قراءة في كتاب

عبد السلام فاروق: قصر العثمانلى.. يتحدى زواره!

عبد السلام فاروقتأتينى دائما أعمال كثيرة لمؤلفيها من الروائيين والمسرحيين والشعراء فلا تستوقفنى كثيراً ربما لأنى ذى مزاج خاص فى الكتب وقد يستوقفنى عنوان أو صورة غلاف . وحينما وقع فى يدى كتاب (قصر العثمانلى) شعرت باختلافه ووقوعه فى دائرة مزاجى الأدبى سواء فى عنوانه الغامض أو فى صورة غلافه الموحية.

شرعت فى قراءة قصص الكتاب فوجدت قدمى تنزلق سريعاً نحو جوفه، وسرعان ما تجاوزت نصف الكتاب دون أن أشعر بمرور الوقت. تلك الحالة التى لم أعد أقابلها كثيراً . لا أحب الكتب ثقيلة الوقع والأسلوب تصيبنى سريعاً بالملل والصداع وأحيانا بالغثيان.

هذه ربما المرة الثالثة التى أقرأ فيها قصص المجموعة. المرة الأولى لا تحتسب إذ كانت تلقائية سريعة ولذيذة. لكن القراءة الثانية المتمعنة والثالثة الفاحصة كانتا للتقييم والتعمق. حقا هو كتاب لا تندم على إنفاق الوقت لقراءته مراراً، حيث تكتشف كل مرة زاوية أو بعد أو معنى عميق لم تلتفت إليه فى قراءتك السريعة.

المجموعة القصصية رغم كونها تناقش مضموناً متكررا هو الطلاق والمشاكل بين الأزواج يرويها مأذون سابق فوق سن المعاش. إلا أن القصص تفاجئك بأنها ذات مضامين أعمق وأشد تشعباً من المضمون التقليدى العام. أحيانا تجد نفسك فى عالم غريب وغامض مثل القصة الرئيسية للمجموعة "قصر العثمانلى" التى تنسرج حول قصر لأمير تركى فى العهد الملكى يتحول إلى أسطورة تلوكها ألسنة الناس، يشهد مواقف مدهشة واختفاء بعض زواره وقاطنيه والسر يكمن فى تاريخ القصر وماضيه. قصة أخرى غريبة أسماها الراوى: (بيت المطلقات) تدور حول بناء يشبه إتحادا نسائيا شعبيا لمجموعة من المطلقات اللائى يجمعهن الهم والشقاء ويوحدهن التحدى والرغبة فى مواصلة الحياة بلا هموم ومعاناة. ربما كان نموذجا مثالياً مبالغاً أو هى دعوة مبطنة من القاص لإيجاد مثل تلك الحالة من التكاتف بين المطلقات.3055 قصر العقمالي

أسلوب القاص من نوع السهل الممتنع يجذبك من أقصر طريق. وهو لا يخلو من السخرية والمزاح أحيانا. والراوى يتحدث عن نفسه فى نهاية الكتاب بقصة تحمل عنوان (حكاية مزاحم) بطلها الشيخ بخيت وهو شخصية مختلقة شكَّلها القاص لتمثل الخيط الذى يربط سلسلة القصص فى رباط واحد. وفى كل قصة تكتشف صنفا مختلفا من صنوف البشر لشخصيات لا تبدو نمطية، وإنما هم دائما مأزومون أو مختلفون. وقد أجاد القاص رسم بعض الشخصيات بحيث تظل أحيانا باقية فى الذهن رغم الفروغ من القراءة.

تستطيع قراءة المجموعة فيما لا يزيد عن ساعتين فى عدد صفحاتها الذى يتجاوز المائة بنحو ثلاثين صفحة. ويبلغ عدد قصص المجموعة ثلاثون قصة. أكبر القصص من ثمانى صفحات وأصغرها من ثلاثة. الجديد الذى لم أستسغه كثيراً أن القصص جميعها تبدأ بما يشبه الحكمة المفسرة أو المتصلة بمغزى القصة. صحيح أن هذا أمر سبقه إليه بعض كبار الأدباء كيوسف السباعى ومصطفى محمود لكنه ليس معتادا الآن.

تتسم القصص بالتكثيف وثراء الأحداث وتواليها بحيث تجرى عيناك سريعاً على السطور فضولاً وشغفاً، لهذا لن تجد أثرا كبيرا للتطويل فى الحوار بين الشخصيات لغلبة السرد وتكدس المشاهد. ثم سمة التنوع حتى لا تكاد قصة تشبه غيرها كأن كل قصة كيان مستقل بذاته أو حتى لكأن بعضها يكاد يكون كالرواية المصغرة من شدة تكاثف الأحداث بها وتكدسها. لكنك ما تكاد تنتهى من قراءة المجموعة القصصية حتى تشعر بنوع من عدم الراحة بأن هذه المجموعة ناقصة أو مبتورة وينتابك شعور بأن الشيخ بخيت راوى القصص بخيل أو أنه احتجز بعض القصص لم يروها لنا بعد.

أعجبنى غلاف الكتاب الذى كان سببا من أسباب قراءتى له، وهو يمثل لوحة فنية موحية بالماضى والتراث ذات ألوان منسجمة مريحة للعين. وهى من تنفيذ وإخراج دار(بورصة الكتاب) للنشر. يبقى لنا أن نتعرف على مؤلف المجموعة، وهو الدكتور محمود نبيل محمود، طبيب وشاعر له عدد من الكتب النقدية المهمة منها: (الشعر والفكاهة) و(الرواية في الخليج )، ودواوين الشعر المزدانة بالصور الشعرية الممتدة وبالتعبير الغني الذي يمتاز بالإيحاء والألفاظ الحية النابضة بالرقة والعذوبة وهي: (نبع الرضا، السر الأخير، عشق بلا شاطئ، حكاوي الليل وموال الأرض والغربة)، فاز بالجائزة الأولي عن مسرحية (جبل الأسرار) والتي صدرت عن هيئة قصور الثقافة.

تحية للمؤلف والناشر كلاهما، فالكتاب يستحق الإشادة . وثنائى عليه من باب تشجيع المواهب الشابة فى فن القصة ومن باب الدعوة للتمسك بأساليب أدبية تذكرنا بزمن الأدب الجميل.

 

عبد السلام فاروق

 

 

في المثقف اليوم