قضايا

علي جاسب عبد الله: الاستدلال والإنسان

الاستدلالُ سلوكٌ يوميٌّ لا ينفك الإنسانُ عن ممارسته بغضّ النظر عن مَبلغ علمِه ومقدارِ ثقافتِه، فلا ينحصر أمرُه في العالِم وبحوثه أو في السياسي وجمهوره أو رجل الدين ومصدّقيه أو المعلم وتلامذته، أو أصحاب الحرف والصناعات بل يمكن القول إنَّ الاستدلال ممارسةٌ إنسانيةٌ تصدر من مطلق الانسان مع نفسه وأسرته ومجتمعه، وربِّه أيضا. فإذا ما دعاه قال: أنت الذي دللتني عليك .

والاستدلالُ مقياسُ قدرة الإنسان الذهنية وعلمه وفهمه، فالطبيب إذا ما ربط عرضاً بمرضٍ وأعطانا دواء لم يشفِ، صرنا نَصَفُه بالضعف وعدم الفهم . والعالم الهولندي فرانك هوغربيتز الذي استدل بحركة الكواكب على وقوع الزلازل وصادف حدوث زلزال أنطاكيا، قد عظُم شأنُه عند الناس وازداد متابعوه؛لأنَّهم استدلوا على صدقه بذلك التصادف، وهذا هو حال الناس مع أصحاب النبوءات الذين يدّعون علْمَ ماسيكون .

الاستدلال فعلٌ ذهنيٌّ يكشف عن علم الإنسان وعقله، فالانسان الذي يستدل بالمحسوس على المحسوس فقط، أو بالظاهر على الظاهرفحسب لن يكون بدرجة الذي يستدل بالمحسوس على المعقول أو بالمعقول على المعقول، وهذا محل تفاوت العلماء وتفاضلهم في كل علم وصناعة، وهو موضع تتفاوت فيه الأديان والمذاهب والنظريات، ويتحدد في ضوئه قبولُها الاجتماعيُّ والعلميُّ، فمتى ما كان استدلالها قويّا مستحكماً مقنعاً لوضوحه وبيانه ازداد عددُ المصدّقين والأتباع، وشاعت الأفكار كالنار في الهشيم . وهذا ما انتبهت له الحضارة الغربية، إذ عَلمتْ أنَّ خلخلةَ استدلال أيّ فكرٍ تعني إقصاءه، وإنهاءه. وإحكام استدلاله وتمتينه يؤدي إلى بقائه، واستمراره . ووجدنا أنَّ القرآن الكريم لا يفتأ يُنهي استدلالاً حتى يبدأ بآخر، ما يسوّغ لنا أن نصفه بأنَّه بنيةٌ استدلاليَّةٌ محكمةٌ. وهذا ما يبين لنا أهمية دراسة الاستدلال وتحليله وضرورة إدراكه، وتعلمه، وتعليمه لرفع وعي طلبتنا، واكسابهم المعرفة، وتحصيلهم العلم .

***

أ. د. علي جاسب عبد الله

في المثقف اليوم