قراءات نقدية

الشاعر زهير البدري ومعاناة الذات في مجموعته الشعرية أموتُ واقفاً

رحيم الغرباويزهير البدري أحد أعلام مدينة الكوت الذي عُرِف بطيبته ونقائه وحبِّه للناس والحياة، فنان أحبَّ الفن منذ نعومة أظفاره، فاتجه إليه بـ (كاميرته) الأنيقة لتتنامى لديه عدسة التصوير، زاول السياسة بصدق، فكان معارضاً للحكَّام ومازال، نافح الشعر، فكتب عن الحياة والحبّ والسياسة وطرز كتاباته بالوصايا والحِكَم، ولشغفه بالأدب ساهم مساهمةً فعالة في إقامة شارع دجلة الأدبي في مدينة الكوت الذي صار موئلاً للأدباء والمثقفين والفنانين، ولبيع الكتب، كما أسس رابطة دجلة الأدبية ملتقى الأدباء والشعراء والكتَّاب، وهي علامة مضيئة في تاريخه الأدبي الحافل بالجمال والطيبة والاهتمام بما عشق وما أغدق من عطاياه المثمرات، فصار أباً للنشئ وصديقاً لرواد منتداه، وأنيساً لمن هو حاضِرٌ معه في حلقات الرابطة الأدبية، كما أنه أنتج عدة مجاميع شعرية آخرها (أموت واقفاً) التي مثَّلتْ روحه الأثيرة، مُجسِّداً فيها معاناة الذات إزاء منغصات الواقع المأزوم ؛ مما جعلهُ يكتب خلاصة ما اعتراه من أسًى شعراً، بينما عبَّر به عن خلجات حبِّهِ لأبناءِ وطنه بروحٍ عذبة متسامية، فنراه يقول :

سأقدِّمُ طلبَ استرحامٍ

إلى الله

أدعوهُ ؛

كي يدخلَ جميع العراقيين الجنة بالتزكيةِ ؛

لأنَّ حياتهم مازالتْ جحيماً مُستَعِرةً .

كما أنَّه يشيدُ بعراقيته ؛ كونه يحبُّ وطنَهُ، ويذوب تفانياً وإخلاصاً لسهولهِ وصحاريه، جبالهِ ووديانه، فنراه لعمق تعلُّقهِ يتجاذب مع حضارات بلدهِ القديمة ؛ كونه ينتمي إليها فكراً وأصالةً، يقول :

أنا السومريُّ

من دون اكتراثٍ وحسبانٍ للعواقب

لسنا ملائكة ؛ كي نحيد !

قررتُ الهروبَ منكم ؛

لأعودَ إلى جذري السومري

أكتبُ قصيدتي بقلمٍ مِن قصب،

وورقِ برديٍّ .

كما نجده يتوق إلى الحبَّ الدافئ، وهو يختار لذلك المرأة (الأرض) التي بودِّهِ أن يعيش غضارة هرمه مع طيفها الباذخ الجمال ؛ مما يجعله يشعر بالنشوة بهذا الشعور الصافي من خلال نصوصه، وليس المرأة فحسب، إنما كل ما يقوِّي من عرى إنسانيته، مستشعِراً أنَّ جميع الناس هم أخوته في هذا الأفق الفسيح الذي أغدق الله نعمتَهُ للبرايا في حومة الوجود ؛ لذلك نجده يسترفد عذوبة الحياة من كل زاوية من زواياها، يجعله يعيش رومانسية الكلمة وشفافيتها الوهاجة بالمتع الدانية، لذا فهو يخاطب الحبيبة بقوله :

أمطريني

أمطري غيثاً مِدادا

عطش الزرعِ انتظارْ،

جفَّ ضرعي والخضارْ،

يا بسٌ حتى غديري والنهارْ

أمطري غيثاً أنيقاً

غيثكِ يحيي الغريق ... .

وهكذا نرى روحه الدافقة بالأمل والبشارة تحيي الوجدان، وتبعث عند قارئ حروفه رفعة الضمير .

في هذهِ المجموعة الدافئة نتلقى من بوح أديبنا البدري روحاً عذبة المشاعر، مُحبَّةً للخيرِ، غنيَّةً بالأملِ، مُعشِبة بالمعاني الجميلة .

 

بقلم د. رحيم الغرباوي

 

 

في المثقف اليوم