها لتنعش وتجدد ماركد في عقلك من افكار..

 

مريم لطفي

 

في المثقف اليوم