قضايا

مريم لطفي: الضياءُ والنورُ في القرآنِ الكريم.. روائع الإعجاز

(هو الذي جَعَلَ الشَّمسَ ضيَاء والقمرَ نُورًا وقدَّرهُ مَنازلَ لتعلموا عَدَدَ السنينَ والحسابَ ماخَلقَ اللهُ ذلكَ إلاّ بالحَقِ يُفصّل الآيات لقومٍ يعلمونَ) يونس5

لقد ورد الضياء والنور في القرآن الكريم بمواضع عدة وحسب الايات. وقدذهب بعض المفسرين والعلماء الى توحيد الضياء والنور بمعنى واحد، ونحن في بحثنا هذا نحاول أن نتناول الاختلاف والتشابه على إن التفريق بينهما يتسم بالوضوح معززا بالايات القرانية، فالضوء ماكان من ذات الشئ المضئ، أي أن يكون فيه ضوءًا وحرارة كالشمس ولذلك وصفت ب (السراج الوهاج) والوهج يصدر الحرارة والضوء (وجعلنا سِراجًا وَهّاجًا) النبأ13

بينما النور هو مايكون فيه إنارة فقط دون حرارة (تبارك الذي جعلَ في السماءِ بُروجًا وجعلَ فيها سِراجًا وقمرًا منيرًا) الفرقان61

إن الضياء يختلف عن النور وهذه حقيقة فيزيائية حيث إن الشمس والنار مصدرا للطاقة المباشرة التي ينتج عنها ضوءا وحرارة ودفء أي إنه غير مستمد بل مانح، في حين إن النور مصدر غير مباشر يعمل على انعكاس أشعة الشمس لكي يعم النور ويبدد الظلام.

 وعلى ذلك يُعرف الضياء على إنه المصدر المحسوس المضئ فيما يعرف النور على إنه إظهار الشئ الذي كان في ظلمة فيهتدى به (وجعلنا له نورًا يمشي بهِ) الانعام 122

ونحن بصدد البحث عن الضياء والنور في القرآن الكريم نتوصل الى حقيقة أثبتها الله في كتابه الكريم قبل أكثر من 1400 سنة فيما أكتشفها العلماء بكل ماأوتوا من تكنلوجيا وتقدم في علوم الفضاء منذ قرنين تقريبا، فاذا تأملنا القمر سنجده جسم بارد لايصدر الضوء بل يعكسه على شكل نور، وهذه الحقيقة ذكرها القرآن في وقت كان يظن الناس إن القمر جسم متوهج، أما الشمس فهي جسم ملتهب يصدر الضوء، وقد اثبت العلم ذلك حديثا على إن الشمس فرن نووي ضخم وقوده ذرات الهيدروجين، فهل هناك إعجاز أقوى من هذا الاعجاز الذي جاء به القرآن بدلائل ووصف علمي بمنتهى الدقة، فلم ينسب النور للشمس بل الضياء .

فإذا تأملنا الفعل (أضاء) سنجده مسندا إلى حقيقتين ثابتتين وهما النار والنور كقوله تعالى (مثَلُهُم كِمَثل الذي استوقَدَ نارًا فلمَّا أضاءتْ ماحولهُ ذهب اللهُ بنورِهم وتركهمْ في ظُلماتٍ لايبصرونَ) البقرة17 فهنا تحقق شرط الضوء من النار، فالنار المشتعلة هي مصدر ذاتي للضوء.

ثم ذكر في آية أخرى البرق والبرق كما نعلم شرارة كهربائية وامضة تضئ إضاءة خاطفة وكل شرارة تولد ضوءا قال تعالى (يكادُ البرقُ يخطفُ أبصارهُم كلما أضاءَ لهم مَشوا فيه وإذا أظلمَ عليهم قاموا) البقرة20

من ذلك نصل الى نتيجة مفادها إن الشمس والنار والبرق أجسام ذاتية الاضاءة تشتعل وتنتج الضوء.

وإذا تأملنا الآية القرآنية (وجعلنا سِراجًا وهّاجًا) النبأ 13والذي يعني الشمس فالسراج يتوهج ليبعث النار والضوء، فيما يعكس القمر النور (وقمرًا منيرًا) الفرقان 61ولم يقل مضيئا لانه يستمد النور من الشمس (والقمر إذا تلاها) الشمس2

وهذه آية إعجازية أخرى على إن القمر يستمد نوره من الشمس.

فالضياء إذن هو المصدر الذي ينبعث منه الحرارة والضوء، فالشمس والنار مصادرمشتعلة وكذلك السراج الذي جاء بمعنى الشمس كما في حالته الاعتيادية فهو يولد حرارة وضوء يستضاء به كضوء الفانوس ومثلها الشمعة المضيئة فنقول ضوء الشمعة دلالة على الاضاءة وليس نور الشمعة (تبارك الذي جعل في السماء بروجًا وجعل فيها سراجًا منيرًا)نوح16

وقد يتبادر الى الذهن سؤالا لطالما طرح نفسه وطرحه المغرضون وأثاروا الشبهات والتهم لتحقيق مكاسب واهية هدفها النيل من كتاب الله وهم في كل حال خاسرون، فقد وردت الاية الكريمة في سورة النور(اللهُ نورُ السمواتِ والارضِ مثلُ نورهِ كمشكاةٍ فيها مصباحٌ المصباحُ في زجاجةٍ الزجاجةُ كأنَّها كوكبٌ دريٌّ يوقدُ من شجرةٍ مباركةٍ زيتونةٍ لاشرقيةٍ ولاغربيةٍ يكادُ زيتُها يُضئُ ولوْ لمْ تمسسهُ نارٌ نورٌ على نورٍ يَهدي الله لنُورهِ من يشاءُ ويضرب الله الامثال للناس والله بكل شئ عليم)

واذا تأملناالاية الكريمة سنجد الاتي"

-إن الله يشبّه نوره بالمشكاة بدليل (الكاف) في كلمة(كمشكاة) والتي تفيد التشبيه والمشكاة هي الكوة ومكان الضوء.

- التشبية الثاني ورد في (كأنها كوكب دري) وهذا الكوكب (يوقد) من شجرة مباركة والوقود هنا مصدر الاضاءة (يكاد زيتها يضئ) ولو لم تمسسه نار، إذن تحقق شرط الوقود للاضاءة، ثم يقول نور على نور وهو التنوير والانارة للهداية إذن فهو تعبير مجازي إعجازي لمعنى النور، لماذا جاء بمعنى النور لان الضياء يشترط الوقود للاضاءة وهنا قمة الاعجاز والروعة فهو نور مضئ بذاته من غير وقود والذي جاء بمعنى الهداية، فقال (قد جاءكم من الله نور) أي ان الله هو مصدر الانوارو الذي يمنح نور الابصارو نور الهداية، فالنور نقي ومشرق ولايصحبه احتراق ولاتشوبه شائبة، فهو نور محض و اشراق بغير احتراق وهو صفة من صفات الله جل وعلا واسم من اسماءه الحسنى، ونورالله صفة كمال لايحتمل النقص يليق بكمال الله جلّ وعلا فهو النور الالهي الذي يغمر الكون بنوره.

ويأتي النور كتعبير مجازي فنقول نور الوجه، والعلم نور، والعقل المتنور، وطريق النور، ونور الهداية كقوله تعالى (جعلناهُ نورًا نَهدي بهِ من نشاءُ) الشورى 52

ثم نأتي إلى موضعا آخرا في قوله تعالى (ولقد آتينَا مُوسَى وهارُونَ الفرقانَ وضياءً وذكرًا للمتّقينَ) الانبياء 48

وقد اختلف المفسرون أيضا بتفسير هذه الاية فمنهم من قال إنها التوراة ومنهم من قال لتفرق بين الحق والباطل، فلم ذكر الله الضياء في هذه الاية ولم يذكر النور؟

والحقيقة فجواب هذا السؤال يردنا من القرآن الكريم بآية أخرى قال تعالى (إذ قالَ مُوسى لأهلهِ إنّي أنستُ نارًا سآتيكم منها بخَبَرٍأو بشهابٍ لعلكم تصطلونَ) النمل 7

فالضياء الذي ذكره الله يعني النار في آية (إنّي أنستُ نارًا)، فالضياء هو نار الطور التي بارك من فيها ومن حولها (وشجرةً تخرجُ من طُورِ سيناءَ) المؤمنون20

وبعد أن بينا مفهوم الضياء نأتي لنبين مفهوم النور، فالنور هو الضياء والسناء الذي يعين على الابصارأو هو شعاعه وسطوعه ومنه الفعل نار وأنارواستنار ونور بمعنى أضاء واستنار أي استمد ضوءه والتنوير يطلق على أسفار الصبح، والنور هو الظاهر الذي به كل ظهور.

وقد وردت كلمة النور في القرآن الكريم بمواضع عدة، منها للوضوح ومنها الهدى، ومنها القرآن، ومنها نور الله الذي هو اساس كل الانوار فقد ورد النور في القرآن الكريم بهذه المعاني :

-الله في قوله تعالى (اللهُ نُورُ السَّمواتِ والأرضِ) النور35

- الهداية قال تعالى (يَهدِي بهِ اللهُ مَن اتَّبَعَ رِضوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخرجُهُم منِ الظُلماتِ إلى النُّورِ) المائدة 16

-الاظهار قال تعالى (الر كتاب ٌ أنزلناهُ إليكَ لتُخرجَ الناسَ من الظلماتِ إلى النُّور) ابراهيم 1

-القرآن الكريم قال تعالى (آمَنُوا بهِ وعزَّرُوهُ ونَصَرُوهُ واتبعُوا النُّورَ الذي أُنزلَ معهُ).الاعراف157

-الحساب الدقيق قال تعالى (الشمسُ والقمرُ بحسبانٍ) الرحمن5

من هذا نصل الى نتيجة مفادها إن النور يطلق على مايُظهر الاشياء ويسمى منيرا، فالمصباح منير، والقمر منير، والنبي سراج منير (وداعيًا إلى الله بإذنهِ وسِراجًا مُنيرًا) الاحزاب 46

وقد هدى الله الشمس بنوره والقمر بنوره ووصف نفسه بالنورلما للنور من هداية وطمأنينة وإبصار وإظهار قال تعالى(يُريدونَ أن يُطفئوا نُورَ الله بأفواههم ويأبى الله إلاّ أن يتمَّ نورهُ ولو كرهَ الكافِرون) التوبة32

فلماذا اختار الله لنفسه أن يكون نورا، لأن النور هو الدليل في الظلمات وهو الاية المبصرة وطريق الهداية وصراط الحق فالله يظهر نوره بنوره ونور الله هو مصدر كل الانوار(اللهُ وليُّ الذينَ آمنُوا يُخرجهمْ من الظُلماتِ إلى النورِ). البقرة257

***

مريم لطفي - العراق

في المثقف اليوم