قراءة في كتاب

طه جزّاع: الأوائل في الصحافة.. مواقف وطرائف

في توقيت مناسب مع استذكار الصحفيين العراقيين ليومهم السنوي، يقدم الزميل سلام الطائي جهداً توثيقياً طيباً في كتابه الموسوم «الأوائل في تاريخ الصحافة العراقية» والذي يبدو أنه اعده وحققه ليتوافق صدوره مع هذه المناسبة، وليُذَّكِر أيضاً بالأسماء والصحف والمجلات والمجهودات التي سجلت السبق في ذلك التاريخ الطويل الذي زاد على القرن ونصف من الزمان.

وتوجز المقدمة الرائعة لكتاب الطائي التي دونها الصحفي الرائد زيد الحلي بإسلوبه الجميل المبسط حكاية ترجيح اتخاذ يوم الخامس عشر من حزيران 1869 الذي صدرت فيه صحيفة «زوراء» عيداً للصحافة العراقية، مع أن الباحث والصحفي رزوق عيسى يشير إلى أن أول صحيفة كانت «جورنال العراق» التي صدرت العام 1816 أيام الوالي داود باشا الكرخي، وطبعت بمطبعة حجرية كما يؤكد ذلك بعض الرَّحالة الأجانب في سجلاتهم، غير أن المؤرخ والموثق الكبير عبد الرزاق الحسني، صاحب موسوعة « تاريخ الوزارات العراقية « حسم الأمر حين شكك في تلك المعلومة بنفيه العثور على أية نسخة من «جورنال العراق» لا في المتحف البريطاني، ولا في المؤسسات العثمانية، وهذا ما رجح اعتماد يوم صدور « زوراء» يوماً للصحافة العراقية، وهي الصحيفة التي صدرت بعد مرور شهرين على تعيين مدحت باشا والياً على بغداد، وطبعت بمطبعة جلبها من باريس، وقد تفوقت في الترجيح لأن نسختها الأولى، فضلاً عن أعدادها اللاحقة متوفرة للباحثين، والتاريخ عادة يتم تثبيته واعتماده بالأدلة المادية والقرائن المنظورة، وهذا ما توفر لـ « زوراء» مدحت باشا، ولم يتوفر لـ «جورنال « داود باشا. والحق، فإن الكثير من رواد الصحافة العراقية، والباحثين في تاريخها، قد أبلوا بلاءً حسناً في هذا الميدان، وقدموا عدداً لا يستهان به من الكتب والبحوث الممتازة، سلطت الأضواء الكافية على بدايات العمل الصحفي والنقابي في العراق، ولا سيما بعد العام 1917، ثم في حقبة تأسيس الدولة العراقية، في عهديها الملكي والجمهوري، وما عاشته الصحافة العراقية من تحديات ومعارك وصراعات مع الحكومات المتعاقبة من أجل ديمومتها والحصول على حريتها واستقلالها. وفي مقدمتهم عوضاً عن السيد عبد الرزاق الحسني، الأديب الوزير رفائيل بطي، وولده الدكتور فائق بطي «مؤرخ الصحافة العراقية» عن جدارة، ومنير بكر التكريتي، وسجاد الغازي، واحمد فوزي عبد الجبار، والدكتور خالد حبيب الراوي، والدكتور مليح صالح شكر، والدكتور إبراهيم العلاف، وغيرهم من الأساتذة الذين قدموا بحوثاً منشورة في مجلات علمية رصينة، أو نالوا شهادات جامعية عليا في تخصصات التاريخ أو الإعلام من الجامعات العراقية، أو ربما من جامعات أخرى، مما يصعب عدهم هنا.

ولأن الطائي يعرف ذلك جيداً، وهو المهتم بالصحافة العراقية وتاريخها وأرشيفها، فقد حاول أن يقدم للقارئ بجهوده الفردية الخاصة - اعداداً وتحقيقاً وتصميماً وطباعة وتوزيعاً -، عملاً توثيقياً جديداً موجزاً ومختصراً، بل وممتعاً، ضمنه الأوائل في تاريخ هذه الصحافة، ابتداءً من صدور» زوراء»، ثم صحافة الانتداب البريطاني، وصحافة الأحزاب في العهد الملكي، والصحافة الكردية والتركمانية والسريانية، إلى الصحافة النسوية والرياضية، وكذلك صحافة الأطفال، وصحافة الهزل والكاريكاتير، مع صفحات للبواكير الأولى لتأسيس جمعية الصحفيين التي ترأسها كامل الجادرجي بعد الاجتماع الذي عقد في مقر جريدة «صوت الأهالي» في العام 1944، ثم تأسيس نقابة الصحفيين العراقيين في العام 1959 بنقيبها الأول محمد مهدي الجواهري وعدد أعضائها في السنة الأولى الذي لم يتجاوز 365 عضواً من الممارسين للمهنة الصحفية. معتمداً على أهم المراجع والمصادر الصحفية الموثوقة في هذا المجال، والتقط منها ما يمكن التقاطه من حقائق ووقائع مهمة، وكذلك من طرائف وغرائب الأخبار في الصحافة العراقية والتي خصص لها الصفحات الأخيرة من كتابه. ومن تلك الحقائق التي اخترناها من بين دفتي الكتاب أن أول رئيس تحرير لجريدة» زوراء» التي استمرت في الصدور لمدة 48 عاماً إلى حين انسحاب الجيش العثماني في 11 آذار يوم دخول القوات البريطانية بغداد، هو الصحفي التركي مدحت أفندي، وإن أول مطبوع يصدره عراقي خارج العراق كان مجلة «المعارف» التي أسسها في القاهرة الملا عثمان الموصلي، وصدرت في 19 حزيران العام 1897 خلال اقامته في مصر، وإن احمد باشا الزهير أصدر صحيفة « الدستور» في إسطنبول العام 1908 وكان يرغب بنقل امتيازها إلى البصرة لكونه أحد أبنائها المرشحين لعضوية مجلس المبعوثان العثماني. ويستعرض الباحث عدداً من رواد الصحافة العراقية الأوائل أمثال إبراهيم حلمي العمر، والأب انستاس الكرملي، وصادق الأزدي، ورفائيل بطي، وجواد هبة الله الشهرستاني، وإبراهيم صالح شكر، وأحمد فوزي عبد الجبار، وبولينا حسون، وغيرهم. ومن الطريف أن المس غيرترود بيل مستشارة المندوب السامي بيرسي كوكس ترأست تحرير جريدة «العرب» التي صدرت عقب الاحتلال البريطاني، وهي أول امرأة غير عراقية مارست مهنة الصحافة في العراق، قبل أن تصدر بولينا حسون مجلة» ليلى» في العام 1923، اما أول صحفية عراقية كتبت أول مقال صحفي فهي الكلدانية مريم نرمة التي أصدرت في العام 1937 صحيفة « فتاة العرب».

ومن أمتع صفحات الكتاب، تلك الأخبار التي اختارها المؤلف من بين عشرات الأخبار الطريفة والغريبة في الصحافة العراقية، وأدرجها بأخطائها اللغوية والطباعية والأسلوبية، حرصاً منه على نقل الحقيقة والخبر الصحفي كما نشر في زمانه، وبالأسلوب الحكائي القصخوني الذي كان يكتب به قبل عصر الهرم المعتدل، والهرم المتدرج، والهرم المقلوب.. والهرم المنهوب!.

***

طه جزّاع

في المثقف اليوم