قراءات نقدية

حيدر عبد الرضا: قراءة في قصة (إدانة غير معلنة) للكاتب احمد خلف

فضاءات الداخل الشخوصي تؤول إلى معادلات نفسانية مركزة

توطئة: تحيل جملة استهلالات بنية الوحدات السردية في مكونات قصة (إدانة غير معلنة) للقاص والروائي احمد خلف، نحو مرتكزات مكينة من أدوات (المساق التمويهي) الذي يشكل في منظور السرد، ذلك التحول بالمستوى الأدائي - إرتباطا - وحيثيات جملة شواغل خاصة من حيز وظائف (العلامة - زاوية الرؤية - مضاعفة الأختزال )،امتدادا نحو جملة محققات وظيفية، من شأنها أولا واخيرا، التركيز على مستويات معينة من الإحالة في مداري (الحكاية - الخطاب) وصولا الى تفاصيل أكثر إضمارا للمعنى من الظاهر في حدود شاشة المقروء في الابعاد النصية.

مكونات المادة الحكائية في مساق البؤرة المركزة

قلنا بادئ ذي بدء، من إن عتبات النص الوحداتية، تحيل موجهاتها على جملة من الوحدات الأدائية المتمحورة في جهات الإشارات وتواصل الارتباطات الضمنية الى حالة كيفية من فرادة العلاقة بين اطراف ثلاثية المنحى في منظور مستهدفها التلفظي (السارد العليم= شخصية الزوج= محورا مشاركا) ولو أردنا توخي الدقة في المعاينة المنظورية، لوجدنا أن هناك حالة عقدوية في نسيج مادة الحكاية، يمكن أن يكون مبعثها نزعة (سلطة الزوج) أو ذلك الوازع الذي يتغيا تحققا في متعلقات علاقة زوجية تحكمها دوافع (الظنون الغيرية - اضداد خارجية - خفايا سلوكية) وقد تكون هذه العوامل هي أكثر تعلقا في حالة طرفية فريدة، يكون مرادها الفعل للزوج ذاته أمام تشعبات حالات الزوجة الغوائية، لذا فإن المراد الدلالي في حالاتي (الزوج - الزوجة) لا تظهرها القابلية الموضوعية في الحكي، إلا على انها علاقة مراوغة وذكية من قبل القاص احمد خلف، فهو يضعنا أمام خيارات ظنية تتراوح ما بين الطرفين، ما يجعل القارئ لها يتصور لوهلة ما بأن المدان هو الزوجة كحالة طرفية، ولوهلة أخرى يثقلنا الإحساس بأن الزوج هو بؤرة الغواية الظنية في الحكاية كلها. ولكن مساحة النص لا تمنحنا فرصة الفوز بالدليل الأكيد في مصادر وموارد المسبب الرئيسي في هذه اللعبة المحكية التي لا تكشفها مجرد المعاينة الإسقاطية لها حتى نعلم في مراحل النص الأولى بأن ذلك المشبوه والمشتبه به يتوزع بين علاقة كيانين في مستوى خاص من مأزومية الحدوث والأسباب المؤدية إلى ذلك السلوك بين كلا الطرفين: فمن ياترى المظنون به سوءا هنا الزوجة حقا أم أن الامر يتعلق بمستوى ظنية من هستيريا الزوج نفسه!. لعل القاص احمد خلف وضع القارئ أمام خيارات العرض والإيهام بالصلات وغواية السلوك، وهذا ما بدا واضحا لنا منذ عتبات النص الأولى،إذ هناك حالات من (التمويه - اللف - الدوران) محققا بذلك القاص لنصه بواعثا تحفيزية في عملية الاستدراج التوقعي ولا توقعي معا، لذا بقيا محوري (الزوج - الزوجة) في شبكة القيود الانتقائية الملمحة في صعيد موجهات خاصية احتمالية متناسلة في مفاوز التشاكل الشكوكي والظنوني عبر لعبة استدراجية بالسرد والوصف والتمظهر القصدي المعلن ولا معلن، مما جعل فعل التلقي للنص متحولا تارة الى موضعية مثخنة بالأداء التمويهي، وتارة أخرى تكليفا في مسار البحث عن مواضع أسباب حدوث الافعال من جهات وعوامل أكثر تمحورا في الداخل الشخوصي، ولكن مع ذلك تبقى حدود المرسل إليه من زاوية الرؤية للسارد المشارك وهو الزوج، علما بأن هناك وظائف ووسائط راح يقدمها السارد العليم وصوته وتحولاته المدمجة في الوعي السردي منظورا (أمسك بكتفها الرقيقة وسحبها إليه برفق، كف جسدها عن الحركة، نظرت إليه نظرتها المعتادة، المعاتبة المرتبكة / النص القصصي) تستدعينا علاقات هذه هذه الدوال الأدائية المتمحورة الى مستوى مكين من المقاصد المستترة، ما يجعلها من ثراء المرصود الوصفي - اختيارا، موفقا، كان قد اسقطه احمد خلف في حدود مقابلات بؤرة المشار إليه بـ(الإدانة) تحديدا، لذا قوبلت خطية مسانيد دوال (أمسك - سحبها - إليه برفق - كف جسدها الرشيق - عن الحركة) تحت موجهات هذه الافعال الأدائية المختزلة، نكتشف غائية التقطيع الزمني والأحوالي، وكيفية كونهما يشكلان مع بعضهما البعض علاقة حدية تغمرها إيحاءات ومقاصد المواجهة الفعلية المضمرة بتحولات عدم التوكيد المحوري، أقصد ماهية المشار إليه من فعل (الإدانة) في ذاتها وجودا دلاليا أكثر تعمقا في محفوفات التأويل، لذا تزامنا مع عدة تساؤلاتنا عن خيوط ونقاط مكونات النص، نكتشف بأن هناك وحدات أخذت لذاتها مواطن (الانزياح - المنافرة الدلالية - القيد الظني) وصولا الى مرحلة وقائعية تتعلق في حضورها بالعلامات والمرموزات المتواطئة تلفظا وملفوظا.

1 - إشكالية المرمز وهواجس الحبكة التقاطعية:

لعل من دوافع احتساباتنا القرائية للمقروء، أبقاء ذلك الحيز الكموني من استقلالية علائق الحكاية وخطابها المتشعب في موارده الإفادية،إذ نعاين بأن مراحل النص تتقصد دليلا مفتقدا في حدود معاينة إمكانية ممكنة من الصوغ للمحاور،لذا فإننا إزاء قصة قصيرة لها من العلائق والمتعلقات ما تتجاوز بها إمكانية الاوضاع النمطية من البناء والتشييد التقليدي للقص، وبإشارة ما أو عدة ظروف للنص، نجد أنفسنا في مواجهة (تعدد محاور المحبوك) ليس تعدد الحبكات؟ ذلك لأن النص القصصي بدوره لا يتعدى في مكوناته البنائية الحدود المرسومة إليه في مدار وضع حبكوي مخصوص، وقد تكون مجالات الحبكة متفرعة بالنمو العقدوي، ولكننا إزاء مهام علائق قصة (إدانة غير معلنة) نعاين وجود مستويات تصاعدية في حالات المحبوك الذي هو بدوره الحافز النوعي في نمو وتشعب منطقة الحبكة وشواغلها واطوارها السببية. إذن نحن في مواجهة ممكنة مع (إشكالية المرمز) الذي هو عبارة عن جملة تأهيل الأدوار والهيئات بطرائق إحالية متتالية من جهة ما في التحقيق والنوع والوحدة المتعدية قصدا،مادام عدة بناء القص جاءت متاحة في مواطن ظنية واشتباهية واحتمالية من احوال القصد الآنوي المحسوس في وسائل الخطاب السردي اللامعلن.

2 - دلالة الاقدام العارية.. هوامش نسبية مركزة في الموصوف الدال تعاضدا:

تتأتى الانتقالات السردية في مواضع الوحدات اللاحقة، كطبيعة مخصوصة بتحليل أدق دقائق النص، إذ ظل جانب من علاقات النص ضمن مرحلة سردية أتخذت لذاتها ما يسعنا تسميته ب (إحالات:هوامش نسبية الوضع - الموصوفات الدالة تعاضدا) تبعا الى كون صور التقابل بدت ما بين (زوجة =زوج= اختلاف زاوية الرؤية للسارد) بمعنى ما اختلاف حالات علاقة متقاطعة، ذلك لأنهما تحت سقف زمن (توحدي - تقاطعي) وهذا الأمر ما جعل من محتوى الزمن في المواجهة الفعلية المضمرة تتم بتحولات طرفية خاصة، كحال أوليات السلوك العرضي في بداية النص، ايضا هناك أوليات مكانية تتمثل في حدود مساحة (فضاء المنزل) أو لربما في رؤية أكثر تعمقا في فضاءات داخلية ومغلقة من كلا الطرفين في التشكيل والتنوع الشعوري والحسي بين فضاءات ومواقع تحرك الافعال والموصوفات، مما يجعل منهما حالات أكثر اندغاما ووعي في مكونات (الزوج = فضاء داخلي/ الزوجة = فضاء خارجي) إعتمادا على جملة مرسوم الأحداث في مسار النص، ومدى نوعية الفضاءات في مرسلات الاحوال والمنظور السرديين، فعلى سبيل المثال، نقرأ ما جاءت به هذه الوحدات من الحكي، لنستدل من خلالها مدى جدوى ما نرمي إليه من تأويل وتحليل ومقاربة: (هبطت عيناها الى أرض الغرفة الصلبة، وتطلعت الى قدميه العارين وهي تستمع إليه: - أقول، إذا لم يعجبك هذا، فلن اعود إليه مرة أخرى؟. بصوت مخذول:كلا، لا يهم لكنه غير لائق، انه يضايقني بعض الشيء؟ لن افعلها ابدا/ أصبحا وجها لوجه، وعادت تمظر إليه، تعلم انه يكذب وسيفعلها مرات أخرى/ النص القصصي) مما يجب الالتفات إليه عبر هذه المقطعات الحوارية٠المونولوجية، أن هناك إيحاءات ومرمزات مخصوصة، قد لا تتعلق في مجال سطرا أو سطرين، ذلك لانها محملة بأبعاد حسية وحدة الانطباع، وحدود مختلفة من إجراءات التحقيق المرمز في الجانب المؤول من استباقات واسترجاعات الدلائل الوسائطية، اي بمعنى ما يمكننا القول: هل معنى - قدميه العارين- تشكلان مسألة تتعلق في حدود استرجاعية خاصة في مكون (الإخصاء) أو (غياب الاخصاب) مثالا، وهو ذات الامر الذي يخص مدى خصوبة الزوجة كحالة انجابية ممكنة التوليد والانبعاث طلبا للخصب الذكوري المفقود لديه ( أرض الغرفة؟) بخاصة وان هناك ماراح يعزز كون شخصية الزوج لا تتنامى ومستوى الماصدقية في شكلها الوثوقي من قبل جهة الزوجة تحديدا، ذلك بافتراض ما كانت تقصده الزوجة عبر لسان السارد (تعلم انه يكذب؟) وبهذا المعنى وغيره، تحضرنا علامات خاصة تعكس ما جاءت به تفصيلات التحولات العلائقية من جملة أوجه وظائف تدفعنا الى حصيلة ما من دلالات المسكوت عنه والحدوث الضمني منها في مواضعات أكثر حساسية عبر تلميحاتها وإقراراتها الحرجة.

التراتيبية الزمنية: مأزومية الحدوث المصدق في الشرود الذهني

في كل تمفصل من تمفصلات حكاية وخطاب التص، ثمة مأزومية خاصة، اي هناك مساحات لا يمكن فك شيفراتها بأقل السطور المؤولة والتحليلية لذا صرنا نعلم حجم الثغرات في مجمل الحياة النفسية الشخوصية بعد مراحل متقدمة من الحكي والسرد والوصف والمسرود إليه، لذا استغرقت مجموع الوحدات الى البعد الكيفي، ما يمكننا تقديره من ناحية تحليلية،كالزوجة وهي تظهر وكأنها تعاني من حياة زوجية اشبعها عدم الاخصاب الذكوري كل استعداداتها على المضي في ديمومة حياة زوجية موفقة، فيما يظهر الزوج وهو محمل بأعباء من الهموم من جراء حقيقة الزوجة المغوية، وهذا الامر ماجعل إحساسنا يتضاعف في حياة شرودية ذهنية لكلا الزوجين، والزوج تحديدا عند حالات ونوبات شعوره من ضجيج أقدام الاطفال في الغرفة المجاورة للغرفة الخاصة بالزوج والزوجة:فلا أدري هل كانت هذه محض ايهامات بخيانة الزوجة لعدم خصوبة الزوج التلقيحية وما يتبعها من اضطرابات الزوجة المكررة بوصفها عدة مشاعر مهملة من البرود والاهمال للزوج وخروجها من المنزل علامة على محاولة تحررها وخيانتها مثالا؟ أم أن الصورة تعكس كون الزوج غاطسا في اعماق حالات هستيرية من جراء كون الزوجة صارت تبحث عن البدائل المتاحة لفقدانها للأمان الأسري في حياتها مع ايهامات الزوج المرضية؟ ولو افترضنا كون الزوجة صارت تمتهن للدعارة و الفعل الديوثي في حساب محتملات الزوج فما وجه الاتفاق على كون الزوج يمثل حالة تطهرية مثالاً ولماذا لا يحدث العكس ربما؟. إذن هو يفترض هوسا في ذاته، لترتبط الاحوال والمنظور لديه الى حقائق لا تفارقها إيحاءات المحتمل من الصواب والظنية والوساوس: ( كان يختفي عن أنظار ضيوفها، وهو يصغي الى صوت الأطفال في الغرفة المجاورة، لقد اصبحوا ثلاثة أطفال، وليس بينهم طفل واحد يعود له... كان الجدار لا يزال يدفع بحرارته الصيفية الى كتفيه، وهو في وقفته تلك يشعر أنه منعزل ومهمل تماما، وهو يسمع حركات النسوة خارج الغرفة، يغادران البيت الواحدة بعد الأخرى، لم يعد ثمة احد سواهما، هي وهو داخل البيت فقط. / النص القصصي) ها هنا تبدو ثمة علاقة متغايرة ومتتابعة ومتباينة، فهي تعبر عن محض تصورات تارة، والحقيقة المعادلة تارة أخرى، فالزوجة مدنسة في ذروة علاقة صنعها الوهم للرجل نفسه، أو لربما هي مباعث الفرد في أشد حالاته القهرية عندما تبلغ به مساحة الفائض عن الحاجة في كل أوجه طاقاتها المعنوية والنفسية:ولكن هل معنى ذلك ان بعض التفصيلات في مركبات النص من أساس محفز الوهم الشخوصي المتمثل بالزوج نفسه؟. أقول طبعا لهذا النوع من المفترض، ذلك لكون لسان حال السارد كان حاكيا تفصيليا عن حيثيات وعي وقرار موجه الشخصية - الزوج-، لذا فهو غدا يقيم وحدات سرده المحكي إنطلاقا من عين اللحظة الزمنية والأحوالية التي يعتاشها، فهو مثلا كان يتخيل ويتوهم حدوث (زيارة سرية تحدث بعيدا عنه؟!) أو (تبدأ عادة بالتلصص، حتى تتم وهو لا يعلم بها لأنه يشعر بحدوثها فقط، كان يحدس ذلك ؟!) فالوحدات هنا وهناك، قادمة من مؤشرات غير دلائلية واقعا، بل هي محض مشاعر يصقلها الوهم والمساق الظني بعدم حسن سيرة الزوجة، لذا فإن جميع الخيوط في النص كانت ترجح ناحية كون الزوجة تمارس فعل الديوثة أو أنها عاهرة مزاجية متشهية غالبا، عبر محفزات وتصورات الزوج للافعال والشواهد التي كان يحدسها في هستيريا الخواطر: (وخيل إليه حين تصمت ولا تتفوه بشيء، إنما تفكر بأمر الضيوف، ربما بسبب ذلك أخذت النسوة ينقطعن عن زيارتها. / النص القصصي). وعلى هذا النحو نفسه، نعاين فقرات توسطية في مطروح السرد والحكي، جعلت تمنحنا الاعتقاد ذاته في كون هذا الزوج هو من ينتمي الى عوالم واهمة تتقمصها مشاهدات واكبت منظور الواهم الغاطس في أقصى درجات وهمه القهري، فتنبو عنه الخواطر بنوها عن أجواء خيانة الزوجة له باقصى درجات المتاجرة في لحمها الرخيص: (- ماذا فعلت هذا اليوم؟ عادت تشهق، وهي تحتار بوضع نظرتها في اي مكان يأويها: لاشيء، لم افعل اي شيء.. من المؤكد، أن صوتها هو الذي يفضح كذبها/ النص القصصي).

1 - الخطاب القصصي وفضاء الايهام بالواقعة المحتملة:

ان الحديث الإسقاطي عن شواهد قصة (إدانة غير معلنة) لربما تجعلنا نتعامل وحيثيات زمن المحكي بطريقة لا تكلفنا الكثير من الصفحات في الكتابة والتفكير فيها بمقدار زمن نصف ساعة على أقل تقدير منا، ولكن لو فكرنا بجدية النص الإبداعي وعبر مدار زمن قراءته وتعمق في جل مكوناته البنائية والاسلوبية والتشكيلية، لوجدنا أنفسنا في أشد حالات الافراط في التفكير والإنطلاق في جنوحات الرؤية المتتالية عير حسية النظر في الواصلات والترابطات بين حدود (الحكاية - الخطاب). فالزمن في صيرورة حالات موضوعة النص، هي من المتتاليات المترابطة واللامترابطة في حسابات الموقف الأستثنائي من قيمة النص موضع بحثنا، أقول مجددا أن زمن الافعال في قصة (إدانة غير معلنة) يتجاوز معالم المصادفات والمقاصد الخطية، دخولا في تراكيب حسية وأنفعالية وإيقاعية من حياة الشخصية في الخطاب الفضائي الخاص بدواخل الذوات الهاجسة. فقد لاحظنا ما كان عليه حال الزوج من تمفصلات هلامية هوسية سائلة المفعول في منحنيات مجرى تصوراته الواهمة، فهو داخل إحاسيسه وزمنه المفجوع بالحدوس القاهرة، فلا يجوز لنا الجزم في كل حالاته يقينا، أو على كونها من محققات الرد الفعلي المباشر الناتج عن حقيقة قد حدثت في أي من الأزمنة، خصوصا وأن القصة وأحداثها ناتجة عن حدود الشكل المحكي الأكثر إيغالا في رقعة (المبئر في تبئيره - دواخل المبأر - الرؤية من زاوية داخلية، جوانية) اي بمعنى ما أن الفاعل الذاتي الذي غدا ممارسا لفعله هو ذاته (المتكلم عن - منظور داخلي - الداخل الراوي- السارد بذاتية الشخصية الحكائية) وعلى هذا القبيل، يجوز لنا معرفة (الصوت الاوحد -شخصية المتكلم - صيغة الحال الظرفي) وسنتبين من هنا كيفية أن يكون مدى صحة عنونة النص بـ (إدانة غير معلنة) ذلك عندما تتوافر كل الاسباب والشرائط الموجبة في تضافر النص وبنياته، كتفاعلات تذهب لصالح المتضاد في مكونات الفرد الشخوصي و عامليات النص وأدواره - امتدادا في بيان الشواهد الواضحة كقيمة مقصدية كامنة في مضمرات النص، لنقرأ مثل هذه الوحدات وما جاء بها من تخريجات مقنعة وأكثر استيعابا للمدلول وتحولاته الكيفية المعادلة: (بين الساعة السادسة والساعة السابعة من مساء، نهضت واقفة وسط الغرفة الكبيرة، المطلة على الشارع الصغير، حيث يفصل مابين السوق والشارع العام.. نظر الى قامتها الرشيقة مع انزلاقة ثوبها الناعم المتهدل فوق سيقانها الممتلئة وعجيزتها المستديرة وكتفيها التاعمين، تلك النظرة المتوهجة في لحظة خاصة، تطرق باب وجدانها فجأة، وبدون سابق انذار أو تخطيط، لحظة تأتي مشحونة بالقرار، مسرعة لا تتعثر في سيرها ولا تتردد في تصميمها بأن تفعل شيئا: سأذهب الى السوق -هكذا فجأة تذكرته؟ سأشتري بعض الحاجيات../ النص القصصي).

- تعليق القراءة:

في الحقيقة أننا إزاء حوادث محكية لقصة قصيرة ممعنة في فواعل صوغها السردي والمحكي والوصفي والإيقوني، لذا فهي تزيغ بالثوابت الاولى من التوقع، لتعكس لنا حالات دقيقة تلفت الانتباه في خرقها لثنايا محطات انتظار القارئ، لتعكس مدى قدرتها على تمويه الطاقة السردية للفاعل الذاتي بموجهات، لايكون لها القارئ منتظرا ولا متوقعا. أقول أن القاص والروائي القدير أحمد خلف، اشاع بيننا الشك في كون شخصية الزوج واهمة فقط أو ربما هي كذلك، عبر جل مراحل النص الاولى والتوسطية وما قبل الاخيرة، ولكن دهاء القاص راح يحفز في خلايا السرد توقفات وقائعية مقرونة بتداخل صوتي (السارد العليم - المحور المشارك) حتى تكشف لنا متتاليات وحلقات التواتر الذروي، تلك السيرورة السرانية التي لا تعلن عن رأس الإدانة ومرجحاتها الوثوقية لمن تتجه إليه سببا ودليلا. النص يخبرنا عن ذلك الشاب الذي انقادت إليه الزوجة في وسط زحمة السوق، ولكن هل ذلك هو الزمن المقطوع الذي راح يخفي حقيقة المدان فعلا؟ لذا ظلت صراعات الشخصية تداري شكوكها وذاتها في الداخل الفضائي الشخوصي الفاعل، راحت تطرق نوازعه تلك الابواب الباحثة عن أدلة الاشياء الأكثر تحقيقا لليقين: (تلك هي الغرفة المنعزلة عن بقية الغرف الأخرى -أن ما يعوزنا هو الأطفال ياسام- انني أعرف الى أين أذهب ومن سيكون معي./ التص القصصي) من خلال هذه المحاور وحوافزها المزدحمة بيقين خيانة الزوجة، انطلقت دلالات التواصل المميت بالزوجة، ملوحا لنا القاص الكبير احمد خلف عن خاتمة مشحونة باللعب الحاذق بالتمويه ونوازع تقابلات خيارية غامضة في محققات وظائف نهاية قصصية تخاتل فينا مقصودية المعنى وتسرق منا أدلة حقيقة الوقائع وواصلاتها السببية الكفيلة في جعل النص إدانة غير معلنة.

***

حيدر عبد الرضا

في المثقف اليوم