قضايا

مريم لطفي: والفجر.. اسرار طاقة الفجر

"والفجر. وليالٍ عشر".. الفجر

ان الله جل وعلا وضع بين ايدينا الدلائل والبراهين على شكل ايات مرتبة حفظها القران الكريم لتكون الحجة والبرهان على خلق الله.

واذا تاملنا سورة الفجر المباركة واسرارطاقة الفجر العظيمة لوجدنا ان الله جل وعلا قد اقسم بالفجر"وانه لقسم لو تعلمون عظيم" ذلك لان الفجر هو ولادة يوم جديد وبه ترتبط الاحكام الشرعية للصلاة والصوم فاول صلاة هي صلاة الفجر وفيه يمسك الصائم عن الاكل.

والحقيقة ان ضعف الادراك الحسي بين الانسان وقوى الطبيعة يؤدي الى كم هائل من المشاكل الحياتية نتيجة الافتقار لذلك الادراك الذي يتناغم مع ايقاع الحياة، واذا ماوصل الانسان الى نقطة القناعة بان كل شئ يقوم على حساب دقيق عندها يكون قد ادرك حقيقته المرتبطة بالكون، فكل عجلة تحرك الاخرى كعجلات الساعة التي اذا ما تلكأت احداها فانها تؤدي الى اختلال جميع العجلات وتوقفها، فحياة الانسان هي نتاج ايقاعات معينة بين الانسان والكون، وعليه فالانسان ليس وجودا منفردا، وكل مايعانيه الان هو نتيجة فقدانه الوعي بالموجودات الكونية، فمثلا استبدال الليل بالنهار عند بعض الناس لسبب او لاخر قد سبب اضطرابا بفطرة الانسان التي انفطر عليها، وهذاالخلل سيؤدي الى اختلالات وعلل اخرى.

وفي علم الطاقة فان اضافة او جمع طاقة مع اخرى لايساوي طاقتين بل عشر طاقات او اكثر وهذه الطاقات بمجموعها تولد طاقة عظيمة اذا مااستثمر ريعها بصورة صحيحة ونحن نتحدث عن الطاقة الايجابية طبعا وذلك يتجسد بصلاة الجماعة فهل تسائلنا يوما لماذا نصلي جماعة؟ و الجامع من الجماعة فهو اذن جامع للطاقة الايجابية متجسدا بالخير الذي ينتج عن الطاقة الهائلة للمصلين فتوحد مسارات الطاقة باتجاه واحد ينتج عنه طاقة هائلة يكون ريعها استجابة الدعاء اذا اخذنا بالحسبان ان الطاقة تسير بخطوط مستقيمة وباتجاه واحد وان اي تشويش او خلل بالاداء يؤدي الى انكسارها وتراجعها وهذا مايفسر عند البعض عدم استجابة الدعاء.

هناك طاقة عظيمة تنزل من السماء وتهبط الى الارض بعد اذان الفجر وتدخل من خلال نقرة الانسان، وهي المكان المقعر كالمرآة المقعرة والتي تستقطب وتركز الضوء والنور وتجمعها وهذه النقرة موجودة عند التقاء الرأس مع العنق خلفا وتعتبر هذه النقرة هي مصدر استقبال الطاقة الداخلة من الكون الى جسم الانسان"وتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر"سبحان الله فهذا المسار الطاقي الذي يعتبر كالحبل السري الذي يمد الانسان بالطاقة يكون على أوجّهُ عند الفجر فعندما يكون الانسان صاحٍ فانه يستمتع بدخول هذه الطاقة التي تنعش روحه وجسده بنبضات ايجابية تجدد فيه الحياة وتنشط خلاياه وتبعث فيه الروح المتجددة المحبة للخير والعمل الصالح، بينما اذاكان الانسان نائما فهو يحرم من هذه الطاقة لان الانسان النائم لانفس له قال تعالى"الله يتوفى الانفس حين موتها" وعليه فانه يحرم من هذه النعمة ولذلك فان صلاة الفجر لها اسرار عظيمة تتجسد بالطاقات الهائلة التي تمد الانسان "ان قران الفجر كان مشهودا"وان الله انعم على عباده بهذه النعمة لتكون بداية يوم جديد ملئ بالحيوية والبركة، واذا تأملنا حياة اباؤنا واجدادنا للمسنا ذلك جليا فقد كان الانسان يحرص ايما حرص على النهوض عند الفجرلاداء الصلاة، وقد كان ينام على سطح الدار صيفا فيكون بتماس مباشر مع الاجرام السماوية التي تعج بالطاقة الكونية والتي سخرها الله لخدمته، فلاتستبعد ايها القارئ الكريم ان يكون هناك نجم لكل واحد منا مسؤول عن امداده بالطاقة، و من اروع انواع الطاقة هي طاقة الفجر، هذه الطاقة النورانية التي امرنا الله ان نحافظ عليها ونستثمرها متجسدة بصلاة الفجر وقد خصها جل وعلا في سورة كاملة"سورة الفجر"ثم ورد ذكر الفجر في اجمل واقوى سور القران الاوهي سورة القدر"سلام هي حتى مطلع الفجر" فهل تأملت ايها القارئ الكريم حجم السلام الذي يسود تلك الليلة المباركة والذي يسبق الفجر؟

وفي آية اخرى يقول جل وعلا"والصبح إذا تنفس" وقد ثبت ذلك علميا بان التنفس هو مصدر انتاج وتحريرالطاقة عند الانسان، وقد اثبت العلماء من خلال ابحاثهم ان احتراق جزئ من الاوكسجين (الذي يدخل الى جسم الانسان عن طريق التنفس) ينتج ستة وثلاثين جزيئا من جزيئات الطاقة، وهذه اشارة عظيمة على تنفس الصبح والطاقة التي تتولد في الفجر، ولذلك دعانا الله لصلاة الفجر لما فيها من طاقة وروحانية عالية يستفتح بها الانسان يومه وقد سماها الله قرانا (وقران الفجر ان قران الفجر كان مشهودا).

فصلاة الفجر لها منزلة عالية ابتداءا من النهوض والاستعداد والوضوء والسعي لادائها والبركة التي تنزل من خلالها والتي تتسم بالرزق المادي والمعنوي قال رسولنا الكريم"اللهم بارك لامتي في بكورها".

 

واذا تاملنا سورة الفلق والتي تعتبر من سور الطاقة باعتبار ان الله هو اعلى طاقة بالكون ومنه تستمد جميع المخلوقات طاقتها فنحن نستعيذ بالله وهو رب الفلق وهو الطاقة العظيمة"قل اعوذ برب الفلق" فالله تعالى يدعونا للاستعانة بطاقته من شر الطاقات الاخرى وهي طاقات هدامة مدمرة للانسان.

فهل فكرت وتدبرت ايها الانسان كيف يفلق الله الصبح وماالذي ينتج عن ذلك الفلق العظيم، من توزيع للارزاق وتقسيم للنعم على اسس محددة اقرها الله لعباده، منها الرزق المادي والمعنوي والرضا والقناعة مما يجعل الانسان يحيا حياة هانئة، وقد جاء في الحديث الشريف "اللهم فالق الاصباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا، إقض عني الدين واغنني من الفقر وامتعني بسمعي وبصري وقوتي في سبيلك"، فهل تأملت ايها القارئ الكريم ان الغنى قد اقترن بالفلق وماينتج عنه من السعي للرزق، وقد جاء الغنى هنا بكل وجوهه التي تشمل الرزق والصحة وقضاء الدين وكل تلك الوجوه اقترنت بطاقة الفلق والتي تتمثل بطاقة الفجر"سبحان الله".

ومن الناحية العلمية فقد اثبت العلماء وخلال عشرات التجارب ان القمح يتبرعم وينبت في وقت ثابت ومعلوم وهو نهاية الفجر وبداية فلق الصبح، فهل لفلق القمح علاقة بفلق الصبح؟ قال تعالى" ان الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون".

ان لصلاة الفجر ايقاعا في الروح والجسد فاستيقاظ الانسان باكرا يجعل امكانياته الذهنية والعضلية والنفسية في اعلى مستوياتها، فلاتحرم نفسك هذه النعمة الربانية التي يقدمها الله اليك على طبق من ذهب، وبما ان جسم الانسان يمتلك ساعة بيولوجية وهي عبارة عن مجموعة من الخلايا العصبية (حوالي عشرون الف خلية) مركزة في منطقة الدماغ وهي مسؤولة عن برمجة كافة وظائف الجسم، ومن نعم الله مخالفته بين اية الليل واية النهاروقد قدر ذلك بحساب دقيق فجعل النهار مبصرا ابتغاءا للرزق وجعل الليل مظلما لكي يهدا الانسان وتسكن جوارحه ويخلد الى النوم استعدادا لليوم التالي وقد سخّر الارض لهذه المهمة فهل تعلم ايها الانسان كم اكرمك الله وكم سخر لك الكون بمارحب قال تعالى"وجعلنا آية الليل والنهارآيتين فمحونا، آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرةً لتبتغوا فضلًا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئٍ فصلناه تفصيلاً".

ومن هنا نستنتج ان النمط الصحيح للحياة هو الذي يتماشى مع آياته وان اي خلل او اضطراب يؤدي الى اضطراب بالنظام الحياتي للانسان الذي حسبه الله له حسابا دقيقا لينعم بحياة سليمة خالية من الامراض العضوية والنفسية والاجتماعية فهل شكرت الله على نعمائه التي لاتعد ولاتحصى وهل شعرت بالامتنان لهذه النعم قال تعالى"وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها".

 

مريم لطفي

 

 

في المثقف اليوم