قراءة في كتاب

محمد عطوان باحثاً عن صور الآخر

إن الحديث عن الفكر يعني الاشتغال على منتجاته، وهُنا الحديث عن مجموعة نصوص وفي الوقت نفسه يعد النص رسالة من الكاتب الى القارئ فهو خطاب. فالاتصال بين الكاتب والقارئ يتم عبر النص. وبالنتيحة فإن المعنى سيشترك بتكوينه الكاتب الأول (الغربي) ومن ثم القارئ الأول (نصوص الفكر العربي) والقارئ الثاني للقراءة الأولى (كتاب صور الآخر في الفكر السياسي العربي المعاصر لـ محمد عطوان) والقارئ الثالث (كاتب هذه السطور) وصولاً الى ما لا نهاية من القراءات وهذه القراءات تخضع لعدة رؤى وليست رؤية واحدة. فما منهجية قراءة محمد عطوان في كتابه صوّر الآخر..؟

هناك قراءة تعمل عند حدود التلقي المباشر، وتجتهد في أن يكون هذا التلقي بأكبر قد ممكن من الامانة بأقل تدخل ممكن تبرز ما يُبرز وتخفي ما يخفي وهذه القراءة يقترب منها الكتاب رغم أنه لا يخلو من التاويل سواءً أكان بقصد الباحث أم من دون قصد. وهناك قراءة ثانية (وفق تقسيمات محمد عابد الجابري) تعي منذ اللحظة الأولى كونها تأويلاً، فلا تريد أن تقف عند حدود التلقي المباشر بل تريد أن تساهم بوعي في تشكيل وجهة نظر جديدة تتمثل باعادة بناء ذلك الخطاب، أما القراءة الثالثة فهي القراءة التشخيصية لمحاولة فهم طبيعة الخطاب، التي اقترب منها محمد عطوان أيضاً، فضلاً عن الشكل الاول من القراءة .

وبالنتيجة كل هذه القراءات أو كما يعبر عنه تحليل الخطاب وهذا ما اكد على استعماله الباحث في دراسته التي هي رؤية ونوع من التأويل، على الرغم من قربها من القراءة الأولى والثالثة والدليل على ذلك استعماله لمفاهيم جعل منها مدخلاً لأقامة شبكة العلاقات التي يسعى لتشكيلها، وهنا ربما يرى القارئ المختص إن الباحث قد اهمل موضوعات واختار أخرى والأخير محق في ذلك فلابد من ابراز جوانب والسكوت عن جوانب .

اشتغل الكتاب على وفق المحور الافقي أي وضع الفكر على مستوى واحد من خلال الاشتغال على المفاهيم، والاشتغال على المفاهيم بشكل افقي لا يعني التماثل بين الفكر العربي والفكر الغربي، بل الى ماهو عكسه احيانا، ذلك إن المنهج الافقي هو فكر الاختلاف وليس فكر الهوية الذاتية، وهذا ما أدركه المؤلف.

أما الحديث عن الرؤية التي تشكلت عن المنهج، فيمكن أخذ مفهوم العلمانية (وهو القسم الثاني من الكتاب) إنموذجاً. إن العلمانية من أكثر المفاهيم اشكالية في الفكر السياسي العربي كانت وما زالت تحتل مكاناً لا يستهان به، ومع محمد عطوان يتمثل حديثه عن العلمانية من خلال لحظات الكتابة المتمثلة بالآتي:-

اللحظة الأولى-لحظة التأسيس:-

تحدث فيها عن تمثل العلمانيين العرب للعلمانية على وفق القول بأن العلمانية فضاء لشراكة المختلفين، بدأها بالحديث عن خصائص الدولة المدنية، وهنا انتقالة الى شكل من اشكال العلمانية وهو الدولة المدنية، إذ يصبح الدين فيها دين مدني، ولكن يبدو إن الباحث قد انشغل بالاجابة عن سؤال الدولة المدنية أكثر من الاجابة عن العلمانية. (هنا على الاقل) في لحظة تأسيس الفهم .

اللحظة الثانية- تاريخية:-

الأولى/ ربط مطلب العلمانية بمطالب الاقليات الدينية، وهي بالنتيجة حاجة اجتماعية .

الثانية /التأثر بالمصادر الاشتراكية .

اللحظة الثالثة- اشكالية التبيئة أي تبيئة مفهوم العلمانية والعمل على نقله من سياقه الغربي الى سياق عربي آخر. استعرض فيه مجموعة من مواقف المفكرين العرب وهي ارشفة مهمة .

اللحظة الرابعة -العودة لفهم سياق العلمانية ضمن بيئتها من خلال الوعي بشروطها من خلال ربطها بالحداثة الاوربية، واشارته الى تطور الخطاب حول العلمانية .

اللحظة الخامسة - تمثل الاسلاميين العرب للعلمانية .

ويمكن القول إن قراءة محمد عطوان لصورة العلمانية في الفكر السياسي العربي كانت وفق ادواته ومجال بحثه، التي من خلالها تبيّن إن الفكر العربي قد اشتغل على سؤال من يحكم؟ وترك الاجابة عن السؤال الاكثر أهمية وهو كيف نحكم؟ واجابة السؤال الثاني تتعلق بالاجابة عن السؤال الآتي ماذا لو اطلع العرب على اصل جديد، فهل ستبقى القراءة القديمة نفسها أو ستُقدم قراءات أخرى؟ ماذا لو فهمت في سياق أكثر من الوقوف عند القول بأنها المثال العام للحياد؟

 

د. قيس ناصر راهي

 

 

في المثقف اليوم