قراءات نقدية

قراءة في المجموعة الشعرية (ذهول) للشاعر حسن هاني

nabil jamil2يقول الشاعر عارف الساعدي عن الزمن في احدى مقالاته: (الزمن هو المقص الوحيد الذي يشذب التجارب ويهذبها) (1). وما يترتب على ذلك من ارهاصات ومنغصات.. فقد حبيب أو لحظات فرح، مرض عضال أو نشوب حرب، وكل هذه قد تنسجم مع الذات أو لا تتوافق معها، فتغدوا الذات هي الزمن ذاته المعجون بما مضى، فتتهالك الروح الشعرية في انجاز خلجات الشاعر ليمنحنا نحن القرّاء مشاعر انسانية تجسدها الفاظه المنتقاة باسلوب مرهف وصور نصية متنوعة، تصل بنا الى معتركه النفسي مع تجربته في الحياة .

تبدأ مجموعة الشاعر حسن هاني (ذهول) :

(على عزف قيثارة سومرية..

الحانها ترجمة لخلجاتي وعازفها

قلمي..) ص4.

وفي المقابل ص5 الاهداء :

(الى اختي الكبرى التي لم أرزق بها

الى هناء التي كتبت لها ترتيلة حزينة

في محراب العاشقين)

ثم تبدأ القصائد من (المبهمون) ص7 :

(المآسي :

على سلّم الأمنيات تتدحرج

نوافذ على الشطآن

تفتقد الشمس) .

1191 dohulالى (قصائد ضائعة) ص95. وقصائد ضائعة اشتغلها على شكل مقاطع قصيرة اخترت منها:

(مثقلة بالازدراء

في الدنو منها أمر مخيف

وفي آخر مقالة عنها:

لا أحب ان ابعد

عن (راء) بصرتي..)

القصائد الـ (22) تسير سيراً منسّقاً ومألوفاً تشعرك وأنت تقرأها بأنك تحلّق مرتفعاً لمستوى تتوهج فيه عدة قراءات جديدة ان حسن هاني يتقن كتابة الشعر وقوانينه لكن بمعاييره هو وسبق وان اشرت الى ذلك في احدى الندوات الأدبية المحلية بأنه اذا توفرت: الموهبة واللغة والفكرة والخيال، استطاع الشاعر ان يكتب نصاً جيداً لكن بالتأكيد ان المهارات الفنية تختلف من شاعر الى آخر، فربما توجد لدى أي شاعر أو كاتب قناعة هو نفسه غير مقتنع بها حسب المعايير الفنية المطلوبة في كتابة النص الحديث اذ ان الفنون الأدبية في تطور مستمر وكذلك اللغة لغة الشاعر فمؤكدا ان لغة الشاعر تختلف عن لغة القاص مثلاً أو كاتب المقالة وحسب الاستخدام كمادة مهيمنة على النص تتوسع في المجازات والاستعارات ليتعالى المنجز كوجود كياني في صيغة قصيدة أو قصة أو أي نص سردي آخر.

من المعروف ان لغة الشاعر هي ايحاءات تتأثر فيها مخيلة المتلقي، فتساهم في التحريض الذي يؤجج رؤيا القارئ المتابع ووفق منظومة عكسية بما تجلى به الشاعر داخل ذاته الفكرية عبر مخاض الحياة، وكلما كانت اللغة اكثر نضجا يكون الشاعر قد أدى ما عليه من مهمة في توصيل مغزى تجلياته، لذلك وجدت ان الشاعر حسن هاني راح يبحث عن حل لهذه المسألة التي هي بالتأكيد تؤرق كل أديب ولا يكتفي بالتجريب أو نحت اسلوبه الخاص، فالحسابات المقنعة هي مسائل صعبة، لذا وجدته جاداً في اصدار مجموعته بهذا الوقت لتكون شاهداً على نمو تجربته، لكنني ومن وجهة نظري اعتقد بأن تأريخ كتابة أي منجز أدبي لا يعتبر ذي اهمية اذ ان الابداع الحقيقي لا يحدّه زمن.

*    *     *

ان الأسباب التي تحببني الى قصائد حسن هاني هي صدق صاحبها وعفويته وبساطته، فأراها ليست صعبة على فك مغاليقها، طبعاً ان ميزة الصدق تنطبق على الشاعر وصدقه مع نفسه ومجتمعه وقرّاءه، فأحيانا اشعر بأنه مُراقَب من قبل رقيب وهذا الرقيب لا أدري ما أسميه.. هل هو القيَم الاجتماعية ؟ أم تابو الدين والسلطة ؟! أم انه هاجس الخجل أو الارتياب! ربما هذه اسباب وقد أكون مخطئاً، لكنني أراها حدّت من ولوجه أكثر في البوح.

انني لم أرى من الجرأة الشيء الكثير ولا الولوج اكثر في متاهات النفور، شعرت به منتفضاً على المجتمع وتقاليده لكن كما قلت بحذر، هو اراد ان يقتحم ويعبّر عن ذلك لكن مثلما قلت ان لديه هاجساً يجعله يتريث الى ان جاءت معظم قصائده اشبه بالذاتية أو هي سيرة ذاتية لإنسان يسترجع الماضي ليرويه من جديد (فكان فن السيرة الذاتية قائم على هذه الاستعادة الزمنية من منطلق الحاضر، وليس من سبيل لتلقيها كفن مستقل)(2)،  يراقِب بعينين مذهولتين كشافتين تمسحان كل ما يحيط بهما، (وذلك جزء من الحرية الاسلوبية في السيرة، وهو يمثل نقطة جذب للشعراء كي يجعلوا اعمالهم ذاتها، مرايا سيرية، يتمرأى فيها ماضيهم، أو ما يريدون عرضه منه على قرائهم) (3)، وهنا يجب ان نؤكد ان استخدام ضمير المتكلم ليس بالضرورة ايحاءً الى القارئ بأن المنجز هو سيرة ذاتية بحتة للكاتب فهناك (انا المؤلف الحقيقي/ وانا السارد/ وانا الكائن السيري، فالأول يقف وراء عمله بحكم وصف السيرة بالذاتية والثاني هو السارد المنبثق من الحاضر والقائم بفعل الاستذكار والاستعادة وترتيب عناصر خطاب السيرة اما الأنا الثالثة فتعود الى الكائن السيري البطل الذي لا يطابق بالضرورة المؤلف والسارد)(4).      (انا طائر بلا جناحين !

اقف على ركام..

تظهر نبتة غريبة

بثمار بلا الوان

لم ترعبين الشمس) ص 29.

(اراني وحيدا في التهم....

لا يفهمني سوى قلمي

تجرحني نسمة الشتاء

وتطويني زوبعة الكلام...) ص87.

بعض القصائد يصاحبها حلم أو تمني ويريده الشاعر ان يصبح واقعاً كما في :

(مفجوعة هي الأماني

ومسلوب هو الأمل

في زمن الخطيئة

تراب يلطخ الجدران

وشعارات مزيفة) ص75.

وأيضاً نقرأ مقطع من قصيدة مقبرة الكلمات:

(هنا تخرس ألسُن الحرية

أو تقيّد

هنا ينفرد الغراب بالسرقة

أو يجالس الحمل ذئباً

هنا ينعت الخنزير غزالاً) ص58.

ارجو ان يفهمني المتلقي بأنني لا ابخس تجربة حسن هاني لكنها لا تحمل في طياتها ذلك الشعر الحداثي المواكب لعصرنا وحركة تطوره انها تجربة مقبولة وناجحة لكن السؤال عن أي تجربة نتحدث عندما يسألني قارئ عادي بينما أرى أنا المتابع انها قصائد مقبولة ومفهومة.

هل أراد حسن هاني ان يشبع ما في داخله من هواجس وهموم ويطفئها من خلال هذا المجموعة ؟ ثم يبدا بكتابة مجموعة أخرى مغايرة، لأنه يشعر بأن ما افرزته قصائده في هذا المجموعة يكفي لغلق صفحة من حياته الأدبية وينصرف الى تمني آخر، اقول ربما ادرك ان فعل الزمن ونمو التجربة والرغبات المحمومة بإيجاد ما هو مغاير سوف يفضي به الى اضاءة جديدة مستقبلاً تشكل مطلعاً آخر لإرواء ظمأه ويقهر آنذاك رقيبه المخيّم عليه والبحث عن مخلّص كما جاء في مقطع من قصيدة الذات:

(في المتاهات

مازال هناك فنار

ينير الدرب

قبر الحسين) ص31.

كما انه يعترف بعجزه في مقطع من قصيدة الخطيئة اذ يقول:

(شاعر عقيم

ونداء يجتذب الحناجر

نحو كتابة التوثيق) ص80.

يحيرني حسن هاني صراحة بطريقة اختياره لمواضيع قصائده والدوار في متاهاتها وربما وجدت في معظمها عدم الخروج بنتيجة تفضي الى حلول، انه عنوان موفق هذا الذي اختاره (ذهول).

 

نبيل جميل- البصرة

..................

المصادر :

1- عين على الجيل التسعيني. قصيدة الشعر مراجعة من الداخل ــ مجلة الأديب العراقي العدد 7 ــ خريف 2012.

2- مرايا نرسيس ــ الأنماط النوعية والتشكيلات البنائية لقصيدة السرد الحديثة ــ حاتم الصكر ــ المجلس الأعلى للثقافة ــ القاهرة ط1 -2010ــــ صفحة 155.

3 - نفس المصدر صفحة 155 .

4 - نفس المصدر صفحة 157.

* ذهول : مجموعة شعرية صدرت عن دار الشؤون الثقافية العامة ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية ـــ 2013 .

 

في المثقف اليوم