قراءات نقدية

الجنس بنون النسوة في الرواية العربية المعاصرة من خلال رواية سلالم النهار (3)

alkabir aldasisiإذا كان الجنس تيمة أساسية في الأعمال السردية منذ القديم، إذ يجود إشارات له في الأساطير والملاحم القديمة مرورا بالنصوص المقدسة والرواية الكلاسيكية والطبيعية وانتهاء الجديدة والمعاصرة، وكأن بالجنس يشكل ملح القصص والروايات، حتى لنكاد لا نجد نص سرديا دون تلميحات جنسية، وليس مجالنا هنا تتبع تلك الإشارات في مختلف الأعمال لأنه سيطول شرحه ... وإنما همنا هنا الجنس في رواية سلالم النهار، ومن خلالها كيفية معالجة المرأة العربية لتيمة الجنس في عمل سردي؟؟

بعد المقالين السابقين الذين قدمنا فيهما الرواية ووقفنا على موضوع الجوع العربي نختم هذه السلسلة حول رواية سلالم النهار بالوقوف على تيمة الجنس في الرواية، وهي تيمة تكاد تشترك فيها الرواية مع غيرها من المؤلفات التي عالجت إشكالية الجنس تصريحا أو تلميحا وخاصة الجنس عبر إشكالية شرق غرب ما دامت أحداث الرواية تمسرحت بين الكويت وباريس، كما تشترك مع عدد من الروايات في كون أبطالها العرب رغم ثقافتهم الفكرية الواسعة يجدون أنفسهم بالغرب يعانون فراغا عاطفيا مهولا، فيحاولون تعويض هذا الفراغ العاطفي بالانغماس في تجارب جنسية غرائبية لا يوفرها لهم بلدهم الأصلي لكن الجديد الذي ميز روايتها (سلالم النهار) وإن ركزت على الجنس كسابقاتها، كون البطلين (المرأة والرجل) عربيين معا، عاشا تجربة جنسية لا يمكنهما الاستمتاع بها في بلدهم الخليجي ويزداد التفرد عندما نجد الكاتبة والساردة /البطلة امرأة عربية تحكي عن تجربتها الجنسية في الغرب متمردة على كل القوالب والحدود التي تنمط المرأة في صور مسكوكة محكي عنها،وإن ظلت الصورة الحاضرة في العلاقة الجنسية تقليدية غير متكافئة بين طرف فاعل مبادر (دائما هو الرجل "ضاري") وطرف مفعول به مأمور منفذ (هو المرأة "فهدة")

فرغم الاختلاف بين فهدة (من البدون) وضاري (من ذوي الدماء الصافية )، وبما أن المرأة تشعر بأنها أدنى من الرجل في الرواية في الأصل والمستوى الاجتماعي والثقافي فقد حاولت مسايرته في أهوائه، فكيفت حواسها و كل "خواتمها" (خاتم الشفاه المكتنزة،خاتما فتحتي الأذن، خاتما فتحتي الأنف، خاتم الصرة، خاتم الدبر وخاتم الأختام كلها الفرج مصب الأحاسيس كلها) لإرضائه، فقضت معه لحظة عاشا فيها أبيقوريين من أجل اللذة والشهوة، وكأن همهما اكتشاف الجنس في مختلف تجلياته، هكذا أخذها لمتحف اللوريتزم المتخصص في المعروضات الجنسية، تقول: (ليريني الحياة الجنسية منذ بدء خليقتها ومن اللحظة الأولى ... المبنى الغريب خصصت كل طوابقه المثيرة للعرض الجنسي كل ما فيه مرصود لتثبيت العلاقة الجنسية منذ فجر البدائية )[1] لتكتشف أن الرجل العربي (والنموذج ضاري في الرواية) كل شيء عنده مرتبط بالجنس و(لكل شيء معنى للإيروتيكية: قبضة الملاكم، خرطوم الفيل، رأس الحية، كعب عالي، مقدمة سيارة قديمة، فتاحة علب، مسدس،يد التليفون القديم،الحبال، السلاسل صبابة البنزين، والتراث العربي أيضا حصة ونصيب كبير فيه .. حرف الألف مثلا وكل مستقيم واقف وكل عصا ... هل الحياة في حقيقتها ليس لها أي معنى خارج الفعل الجنسي ؟ نظرية والدي أيضا تثبت هذا المعنى)[2]، إن الحياة في الفكر الذكوري العربي هي تلك اللحظة التي (يتم فيها قنص شهوة الذروة) و(جسد المرأة هو مركز النداء لكل النشاطات القائمة .. وقضيب الرجل هو المفاعل والمحرك لها)، وبما أن العربي (امرأة أو رجل) يشعر بالحرمان، فإن هذا الحرمان الذي يعانيه في بلده يدفعه عندما تتوفر له الحرية إلى الحدود القصوى، لنجد ضاري يأخذ فهدة (زوجته) لجلسات الجنس المثلي الجماعي تقول :( ضاري قادني إلى طبيعتي، كشفها لي بكل وقاحة .. حب السحاقيات يدهشني ينقلني إلى عالم لم يكن لي علم به ... يختلف تماما عن الشكل والطريقة القائمة بيننا)[3]   ويدفعها إلى ممارسة الجنس مع سحاقية أمام عينيه : ( يعيد الطلب بوضوح اكثر، ورجاء أكبر ملفوف بنوع من التوسل الطارئ تركت مكاني واتجهت إليها، لم يكن واردا عندي حب السحاقيات ولم أجد في نفسي أي ميل إليهن ... اقتربت مني والتصقت بي ومن تم أحاطتني بذراعيها وأخذت أصابعها تتخلل خصلات شعري..)[4]

لم يكن دفعها لممارسة الجنس مع السحاقيات أمامه، التجربة الوحيدة التي دفعها إليها ضاري، بل لقد حاول تجريب كل ما كان يخطر بباله تقول (لم تكن هذه التجربة الوحيدة، كانت هناك دائما محطات تجارب .. محطات اختبار للشهوات واكتشاف لمنابع لذة جديدة، كنت أتبعه وأنساق وراءه في اللعبة مثل روبوت آلي يسيره في يده يلبي كل طلباته بطواعية وفرح العبد المعجب برب نعمته وتاج رأسه وسيده)[5] ولأنهما قادمان من بلد (يحارب الحب ولا يعترف به ويقيم الحدود ضده،الحب المسروق أو المخطوف له طعم آخر ومختلف هو مزيج من التحدي والخوف والفرح )[6]، فقد حاولا تجريب كل ممنوع في بلديهما مقتنعين أن (الحب هنا (باريس) ناضج وواضح ومكشوف محسوم باختيارات واعية وحدث ما بين الروح والعاطفة والجسد الحب هنا مصير واع بأهدافه وحاجاته، لا يشبه في أي شكل من الأشكال الحب ..)

لذلك تنوعت مظاهر تجربتهما الجنسية مما يجعل القارئ يتساءل لماذا يجهر العربي بهكذا تجارب في مجتمع يحرم اللقاء بين الفتاة والولد ما لم يكن التنفيس عن ذات مكلومة مكبوتة .. ومن هذه التجارب الغريبة ترويها فهدة

تجريب الشذوذ، وممارسة الجنس وسط الشواذ (كنا نتسلل ليلا إلى غابة بولونيا مثلنا مثل حال الشواذ ومتعاطي المخذرات والمتشردين في الشوارع نعبر في أحراشها،لنمارس الجنس حالنا من حالهم، الخوف منهم هو الجزء الهام والأساسي في قواعد اللعبة)[7] والسعي إلى ركوب المغامرة، وتجريب الحب وسط لحظات العنف والتهور المنتظر على حافة انزلاق ما واعتبار الخوف والإثارة من أهم طقوس اللعبة (أحيانا يكون لدور الخوف وحده كل الأهميةن وأحيانا يكون الدور للإثارة والأحلى ان يجتمع الإثنان . والأفضل على الإطلاق هو ما اجتمع فيه الخوف والإثارة والمغامرة والمقامرة معا)[8] وأحيانا تخطر له أفكار جنسية غريبة ويريد تجريبها، هكذا دفع زوجته لتجريب حياة العاهرات فعدما تتجاوز الساعة منتصف الليل تقول البطلة: (عندها أذهب للحمام لأرتدي الباروكة الشقراء أو الحمراء، أو أي لون آخر بشعر قصير أو طويل أو متوسط بحسب ما يطلبه دور الشخصية المرسومة وأضع احمر الشفاه .. أخرج .. بينما يقف يراقبني من بعيد وأنا أسير في الشارع بتسكع مثير، أنفخ دخان سيجارتي العابرة للهواء) وعندما توقع بزبون تستأذنه لإحضار حقيبتها، فتهرب لضاري من الباب الآخر للفندق، مكتفيان بلذة الإيقاع بالضحية ... إن العربي المحروم أما مغريات الواقع يحاول تجربة ما يشاهدانه في حدائق فرنسا وتجاوزه، فبعدما حكت لضاري رؤيتها لشاب لعق الأيس كريم من على رقبة حبيبته الذي سال عليها، حاول التجريب ما هو أبعد من ذلك، تقول الساردة ما أن حكيت له ذلك و(في قفزة واحدة كان عندي بقنينة نبيد مفتوحة وشهية .. أخذ يسكبها على صدري وصرتي وخواتمي الحساسة .. يصب ويلعق حتى تخر منابع العنب وتنضج شروشه وتعبق الخمر من مسمي)[9]، وأصبحت المسألة عادة فغدا (يحلو له طلاء جسدي بمشتهيات يستطيب مذاقها مثل مربى البرتقال الحلو،المرن أو الشكولاتة السوداء بتركيز 90 %   كاكاو أو أيس كريم فروت بالكراميا المر والحلو .. يعشق نبيذ البوردو الفرنسي وهو سابح على جسدي ومتدفق على خواتمي عشرات القناني سالت علي وشرب من أماكني الحساسة)[10] .. أن ضاري تقدمه الرواية رجلا عربيا شبقيا حريص على تصوير لقطات حميمية تجمعه بزوجته وخلق أجواء للتصوير: (يطفئ النور الرئيسي للغرفة، يلف قاعدة السبوت لايت يحول مجرى الضوء لينساب على السرير، يفتح المروحة ويسلط الهواء الهارب باتجاه شعري يلف الشال الأحمر على وركي ويعقده على خصري، يدير الكاسيت ..يضيء الفلاش يضغط على زر الكاميرا آكشن ...)[11] أن الرواية تقدم لنا جلسات حميمية يختلط فيها الجنس بالخمر والتدخين بين الأزواج وكأننا بالكاتبة تتغيى تكسير الصور النمطية عن الأزواج العرب، وأبراز أن المتعة الجنسية لا تتحقق إلا بمثل هذه الوسائل وهذه الطرق، والمبالغة فيها تصعد بالعشيقين أعلى درجات النشوة : ( كل ما فيه يفور ويرتعش، بفضل مشتهياته وقنينة النبيد الرابعة وكأسي شيفاز ريغال وعلبتي مارلبورو وكم أصبع سيجار هافاني ثمين وأشياء أخرى مجهولة تمنحه نشوة خالية من سكرها ... يسقيني الكأس الرابعة والخامسة لأصعد معها سلم الرغبة ...)[12]

 

لم يكن ضاري الحالة الوحيدة في الرواية التي يحركها الجنس في حيتها، بل أبرزت (سلالم النهار) أن الجنس همُّ كل الرجال وكل الآباء، وفي سبيله قد يضحون بأبنائهن فأب فهدة لا يهتم بأولاده، لا يجالسهم ولا يستمع لهمومهم، وكل مل يدفعه لزيارة زوجته هو إطفاء نار شبقه، لذلك تقول إنها لا تعرف تفاصيل وجه أبيها، وليست لها ذكريات تجمعها به لأن ( لياليه المقسومة بالتناوب على نسائه ليس لنا حظ فيها، وغالبا البنات ليس لوجودهن أية أهمية على خريطة الوالد الحظوة –لو وجدت- فهي من حظ الذكور فقط)[13]

بعد أبراز بعض المظاهر الجنسية التي قدمتها رواية سلالم النهار من خلال تجربة ضاري وزوجنه فهدة بباريس يستنتج أن كاتبات الرواية العربية المعاصرة بدأن يقتحمن عالما ظل حكرا على الرجال، وبعدما كن في البداية يلامسن الموضوع بحذر ولا يعالجنه إلا تلميحا .. فإن رواية سلالم النهار ومثلها عدد من الروايات بنون النسوة عرضت الموضوع بجرأة قل نظيرها وقدمت رؤية في موضوع يعد من الطابوهات في المجتمع العربي والخليجي منه خاصة .. وإن اشتركت مع عدد من الروايات في التركيز على فحولة الرجل العربي وعدم الرقي بالجنس إلى مستوى الرمز وظلت المعالجة مقتصرة على حصر الجنس في العلاقة المباشرة بين الرجل والمرأة

 

ذ.الكبير الداديسي

......................

[1] - ص – 114

[2] - ص – 115

[3] - ص – 118

[4] - ص – 119

[5] - ص – 121

[6] - ص – 141

[7] - ص – 121

[8] - ص – 122

[9] - ص – 129

[10] - ص – 130

[11] - ص – 133

[12] - ص – 136 – 137

[13] - ص – 132

في المثقف اليوم