قراءات نقدية

وجع الذاكرة في ما بعد الخريف للقاص عبد الكريم الساعدي

ahmad alkhozaiالمجموعة القصصية (ما بعد الخريف) للقاص عبد الكريم الساعدي، هي مجموعة أشبه بقصائد نثرية ملؤها الشجن، وشحت بفن قصصي جميل، ولغة غنية بمفرداتها ودلالاتها، مازج فيها القاص بين القصة القصيرة بكل أركانها وثوابتها وبين لغة كانت هي اقرب إلى الشعر .. على امتداد العشرين قصة التي احتوتها هذه المجموعة، تناثر الوجع العراقي الهائم على شهد الحرائق،بين طياتها واسطرها لتوقظ فينا شجن غريبا لمحنة ما زلنا نعيشها ونتنفس عطرها الممزوج بالخوف والموت والغربة .. لم أشأ أن أخوض في غمارها كلها، لذلك اقتطفت منها جزء يمثل جرحا نازفا في ذاكرة الوجع العراقي، في ستة قصص رائعة (رسائل الموت، دموع خرساء، في بطن الحوت، حرائق ساخرة، أحلام الذباب، شهقة الطين) .. مثلت أدب الحرب، ألقى القاص عبد الكريم الساعدي رحاله ليستوقفنا معه مرغمين عند هذا السفر المؤلم والحزين من تاريخ العراق الحديث .. ليفتح لنا أبواب الأمس القريب لنطل من خلالها، على ذاكرة خصبة لإنسان عاش بوعي وإدراك فاقا حدود الحدث والصورة، لوجع ذاكرة مشبعة بقسوة الحروب، وغربة الخنادق، وانين الجرحى، ووجوه الموتى، وأمنيات ضائعة بين أصوات هدير المدافع وأزيز الرصاص والفقر والحرمان .. ذاكرة حملت أطلال ماضي حزين سرق منا الأحبة والحلم، ذاكرة انتقلت بنا من أقصى جنوب عراقنا المكبل بالحروب والانتكاسات حيث جحيم معارك الفاو إلى أقصى الشمال، حيث معارك جبل كردمند، وبين هاذين الشاخصين وشم لنا القاص خارطة وطن سرقه منا عنوة، جنرالات الحرب كما اسماهم، ودعاة القتل، وسماسرة السلطة، هذا الجزء من مجموعتك القصصية سيدي القاص عبد الكريم الساعدي، الذي سحبت فيه ذاكرتنا بسحر كلماتك وعذوبتها، إلى ماض كان لزاما علينا أن نستحضره دوما لنعي الدرس، وندرك أن الحروب والكراهية لا تخلفان غير البؤس والخراب .. فشكرا للقاص على هذا الانجاز القصصي الرائع .. فلقد نكأ فينا جرحا ما كان له أن يندمل في فوضى الحزن التي نعيشها في عراقنا الجريح.

 

احمد عواد الخزاعي

في المثقف اليوم