قراءات نقدية

الصورة الذهنية في قصيدة الهايكو

علي محمد القيسييعرف علي عجوة الصورة الذهنية image بأنها: «الصورة الفعلية التي تتكون في أذهان الناس عن المنشآت والمؤسسات المختلفة، وقد تتكون هذه الصورة من التجربة المباشرة أو غير المباشرة، وقد تكون عقلانية أو غير رشيدة، وقد تعتمد على الأدلة والوثائق أو الإشاعات والأقوال غير الموثقة، ولكنها في النهاية تمثل واقعًا صادقًا بالنسبة لمن يحملونها في رؤوسهم».

ولعل مفهوم علي عجوة .. يبرر نحو السياسات والمفاهيم الحياتية الأخرى.. لكن ما يمكن الاستفادة من هذا المفهوم على مستوى الأدب المكتوب قصيدة الهايكو تحديدًا..

وقبل الشروع بالحديث أتمنى أن يكتب العالم كله قصيدة الهايكو لتكون مساحة الجمال أكبر والإمتاع والاستمتاع اكبر أيضا ..

في حديث مع الشاعر سامر زكريا في معرض تجربته الهايكوية ومنذ 2008 على المواقع الافتراضية .. تطرق لأمر مهم جدًا وهو الفرق بين التنظير المكتوب والتنظير المسموع.. وكيف الكلام المباشر يحدث فرقًا بالتنظير لاشتراك الجسد ككل في التنظير وليس الحرف فقط والتاثير بالمتلقي وخصوصًا إذا كان التنظير ذا مصداقية لدى المتلقي.. ومن هنا أبدأ بين المحسوس والملموس وكيفية التوازن بينهما في قصيدة الهايكو .

أعود للصورة الذهنية الاستسهال المفرط بكتابة الهايكو .. جاء عن طرق هذا المفهوم ..كيف.. تعتمد الحالة الشعورة لدى المتلقي بكمية النصوص التي يقرأها أو التي تمرّ أمام ناظريه والتي قد تشكل صورة ذهنية في ذاكرة الكاتب (الكسول) الذي لا يبحث عن المشهد بنفسه إنما يعتمد خزينة الذاكرة مما قرأ والقليل من المشاهدات التي يحاول ربطها مع بعض لتعويض المشهدية في نص الهايكو .. ولعل السجالات التي تجري في الأندية خير دليل على الصورة الذهنية لدى الكاتب ..

إذ أعد الكاتب خريطة ذهنية لمشاهد رتبها اللاوعي من الذاكرة الجمعية من النصوص التي يرها بشكل يومي ما جعل عقلها يفسرها بشكل أقرب للاستخدام مثل

الفراشة، الزهرة . الفزاعة، الحقل، الغروب، اللون. الليل، القمر الظهيرة، الظل والكثير من المقاربات الجاهزة في عقله.

بالتالي أجزم أن أغلب النصوص التي تكتب بهذه الطريقة تشكل إشكالا ذهنينا لدى المتلقي حيث تكون اجترار المخيلة من المخيلة خصوصًا أن الهايكو نص مفتوح قابل لتدوير النهايات بين الكاتب والمتلقي ..

لذا اصبح النص متوقع من السطر الأول ولا يحدث مفارقة غير متوقعة لأن المتلقي بمجرد يرى الفزاعة سيخمن باقي النص ..

ولان العقل البشري أساسا خازن لقراءات سابقة .. مؤكد سيضفي على النص استطالات مجازية او غير واقعية بالنص ..

لهذا تصبح الصورة الذهنية خلل .. كيف..

الصورة الذهنية لدى الكاتب بالمجمل كمن يرى النص من زاوية أعلى من النص أو كمن يقف على مرتفع ويرى المشهد بالتالي دائما لايمكن حصر المشهد ببقعة معينة لتكون المشاهد واسعة جداً جداً (قرى، بحر، مدينة) بينما المشاهد العيانية محصورة بافق معين صغير لا يتسع إلا للمشهد المراد كتابته..

هذا من باب أما الباب الثاني دائما الصور الذهنية تمخر عباب المعنى أي قابلة للتأويل والتفسير ولها أبعاد فلسفية لا تقف عند المشهد فحسب بل تتيح للمتلقي الإبحار خلف النص أيضا لما لهم من عمق تخيلي لذا هي إسقاط المعنى على المشهد فالصورة الذهنية هي «روح» وليست «نصوصًا»قابلة للتنفس والتوسع وان تكبر وتتمدد بمخيلة المتلقي مثل الومضة او الشذرة او أي ادب وجيز عدا الهايكو

نماذج من الصور الذهنية

عِنْدَما تُلامِسيها

تَنْسُجُ قَصائِداً مِنْ حَرير

أنامِلي

**

في البرَلْمَانِ العراقي

هُمومُ الشَعْبِ

خارِجَةٌ عَنْ نِطاقِ التَغْطِيَة

**

قابيلُنا يَقتلُ يَومِياًّ

هابيلُنا يُقتلُ يَومِيّاً

الغُرابُ غائِبٌ !

**

فزّاعتنا

يُفزع الناس

و ليس الطيور

**

بلا لون

لكنها تعكس كل الألوان

المياه

**

لا يحاول جرف صور الأشياء

بل يداعبها

تيار الماء

**

بعد كل هذا الهيجان

يحتضن الزوارق

البحر

**

لَمْ أرَ الهِلالَ

بلْ رأيْت وجْهكَ

فحلَّ يوم العيد

**

بينما نرى بالهايكو المشهد لا يتوسع المشهد الا بالخاصية التي يود سردها غير متكلف تكثيف بالصور لا يوجد حشو على حساب المخيلة

هايکو وسنريو "الکسیس روتللا"- الولايات المتحدة الأمريکية

ترجمة: توفيق النصّاري

...........................

(1)

أواخر أغسطس

أحمل له الحدیقة

في تنورتي

*

(2)

أثناء المشاجرة

يُصححُ

أخطائي النحويّة

*

(3)

قبلَ زِیَارَة القبور

الجَدَّة تَکوِي

مَندِیلها

(4)

"كيف هو العمل؟"

أسألُ

غاسل الموتى

(5)

بقعة رطبة

على الصخرة

حيث جلس الضفدع

(6)

الخروف

يمضغ

الضباب

(7)

محاولة نسيانه

أطعن

البطاطس.

(8)

الثلج الأوّل

الکلب الدلماسي يفقدُ

عددًا من بُقَعه

***

بقلم: علي محمد القيسي

 

في المثقف اليوم