قضايا

سناء أبو شرار: حضارة امرأة

سناء ابوشرارهل يمكن أن يكون لكل امرأة حضارة خاصة بها؟ بكل ما تتطلبه الحضارة من إلتزامات وواجبات وجدية وعمل دؤوب . هل  يمكن أن تكون المرأة كيان حضاري قائم بذاته حتى بصورتها الفردية، أي أن تكون أمة شاملة لنواحي عديدة بهذه الحياة؟ أم هي مجرد اسم ورقم بين ملايين النساء في قرنٍ ما مضى أو سيمضي؟

وإن كان لكل امرأة حضارة خاصة بها، فما هي ميزات حضارة المرأة في زمننا المعاصر؟

لقد أخبرتها وسائل الإعلام والمجلات والصحف والروايات بأنها كيان تابع نفسياً ومعنوياً وعاطفياً للرجل ولكن لابد أن تكون كيان مستقل مادياً، أن يكون طموحها المهني أعلى طموحاتها حتى أنه قد يكون قبل زوجها وأولادها في سلم أولولياتها .

لقد أخبرها العالم المعاصر بأنها لابد أن تكون جميلة جذابه ومثيرة، ففي الستينيات كان لابد أن تكون ممتلئة الجسد، وفي الثمانينيات كان لابد أن تكون نحيفة ورشيقة وفي التسعينيات كان لابد أن تكون أكثر نحافة وحالياً لابد أن تكون شديدة النحافة ولابد بأس ببعض من ال "أنوروكسيا نرفوزا"* فهو مرض يمنحها صفة حضارية؛ وحالياً أخبرها بأنها لابد أن تُجري العشرات من عمليات التجميل لتكون أجمل وأن تنفخ بعض مناطق جسدها أو العكس. أخبرها العالم المعاصر بأنها كي تكون متحضرة متطورة لابد أن تجوب المحلات للتسوق لتشتري أفضل الماركات العالمية، لابد أن تشتري أفضل أصناف المكياج، لابد أن تلتحق بنوادي اللياقة، لابد أن تكون لها مجموعة من الصديقات حيث يتشاركن القصص، والمعاناة والأفراح ولا يهم أن يتواجد الصدق .

أخبرها العالم المعاصر بأنها لا يجب أن تفني عمرها لأجل أولادها وتربيتهم، لابد أن يكون لها حياة خاصة بها، لابد أن تكون جميلة وشابة في جميع مراحل عمرها وأن عمليات التجميل ضرورة لابد منها كي تقبل ذاتها وكي يقبلها المجتمع، أخبرها العالم المعاصر بأن تحذر من الرجل المخادع الغادر الأناني وأنه إن إخطأ معها  لابد أن تدمر بيته وأن يتحولوا أولاده لأعداء له حتى ولو مارس حقه الشرعي بالزواج مرة ثانية فهو يكون مجرم لابد من معاقبته وأول من ينفذ العقاب قد يكونوا أولاده بتخطيط مُسبق منها، وربما تكون متدينة ومحجبة تحترم كل ما سمح الله تعالى به من حقوق ما عدا حقه بالزواج مرة أخرى، أخبرها العالم المعاصر بأنها لابد أن تكون سعيدة الآن هنا، في هذه الحياة، وإنها إن لم تحصل على هذه السعادة الآن هنا لابد أن يتحول من حولها إلى مجموعة من التعساء لأنها ببساطة أتعسهم حتى ولو لم يرى من حولها سبب لهذه التعاسة .

أخبرها العالم المعاصر بأنه حتى ولو كانت امرأة مرفهه ولديها ما تحلم به ملايين النساء، لابد أن تكون تعيسة لأن زوجها لا يهتم بها مثلما يهتم زوج صديقتها بها أو حتى مثلما يهتم ممثل ما في مسلسل ما بزوجته، أخبرها العالم المعاصر أن قيمة الرجل بما يملك وأنها لابد أن تتزوج من لديه المال حتى ولو كان ينقصه الدين أو الرجولة، أخبرها العالم المعاصر أن على المرأة ألا تخجل من التصريح باحتياجاتها النفسية والعاطفية فأصبحت أكثر جرأة بل بأحيان كثيرة أكثر وقاحة لدرجة جعلت الرجل يرغب بالإختفاء عوضاً عن الإنجذاب لها.

أخبرها العالم المعاصر بأن قيمتها في قوة شخصيتها وأن هذه القوة لابد أن تمارسها في كل الأحوال وكل الظروف، وأن الرجل لابد أن يحترم ويقبل هذه الشخصية وإلا سيكون انسان متسلط ومتخلف، ولابد أن تكون قوية الشخصية حتى ولو لم تمتلك الثقافة أو الوعي اللازم لتفهم ما هي قوة الشخصية .

يمكن أن تطول قائمة ما قدمه العالم المعاصر على طبق الحضارة للمرأة في زمننا الحالي، بالطبع هناك حقوق تمتعت بها، وحقوق أعادت لها الكثير من ثقتها بذاتها ومنحت المجال للمرأة أن تُبدع وتُثبت قدراتها في مجال لا حصر لها، هذا المقال لا ينتقد مُكتسبات المرأة ولكن ينتقد تخلي المرأة عن دورها الأساسي في المجتمع وهو الأمومة وأن تكون الداعم النفسي والعاطفي للرجل .

الجانب الأشد إغراءً في حضارة المرأة المعاصرة هو منحها كل الحرية والإختيار بأن تغير جميع أولوياتها، ألا يكون أولادها في قائمة أولوياتها ولا زوجها ولا قيم المجتمع، أن تكون كيان مستقل عن أسرتها، تمارس دور الأم لأنها لابد أم تكون أم أمام المجتمع ولكنها منسحبة أمام مسؤولياتها، بل قد تعتبر ان الأمومة قيد لطموحها ولحياة ترغب أن تحياها فتستبدل أمومتها بخادمة تلبي احتياجات اولادها .

أن يتحول زوجها لمجرد ممول لاحتياجاتها، وألا تستطيع أن تقوم بدور الداعم المعنوي له، لأن الرجل مهما بلغت قوته النفسية أو حتى المادية يحتاج لامرأة يلجأ إليها بعد يوم متعب من العمل، امرأة تقدر مجهوداته مهما كان وضعه المادي ومهما كانت قيمته الإجتماعية، فإذا أصبح جل إهتمام المرأة ذاتها وسعادتها الخاصة لن توفر للرجل هذا الدعم الذي يحتاج له بحكم تركيبته النفسية والسيكولوجية مما ينتج عنه أسر هشة تستمر بدافع الضرورة والواجهه الإجتماعية ولكنها لا تُنتج ابناء أصحاب شخصيات مميزة ومؤثرة .

حضارة المرأة هي أن تكون ذاتها كأنثى وأن تعي دورها كداعم للرجل، وأن تحقق ذاتها بأي مجال ترغب به دون أن يكون أولادها من يدفعوا ثمن هذا الطموح، فما الجدوى من نجاح امرأة وقد قدمت للمجتمع ابناء يعانون الفشل النفسي والمعنوي وإنعدام الثقة بالنفس لأنها لم تدعم بهم هذه الثقة منذ البداية. حضارة المرأة هي أن تعي بأن فترة نمو الانسان هي الأطول من بين كل المخلوقات وبذلك فهي المسؤولة عن إعداد انسان وتقديمه للمجتمع بقيم صحيحة وبشخصية متوازنة وبعقلية نيرة وذلك لا يكون دون أم تدرك مدى أهمية دورها وخطورته. حضارة المرأة هي أن تكون لزوجها الداعم المعنوي، المشجع المساند مهما كانت قيمة هذا الرجل، فقيمته الأولى بالنسبة لها هي أنه زوجها وأي قيمة أخرى تأتي في مرتبة تالية . حضارة المرأة هي أن تدرك أنها حاملة رسالة عظيمة سواء كانت تعمل أم لا، أن تحرص على أن تكون أسرتها أسرة متماسكه نفسياً ومعنوياً في زمن معاصر يبدو أكبر تحدي به هو التماسك النفسي والمعنوي . حضارة المرأة ليست هذه الإعلانات والموديلات والكريمات وعمليات التجميل وكل ما يجعل الجسد أجمل على حساب روح منطفأة لا تعلم هدف وجودها بهذه الحياة أو عقل يعمل لأجل رغبات مادية تاركاً خلفه كل معاني الحياة الحقيقية والعميقة.

لقد وصف الله تعالى سيدنا إبراهيم عليه السلام بأنه أمه لإجتماع كمال الصفات به، وكل امرأة يمكنها أن تكون حضارة قائمة بذاتها بكمال صفاتها أو بسعيها لهذا الكمال، وهذه الحضارة الحقيقية لم توجد في زمننا الحالي فقط بل كانت على مدار كل العصور وأجمل النماذج لحضارة امرأة هي أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، فلتتوقف كل امرأة منا للحظات ولتنظر حولها ثم تراقب ذاتها وتتأمل ما وضعته لنفسها من قيمة عليا لتدرك أي حضارة قد اختارت. وهذه الحضارة لابد أن تسعى لها المرأة حتى ولو تفلت الرجل من مسؤولياته لأنها حين تربي ابنها لابد أن تدرك بأنها لا تربي ابنها فقط بل رجل قد يكون ذا شأن وذا قيمة بغض النظر عن تخلي الأب عن دوره أوإنسلاخه عن رجولته.

 

د.سناء أبو شرار

............................

- مرض سببه الامتناع عن الأكل خوفاً من زيادة الوزن ويسبب مشكل صحية معقدة وقد يؤدي للوفاه.

 

في المثقف اليوم