قضايا

علي الرئيسي: انريكو دوسيل فيلسوف التحرير (1-2)

غيب الموت منذ أيام احد اشهر فلاسفة التحرير في أمريكا اللاتينية انريكو دوسيل  Enrique Dussel هنا قراءة مختصرة حول سيرته الذاتية والفكرية واهم المحطات التي مرت بها فلسفته خاصة وفلسفة التحرير عامة.

ولد انريكو امبروسوني دوسيل في 24 ديسمبر، 1934  في مدينة صغيرة تدعى لاباز، في محافظة ميندوزا، الارجنتين. هو ابن طبيب تدرب على التقاليد الامريكية اللاتينية. جده الأكبر هاجر من المانيا في عام 1870. امه كانت كاثوليكية، منغرسة في معظم اعمال الكنيسة وكانت رئيسة لجمعية اولياء الأمور في المدرسة. من كليهما تعلم دوسيل أهمية العمل الاجتماعي، والتراحم، والتواضع، والعمل الجاد. خلال الاربعينات من القرن الماضي ونظرا للحرب العالمية والشعور المعادي للألمان تم طرد والده من الوظيفة مما اضطر العائلة للهجرة الى بيونس ايرس، بعد سنوات انتقلا الى ميندوزا. في سنوات مراهقته كان ناشطا كاثوليكيا حيث كان من الأشخاص الذين تبرعوا بأوقاتهم في خدمة مستشفيات الأطفال من ذوي الإعاقة الفكرية. وكان أيضا ناشطا طلابيا في أيام الجامعة حيث كان يراس مركز الفلسفة، نشاطه الطلابي أدى الى اعتقاله من قبل نظام بيرون عام .1954 

درس دوسيل تحت امرة جيل من الأساتذة الذين تم تدريبهم في التقاليد القديمة للدراسات العليا: معرفة دقيقة للمصادر الأساسية باللغات الاصلية. كان تلميذا الى جانب أخريين، لارتيورو رواق (Arturo Roig)، انجيل كونزاليس الفريز، انتونيو ميلان بيوليس، ميرسو لوبيز (الذي تم تعذيبه حتى الموت  من قبل النظام العسكري في عام 1976)، وكويدو سوجا راموس Guido Soaje Ramos ، سوجا كان اكثرهم تأثيرا على الفتى دوسيل. سوجا راموس كان يطلب من طلابه ان يدرسوا اللاتينية، واليونانية، والألمانية، لمدة 4 سنوات، دوسيل درس الاخلاق Ethics لدى سوجا راموس, كان اهتمامه الاكبر على  الألماني ماكس شيلر ودريتش هيلدرباند بالإضافة الى ارسطو وتوما الأكويني. كانت الاخلاق هي تخصصه الرئيسي، وقد تخرج في عام 1957 حيث كان عنوان رسالته " الفلسفة الاجتماعية والأخلاقية". هذه السنوات أيضا كانت حافلة بالنشاط الطلابي، حيث كان من مناصري جاكوز مارتين، حيث ساعد في تأسيس جمعية الديمقراطيين المسيحيين.

بعدها التحق بجامعة مدريد في اسبانيا لنيل الدكتوراة حيث قدم رسالته تحن عنوان: الصالح العام: التناقض النظري. كانت رسالة الدكتوارة تبحث في مصدر وتطور مفهوم "الصالح العام" بدا من قبل فكر سقراط الى هانز كيلسن. بناء على راي احد اكثر المطلعين على اعمال وحياة دوسيل، مارينو مورينو فيلا، هذا العمل مهم لسببين: الأول، ان هذا العمل بالفعل يكشف ويتنبأ بالانشغال المركزي لفكر دوسيل وهو البحث عن التقريب للاستجابة المناسبة، على الرغم من انه نادرا ما يمكن تحقيقها للأخر. من خلال هذه الرسالة كان دوسيل يهدف الى الدفاع عن الديمقراطية في ضوء ما كنت تمر فيه اسبانيا في ذلك الوقت.

المواضيع التي تطرق لها انريكو دوسيل كثيرة وواسعة ولا يمكن تغطيتها في هذه المقالة. ولكن سنركز على عدد من القضايا التي تناولها دوسيل بصورة خاصة في مسيرته الفكرية البالغة حوالي 30 عاما. اهم هذه القضايا مناقشته لفكر الفيلسوف اليهودي الفرنسي امانويل ليفناس (Emmanuel Levinas)، انغماسه ودراسته لمجمل اعمال كارل ماركس بعد هجرة دوسيل الى المكسيك. حيث اصدر ثلاثة مجلدات عن ماركس، تناول فيها بالنقد وإعادة النظر في الماركسية منذ فرديرك انجلز حتى جارغن هيبرماس مرورا بجورج لوكاش، ولينين وروزا لوكسمبورج، وثم نظريته حول الكولونيالية والوضع الكولونيالي، ونقده للمركزية الاوروبية من خلال ابرز مفكريها. بالنسبة لدوسيل التجربة الحقيقية لفلسفة التحرير هو الوعي والكشف النقدي عن التجربة الضخمة للهيمنة. الهيمنة والتحرر الذي يقصدهما بين عالم الحداثة/ والاستعمار والعالم الثالث.

 متى ولماذا ليفناس؟

عندما قرات لأول مرة كتاب لفيناس الكلية واللانهاية (Totality and Infinity)، شعرت بعدم اليقين من كل ما تعلمته في السابق، بهذه العبارة يلخص دوسيل علاقته بأعمال لفيناس. بعد ذلك نظرا للمناقشة التي تمت ببنهم في باريس، استطاع دوسيل ان يقيم أوجه الاتفاق والخلاف في فكره مع فكر الفيلسوف اليهودي الفرنسي الكبير. وقد وصف هذه الخلافات بالاضطراب الكبير بين فكر لفيناس وفكر جيل من الفلاسفة الارجنتين الشباب ويمكن تلخيص هذا الاضطراب بالسردية التالية:

لفيناس قال لي ان التجربة السياسية لجيله هو وجود ستالين وهتلر(شخصيتان لا انسانيتان وهما نتيجة للحداثة الهيجلية الأوروبية). ولكن عندما اخبرته ان تجربة ليس فقط جيلي، ولكن تجربة نصف الالفية الأخيرة من تاريخ البشرية كانت غرور الحداثة الأوروبية. غرور منتصر استعماري، إمبريالي في ثقافته ومضطهدا لشعوب الأطراف، لفيناس يعترف بانه لم يفكر ان الاخر كان يمكن ان يكون الهنود الامريكان، والأفارقة او الاسيويين.. اذا كان لفيناس، باعتباره مفكرا يهوديا قادرا على ان يجد في تجربته الخاصة اثرا خارجيا لنقد الفكر الأوروبي في مجمله ( وخاصة هيجل، هوسرل، وهايدجر)، فانه لم يعاني من أوروبا في مجملها الاستعماري، وظلت نقطة مرجعية لفيناس هي أوروبا نفسها. ولكن بالنسبة لنا (الناس والمثقفين من أمريكا، افريقيا، واسيا) من اطراف العالم، الذين جربوا وعانوا من أوروبا، فالنقطة المرجعية لنا هو تاريخ الأطراف، انه تاريخ إيجابي، اما بالنسية "للعالم المتحضر" تاريخ الأطراف يعتبر متوحش، غير موجود، وغير متحضر. (دوسيل 1975, 8).  يتبع

***

علي الرئيسي

في المثقف اليوم