قضايا

كاظم شمهود: دور العقل الفلسفي في تفكيك الخرافات

بعض المفكرين والمحللين التفتوا الى الدور الفعال والمهم الذي تلعبه الفلسفة في تفكيك الانظمة الاستبدادية والفاسدة. فاذا ما دخلت في صفوف الناس فان كل الخرافات ستنهار دفعة واحدة لان العقل سيسود الطبقة المثقفة وسيكون سدا منيعا امام العقول المتحجرة والمتخلفة. والمعروف ان الحكام يخافون من المنطق والفلسفة العقلية لانها تعريهم وتعرف الانسان بمكانته الطبيعية وحقوقه في المجتمع والحياة. وتسعى الى حكم الانسان الكوني وليس الطائفي او المذهبي.. واليوم نجد ان هناك غياب كامل للعقل الفلسفي في عالمنا العربي مما اتاح للحكام المستبدين الظلمة ان يحكموا بغطرسة وتعسف يدعمهم بعض العلماء ذو العقول المتحجرة التي لازالت تعيش على روايات وفكر الماضي السحيق والذي يسميهم علي الوردي بوعاظ السلاطين.

والفيلسوف ينظر الى الانسان بوصفه انسانا بغض النظر عن جنسه وقوميته او دينه ولهذا هناك فرق بين التفكير الأيديولوجي والتفكير الفلسفي. والفلسفة هي البحث عن الحقيقة بمعنى ان الفيلسوف لا يملك الحقيقة انما يبحث عنها.

 ومنذ عصر النهضة تعالت الاصوات في التأكيد على الاصلاح والتغيير ومعالجة الامور الانسانية بعقلانية والحد من قبضة سلطة الكنيسة التي تعتبر نفسها ممثلة عن الله في حكم الارض. واستطاع عدد من المفكرين من الثورة واعلان معارضتهم لحكم الكنيسة امثال روسو وفولتير وجون ستيوارت وجان بودان وغيرهم. فنجحوا في اسقاط سلطة الكنيسة وظهور النظم الديمقراطية.

الديمقراطية في عالمنا العربي

ولكن لماذا لم ينجح النظام الديمقراطي في بلداننا العربية؟.

قرأت عدد من الكتب عن تاريخ الحضارات الرافدينية. والرحالة الاوربيين الذين زاروها. منهم المؤرخ اليوناني هيرودوتس (480 ق م) فيذكر بان لباس اهل بابل مثل النعال والحذا كانا مقتصرا على الامراء والملوك والكهنة ورجال الحرب اما عامة الناس فهي تسير حافية الاقدام عارية الروؤس. كما ان ملابس الملوك مزركشة ومزخرفة بانواع الزخارف الجميلة الفاخرة وعرباتهم التي تجرها الخيل مزينة وخصوصية.. ولازالت هذه الفوارق الطبقية تعيشها المجتمعات الانسانية وكذلك في بلداننا العربية الذي يسودها التخلف والتعلق في نصوص خرافية جامدة من الصعب تفكيكها او المنع من تحليلها ونقدها وفق منظور عقلي عصري منورة.

ومن جانب آخر يذكر الدكتور خزعل الماجدي في كتابه – الميثولوجيا السومرية - بان الشخصية الرافدينية تحمل بعض صفات الآلهة السومرية مثل الاله - انليل - اله الهواء والقوة والسلطة والقسوة، وتسمي النصوص السومرية هذه الصفة ب (الانليلية) كما تبرز صفة اخرى ممثله بالاله – انكي – اله الماء والخصب والابداع والثقافة والفنون، وتسميه النصوص السومرية ب (الانكية) ومن هنا ينطلق الدكتور على الوردي في تشخيصه وتقييمه للشخصية العراقية.

نحن اليوم نحمل ارثا حضاريا قديما عمت ثقافته كل عالمنا العربي فلازالت الكثير من الاساطير والخرافات تعيش بيننا وفي حياتنا. ويذكر ان كعب الاحبار وهو من كبار علماء اليهود قد اسلم في زمن الخليفة عمر بن الخطاب وقد سمح له عمر بالتحدث في المسجد النبوي والقاء المحضرات، وكان هذا الرجل مشبع بالثقافة التوراتية والتي معظمها عبارة عن اساطير وخرافات كتبت في بابل ايام السبي في زمن الملك نبوخذ نصر، وقد دخلت الثقافة اليهودية الى الاسلام عن طريق هذا الرجل واطلق عليها بعض العلماء اسم - الاسرائيليات..

اليوم اصبح الخطاب الديني معظمه عبارة عن روايات لا تخضع للتحقيق والعقل وكأنها اشياء مسلم بها ومقدسة مما ادى الى غياب المنطق وتوقفه امام الرواية وعدم ديناميكية النص او الفكر ليتماشى مع العصر. فهي روايات اتت الينا من تلك العصور الخرافية الغابرة والمظلمة والتي دخلت فيها الاساطير البابلية والتوراتية.

 وامام هذه الظاهرة اصبح التفكير تكفير ومن الابداع الى الاتباع ومن التعقل الى الاسطورة والخرافة ومن التجديد الى التقليد والتحجر. وهذا هو واقعنا الذي نعيشه اليوم مع الاسف..

***

د. كاظم شمهود

في المثقف اليوم