قراءات نقدية

عبد الجبار الحمدي: دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة في رواية لا تقل وداعا

المقدمة: يشكل النص الروائي في واقع جوهره بؤرة زمنية معينة، ربما تكون متعددة المحاور او احداث يؤمها الزمن مع استغلال المفارقات الوقتية في سرد الاحداث التي جرت في الواقع او من وحي الخيال، اهم ما يميز النص في رأيي التسلسل المنطقي للاحداث مع استحضار الزمكانية دون القفز الى ابعد منها..

عناصر الرواية

العنوان وهو نافذة النص البصري للرواية الذي يستدل به المتلقى في تكوين صورة او ملامح صورة لما يرغب الكاتب في طرحه او استعراضه، بالاضافة الى غلاف الرواية وهذا استدلال بصري يعبر بشكل اخر عن الوجه الثاني للاستدلال.. لا تقل ودعا هو اسم الرواية فمن خلاله نكتشف ان الرواية يمكن ان تكون تروي قصة حب او قصة فراق.. لكن الصورة لشخص يسير على خط سكة قطار وظهره الى ما يبصره المتلقي دلالة على ان احداث الرواية تسير بالرغم أنها عامل تأثير على شخصية البطل او احد من شخصياته، او انها تعكس أن الحياة دافعة بكل الاحداث لان تكون محطات ضياع لأي زمن ومكان..

في رواية لا تقل وداعا.. وهنا استشهد لأحد النقاد رأيه في القول (لم يكن للحبكة أو التسلسل المنطقي للزمن دور فهما لم يعودا شيئا ضروريا في بنية الرواية الجديدة التي تحرص أشد الحرص على تدمير البنية التقليدية للرواية) انتهى

للرواي العديد من الطرق في وضع الفضاءات والمكان فيمكنه استخدام الصور الفنية في توظيف الرموز على ان يكون كل له دوره في الرواية كما ان هذه الرواية لا تحوي زمكانية متعددة بل هي ثنائية المكانية فالاحداث تقع في الناصرية بغداد الناصرية..

الإيقاع..

تقع الرواية وفق ايقاعات الحزن والفقر والبؤس، جور السلطة ، الأثرياء.. تلخيصا صراع الخير والشر

التكرار..

في الرواية يهرب بطلها اسعد كلما تعرض الى الضغوط نحو تذكر الفقر والعوز والحرمان كانه يلقي بكل ما يدفع به الى الخسران الى ذلك المسبب..

اللغة الإيحائية التي استخدمها الكاتب كان يضفي فيها اثارة الدهشة وتثبيت مبرراته كما يلجأ الى اللغة الحية الحديثة او لغة التقرير التي تكسر رتابة السرد

السارد:

الروائي نهاد عبد جودة جعل من نفسه راويا للأحداث لكن على لسان بطله اسعد كسارد حي حتى يضفي سمة تبريرية لما يريد طرحه من خلال افكاره التي يخاف ان يكشف عنها، فبإعتقادي لا زال تأثير الحرمان، جور السلطة، الخير والشر منعكسا وبشكل تبايني على مجريات أحداث الرواية وعلى لسان بطله حتى في الحوار مع نفسه أو مع الشخصيات الرئيسية في الحدث او المساعدة.. غير متناسي الحوار والصور البلاغية، فتلك العناصر يجب ان يلم بها الكاتب حتى لا يفقد النص قيمته في بناء جماليته..

وقعت الرواية في واقع 252 صفحة من القطع المتوسط، على شكل اربع فصول طويلة كان يمكن للكاتب ان يجعلها ذات فصول اكثر من ذلك حتى تكون سهلة التصفح للمتلقي فالفصول طويلة حتى وصل الفصل الواحد 60 صفحة والبعض اكثر.. متخذا سيرة ذاتية لبطل روايته، الثيمة الطاغية معاناة البطل والحرمان، ومعركة الخير والشر الذي واكب حياته وحلمه في الوصول الى نيل مبتغاه، ثيمة تناولها العديد من الادباء لكن يبقى آلية الطرح والسرد والغاية، مستخدما السرد الواقعي بعيدا عن الأضافات الزائدة كونه ينقل واقع لسيرة ذاتية معولا على الزمكانية الثنائية في الاحداث، مع طرح بعض افكاره على لسان البطل من خلال الانتقاد العام للاوضاع السياسية والحياتية التي عاش بطل روايته، كما انه عول ايضا على كشف النفاق الاجتماعي في بيئته وشعوره بالاضطهاد رغم تضحية والده ممتدا الى تضحيات جده في حرب فلسطين.. اكتسب البطل سوداويته وهذه سمة واضحة من خلال الحديث المتداول من طفولته حيث يقول (طفولتنا مغلفة بالحرمان، يتحكم بها وجع ممزوج بالزيف والقهر) ذلك يُستدل بأن بطله من نعومة أظافره يحمل على الحياة بنفسه لقسوتها عليه، كما ان البطل وعلى لسانه بحكم البيئة عندما يتحدث يستدل بالامثال او بيوت الشعر مبررا نقل وجهة نظرة للمتلقي، بإعنقادي انه يرفع اللوم عن نفسه ويلقيه على امثال تأريخية حتى في انتقاده او ذمه لواقعه حين يهاجم سلبيات السلطة او المجتمع (إيمانا بالمثل القائل.. الهجوم خير وسيلة للدفاع) مبرر شرعي يستعرض من خلاله أحقيته في نقد أية ظاهرة سلبية أدت الى حرمانه من عيش طفولته بشكل طبيعي، كما تحدث الكاتب على لسان بطله شعوره وتبرير سوداويته ورفضه أفعال السلطة المستبدة التي خضع تحت سندانها مثل والده بعد ان خسر رجله في الحرب العراقية الايرانية، وهذا دفعه ليحمل الحقد على السلطة قائلا على لسان اسعد وهو اسم بطل روايته (إذا أردت قتل أفعى فعليك برأسها) كأنها دعوة ثورية نابعة من الداخل يعلن فيها انه يتمنى فعل ذلك لكن الخوف الذي يعشعش تحت جلده يمنعه ان يتحدث في ذلك او يبوح في وجهة نظره، لهذا استخدم الامثال واجهة لأراءه كونها كفيلة بإيصال رسالته التي يريد، مستعرضا طفولته بشكل مفصل وتأثير البيئة المقهورة على سلوكه وتمنيه بحلم ان يكون مهندسا لامعا كان يطلق عليه اقرانه فهو كثيرا ما يزهو باللقب الذي اطلق عليه المهندس المتخترع.. كونه اعتاد ان يبتكر الالعاب واشياء أخرى حتى يتميز عن اقرانه من الاطفال الذين يتمنون ان يعيشوا طفولتهم بشكل ونمط اعتيادي..

الاستهلال:

استهل الاديب نهاد عبد جودة روايته بالتعرض الى بيئته وقريته الصغيرة في جنوب العراق لإعطاء صورة عما يتعرض له أهالي تلك المناطق من الاضطهاد من قبل السلطة الحاكمة الجائرة في تعبيره لاعنا كل المسوغات التي أدت الى ذلك مع نكرانها لجميل التضحية التي قام بها والده الذي كان القدر عدوا لدودا له فبعد ان بترت ساقة في الحرب العراقية الايرانية تعرض الى حادث مركبة أدى الى اصابته بالعجز التام مما شكل عبئا على والدته التي اخذت على عاتقها العناية به مثقلة بالهموم والفاقة.. بعدها امتدت يد القدر لتكمل مأساة اسعد بطل الرواية بسقوط سقف دارهم على والده لتنهي حياته بشكل يعبر ان هناك عداء مبطن بين القدر وعائلة اسعد.. هذا دعاه لأن يكون سواودويا اكثر من اللازم رافضا اية شعور بالسعادة، همه كان ان يحظى بحلمه رغم فقره المتقع بأن يكون مهندسا..

الاسترجاع:

- أن الاديب نهاد اعتمد سمة الاسترجاع في سرد رواية لا تقل وداعا خلال تمثيل الاحداث التي دارت في روايته مستخدما اسلوب النقل الواقعي بشكل عام، فالحرمان والظلم والجور والغيرة المبطنة الخير والشر، جميعها تشكل ثورة او نزعة بداخله للانتقام مما يحيط به، ذلك ما دفع او شكل له حافزا ان يصل الى مبتغاه لينال لقب المهندس معولا ان ذلك سيشكل فرقا له في نظرة الناس له او البيئة التي يعيش بينها، كذلك خوفا من الانحدار وتحوله الى متسول كما فعل نفس الواقع الذي يعيشه رفيق طفولته رحيم.. الذي تفاجئ فيه عندما وجده يتسول في احد الشوارع او الازقة في قريته.. دفعه ذلك المنظر لان يحقد اكثر على الاثرياء وعلى السلطة.. ويتسائل لم الفقراء وحدهم يدفعون الثمن وليس الاثرياء او ابناء الاثرياء الذين يراهم معه سواء في المدرسة او المدينة.. فالثري كل شيء متوفر له من مأكل وملبس ومشرب إلا من هم على واقعه وشاكلته.. لقد تفوق الاديب نهاد في وضع صورة شبه متكاملة عن الواقع الذي كان يعيشه اغلب ابناء الشعب العراقي في تلك الفترة الجنوب خاصة.. مما جعله يبرر حالة رحيم بإلقاء اللوم على الفاقة والحرمان والحروب والارهاب.. كما يشكي لسان حاله البطل بانه تعرض للعقاب كثيرا نتيجة فقره واشتغاله بأعمال حقيرة في نظره كحمال او بائع اكياس النايلون وصباغ احذية.. حيث اعتبر مردودها أهانات لشخصه حيث قال (تشعرني وكأني صرصار ليس له قيمة تدوسه أقدام الاثرياء دون اهتمام) ولعل قوله ذلك يقودني الى التعرض في التأثير النفسي لشخصية بطله اسعد، لأنه يعتبر ان تلك المهن وهي شريفة العائد بجهد كبير برغم استحصال مادي قليل أراه انه طعن بأصحاب تلك المهن وضرب بهم عرض الحائط مبررا ذلك حقده على الزمن والقدر مع تنمية تبرير حقده بإلقاء اللوم على الاثرياء، ربما ما كان يروم قصده واوعز ذلك الى تأثره بالمحيط الذي عاشه الكاتب فنقل معاناة كان شاهد عيان فيها او واكب مثلها فأنعكس تأثير ذلك على بطله اسعد..

كما ان ذلك عكس ما يشعر به من كونه لُقِب بالقيادي فلا يمكن ان يتعرض الى مثل تلك الإهانات عندما يستذكر ما كان يقول عنه صغار القرية بأن (اسعد المهندس قد اخترع المزيد من الالعاب في القرية، ويضيف إن هذا الحلم التصق في دمي) لتبرير أقواله في حق شعوره بالدونية يجيب على نفسه (من المعيب ان اخذلهم كيف اهمل هذا اللقب الذي يشعرني بالنشوة) بدا لي ان شخصية البطل تعاني من الإزدواجية فكل ما يتعارض مع ما يحلم به يعتبر عدوا له، أما ما يتوافق معه يعقد الهدنة وإياه والمصالحة الى حين تتغير احداث التوافق..

- من خلال المدرسة عقد مقارنة نفسية مع صديق له يدعى كمال والده من الاثرياء وقد اسبغ مدير المدرسة المديح على كمال بأستعراض كرمه وجوده الذي يتمتع به.. لذا عقد صلحا معه رغم ضغينته على الاثرياء وكأني ارى انه هناك مصلحة يستفيد منها.. فالحرمان الذي عاشه بعد موت والده وعدم كفاية راتبه التقاعدي وقعه صعب عليه لذا شكل صلحا مع ابن احد الاثرياء خاصة بعد ان أشاد احد اساتذته باسعد بالقول (يعتبرني مثالا ويفترض الاقتداء به فهو ذكي طموح له هدف يراه يسعى في تحقيقه) جاء ذلك تملقا لابن ذلك الثري لم يعتبر أسعد مديح الاستاذ له تملقا بل اوعزه الى النوايا الطيبة النقية حتى لا يشوه صورة المربي.. لا ادري كيف ان يعيش بطل الرواية في تضارب فحينا ارى اسعد ينتقد ويكفر بكل المسببات التي ادت من جعل حياته جحيما.. وتارة يتوافق معها مادامت تسبغ عليه المديح فيتحول الى طاووس مزهوا في نفسه..

- يصف صديقه كمال بالفتي الطيب الوسيم الكثير المال بإمتلاك والده العديد من المحال التجارية(جيوب كمال ممتلئة بالاوراق المالية مبسوط اليد كريم جدا مع اصدقائه عندما يقصودونه للمساعدة)، هذا دليل على ان اسعد كان مستفيدا من صداقته لذا صب المديح له بمكاييل مختلفة وناقض شعوره وحقده على الاثرياء وابنائهم فقد تعامل بشخصيته الثانية المزدوجة النفعية.. تعرض في روايته الى حياة صديقه مقارنة به فقد تعرف كمال الى احدى العاهرات التي اغدق عليها الاموال ومال الى رأيها حتى غررت به غيرت طباعه، فبعد وفاة والد كمال انفق جميع ثروته على تلك العاهرة وعالم المجون والنساء حتى بات لا يمتلك سوى محلا تجاريا واحدا صغير الحجم مقارنة بما كان يملكه فتركته العاهرة الى جيب ثري آخر.. يشيد اسعد بنفسه بأنه كان الناصح الامين صاحب المواقف التي لم يشيد بها احد من اصدقائه حين كان ينصحه بالابتعاد عن تلك العاهرة.

الاستباقات الزمكانية:

من خلال وجهة النظر ان الاستباق يستعمل للدلالة على مقاطع روائية تشير الى احداث مسبقة.. كما هو التسابق الزمني فالاديب نهاد عبد جودة طوى السنين في مرحلة ما بعدها وجد انها استوفت منه الإفاضة في سردها وطرحها متجاوزا مراحل العمرية والدراسية قافزا الى عام 2007 تلك الفترة دخل فيها جامعة بغداد، لم يتعرض الى الكيفية التي وصل فيها والى الجانب المادي الذي كان فيه وضعه خاصة انه وصف حاله حيث يقول (دراستي في الابتدائية شبه معجزة لم اصدق كيف انجزتها) لكنه يكمل بقوله انه وصل بعد ذلك الى المتوسطة رغم تعرضه للإهانات وهو يعمل بمهن لا تليق به خاصة انها تشعره كأنه صرصار، غير أنه إعتقدها حافزا لوصوله كعجلة دفع الى حلمه وفوزه بلقب المهندس.. كما انه تقافز في الفترة الزمنية في مراحله الدراسية بقوله (غادرت مدينتي الناصرية احمل على اكتافي عبئ كبير، تركت أمي تواجه عزلتها لقد رحل عنها الاحبة، لم تملك سوى الدعاء ان اعود سالما)

اتعرض هنا الى عمق التضحية من والدته وسخائها في الجود، لم تكن انانية كما اسعد بطل الرواية، انانيته جعلته يضحي بترك بوالدته المسكينة المريضة وذهب ليحقق حلمه على معاناتها.. ارى تقلب في تكوين شخصية اسعد! كيف له ان يُقَيم الاوضاع ويلوي الحقيقة فقط ليبرر ما يقوم به.. لقد سخر كل الموارد التي انتفع بها في تحقيق حلمه حتى لو على حساب والدته.. انغمس في عالمه النفسي المتفرد وبات معتمدا على خيالات يصورها ويدورها على انها مبررات للوصول الى حلمه.. لذا يقول (تركت ذكرياتي بكل ما يحتويها من حزن ربما اتصفحها ذات يوم وانا في واقع مختلف) هذا تبرير مسبق ودلاله على انه نفعي من الدرجة الاساس فبمجرد دخوله الجامعة رمى بكل ذكرياته التي كونت شخصيته وتضحية والدته في وصول غايته.. هنا اقتبس ايضا قوله (اتجاهلها بنرجسية وتمرد أم ابكيها بوفاء هذا ما تجيب عليه الايام) يستبق الاحداث في مخيلته ويطرحا اشارات يتجه نحوها في عقله ونفسه ثم يدفع بنواياه إليها غاية في الوصول إليها بغض النظر عما يدوس عليه .

الإيجاز:

في وصوله الضفة الجامعية يروي الكاتب على لسان بططله اسعد المرحلة الجامعية التي يعتبرها المدخل الحقيقي لتحقيق حلمه وفوزه بلقب المهندس فيتعرض الى زملاء له ورفاق مقاعد دراسية واصفا دخوله الجامعة بالحلم، كما انه يصف حاله انه مهمووس بالماضي ومسكون به لكنه الان يعيش في ارض الاحلام، برغم عالمه الجديد إلا انه ينشد العزلة رغم ما احدثه عالم الجامعة من نقلة نوعية في حياته فيقول (لم اعد ذلك القروي المرهق، امنياتي كانت لا تتعدى محيط راسي اما الآن لا تحدها كل المسافات) لعلي حين اتعرض لشخصيته في الجامعة اجدها شخصا مغايرا لذلك القروي لقد اكتشف وعلى لسانه انه رجل يمتلك الجاذبية والوسامة وهذا ماكنت اجهله تماما، امتلك كارزما قوية كما سمعت بهذه المفردات من افواه الفاتنات)، (فسروا لي اخيرا معنى المصطلح الكارزما الذي كنت اجهله ولقد احتفظت بهذا السر خشية ان اقع في السخرية) في هذه المرحلة من حياة اسعد التي تقافز ليس على الزمكانية فقط بل تسابق على كل المؤثرات، لقد البس نفسه ثياب الدون جوان محطم قلوب العذروات من الفتيات في الحرم الجامعي الذي تحول فجأة الى حريم السلطان.. احساسه بالغرور صقل شخصية ثالثة له فراح يمثل دورها ببراعة خاصة انه يسمع ان الفتيات تتسابق للتعارف إليه لوسامته في السعي للحصول على حبه لهن، صور بطله اسعد أن عالم الجامعة عالم صيد المكافئات لا هم للفتيات سوى ملاحقة الفتيان لنيل علاقة محرمة او علاقة تؤدي الى زواح .. في رأيي اسقط هنا العامل الاخلاقي في روايته في شكل مباشر وعكس صوره معاكسة او مغايرة لواقع حال البيئة الجنوبية وإن كان يحصل فيه بعض الخروقات لكن ليس تعميما، لكنها حياة أسعد أراد الكاتب ان يصيغها بجميع حذافير سلبياتها وإيجابياتها طارحا القبول او الرفض للمتلقي .. فبرغم كل المغريات التي تعرض لها البطل اسعد إلا انه لم ينزع الهدف الذي جاء من اجله بحصوله على لقب المهندس تناسى والدته تماما إلا من بعض استرجاع لذكريات حين يسكن الى الوحدة يستذكر الحزن والمآسي..

اوجد لنفسه البطل طريق هروب ليبعد عنه لوم المتلقي بانه اناني، ذلك عن طريق ايجاد صديق له اسمه جبار في جعله الضمير الذي يريد ان يكون بداخله يعبر له عن ان الحياة (لا تتوقف فقد عند باب الحزن بل هناك ابواب يجب طرقها والدخول فيها فالماضي ليس ذكرى فقط، لا تتوقف تفاصيلها لأنها ترهقك وتستنزف حدود الصبر عندك وتستفز مشاعرك، نحن نصنع الذكريات لنا القدرة ان نغلفها بالسعادة او نلفها بوشاح الحزن).. هذا ما كان يقوله جبار الذي راح ضحية انفجار سيارة مفخخة وسط العاصمة بغداد.. حزن كثيرا اسعد وجميع اصدقائه على فقده.. هكذا هي الصورة العامة للعاصمة بغداد ارهاب وتفجير.

الشخصيات:

هي من واقع الحياة الذي عاصره الكاتب بعد ان بصر حقيقة جزء المجتمع الذي ينتمي إليه، وهو يقع بعيدا عن نقطه ضوء التي ينتمي إليها، يركن يطله الى الظلمة المتصنعة لفئة تعيش في مجتمع تحت وهج الشمس.. الى جانب شخصيات ثانوية مهمة تؤدي الغرض من تواجدها في سياقات النص او الاحداث..

البطل شخصية نفعية بامتياز رغم محاولته في اضفاء العذر لان يكون بتلك الشاكلة.. شخصية همها الصعود لنيل مأرب تربى بنفسه على ان يكون قائدا على الغير متناسيا من وقفوا الى جانبه الا بمديح او فترة كان يعول على الاستفادة منها.. جاعل فقره وبؤسه وسيلة رغم انه يتحلى بصفات حميدة لم يكن يظهرها (الطيبة، الهدوء، المبدأ)

الشخصيات الاخرى المساعدة كانت تقوم يدورها ليبلور مبررات تحركاته ضمن سياقات اوردها الكاتب الى بطله كي يسبغ عليه القيام بدور البطولة متخذا كل المحيطين من شخصياته ادوات للوصول الى غاية بما يحملونه من معاناة سواء كان سلبية او إيجابية المهم ان توصله الى غايته التي يطمح في الوصول اليها

الحوار:

هو ما يتداوله شخوص الرواية وما تجسده الاحداث من خلالهم بشكل جلي واضح..

حبكة الرواية:

هي التي يعتمد الكاتب بخطوطها في جعل الشخوص يسيرون حسب خريطة تسلسلية الاحداث قد تتصاعد وقد تتهابط لكن عليه ان يجد في النهاية الحل للعقدة

الجنس الادبي..

ينضوي تحت باب الميتا سرد .. فهو يتمحور بين القص الواقعي والسرد، وهذا ما نستدل عنه من خلال قراءة الرواية

الدلالات الذرائعية عند الاديب نهاد عبد جودة

تشير الدلالات في رواية لا تقل وداعا الى ان الكاتب، كان شاهد عيان للعديد من المآسي والاحداث التي كانت عامل مؤثر انعكس على روايته فشخوصة التي بلورها كرموز هي من واقع الحياة مستدلا بأنها منقادة لحالتها النفسية التي تواكبها او التي تعايشها، فالتصرف الخارج عنها نتيجة المحيط البيئي والضغوطات التي مرت بها تلك الشخوص التي تأثرت وبشكل مباشر المتغيرات ما بعد 2003 فالانفتاح الكبير الى جانب الحرية والاحداث التي كان الموت نتيجة حتمية سببا في العديد من الاتيان بالخطيئة فالحرمان وكثرة الشهداء وكثرة الارامل.. واهمال الدولة وهو السبب الرئيس الذي دعى الى تفشي ظاهرة بيوت الدعارة والفساد اي بمعنى اخر جميع الممارسات وصولا في الحال الى القتل والخطف بشتى انواعه.. هذا المحيط الشائك الذي تأثر به الكاتب ايضا كونه معاصر للاحداث حرك فيه النفور من الواقع فأراد طرح الامل من خلال الحب وان لا نقول وداعا للاشياء الجميلة بل الى اللقاء.. يرفض الكاتب ان يسود الظلام رغم انه واقع مرير نعيشه كل لحظة.. فتكرار لا تقل ودعا على لسان شخصياته كريمة وفاتن كانت بداية لكنه قالها أيضا على لسان بطل روايته حين أحب بدور تلك المرأة التي تحرك قلبه لها دون إرادته بعد ان تحسنت اوضاعه واحوله.

العقدة والحل

إن الصراع النفسي الذي كان له الخط السائد في شخصية اسعد وهو يصارع البيئة، المجتمع، الناس، الرافض لنظرتهم إليه بأنه فقير واقل شأنا من الآخرين الذي يقصدون نفس المقاعد الدراسية معه.. يرفض الاختلاط بهم يعزل نفسه بأي حجة حتى عن الفتيات اللاتي يصورهن كان يذبن في دباديبه ان صح التعبير.. كريمة تلك الفتاة من نفس بيئته ومنطقته التي عرضت حبها عليه بعدة اشكال وعَبَرّت انها تحبه بشكل غير طبيعي لكنه صدها بحجة انه لا يفكر إلا في الحصول على شهادته كمهندس فبذلك يمكنه ان يرتقي الى واجهة اجتماعية يمتلك من خلالها المادة ليغير نمط حياته..ارهق رفضه كريمة فاكتفت بصداقته.. اما فاتن فكانت اكثر تصميما وجرأة وحدية من كريمة.. عرضت وبشكل مباشر انها تحبه وتطلبه لنفسها كفارس لأحلامها لا هم لها بواقعة المزري، لقد شغفت به وانتهى وهذا برأيها كافيا، فقد قالت له (اود سماع رأيك عن الحياة ومن ثم المرأة حدثني عن تجاربك الشخصية) اعتقد بسؤالها أنها استدلت بمقوله لسقراط (تحدث لكي اراك)، استخدم اسلوب المهادنة معها واظهر لها ثقافته وبراعته في الحديث.. مما جعلها ترد عليه (هل اعتبر ردك هو اعلان بغلق ابواب قلبك امام الحب) كانت اجابته لها صادمة فشكل عندها عقدة فمن يكون هذا المسمى اسعد حتى يرفض حبها وقد عرض عليها العشرات من الشباب ان يكونوا اصدقاء او محبين لها.. لم تستلم فعادت في المحاولة لكنه مصمم على رأيه في نبذ اي علاقة حتى كشف لها السبب الحقيقي فقال (قلبي ليس من خشب ومشاعري ليست ميتة، لكن ظروفي حرمتني من مباهج الحياة لم اسمح لقلبي ان يتجاوز عقلي) ثم يصف نفسه (انا هيكل من ورق بل من قش هيكل زينت سطحه الاقدار بألوان غير حقيقية ستزول تحت وهج شمس الواقع او تحت صفعة او اعصار)

الصراع بين فاتن وأسعد هو العقدة التي تدور رحى الاحداث الاخيرة من رواية لا تقل وداعا بعد ان رفض طلبها في ان يضاجعها عندما دفعت بنفسها إليه رغم انها كانت متزوجة بررت تصرفها بأن زوجها عاجز واكبر منها سنا تزوجته لماله ومنصبة كأستاذ جامعي.. حبها الى اسعد جعلها تتبعه الى مدينته بحجة الهروب من الانفجارات في بغداد بعد ان تغيرت احواله وصار مديرا لشركة مقاولات يديرها .. طلبت منه ان يبني لها دارا كبيرة وهي تمتلك المال والجمال.. حاول رفض ذلك لكنها اصرت بدا ضعيفا امامها لكنه برر ذلك إن طلبها شرعي وعمل يعود بالفائدة للشركة.. تتفاقم الاحداث بعد ان يرفض عرضها فتسقطه ارضا وترمي به الى السجن خلال شخص متنفذ كونت معه علاقة محرمة تحولت الى مومس كي تنتقم منه واجده سببا غير مبرر، كما أن الفتاة الاخرى كريمة.. التي وافق مصادفتها في احدى الطرق وقصت له حكايتها بعد ان غرر بها رجل ظنت انه يحبها فقام بفعلته ثم تركها حامل بطفل وهرب.. فتحولت لسوء الاحوال والفقر الى مومس ايضا..

ان تقلب الصراع وتدوير الاحداث بهذا الشكل غير معادلة الرواية الى ان جميع شخصيات الرواية تحولن الى مومسات نتيجة اسباب اجتماعية ونفسية ما عدا تلك التي احبها في الناصرية واراد الارتباط بها..

ان تحول فاتن الى الشريرة الشيطانة كونه رفض مضاجعتها لا اجده مبررا كذلك كريمة، لا ادري لربما تناسى الكاتب شخصياته انها يعيش ضمن بيئة عشائرية صغيرة كما ان الوضع العام المحيط بتلك الفتيات ألا ينذرهن بعواقب فعلتهن تلك.. لا أدري اضع علامة استفهام كبيرة حول هذا الموضوع.. فالبيئة العشائرية والقبلية التي تعيشان فيها لا تسمح بمثل هكذا خروقات اجتماعية.. حتى لو كان للسلطة النفوذ والدعم لمثل هكذا شخوص وان باتت الان تنبض بالحياة كما نشهدها واقعا.. واظن الكاتب تأثر بالمحيط العام بعد ان تفسى الفساد وصار أشكالا ملونة.. غير ان علينا ان نحتفظ بالقيم الاخلاقية وإن قَلّت فمن دونها ندفع الى الدعارة بأن تتفشى في مجتمعنا وحتى وإن كانت لكن علينا ان نستدل بما يحفظ ماء الوجه ونعكس الصورة الغير مشوهة للمتلقي.. فالنص عراب للادب

الصراع طويل اخذ من الكاتب فصلا كاملا او اكثر غير انه لم يضع حدا او حلا لتفشي الشر في نفس فاتن كونها استخدمت السلطة كي تدير وكرها الداعر المتفرد وهي تفعل ما تريد دون ان يتعرض إليها احد.. جالت وصالت في وضح النهار مستخدمة جسدها بطاقة دخول وتأثير حتى على رجالات القانون الضعفاء الفاسدين والرجال المتنفذين الاثرياء.. إن الخطيئة هي من حطمت اسعد والقت به الى السجن بتهمة الرشوة وممارسة الفعل المسيئ في بيت دعارة بصورة فاتن والخطيئة نفسها انقذته بصورة كريمة التي كانت تدير نفس بيت الدعارة حين شهدت انه كان متواجدا لا لهذا الغرض ولكن لانه مريض تكفلت هي بعلاجه حسب شهادات المستشفى التي استشهدت بها..

فكان لابد من نهاية سعيدة اوجدها الكاتب حين ظهر كمال الصديق القديم امام أسعد بعد هروبه من الشطرة الى الناصرية.. انقذه بعد ان تغيرت أحواله افضل مما كان عليه وصار صاحب مال وجاه ونفوذ، قدم مساعدة كبيرة في انقاذ اسعد بعد ان كون معه شركة مقاولات وتغيرت احواله.. غير ان تلك الفاتن لا زالت تطارده بحرية دون ان يمسك بها القانون او تجد من يكبح جماح انتقامها لأسعد..

الخلاصة

موضوع الرواية ليس جديد فهو صراع بين الخير والشر الى جانب الحب، فكل الروايات هي تدوير لنفس الاحداث في الحياة منذ بداية النشأة حتى قيام الساعة كما يقول الكاتب الروسي غير ان طرح الرواية او السرد فيها يختلف من اديب الى اخر، فبرغم ان لي تحفظ على الخلفية الاخلاقية لشخوص الرواية لكن الاديب نهاد وظفها من خلال شخوصها الى عوامل دفعت لان يكون الشر هو المنتصر وهذا يجب ان لا يكون فلكل جريمة عقاب ومجتمعنا العربي لا يسمح بمثل تلك المتعرضات لأن تسود فلابد لها من قصاص وإن طالت في تواجدها. استطاع الكاتب الافصاح عن سلبيات المجتمع ما بعد 2003 حتى الى يومنا هذا فالنهاية مفتوحة والشر يتحرك بحرية والخير يلوذ بالفرار.. عقدة أزلية خاصة إذا كان القانون الفاسد متسيد للسلطة.. الحراك العام للشخصيات كان يتقافز على الزمكانية خدمة لسير الاحداث التي كانت رتمها في الفصل الاخير متسارع اكثر من غيره.. ابدى الكاتب حرفية صياغة الجمل والإيحاءات.. الشاعرية اجاد التصوير وتجسيد المعاناة ربما لأنه متأثر بالمحيط البيئة العام الذي كان تحت وقع الاضطهاد.. ارى الاديب نهاد عبد جودة بكتابته للرواية أزاح هما عن صدره كون معانات بطله تصدرت من البؤس والفقر والحرمان تصدرت فصول روايته جاعلا الخير يعود مبشرا بالبقاء متسيد على الشر.

**

القاص والكاتب / عبد الجبار الحمدي

 

في المثقف اليوم