تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قراءة في كتاب

قراءة في كتاب: بين الرشاد والتيه للمفكر الحضاري مالك بن نبي

السعيد بوشلالقالكتاب يتكون من 216 صفحة تملؤها ستة فصول يضم كل منها مقالات كتبها المفكر مالك بن نبي في جريدة «الثورة الإفريقية» الجزائرية في ستينات القرن الماضي (القرن العشرين)، هذه المقالات تعالج مشاكل وأحداث الجزائر والعالم العربي والإسلامي والعالم الثالث. مقالات حول الثورة والاستقلال والسياسة وقضية فلسطين والاقتصاد والصراع الفكري..

في هذه المقالات يدعو المفكر مالك بن نبي إلى بعث قيم الأصالة الإسلامية في إطار الثورية الحقيقية، التي ترتكز على مرتكزات الإسلام في عهد النبوة، لذا فهو يربط بين معطيات السنن الإلهية في تطوير المجتمعات وتغييرها، وبين نجاحها الفعلي في كل أمة اتخذت طريق هذه السنن في مواجهة مستقبلها، مهما كان اتجاهها الفكري والمذهبي، هذا الربط هو تأكيد للقاعدة الإلهية في التغيير: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد:12].

كما نجد أن الأستاذ مالك بن نبي يدعو في هذه المقالات إلى علم اجتماع مستقل يختص بمشكلات العالم الثالث بعد الاستقلال السياسي، ويختط لمستقبله الاجتماعي والاقتصادي..

هذا الكتاب «بين الرشاد والتيه» من نوع الكتب الفكرية المنسجمة والمتكاملة التي يُمْكِن للقارئ أن يوزع قراءة مقالاته على فترات متباعدة نسبياً دون أن يؤثر ذلك على فهمه العام للكتاب.. صدق الكاتب وتمكنه من أدوات التحليل والنقد البناء يجعل القارئ يشعر كأنه كتب مقالاته في السنوات الأخيرة وليس قبل حوالي نصف قرن.. إنه كتاب قيّم يخرج منه القارئ بعد قرأته على غير ما دخل به إليه، أكثر فهماً وتصوراً ووعياً وتفاعلاً مع محيطه المحلي والإقليمي والعالمي..

رحم الله المفكر الحضاري الأستاذ مالك بن نبي.

اقتباسات من كتاب «بين الرشاد والتيه» للمفكر مالك بن نبي:

1 – الفصل الأول: طريق الثورة

2000 مالك بن نبي* الاطراد الثوري. جويلية 1967:

- إن نجاح ثورة ما أو فشلها، هو بقدر ما تحتفظ بمحتواها أو تُضيّعه في الطريق وهذا كله يخضع لقانون. فالثورة لا تُرتجل، إنها اطراد طويل، يحتوي ما قبل الثورة، والثورة نفسها، وما بعدها. والمراحل الثلاثة هذه لا تجتمع فيه بمجرد إضافة زمنية، بل تمثل فيه نمواً عضوياً وتطوراً تاريخياً مستمراً، وإذا حدث أي خلل في هذا النمو وفي هذا التطور، فقد تكون النتيجة زهيدة وتُخيب الآمال. ص 14.

- الثورة قد تتغير إلى (لا ثورة) بل قد تُصبح (ضد الثورة) بطريقة واضحة خفية.. إن مجتمعاً ما بمقتضى طبيعته البشرية ينطوي على خمائر من روح (ما ضد الثورة) طبقاً لمبدأ التناقض تناقضاً مستمراً. حتى في فترة ثورية.. ص 16.

- الثورة حين تخشى أخطائها ليست بثورة، وإذا هي اكتشفت خطأ من أخطائها ثم التفتت عنه فالأمر أدهى وأمرّ. وفي هذا الصدد نذكر قول كارل ماركس «يجب دائماً أن نكشف الفضيحة عندما نكتشفها حتى لا تلتهمنا».

ليست الإشارة هنا إلى الخطأ البريء الخفيف الذي يتولى الوقتُ نفسه تصحيحه في الاطراد الثوري، بل الإشارة إلى الخطأ العضوي سواء أفرزه المجتمع، أو حُقِن به من الخارج حتى صار جُزءًا من كيانه. ص 18.

* الأخلاق والثورة. كتبه في مارس 1968:

- إن ثورة ما، لن تستطيع تغيير الإنسان إن لم كن لها قاعدة أخلاقية قوية. ص 25.

- إن ثورة تقوم، لا تكون ثورة حقيقية لمجرد ما تجتهد في نشر العدالة الاجتماعية بين طبقات المجتمع، إذا هي لم تعلمه كيف يستعيد شخصيته، وتلقنه معنى كرامته. ص 25.

- إن كل ثورة ملزمة بأن تحمي نفسها من سائر المُحاولات التخريبية، التي يُكَوِّنْ فيها أصحابها سلطة جانبية في وطن ثوري، يُؤَثِرون فيه حتى لحساب الخارج بما في أيديهم من وسائل السلطة. ص 27.

- إذا كانت الثورة في حاجة إلى (أخلاقية) لا تتنازل عن شيء، فمن واجبها أيضاً أن تمتع بحاسة نقدية لا يفوتها شيء، حتى لا تؤخذ على غرة في أي لحظة وفي أي قطاع من أجهزة الدولة. ص 28.

- الثورة التي تقف في منتصف الطريق خلال إنجاز مهماتها أو تخشى إصلاح أخطائها فإنها تنتحر. ص 28.

* تقلبات عبر استقلال جديد. نوفمبر 1967:

- تصفية الاستعمار من العقول لا تتحقق بمجرد انسحاب الاستعمار، ومجرد إعلان الاستقلال وتحرير دستور. ص 33.

2 - الفصل الثاني: في قضايا الاستقلال

* نظرة علم الاجتماع في الاستقلال. ماي 1965:

- العلم الذي لا يُترجمه عمل، يظل ترفاً لا مكان له، في وطن ما يزال فقيراً في الوسائل والأطر.. لا بد للاهتمامات أن تتركز في البلاد الإسلامية حول مفهوم الفعالية، وعلى الخصوص في مجال التسيير ووسائله: الأداة والدولة. ص 39.

- إذا أردت أن تُصلح أمر الدولة فأصلح نفسك. ص 40.

- ينبغي أن ينشأ علم اجتماع خاص بمرحلة الاستقلال، ليكون بين أيدي من يُشرف على أجهزة الدولة أداة رقابة لا ينفصل عن جهاز التخطيط. ص 41.

- الاستعمار الجديد يشمئز من استعمال مفهوم مصطلح (القابلية للاستعمار) كأنما يخشى على سر من أسراره. ص 42.

- رفض (النقد الذاتي) صار بين أيدي موجهي الصراع الفكري، أنجع وسيلة لتجميد العقل النقدي. ص 42.

- إن الوطن لا يُحقق (استقلاله) في مرحلة البناء، إلاّ بقدر ما يضع من حدود (لاستقلال) أفراده. غير أن هذه الحدود لا تُحْتمَلْ،  إذا لم يكن لها أسمى المسوّغات، إن الخضوع أو التسليم في نصيب من حريته لا يتسنى في نظر الفرد، إلاّ إذا كان الخضوع يتضمن معنى الواجب المقدس، كالواجب الذي خضع له خالد بن الوليد يوم اليرموك. فمشكلة العلاقات الناتجة عن ممارسة السلطة، عمودياً أو أفقياً، مع الرؤساء والمرؤوسين ومع الزملاء، تتصل مباشرة بقضية تسويغ (الخضوع) بصفته التزاماً يعبر على صعيد العمل المشترك عما يتطلبه الضمير المهني. ص 46.

- وكل مجتمع أصابت فيه محن الزمن شبكة علاقاته الاجتماعية، سيواجه قطعاً سيئات الروح الانفرادية، وستكون فيه العلاقات السلطانية ملوثة لأن (الخضوع) الذي تفرضه العلاقات أفقياً وعمودياً لا يجد مسوغه بصفته التزاماً وواجباً. ص 47.

* تغيير الإنسان. ماي 1967:

- تيه المثقفين الجزائريين بعد الثورة. ص 49.

- إن ثورة ما، هي في جوهرها عملية تغيير. ص 49.

- إن أي انحراف للثورة سيعرضها لأن تترك مكانها لشبه ثورة تستبدل بالكيف الكم، وبالتغيير الجذري الضروري شبه التغيير. ص 50.

- "إذا لم تعن بتغيير الإنسان فالثورة لا تعني إذن شيئاً بالنسبة لي" تشي غيفارا. ص 50.

- الثورة التي لا تحركها هزة تكاد تكون شطحة صوفية فليست بثورة. ص 51.

- فثورة ما لا تستطيع بناء وضع جديد والحفاظ على مكتسباتها إلا إذا كان أثره في تصفية الاستعمار، فعالاً في تصفية الإنسان من القابلية للاستعمار، فتصفية الاستعمار في الإنسان تشرط تصفيته في الأرض ويجب أن تتقدمها. ص 51.

- يجب على الثورة أن تُحافظ على صفاء (لغتها) حتى تُحافظ على قُدرتها على تغيير الإنسان. ص 53.

- الثورة لا تستطيع الوصول إلى أهدافها، إذا هي لم تُغيّر الإنسان بطريقة لا رجعة فيها من حيث سلوكه وأفكاره وكلماته. ص 54.

- إن ثورة ما، لابد لها أن تسير طبقاً للقانون الاجتماعي الذي تُشير إليه الآية الكريمة: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد:11]. ص 54.

* العامل الجزائري في فرنسا. أكتوبر 1965:

- ينبغي أن تعني الدولة بوضع العامل الجزائري في فرنسا، حتى لا يذهب إلى مكان عمله بأخلاق تسيء إلى سمعة الوطن، أو يعود إليه بسلوك يُسيء إلى مجتمعه. ص 60.

* معالم على طريق الحركة النسائية الجزائرية. مارس 1968:

- إن الخطأ يتسرب غالباً إلى الحركات النسائية حينما تُنَشَّأ كيفما كان منشؤها على أنها حركات مطالبة، أو بالأحرى مرافعة ضد المجتمع.. ص 66.

- ينبغي أن تطبع حركتنا النسائية بطابعنا لا بطابع ما يصنع في الخارج؛ فالمرأة ليست كائناً يعيش وحده ويطرح مشكلاته على هامش المجتمع، إنها أحد قطبيه وقطبه الآخر هو الرجل. ولا ينبغي لنا أن نتصور قطباً ينفصل عن الآخر، ولو حدث هذا، بفرض لا يتصوره العقل، فالمجتمع نفسه يتبخر. ص 66.

* وزن الوقت. نوفمبر 1967:

- إن الزمن نهر قديم يعبر العالم، ويروي في أربع وعشرين ساعة الرقعة التي يعيش فيها كل شعب، والحقل الذي يعمل به، ولكن هذه الساعات التي تصبح تاريخاً هنا وهناك، قد تصير عدماً إذا مرت فوق رؤوس لا تسمع خريرها. ص 68.

- التاريخ ليس ما تصنعه الصدف ولا مكائد الاستعمار، ولكن ما تصنعه الشعوب ذاتها في أوطانها. ص 68.

- ينهض المجتمع بالرصيد الذي وضعته العناية الإلهية بين يديه : الإنسان، والتراب، الوقت. ص 69.

3 - الفصل الثالث: في السياسة

* السياسة والأخلاق. سبتمبر 1965.

- "العلم بغير ضمير ليس إلا خراب الروح" رابليز ص 73. خراب الروح الذي أشار إليه رابليز بدأ يعلن أثره في الحياة الأخلاقية. ص 75.

- كلما تحطمت وحدة الإنسان إلى جزئين: واحد يُسمى الكائن المعنوي، والآخر الكائن الموضوعي.. فإن الأمر سيؤول إلى تجزئة الأمة، وبالتالي وباطراد سريع، إلى تجزئة الإنسانية. ص 74.

- السياسة حين تكون مناقضة في جوهرها للمبدأ الأخلاقي، فإنها لا تطرح قضية تحل بالقضاء ولكن بالسيف. ص 80.

- إذا كان العلم دون ضمير ما هو إلاّ خراب الروح, فالسياسة دون أخلاق ما هي إلاّ خراب للأمة. ص 80.

* السياسة والأيديولوجية. أكتوبر 1965:

- السياسة لا تستطيع أن تكون العمل الذي تقوم به الأمة كلها إلاّ بقدر ما تكون مطبوعة في عمل كل فرد منها. ص 81.

- إن التعاون بين الدولة والفرد، على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، هو العامل الرئيسي في تكوين سياسة حقيقة تؤثر في واقع الوطن. وإذا ما تعذر هذا العامل، فإن القطيعة المعنوية سوف تعزل الدولة عن الوطن وتشل الطاقات الاجتماعية، أو تشتتها تشتيتاً تكون نتائجه: عدم الانسجام وعدم التناغم، ومعارضات طاغية في فوضى شاملة، يسودها شعار ( عليك خاصة نفسك) ذلك الشعار الذي تدين به فترات الانحطاط والقهقرى، كتلك الفترة التي أطلق عليها (عصر ما بعد الموحدين). ص 82.

- إن الإيديولوجية التي لا تتضمن إلا مصالح عاجلة، لن تفتح الطريق لغير سياسة قصيرة محدودة المدى. ص 84.

- التعاون بين الدولة والفرد، لابد له من جذور في عقيدة تستطيع وحدها أن تجعل ثمن الجهد محتملاً مهما كانت قيمته لدى صاحبه، فيضحي هكذا بمصلحته حتى بحياته في سبيل قضية مقدسة في نظره. ص 85.

- لقد كان الإسلام الحصن الذي فشلت تحت أسواره جميع المحاولات، التي استهدفت سلب الشعب الجزائري شخصيته على مدى قرن من الزمان، كما كان الحافز الإيديولوجي الرئيسي الذي دعم جهده البطولي خلال الثورة. إن علينا العودة إلى الأصول والمنابع التي منها نبع تاريخنا. ص 86.

* السياسة والثقافة. أكتوبر 1965:

- نلاحظ أن المجتمع الإسلامي يُعاني منذ القرون الأخيرة فتوراً قد نُسميه أزمة حياة فقدت أسباب التوتر والطموح. والعلاج لحالة كهذه يقتضي أيديولوجية تُعطي التوتر الضروري لمجتمع يقم بإنجاز مهمات كبرى، لأنها تخلق الفرد التواق، وهو عكس الفرد المائع الذي يركب مجتمعاً ارتخت أوتاره. ص 87.

- الإيديولوجية الهتلرية استطاعت أن تُعطي الشعب الألماني توتراً وصل درجة فاقت طاقة البشر.. فلو انتصرت الأيديولوجية الهتلرية في العالم ماذا كانت تصنع؟ كان هتلر يُريد أن يفرض على العالم ألف عام من السلم لجرماني، أي ألف عام يرجع فيها الضمير العالمي إلى الوراء. ص 88.

- ينبغي أن يكن هدف السياسة مُتطابقاً مع التطور الطبيعي للأمة، ومع الظروف العامة التي تُحيط بهذا التطور، وأن يكون فوق ذلك مُتطابقاُ مع مصير الإنسانية كلها. فإذا كانت السياسة تفقد فعاليتها إذا انفصلت عن ضمير الأمة، فإنها إذا انفصلت عن الضمير العالمي تُضيف إلى العالم خطراً فوق الأخطار التي تُهدده، فإذا نظرنا إلى وجهة انسجام السياسة مع تطور الأمة ومع الظروف المحيطة بتطورها، فإن القضية تطرح علينا منذ الخطوة الأولى مشكلة الثقافة. ص 88.

- إن صناعة السياسة تعني تغيير الإطار الثقافي في اتجاه يُنمي تنمية متناغمة، عبقرية أمة؛ ومن هنا فصناعة السياسة تعني صناعة الثقافة. ص 89.

- تكشف تجربة تغيير الإطار الثقافي في العالم الثالث، التأثير المشترك لعوامل من أصناف ثلاثة:

الصنف الأول وهو يتصل بالثقافة التي نُريد صنعها.

الصف الثاني وهو يصل بـ (لا ثقافة) موروثة ونُريد تصفيتها.

الصنف الثالث وهو يتصل بشيء نُسميه (ما ضد الثقافة) وهو يفرض علينا أن نكون في انتباه مستمر تُجاهه.

وعلاقة السياسة بالثقافة تمر حتماً بهذا الثالوث، علاقة تطلب منّا إذا فكرنا في (الثقافة) في بلد من العالم الثالث، أن نُفكر في اللحظة نفسها بالقوى غير الواعية التي تُمثل (اللاثقافة)، والقوى الواعية التي تُمثل (ما ضد الثقافة)، والقوتان كلتاهما تبدوان قوة مشتركة تعمل في المحيط الاجتماعي. ص 89.

- المدرسة هي المعبد الذي يستشعر فيه الضمير بالقيم التي تكون تراث الإنسانية. ص 90.

- بقدر ما تستعيد المدرسة معناها الأصيل، تستطيع القيام بدورها الثقافي وبالتالي دورها السياسي، إذ السياسة حينئذ تكتسب بُعداً وطنياً وعالمياً بفضل ما تهب الثقافة من تفتح على القيم، التي اكتسبها الفكر الإنساني عبر الآلاف من السنين. هناك يتجانس عمل الدولة مع عمل الإنسانية بعدما يكون قد تجانس مع عمل الفرد. ص 90

* السياسة وحكمة الجماهير. سبتمبر 1965:

- كانت عشيرة من العشائر على أُهبة الرحيل تطوي البيوت وتضع المتاع على جمالها، وأناخ جمل من الجمال فأثقلوه بمتاعهم حتى لم يستطع الحراك. ثم انتبه القوم إلى دفتي رحا مما هو موجود في أريافنا حتى اليوم، فقام رجل منهم يضع الرحى على ظهر الجمل والتفتت عجوز من العشيرة فقالت عطفاً على الجمل: لا تضعوا الرحى عليه بل على ظهر جمل غيره. لكن الجمل التفت إليها وقال: بل ضعوها على ظهري، لا ضرر في ذلك إنني لن أستطيع القيام على كل حال. ص 93.

- إن (رجل الأقدار) كما يقولون، أي الزعيم الذي لا ضمير له يعرف المزايدة الديماغوجية لإغواء البُله في السوق. ص 94.

- إن الحوار هو أبسط صورة لتبادل الأفكار... قواعد الحديث لا تخص حسن الآداب فقط، بل هي جزء رئيسي من تقنية العمل. نجد هذه الصلة بصورة رمزية في العهد القديم عندما يقص علينا كيف أصبح عمل القوم مستحيلاً في تشييد برج بابل عندما اختلفت ألسنتهم، ففي هذه القصة نرى كيف تعطل العمل حالما تعطل تبليغ الأفكار بالكلام. ص 95.

* السياسة البلوتيك.

- لم يمر في الجزائر زمن طويل حتى انتبه الشعب بعد بعض الاختلاسات الانتخابية ذات النوع الجديد من التزييف الذي أُدخل تحت اسم السياسة، عدداً لا يُقدر من جراثيم ذلك التعفن، بعد أن أدت مفعولها المشؤوم في حقبات مضت، سيبقى لها إلى يومنا هذا بعض التأثير لأنها لم تُصف بعد. لكن الشعب الجزائري، على الرغم من المغالطة الماهرة التي خيبت أمله أكثر من مرة لم يفقد صحوته، قلم تمر عليه مدة طويلة حتى كتشف الخدعة فميز بين السياسة والصورة التي زُيِّفت عليها فسمى هذه الصورة المزيفة (البوليتيكا). إن هذه الكلمة طلقة رصاص تُجاه المخادعة والنفاق، إنها مكنسة كنس بها الشعب المزابل التي تكومت في سوق (البوليتيكا). ص 97.

- إذا أردنا أن نحدد الصراع بين السياسة و(البلوتيك) من الوجهة النفسية قلنا إن الأولى استبطان القيم بينما الثانية قذف مجرد للكلمات. والأولى محاولة تأمل في الصور المثلى لخدمة الشعب، والثانية مجرد صرخات وحركات لمغالطة الشعب واستخدامه. ص 98.

- العمل السياسي يقتضي في مستوى الدولة شروطاً ثلاثة على الأقل:

أولاً: تصور (العمل) أي تحديد السياسة بأكثر ما يمكن من الوضوح .

ثانياً: تصور وسائل تحصين هذا العمل من الإحباط، حتى لا يبقى حبراً على ورق في نص الدستور.

ثالثاً: تصور جهاز يحفظ المواطن من إجحاف العمل، إذا تعدى - عن جهل أو سوء نية - من يقوم بتنفيذه. ص 101.

- «إن كل الأحزاب الثورية التي أخفقت حتى الآن، قد أخفقت لأن الغرور قد استولى عليها، ولم تكن تقدر ما يُكوِّن قوتها، كما كانت تخشى الحديث عن جوانب الضعف فيها. أما نحن فإننا لن نخفق، لأننا لا نخشى الحديث عن ضعفنا ونتعلم كيف نتغلب عليه» - لينين-  ص 102.

4 - الفصل الرابع: في قضية فلسطين

* عشرون سنة من بعد. ماي 1967:

- غادر الجيش الإنكليزي يافا على رؤوس الأصابع، ولم ير أحد في ذلك مأخذاً، وبالتالي لم ير موجباً للاحتجاج على هذا الجلاء المخالف للعرف الدولي.. عندما ينتهي احتلال عسكري، يقضي العرف الدولي أن المحتل لا يُغادر المكان قبل تسليم السلطة إلى سلطة محلية، تأخذ مسؤوليتها الإدارية والسياسية، من أجل حماية السكان، طبقاً لتقليد يؤيده القانون الدولي. ص 105.

* ثمن الوحدة العربية. جوان 1967:

- يبد أن الفرد في العالم العربي، يستطيع الانسجام مع الظروف الاستثنائية أكثر منه مع الظروف العادية. إنه إذا حركته فكرة أو قضية كبرى يفعل المعجزات.. ص 112.

- إن شعباً من الشعوب لا يكتب تاريخه فقط (بالرعد والصواعق) كما يقول (نيتشه)، فإذا كان لابد من طوفان وقيام كوارث من كل نوع، لتستيقظ الضمائر وتنشط الجوارح، فإن ثمن الصفحة من التاريخ سيكون باهظاً جداً. ص 112.

- إن لكل ثورة ما بعدها، فإما أن يكون مواصلة للثورة وإما أن يكون في اتجاه معاكس يتنكر لها ويمسخها. ص 113.

- إن الاستعمار سوف يصنع المستحيل من أجل إرجاع العرب إلى نقطة البداية النفسية التي انطلقوا منها في المعركة، حتى يغمسهم من جديد في التفرقة السياسية والفوضى الروحية، إن نكسة معنوية ستكون أشد عليهم من أية نكسة عسكرية. ص 114.

* لحظة ( الفلاش). جوان 1967:

- إذا كانت الحقيقة سلاحاً وكان الكذب سلاحاً، فالأولى استعمال السلاح الأول لأن أسوأ نتائجه أقل سوءًا من نتائج الكذب. ص 118.

- إن وطننا ليس ثكنة يقف فيها الفرد كما يقف الجندي أمام الضابط، ولكنه في الوقت نفسه ليس قاعة ميسر يقامر فيها من يريد، بأمن البلاد واستقلالها. ص 119.

* لحظة التأمل. جوان 1967:

- إذا ما كشف لنا نقدنا الذاتي أخطاء ارتكبناها، تقضي علينا بالتحسر والندم فليكن ولنشرح صدورنا للندم... وبعبارة أخرى : من يندم يتقدم. ص 122.

- إن اللحظة تفرض أن نسد أذنينا وخاصة أنوفنا حتى لا نشم رائحة هذا النفاق. ويجب أن نفرض الصمت والتأمل والعمل، لأنه ليس لدينا متسع لنسمع ثرثرة الآخرين وخصوصا ثرثرتنا. في الحقيقة إذا كان الصمت من ذهب، قبل المأساة،  فإنه اليوم من الذهب المصفى. ص 126.

* هيئة الأمم تُدين شعب فلسطين. جويلية 1967:

- نحن حيناً بمثاليتنا العرجاء، وحيناً بواقعيتنا الخرقاء، نصرف الماء دائماً إلى طاحونة الاستعمار. ص 135.

- من العسير معالجة مريض ليس فيه مرض فحسب، وإنما لديه إرادته في التمسك به فكيف يُمكن شفاؤه. وهنالك ما هو أدهى وأمر، حي يُخفي المريض الدواء وراء ظهره، ثم يصرخ: أُريدُ أن أُشفى! أُريدُ أن أُشفى!... فالشكر للقدر على المصائب تُصيبنا، إذا كان بها صلاح أمرنا. ص 136.

* مفاتيح الحرب. مارس 1971:

- إن ثورة تُريد أن تصنع شيئاً في التاريخ، يجب عليها أن تصنع نفسها أولاً. ص 137.

- منذ الأزل لدينا الحجة بأن التكنولوجية لا تستطيع قهر مقاومة الذرة الإنسانية. ص 140.

- إن كتاب (مفاتيح الحرب) يستحق مكانه على مكتب كل مسؤول في السياسة العربية، ليس فحسب لأنه يجد فيه (الإبرة المغنطيسية) التي تضع في الاتجاه الصحيح بالنسبة لقضية فلسطين في محتواها العربي، ولكن ليقدر بها أيضاً أهميتها الدولية في فترة لا نرى فيها الفدائي يمسك (في مشرب بندقيته) وجوده فحسب، بل ربما أيضاً السلم العالمي. ص 143.

5 – الفصل الخامس: حول الاقتصاد

* مؤتمر 77. نوفمبر 1967:

- سمي المؤتمر (77) لأن سبعاً وسبعين دولة اجتمعت فيه بالجزائر. ص 147.

- كل شيء يُزَحْزِحْ مسؤوليتنا عن عاتقنا، ليضعها على كاهل غيرنا هو شيء لا يعدو أن يلحقنا منه ضرر. ص149.

* مؤتمر نيودلهي. مارس 1968:

- إن المقود الصعب للسفينة يكاد يفلت من سيده فتتحطم السفينة على الصخور. ص 154.

- إن خيبة الدول النامية قد تكون خيراً لها، إذا ما هضمت هذه الخيبة واستنجت منها ما يفيدها. ص 154.

- إن الحياة الاقتصادية لا ترتبط فقط بأجهزة ذات طابع فني ومالي وتنظيمي، بل هي قبل ذلك مرتبطة بأجهزة نفسية موجودة في المعادلة الشخصية لدى الفرد الذي يُفكر في الخطط والذي يُنفذها. ص 156.

- تكوين إنسان هو مفتاح التنمية. ص 157.

- إن العهد الذي كان يُنتظر منه تحقيق شروط التنمية كان بالتالي عهد خيبة الأمل. ص 157.

- لنبقى موضوعيين ونرى الأشياء على حقيقتها، في عالم فيه نصف الإنسانية يُبذر، والنصف الآخر (يستعطي) بقايا الوليمة، فيتناولها في صورة صدقات أو عائدات بترول. ص 158.

- محمد علي كاسيوس كلاي: «لو لم يصنع الرجل الأبيض الصابون لبقي الرجل الأسود دون الحاجة إلى أن يغسل يديه». ص 158.

* جولة البترول العربي. جويلية 1967:

- إن العرب إذا انتهجوا منهج الرشاد، سيدركون أنهم لا يواجهون مشكلة مؤقتة، أي قضية البترول، بل مشكلة عضوية ألا وهي اقتصادهم في الاتجاه الذي يسير إليه الزمن اليوم... فالرقعة الجغرافية العربية مع سكانها ومساحتها وما تنطوي عليه من خبرات، قد تحقق شروط الكتلة المتكاملة أي الشروط الأولية للاستقلال الاقتصادي. ص 167.

- إن من يسعى لتحرير البترول في الخارج من ربقة الاستعمار، عليه أن يتحرر هو من ربقة البترول في الداخل. ص 167.

- تبدو مرحلة البترول أو جولة البترول وهي تُفضي إلى ملابسات مهمة إذا ما عرف العرب كيف يجتازونها. واجتياز هذه المرحلة يتطلب من (المثالية) بقدر ما يتطلب من (الواقعية). فإذا قدرنا الأشياء بمقياس(المثالية) عرفنا ما يتطلبه منا تحقيق ذلك من تقشف وتضحية. وإذا قدرناها بمقياس من (الواقعية) عرفنا الشروط الفنية التي تجعل تحقيقها ممكناً. ص 168.

* شروط الإقلاع الاقتصادي. ماي 1967:

- إن أي مشروع نفكر فيه بأفكار الآخرين، ونحاول إنجازه بوسائل غيرهم مُعرض للفشل... فليس من المقبول أن نستثمر ما نرغب فيه ونُريده بالوسائل التي هي في يد الغير. بل علينا أن نستثمر ما نستطيع بالوسائل الموجودة فعلاً في أيدينا.  ص 172.

- إن الاستثمار الحقيقي لألمانيا عند إقلاعها الاقتصادي كان في رأس كل مواطن ألماني وفي عضلاته، وبصورة أشمل وأدق كان في تصميم الشعب الألماني، وفي التراب الألماني على الرغم من فقره، وعلى الرغم من أنه كان مُحتلاً. ص 172.

- إن وسائل أي بلد أفرو آسيوي (متخلف) في ساعة الصفر من إقلاعه الاقتصادي تُصنف كما يلي :

1 - فلاحته وهي تنقص أو تزيد بدرجة وسائله البدائية.

2 - ما يملك من مواد خام في السوق.

3 - العمل المتوقع الذي يُمكن تحويله إلى عمل واقع يُعد بالساعات. ص 173.

* العمل والاستثمار. ماي 1967:

- الاستثمار الاجتماعي: إن المجتمع الذي ينمو على أساس استثمار اجتماعي هو الذي تعمل فيه السواعد كلها وتأكل الأفواه كلها... ولا تبقى فيه ضرورة لتحديد النسل، كما يكون متناسباً مع الاستثمار. ص 180.

* اقتصاد القوت والتنمية. ديسمبر 1967:

- إن فكرة التخطيط تلازم ذهنية عصرنا، فهي جزء لا يتجزأ من ثقافته، لكن تطبيقها يفرض شروطاً تختلف من رقعة إلى أخرى أو حتى من وطن إلى آخر. ص 182.

- لا يمكن تحقيق اقتصاد تنمية بطريقة مستقلة عن اقتصاد متين لتحقيق القوت. ص 183.

- لا بد للتخطيط في البلدان المتخلفة أن يعين بكل وضوح وسائل القوت ووسائل التنمية. ص 184.

- هناك نوعان من الاستثمار:

1 ) الاستثمار الكلاسيكي بالوسائل المالية.

2 ) الاستثمار الاجتماعي لسائر الطاقات البشرية، سائر موارد التراب، وما تحت التراب. ص 184.

- المبادئ والمسلمات الخاصة بالاستثمار الاجتماعي اثنتان:

1 - يجب القوت لكل فم.

2 - يجب العمل لكل ساعد.

والمسلمة الأولى (القوت لكل فم) تفرض شروطاً على الثانية لتطبيقها، إذ لا نستطيع تشغيل السواعد كلها إذا لم نأخذ على عاتقنا إطعام الأفواه جميعها.

هكذا يتبين الربط العضوي بين اقتصاد القوت واقتصاد التنمية. ص 186.

* نشتري أم نصنع. فبراير 1968:

- على البلدان المتخلفة أن تدرك الفرق الجوهري بين الاستثمار المالي الكلاسيكي الذي يعتمد على (قوة الشراء). والاستثمار الاجتماعي الذي يعتمد أساساً على (قوة العمل). ص 191.

- إنه ليس للبلدان المتخلفة سوى طريق واحد للخروج من المأزق الاقتصادي، دون اللجوء إلى تلك التفسيرات التي تعزو التخلف إلى (التفجر السكاني). هذا الطريق ما هو إلا (الاستثمار الاجتماعي). وفقاً للشروط التي تحول سائر العوامل الاقتصادية من حيز القوة السكون إلى حيز العمل والحركة. ص 194.

- التنمية لا تُشترى من الخارج بعملة أجنبية، هناك قيم أخلاقية واجتماعية وثقافية لا تُستورد، وعلى المجتمع الذي يحتاجها أن يلدها. والتنمية من تلك القيم، إنها لا تُستورد بل تُصنع في المكان نفسه. ص 195.

- وإذا بدا تزايد السكان في بلاد متخلفة كارثة، فإنما ذلك لسبب واحد هو أن التخلف الاقتصادي مُبطن بتخلف ذهني. ص 195.

- وإذا كان يُخشى في وطن كهذا أن تزيد فيه البطالة، بينما كل شيء فيه ينتظر الإنجاز، فذلك دليل على أنه يُعاني أولاً بطالة العقول التي تُحجم عن السير، وتقف أمام الإشارة الحمراء التي تضعها في طريقها فكرة (الاستثمار المالي). ص 195.

- إن وطناً متخلفاً لابد له أن يستثمر سائر ما فيه من طاقات. يستثمر عقوله وسواعده ودقائقه كافة، وكل شبر من ترابه، فتلك هي العجلة الضخمة التي يجب دفعها لإنشاء حركة اجتماعية واستمرار تلك الحركة.

وعند ذلك فقط، إذا جاء من الخارج نصيب يُضاف إلى الاستثمار العام، فإنه قد يكون حقنة تزيد في قوة جسم تكونت قوته من ذاته، حين اكتشف قوته الاقتصادية الحقيقية. ص 196.

6 – الفصل السادس: في الصراع الفكري

* خاتمة. أوت 1972:

- إن الصراع الفكري تجري عليه قاعدة الشيء المركب من أشياء. فإذا أجرينا على تركيبه عملية تحليل، وجدنا فيه عناصر تعود إلى الاستعمار وأخرى تعود إلى القابلية للاستعمار. لكن إذا تتبعنا العناصر هذه كلها في نطاق عملها في المجتمع الإسلامي، فسوف نجد أن العناصر الأولى لا تؤثر ولا تستطيع التأثير، إذا لم تُساعدها (القابلية للاستعمار). ص 198.

 

أ. السعيد بوشلالق

 

في المثقف اليوم