قراءات نقدية

قراءة في قصة: الليلة الاولى بعد الالف للقاصة ايناس البدران

ahmad alkhozaiالليلة الأولى بعد الإلف قصة قصيرة، جاءت ضمن مجموعة قصصية حملت نفس الاسم للقاصة إيناس البدران، تناولت فيها موضوعا حيويا في عالمنا المعاصر المتمثل بحقوق المرأة، ومكانتها في المجتمعات الإنسانية، كونها جزء مهم وحيوي في بناء الهرم الاجتماعي لأي تجمع أنساني على وجه البسيطة، فاختارت ثيمة غرائبية استمدتها من التراث الشرقي، الذي تعاني المرأة فيه من الإقصاء وانعدام المساواة، الناتجة من اختلاط المفاهيم البداوة مع الدين، وشيوع مفاهيم المجتمع الذكوري وتصدره للمشهد الحياتي، في ظل انزواء حقيقي للمرأة، فكانت قصص ألف ليلة وليلة محطتها في التعبير عن شعورها الأنثوي الواعي الرافض لهذه القيم والمفاهيم السوداوية، السائدة في عالمنا المشرقي، في ثلاث قصص قصيرة، استخدمت فيها أسلوب الراوي داخل النص السردي في مقاربة واضحة مع مفهوم الميتا سرد، الذي يعد أسلوبا جديدا في كتابة النص الأدبي في ما يطلق عليه (ما بعد الحداثة)، فهيمنت بأسلوبها السردي المتقن الذي استخدمت فيه لغة الشعر، فحولت القصة إلى قصيدة نثرية، تحمل في ثناياها كل أركان القصة القصيرة، تداخلت فيها لغة التراث مع الحداثة، تنتقل بالقارئ بين عدة مشارب أدبية، نثرا وشعرا، فكانت هي حاضرة بوعيها الإنساني والثقافي والمعرفي وبرؤية ناضجة فاقت حدود الأحداث التي تمحورت حولها القصص الثلاثة، التي روتها على لسان الجارية شهرزاد لسيدها شهريار، والتي استطاعت من خلال حواريات في غاية الروعة، حملت بصمة حداثوية لغة وتعبيرا واسلوبا، بين هاتين الشخصيتين التي تفاوت بينهما عناصر القوة، والهيمنة، وخضوع بطلة قصتها الرئيسية شهرزاد لمعادلة الصراع من اجل البقاء، غير إن القاصة لم تشأ أن تنهي هذا الصراع نهاية مأساوية، بهزيمة احد طرفي الصراع، بل لجأت إلى أسلوب ظهر في خمسينيات القرن الماضي، أطلق عليه (بالمدرسة التوافقية أو التعادلية) التي ابتدعها الروائي والمسرحي المصري توفيق الحكيم، والذي حاول من خلالها إدارة مفهوم الصراع من خلال النص الأدبي، وتغيير قواعد اللعبة التي كانت سائدة في الأدبين العربي والعالمي، والتي كانت ميالة إلى النهايات الحتمية وفق رؤية مثيولوجية يكون الحق منتصرا فيها دائما، وقد عبر عن نظريته هذه في مسرحيته (الصفقة) .. فاختارت القاصة أن تكون نهاية قصتها سعيدة، بزواج شهرزاد من الامير شهريار، وتخلي الاخير عن فكرة القتل، والعيش معه بحب وسلام الى ان وافتها المنية، لأن القاصة وكما نوهت هي في نهاية القصة تحب النهايات السعيدة.

الليلة الأولى بعد الألف للقاصة إيناس البدران تجربة قصصية حديثة في عالم كتابة القصة القصيرة، استطاعت من خلالها القاصة إيصال رسالتها الإنسانية النبيلة، باستخدامها تقنيات سردية تخلق حالة من الانبهار لدى القارئ تجعله في حالة تواصل ذهني وحسي مع حركة أبطالها داخل النص القصصي، وهي بذلك وضعت بصمة في عالم السرد، لا يمكن تجاهلها أو القفز عليها، تستحق عليها الإشادة والثناء.

 

احمد عواد الخزاعي

 

في المثقف اليوم