قراءات نقدية

يوسف ضمرة وقصة بلا عنوان

بكر السباتينهذه القصة التي كتبها القاص المبدع يوسف ضمرة (بدون عنوان) على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، جاءت كأنها مرآة لذواتنا أو أبعد من ذلك، إذ تحرر فينا الأسئلة المكبوتة.. نتلمظ بعد قراءتها مرارة الحقيقة الصادمة.. فثمة بوح يدور في فم العرافة الغجرية التي تشبه الريح المباغتة لغبار السنين.. تلظم كلماتها المرتعبة بعد أن نرتشف قهوتنا ونقلب الفنجان الذي ستلتقطه العرافة بلسانها، فتواجهنا بصوت واثق كأنها تقول: نحن الذين نزرع الوهم ونجني من حصاده الخوف، لا بل ونصدره إلى الآخرين ثم نتركه يعربد في عقولنا حتى يتشكل وعينا الجمعي من تمازج الوهم الذي سيتحكم بمصائرنا، مع الواقع الذي سيتحول فينا إلى طلاسم المجهول واللامعنى، حيث يدفعنا الخوف إلى حافة الموت، فنتلاشى في سكونه طائعين.

إنها قصة يسود أمكنتها الصمت.. يزحف في تفاصيلها الزمن البليد كسلحفاة مدرعة بأقدار لا فكاك منها.. مصير يوشك أن يكتم أنفاس شخوص مسلوبة الحجا، مسكونة بالخوف.. مقموعة.

هذه القصة تتبرعم فيها الدهشة التي ستفضي دون شك بالقارئ إلى فضاءات أسئلة مفتوحة على الوعي الذي لا يطيق المكوث في مصباح علاء الدين الموروث منذ حكايات ألف ليلة وليلة، ذلك الوعي الذي يأنف من خلاله الإنسان النوم بين القبور المنتشرة في ظلام بعض السرديات الكبرى التي تعقد اللسان الحر وتحدّ من حركته وتقيد إرادة العقل وتلجم ينابيع المعرفة والإبداع وترضخ الفرد لتأويلات معلبة بمقاييس مفروضة عليه وتزيده تبلماً وبلاهة، كأنها مجرد عملية استنساخ، وخيالات تغشاه من مناطق لا الهام فيها، و"سميوطيقا"* مسكونة بثنائيات جاهزة تتأصل في عقله الباطن وتلغي عقله الظاهر وتصادر هويته وبصمة وجوده وتجعل ذاته متماهية مع الموت فتتساقط الأسئلة الظمأى في بئر عميقة يترع قاعها بالمياه العذبة والحياة لكن عمقها السحيق لا يجلب إلا الموت.. وكأن الكاتب يريد من الظامئ أن يمضي بعطشه حتى يتجاوز خيالات السراب نحو الحقيقة كي لا يسقطه الوهم في بئر الضياع ومتاهات الخوف..

وتقول القصة التي كتبها القاص الأردني يوسف ضمرة:

"الرجل الذي كان يسير وحيدا في البلدة الفارغة، ارتبك حين أحس بالظمأ؛ كيف يدخل بيتا ليس فيه أحد؟ أخيرا تذكر المسجد، فطار إليه، لكنه وجد المياه مقطوعة. قرر أن يخرج من البلدة، عله يعثر في أطرافها على بئر هنا أو هناك. لكنه لم يوفق. اشتد به الظمأ إلى الحد الذي أحس لسانه جافا كخشبة. نادى بصوت مرتفع: يا نااااااس. لم يجبه أحد. فجأة حطت حمامة قربه ودارت حوله ثم حلقت ببطء. اتجه حيثما اتجهت، فوجد نفسه في مقبرة. هناك وجد الناس جالسين كل على حافة حفرة على مقاسه. شرب من أحدهم، ثم سألهم لماذا يهجرون البلدة نحو المقبرة، فقالوا إن العفاريت ملأت البلدة. أخبرهم أنه مر ببلدتهم ولم ير عفريتا واحدا فلم يصدقوه. ثم أخبروه أن العفاريت لا تظهر للناس بل تكتفي بوجودها وعلى الناس أن تدرك ذلك. سخر منهم وعاد إلى البلدة. مشى في الحارات فأخذ يرى خيالات ويسمع أصواتا غريبة. أخيرا مسه الذعر فركض نحو المقبرة، وأخذ يحفر حفرة على مقاسه."

وتجدر الإشارة إلى أن ضمرة **عضو في رابطة الكتّاب الأردنيين، وانتُخب عضواً في هيئتها الإدارية لدوراتٍ عدة.

عمل طويلاً في الصحافة. كما نال جائزة محمود سيف الدين الإيراني للقصة القصيرة من رابطة الكتّاب الأردنيين سنة 1993 عن مجمل أعماله، وجائزة الدولة التشجيعية في مجال القصة القصيرة من وزارة الثقافة سنة 1995 وصدرت له الأعمال التالية:

"العرَبات"، قصص، اتحاد الكتّاب العرب في سورية، دمشق، 1979. "نجمة والأشجار"، قصص، اتحاد الكتّاب العرب في سورية، دمشق، 1980. "المكاتيب لا تصل أمي"، قصص، دار الأفق الجديد، عمّان، 1982. "اليوم الثالث في الغياب"، قصص، اتحاد الكتّاب العرب في سورية، دمشق، 1983. "ذلك المساء"، قصص، دار الشروق، عمّان، 1985. "مدارات لكوكب وحيد"، قصص، اتحاد الكتّاب العرب في سورية، دمشق، 1988. "سُحُب الفوضى"، رواية، دار الأهالي، دمشق، 1991.

"عنقود حامض"، قصص، وزارة الثقافة، عمّان، 1993. ط2، وزارة الثقافة، عمّان، 2011. "مذكرات قطّة"، قصص للأطفال، رابطة الكتّاب الأردنيين، عمّان، 1996. ط2، وزارة الثقافة، عمّان، 2008. "أشجار دائمة العري"، قصص، وزارة الثقافة، عمّان، 2002. "الأعمال الكاملة" (مجلد يضم مجموعاته القصصية وروايته)، البنك الأهلي الأردني، عمّان، 2005. "طريق الحرير"، قصص، وزارة الثقافة، عمّان، 2011. كما كتب نحو 100 تمثيلية إذاعية مقتبسة عن أعمال عربية وعالمية مشهورة.

 

بقلم بكر السباتين

.............

* السيميوطيقا: هي لعبة التفكيك والتركيب تبحث عن سنن الاختلاف ودلالاته. فعبر التعارض والاختلاف والتناقض والتضاد بين الدوال اللغوية النصية يكتشف المعنى وتستخرج الدلالة. ومن ثم، فالهدف من دراسة النصوص سيميوطيقيا وتطبيقيا هو البحث عن المعنى والدلالة واستخلاص البنية المولدة للنصوص منطقيا ودلالي.

** (بتصرف) موقع رابطة الكتاب الأردنيين الإلكتروني

 

في المثقف اليوم