قراءات نقدية

التواصل الاجتماعي بين ثراء الشعر ونكهة التلقي

رحيم الغرباويقراءة في قصيدة أزهر الياسمين للشاعرة هيام محمد علي.

المشاعر الإنسانية لاتحدها حدود، لما فيها من فيوضات مباركة تتعلق بالقيم والعادات والتقاليد والثقافات والأذواق، لذلك خلقت لنا فن الشعر الذي انماز بترجمتها إلى خطاب فني يداعب وجدان المتلقي من أجل مشاركة صاحبه تلك المشاعر، وهي تعبِّر عن السعاد أو الحزن، القبول أو رالفض، لكن بأسلوب يدفع إلى الاقتناع بمضمونها، ما جعل كثير من الناس تلهج بمادته وإن لن يبلغ مستوى عالٍ من شروط الشعر الحداثية .

ولعل وسائل التواصل الاجتماعي، هي واحدة من الأسباب التي تدفع بالكثير من الناس، لأنْ يبوحوا بمشاعرهم وأحاسيسهم، كون الشعر هو خير معبِّر عن العواطف الإنسانية، وما له من جمهور واسع ومشجِّع جعل الكتابة تنتشر وتزدهر آفاقها لاسيما الشعر النسوي منه، فتولَّد لدينا كمّ كبير من الكتابة النسوية، وهو أمر يدفعنا أنْ نقول : إنَّ إحساس المرأة ومشاعرها باتت تتزيا بالانفتاح في التعبير عن خلجاتها وفيوضات مشاعرها بعدما كان يتسم بالغموض، خشية العادات والتقاليد كما في أشعار نازك الملائكة وعاتكة الخزرجي اللتين كانتا تعبِّران عن مشاعرهما بحذر مشوب بالغموض، أما اليوم، فقد بلغ بالمرأة أن تعبِّر تعبيراً مباشراً عمَّا يعتملها من مشاعر، فنراها تبوح بها من دون تردد، لأن لون العصر وثقافته  يبشران بالانفتاح ومن ذلك الجهر بالمشاعر والأحاسيس بل وتجاوز ذلك إلى الشعور الحسي المفرط .

ويبدو أنَّ المشاعر تسبق الكلمات والفن في كثير من الأحيان لدى المتلقي، لما فيها من عنصر جذب يؤهلها أن تدخل لباب القلب حين يكون مضمون القصيدة وجدانياً نابعاً من روح أنثى، فإنَّ الكلمات الصادقة تعبِّر عن إحساس سكان الأرض، ولما كانت المرأة رمزاً للجذب كما عبَّر عنها المتصوفة، فهي بحق ذات تأثير على مشاعر المتلقي المذكر، فنراه يذعن لها، لإعجابه بالإحساسيس الصادرة عنها حين تُقدَّم بأسلوب فني جميل، وبهذا نجد التوق لقراءة كتابات النساء من جنس الرجال وبأوسع نطاق مثلما هو شعر الرجال لدى النساء .

وحين نقرأ أدب المرأة قراءة فاحصة، نجدها تحاكي كثير من الموضوعات الإنسانية ولاسيما شعورها تجاه الحبيب، لذلك اتسمت كتاباتها بالوضوح والبساطةمن أجل إرسال رسالتها بأوضح السبل.

وهيام محمد علي ممن نافحن الشعر الوجداني، فنسمته بألطف النسائم، فهي حين تخاطب الحبيب تبعث لواعجها عبر الكلمات المتعطرة بأندى المشاعر وأشفَّها حسناً، تقول :

حاولت مراراً وتكراراً،

سراً وجهاراً،

ليلاً ونهاراً .

أنْ أخبرك

أنّض الياسمين

قد أزهر

في قلبي

فأصبح لاينبض إلَّا بك حُباً

ولايطربني إلَّا إليك شوقاً .

نراها تدس مشاعرها بلغة مبسطة، وإن استعملت بعض تقنيات الشعر، ومنها أسلوبا الترادف والتضاد (مراراً وتكراراً، سرَّاً وجهاراً، ليلاً ونهاراً)، فهي تنقل إحساسها بأرق المفردات وأنداها وأجملها وكأنها تتنقل بتقنية سينمائية، لاسيما في صورة السر والجهر، والليل والنهار، ثم تنتقل إلى الإخبار عن الياسمين الذي أزهر، إشارة إلى الحب النقي الصافي، فضلاً عمَّا يحمله هذا الحب من شوق وانتظار، إنَّ هذا الشعور يبعث على السرور والارتياح بوصف الخطاب يصدر من قلب يترقرق بالأمل والشعور النقي الخميل . ثم تقول:

أصبحتَ يا أنت

لاتفارق خيالي،

طيفاً يلازمني

فيتغشاني ... .

فكلَّ حين أتنسم طلعتك،

فيهتز من ربيع خيالك

وجداني .

ويبدو أنَّ طيف الحبيب يتغشاها كل ليلة، فهو لايفارق خيالها، و قد نجحت في توصيف حالتها النفسية من طريق بثِّ مشاعرها بأرقِّ الألفاظ وأدق الحروف، إذ نجد تفشي أصوات الهمس على مدى القصيدة، لتخترق الإحساس وتصهر الوجدان، لتندى مشاعر الحبيب برقَّة إحساسها وعذوبة مشاعرها، فقد أوردت صوت التاء الهامس سبع مرات، وصوت والفاء ثلاث مرات، وهي تتلفظ فيه أنفاسها نتيجة الشوق والهيام .

ثم تقول :

أنت لست في قلبي

بل قلبي هو

أنت.

وأزاهر أغصاني .

فالحبيب يمثل قلبها الذي تنبض من خلاله حباً وولهاً، كما أنَّه نتاج فرحها وسعادتها، وهو ثمرة أغصانها .

وإن جاء بك - على حين غفلة -

قدري، أريدك أن تُقبِّل - يا حبيبي-

عيني التي

أتعبها فيك .. البكاء

حنيناً، وأشقاني .

ويبدو أنَّه الشوق الذي أنهكَ عينها، لكثرة البكاء، لكن لايمكن أن يزول إلا بقُبلة الحبيب، كي يزول البكاء والشقاء معاً . والذي يتضح أنَّ الحبيب نادر العودة، كون (إن) الشرطية والتي تستعمل لندرة حصول الفعل منح تلك الدلالة، فمجيئه على حين غفلة أشبه بالمستحيل، مما جعلها تعيش شغف الحب وفرط الهيام .

وبهذا نجد الإحساس الشعري النسوي له أثره في التلقي، بوصفه رسالة وجدانية نقية تعبِّر عن الشعور الندي الذي يأسر الوجدان، فيحقق رغبات صاحبه، ويزيد من تتبع المتلقي لمثل هذا النوع من الشعر النقي الأحاسيس .

 

بقلم د. رحيم الغرباوي

 

في المثقف اليوم