قراءة في كتاب

الفرق الدلالي بين الضاد والظاء في كتاب:

1298 رحيم الغرباوينباهة العرب وبلاغة القرآن الكريم للدكتور رحيم عبد علي الغرباوي

شاءت الحكمة الإلهية أنْ تميز اللغة العربية بأنَّها لغة الضاد؛ لتفردها في لفظ صوتها عن جميع أمم الأرض حاضراً وماضياً ومستقبلاً، فضلاً عن أنَّ خطها يمنح اللفظة معناها بصورة بائنة .

ويبدو أنَّ العرب رسمت حرفي الظاء والضاد على وفق حركة اللسان داخل جهاز النطق، فــ (الظاء) بالخط الظاهر؛ لآلية ظهور اللسان من بين الأسنان، وأنَّ صوت (الضاد) يصدرَّ من إلصاق طرف اللسان على لثة الأسنان العليا، ويبدو أنَّ رسم الحروف كان على وفق حركة اللسان أو سريان الزفير داخل وخارج فضاء الفم، لكن لو أمعنَّا النظر لوجدنا أنَّ أغلب الكلمات التي ترد فيها الظاد أو الضاء قائمة على معنى الظهور أو الضمور، فضلاً عن وضع اللسان؛ لربما أنَّ من رسم الحروف توخى ذلك لكن لم يصلنا التعليل الذي قمنا به في التقريق بين خط الحرفين من كتب التراث، بيد أنَّ أصحاب الإملاء ورسم الخطوط أوضحوا لنا أنَّ الظاء تلفظ كصوت بإظهار اللسان من بين الأسنان، أما الضاد فتنطَق حين يكون اللسان ملاصقاً للثة الأسنان العليا داخل الفم، ولم يبرروا سبب خلاف الخطين، ولعلنا اجتهدنا في الوصول إلى سبب رسم الحرفين بالشكل الذي هُما عليه داخل الكلمة، كونهما يشعَّان بالدلالة؛ فيُظهران المعنى العام لتك اللفظة فـ (الظاء) تدل على الظهور والبروز، بينما (الـضاد) فتدل على الضمور والانحسار، ومنه الفعل حضر، فهو يدل على قدوم الشخص بشفافية وهدوء، بينما لفظة حظر فهي تدل على المنع، ولما للمنع من وسائل معرقلة كالسلاح والأسلاك الشائكة والأبواب والمنافذ الموصَدة، أما الأفعال: ضمَّ؛ ضمر؛ عضَّ؛ غاض بمعنى اختفى، غمض، فضَّ، ومضى، فجميعها تدل على الاخفاء والتلاشي، بينما لفظة مرض، فتدل على الذبول والإذواء، وفاض، ونضح؛ فيدلان على الطفح الذي ليس فيه بروز، وضلَّ بمعنى تاه، وهو من الضياع، بينما ظِلّ  وهو ظِل الشجر وغيره وفيه تمدد وظهور، وبيض الدجاج كونه مسطحاً، بينما بيظ النمل فهو مدبب، وضفرت الخصلة: لمَّتها، بينما ظفر بالعدو: أطاح به بعد جهد، وناضرة بمعنى ناعمة مترفة، بينما ناظرة هي ساهمة، وفي النظر إطلاق عنان العين للإبصار وإطلاقها للرؤية، وغضُّ البصر إخفاته، وغمض عينه أخفاها، وحضن وقبض، فكلاهما يدلان على والإيواء والأخذ والضم. فجميع ما في الكلمات من حرف (ض) تدل على الضمور والانبساط أو الضم والتلاشي .

أمَّا (الظاء) فقد وردت في كلمات محدودة لا تتجاوز النيف والتسعين، وهي ترد كما أسلفنا في أفعال تتسم بالظهور والبروز والحركة وما يعتمل حدوثها من جهد للقائم بها، وإليك أشهرها:

الحَظّ: بمعنى النصيب، والحظ يكون ظاهرا، إذ يعمل على المفاجأة، والمفاجأة هي غير مسترسلة بحياة الفرد؛ والحِفْظُ: يمثل ظهوراً على عدم الحفظ الذي هو في حالة استواء مع الآخرين، فالحافظ تميز بحفظه على غيره وازداد علماً، وفي الزيادة ظهور، والحَظْوَةُ: وهي الرفعة والاهتمام، وفيها يتطلب جهدا والجهد أيضا بائن والاهتمام واضح، والظلم، وهو من الجَرم، لما فيه شناعة وقبح سواء أكان جسدياً أو نفسيا؛  والظليم: وهو ذكر النعام، ويقال لأنثى النعام قلوص، كما يقال ذلك في الإبل، وإنما قالوا ذلك لما رأوا فيها من شبه الإبل . تزعم الأعراب أنَّ النعامة ذهبت تطلب قرنين، فقطعوا أذنيها؛ فلذلك سميت بالظليم، وكأنهم إنَّما سموها ظليماً؛ لأنهم ظلموها حين قطعوا أذنيها، ولم يعطوها ما طلبت، وهذا بناء على اعتقادهم بذلك، والظليم جاء من الفعل ظَلمَ، والظلام ما بان سواده وغطى كل شيء فهو طاغٍ، ومنه ظلمة وظالم وظليم، فلُفظ بالظاء على أساس ظهوره، والظبي: وهو الغزال، وجاءت تسميته من فعله ظأب بمعنى صاح وزجل وكلاهما ضد الصمت؛ مما تعيَّن فيه الإظهار، والظبة: طرف السيف، ويراد حدته، وهو الأهم والأبرز في السيف، والظعن: الهودج؛ وهو بادي للعيان، ظاهر، كذلك الفعل ظعنَ، أي ركب للسفر، والركوب يكون بادياً للعين .

و الظرف بمعنى الكياسة، والمعنى الآخر الوعاء الذي ترسل فيه الهدية، فالهدية مخفية بينما الظرف ظاهر، ويطلق على القربة والسقاء وكلاهما مشهوران، أي ظاهران، والظريف؛ هو اللطيف الكيِّس الذكي الحذق البارع، يقال ظارفني أي غالبني، فظرفته أي غلبته . ويبدو أن الظرافة فيها تميز والتميز يدل على البروز والظهور؛ والظَّنُّ: الشك والريبة، ولما كانت في الدلالة حركة وأثر دلَّت على الاعتمال والزعم؛ والقلق لحال، فهو بادٍ في النفس كغير عادتها، ويأتي الاعتقاد الراجح وكلا المعنيين فيهما ظهور، والظِّلُّ: ومنه ظلَّ، أي بقي وظلَّله ألقى ظله عليه أدخله في ظلِّه، أي كنفه، وظلله من الشمس، أي حجب عنه حرارة الشمس، والظل ظاهرٌ، والظفر: وهو ضد الخيبة؛ أي الفوز وظفر به؛ أي غلبه أو أمسك به؛ وفيه قوة وتميُّز، والظَّهر عكس البطن وهو من الظهور، من الفعل ظهرَ واسم فاعله ظاهر بمعنى بارز، الظمأ: العطش الشديد؛ ولما له من أثر في النفس فهو بادٍ، وكظم: حبس بقوة وفيه مجالدة للنفس، واللحظ: وهو المشاهدة بالعين والإسهام بالبصر؛ لتتحقق الرؤية، اللفظ: هو الكلام الظاهر صوتاً أو كتابة، والنّظْمُ: ومنها النظام؛ ولا يتحقق إلا بجهد ودراية وتخطيط، والنظافة لاتتأتى إلا بالمتابعة وبذل الجهد؛ نظف الشيء نقاه وجعله بهياً حسنًا وفي ذلك بذل جهد أيضاً؛ لإظهاره بصورة أبهى؛ بينما نضف وانتضف أي شرب الفصيل جميع ما في ضرع أمه اي ابتلعه في جوفه، والنظَر: وهي أنْ تبرق العين خطّاً للرؤية البصرية، ونظرَ إلى الشيء تأمَّله بعينه، ونظر في الأمر تفكَّره؛ والنظرة اللمحة، وجميع معانية ومشتقاته تدل على الرصد والظهور، والعظم: وفيه بروز، وعظام الإنسان ظاهرة في النظر أو الملمس، والعظيم: الضخم في الشكل أو الوقع، والغيظ: أعني الحنق، وفيه اضطراب واعتمال للنفس بما يؤذيها، بينما غاضت البركة: بلعت ماءها. وغاض: اختفى، والفظاظة: وهي القسوة، ولما للقسوة من أثر على المقسو عليه؛ الفظاعة: من الأمر الفظيع، وهو الشنيع، وكل شنيع ظاهر ومتفش أمره؛ والتقريظ: مدح الحي بالشعر، وقرظ أظهر بينما القرض للملابس هو من المضمرات فكُتِبت ب (ض)، وفعلها لين خفي ليس فيه لون من الشدة، بل بخفية وهدوء، والمواظبة: المداومة على شيء، وهي ما تتطلب جهداً في ذلك، والوظيفة، من وظف يظف البعير بمعنى قصَّر قيده (أصابَ وظيفهُ)؛ ووظِّف له الرزق ولدابته العلف بمعنى عيَّنه وشخَّصه، وقد استعملت بمعنى المنصب والخدمة، وفيهما إشهار لا إخفاء، واليقظة: ضد النوم .

ولو تتعبنا ما لم نورده من الكلمات التي تضمَّنت صوتي الظاء والضاد لوجدناها قد رُسمت حسبما أوضحناه.. وهذا ما يغرينا إلى أنَّ دلالة رسم بعض الحروف يساعد على إظهار المعنى حكايةً حين يرصف داخل اللفظة، إذ يمنحها طاقة دلالية صورية ومعنوية، والله أعلم .

 

رحيم الغرباوي

 

 

في المثقف اليوم