قراءة في كتاب

جمعة عبد الله: قراءة في كتاب "أربع شخصيات عراقية من التاريخ: للكاتب واثق الجلبي

دراسات موجزة تتناول أربع شخصيات عراقية، حضارية وتاريخية. لعبت دوراً بارزاً في الماضي القديم، وقدمت إسهامات جليلة ومتنوعة في مجالات عديدة: الفلسفة والعلوم، التي تتعلق في الحياة والوجود والحكمة، واختصاصات في علم الفلك والنجوم والجغرافيا والتاريخ والرياضيات، كما برزوا كفلاسفة، ولهم أعمال مرموقة وبارزة وحكماء عصرهم الحضاري والتاريخي، سلط الضوء عليها في دراسات موجزة لكنها تحمل معلومات مهمة في القراءة والتحليل بما يخص هذه الشخصيات، برؤية معاصرة هادفة ورصينة، باعتمادها على الكثير من المصادر والمراجع المفيدة والموضوعية ، تتحرى الحقيقة والدقة في الطرح والتشخيص، وبما يدور من أسئلة وتساؤلات لفهم أكثر لهذه الشخصيات المعنية. اعتقد ان الكاتب (واثق الجلبي) بذل جهوداً مضنية في تقصي الحقائق بكل موضوعية، في البحث والتنقيب في المصادر، ليكون كلامه مستنداً الى مراجع قيمة، في تسليط حقيقة هذه الشخصيات: اسماءها المتعددة، مكان ولادتها، انتماءها الى البلدان التي برعوا فيها، وأعمالهم ونشاطاتهم، التي تركت بصمات مضيئة على صفحات التاريخ الحضاري، لذلك اعتبر هذه الشخصيات جدلية، لأن وردت أسماؤهم في الحضارات القديمة الثلاثة. العراقية والمصرية والاغريقية، لنقف على ناصية الحقيقة بتنوع اسمائها في كل من هذه الحضارات الثلاث، لأن كل حضارة تدعي بأن هذه الشخصيات تنتسب إليها. بدون شك هناك تداخل حضاري قائم بالتواصل والتبادل المعارف في مجالات شتى من الحياة والوجود. لذلك سأركز في التناول على شخصيتين من هذه الشخصيات الاربع:

1 - الشخصية الأولى: اخنوخ، هرمس. ادريس.

اي ان النبي ادريس له أسماء مترادفة في الحضارة المصرية والإغريقية، ويستخلص الكاتب (واثق الجلبي) خلاصة استنتاجه بأن ادريس (هو رجل واحد وليس ثلاثة رجال) ص24. وكتاب الأستاذ الدكتور احسان محمد الحسن في كتابه (الأنبياء. عراقيون) يؤكد على عراقية انتمائه. كما ورد اسم النبي ادريس في القرآن الكريم، ولكن الحضارة المصرية القديمة تنسبه بأنه مصري ولد في الاسكندرية، وساهم في بناء الأهرامات ودفن في الأهرام الكبير، ونسب إليه كان يسمى ايضا هرميس وفلسفته الهرمسية، وكذلك ورد ذكره في الحضارة الاغريقية بأسم (Ερμης / هرمس وفلسفته الهرمسية (Τρισγιστος أو Ερμητισμος) وهو من الآلهة الالمبيون الاثنا عشر / ست رجال وست نساء). وهو ابن رب الالهة (زيوس) ورسوله الذي يتصل بالالهة الآخرين (بمثابة شخصية جبرائيل في الاسلام)، والفيلسوف أو الاله هرمس، فلسفته تعلقت في الوجود والحكمة والحياة، ونشط في تحويل الخرافة الدينية الى فلسفة العقل أو المنطق بتنظيفها من الخرافات الى الاسطورة الفلسفية. وتتفق الحضارات الثلاث (العراقية والمصرية والاغريقية) في نشاطاته أي أخنوخ أو ادريس او هرمس، اختص في مجالات علم الفلك والنجوم والجغرافية والرياضيات والتجارة.3427 تمثال الاله

صورة الاله ايرا / Ηρα / اله الرغبة والحب والجنس والزواج

2 - الشخصية الثانية: تنكلوشا

فيلسوف وحكيم من اهل بابل، له عطاءات كثيرة في مسائل الحياة والوجود، وجاء ذكره من بين الحكماء السبعة في التاريخ القديم في كتاب تاريخ الحكماء (تنكلوش البابلي، ربما تنكلوشا والأول أصح، هذا احد السبعة العلماء الذين رد اليهم الضحاك البيوت السبعة، التي بنيت على أسماء الكواكب السبعة، وكان عالماً في علماء بابل وله تصنيف وهو كتاب الوجوه والحدود كتاب مشهور بين أيدي الناس وموجود، ومدينة الكلدانيين مدينة الفلاسفة من أهل المشرق وفلاسفتهم أول من جدد الحدود ورتب القوانين) ص29، رغم عطاءاته الفكرية والفلسفية، عانى الإهمال والإجحاف، وله اهتمامات فلسفية في الحب والعشق والرغبة (العشق مرض نفسي صعب العلاج وحالة تعرض العقل والنفس وهو بفعل الزهرة والمريخ، اوله الزهرة واخره المريخ، لأنه يبتدئ بالالفة والتشويش والاضطراب) ص30. مما هو جدير بالذكر في الآلهة الرومانية اله (كيوبيد) اله الرغبة والحب والجنس، وهو ابن الهة الحب والجمال في الحضارة الرومانية (فينوس)، يقابلها في الحضارة الإغريقية (افروديت) ويقابلها في الحضارات العراقية، عشتار واينانا، إلهة الحب والجمال . وكذلك في الحضارة الإغريقية إله الحب والجنس والرغبة والزواج إله (ايرا / Ηρω)، والبعض يدعي بأن الفلسوف / الحكيم (تنكلوشا) بأنه فارسيا أو رومياً أول اغريقياً.

ومهما اختلفت الأسماء والنسب، وهذا طبيعي جداً في تداخل الحضارات القديمة، لكن تبقى شخصيات عراقية اضاءة وجه التاريخ والحضارة في مجالات العلم والمعرفة والفلسفة، واعتقد ان الكتاب لأربع شخصيات عراقية من التاريخ مهم في المكتبة العربية، في تسليط الضوء على ثقافة الحضارات العراقية الراقية، التي تمثل الوجه المشرق لحضارة وادي الرافدين. كتاب جدير بالاهتمام والقراءة

***

جمعة عبدالله

..................

الصورة الاولى: صورة الإله هرمس وصولجانه الإلهي

في المثقف اليوم