دراسات وبحوث

القتل الرحيم بين الشريعة الإسلامية والمسيحية والقانون الوضعي

رجاء موليومقدمة: إن موضوع القتل الرحيم بين الشريعة والقانون من بين أهم المواضيع المطروحة في هذه الحقبة التاريخية من الزمان، لأنه موضوع يتضارب بين التحليل والتحريم بين الأطباء والفقهاء وفي القانون العربي والأجنبي.

ربما يعود تبرير القتل الرحيم وانتقاله من أفكارٍ في الأذهان، إلى قواعد راسخة في الكتب، استنادا إلى قاعدة الغاية تبرر الوسيلة كأساس فلسفي للقتل الرحيم، فيجعلهم يستعملون القتل كوسيلة للوصول إلى غاية الرحمة أو الشفقة، أو ربما يربطون بين الوسائل والمقاصد بحجة أن هناك قاعدة شرعية تقول أن للوسائل أحكام المقاصد.

القتل الرحيم كلمة يونانية الأصل تعني الموت الجيد، أو الموت اليسير، أو الموت الكريم، فالقتل الرحيم وهو التعبير الطبي العلمي المعاصر، وتعني تسهيل موت الشخص المريض الميؤوس من شفائه، بناء على طلب مقدم من طبيبه المعالج.

وعرفه الموسوعي الفرنسي بما ترجمته "موت هين، بدون آلام في حالة تنويم، باستعمال مواد مسكنة.. والتي تجنب المريض في الحالة الميؤوس من علاجها، آلاما مبرحة ومستمرة، أو تدهورا جسميا أو معنويا، كما لو كان الحال بدون علاج"[1]

تعود فكرة القتل الرحيم في الدول الغربية إلى فلاسفة اليونان القدامى، فقد ذكر أفلاطون[2]  في كتابه الشهير) الجمهورية (بأن الذين تنقصهم سلامة الأجسام يجب أن  يتركوا للموت[3] حيث قال: "إن لكل فرد الحق في أن يعيش في ظل الدولة ولكن ليس له الحق أن يعيش حياته بين المرض والعقاقير"،وبذلك فهو يدعوا إلى فكرة البقاء للأصلح[4] ؛ أي الأصحاء جسميا .

وأطلق سقراط  على هذا الشكل من الموت اسم التدبير الذاتي للموت بشرف[5].

ويقسم الأطباء ما يسمى بالموت الرحيم إلى قسمين:

قتل الرحمة الإيجابي: أو تيسير الموت الفعال، وهو أن يقوم الطبيب المعالج بإجراء فعال، يؤدي بحياة المريض المصاب مثلا (بالسرطان) والذي يعاني من الألم والإغماء، فيطلب من الطبيب بإلحاح إنهاء حياته ليستريح من الآلام، وتولدت عند الطبيب دوافع الشفقة المحفوفة بإلحاح المريض على التخلص من حياته، حينئد يعطيه جرعة عالية من بعض العقاقير التي توقف تنفسه، فيموت.

قتل الرحمة السلبي: أو تيسير الموت، وهو عملية تسهيل وفاة المريض الميؤوس من شفائه، وذلك بعدم إعطائه العلاج، أو بإيقاف جهاز التنفس، أو بعدم وضعه عندما يحتاج إليه المريض، بناءً على طلب المريض، أو عدم إعطائه العقاقير التي تعالج الأمراض الأخرى،[6]

أي أن الطبيب في هذه الحالة يتدخل برفع أجهزة الإنعاش عن المريض الذي أجمع الأطباء على أنه لن يعود للحياة مرة أخرى بسبب موت جذع الدماغ.

وهناك من يضيف شكلا ثالثا، وهو القتل غير المباشر: وهو إعطاء المريض عقاقير لتهدئة الآلام، وبمرور الوقت يكون من مضاعفات هذه العقاقير إحباط التنفس وتثبيط عمل عضلة القلب، وفي النهاية الموت.

القتل الرحيم في الشريعة الإسلامية

الثابت أن القتل هو إزهاق روح إنسان آخر دون وجه حق، وتكمن علة تجريم فعل القتل في حماية حق الإنسان في الوجود، وبالتالي حق المجتمع ذاته في الاستمرار والبقاء، لأن وجود المجتمع مرتبط بحماية وجود أفراده.

وتعد جريمة القتل من أقدم الجرائم وأبشعها في جميع الشرائع، ومنها الشريعة الإسلامية التي نهت عن القتل العمد، واعتبرته من أكبر الكبائر وأعظم الجرائم، لقوله تعالى:

﴿ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا﴾ [7] وقوله تعالى: ﴿والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما﴾[8] والنصوص على ثبوت التحريم كثيرة.

ويعتبر القتل الرحيم بدعة اختلقها المجتمع الغربي للتخلص من مرضاهم وكبار السن، الأمر الذي يشير إلى غرق هذا المجتمع في المادية الصرفة، خلافا لما قام عليه الإسلام من القيم في توقير الكبير ورحمة الصغير ورعاية المريض وبر الوالدين، المستمدة من نصوص الشريعة الغراء، ولهذا الأساس بقيت المجتمعات الإسلامية متمسكة بهذه القيم، فبالرغم مما أحرزته الحضارة الغربية من تقدم مادي وتكنولوجي في هذا العصر، فإنها عجزت عن حفظ كرامة الإنسان عندما أعجزته خدمته لها أن يقوم بمصالحه. إن الدين الإسلامي يظل هو الأبقى والأصلح لكل زمان ومكان، ويقوم على احترام آدمية الإنسان أيا كانت ديانته.

ويستند المؤيدون للقتل الرحيم على أن الإنسان حر في تقرير مصيره، وله حق التصرف في جسده كيفما يشاء، فله حق الحياة وحق الموت وحق أن يُقتل إن رأى ذلك، وأن القتل الرحيم من شأنه أن يريح المريض من معاناته وآلامه، كما أن القتل الرحيم بمنزلة مساعدة على الانتحار، وأن حياة بعض كبار السن والمرضى تساوي عدمَها، وخير لهم أن يموتوا، وأن قيمة الحياة تقاس بمقدار مساهمة الإنسان إبداعاً وإنتاجاً، فما قيمة الحياة عندما يصبح الإنسان معتمداً على غيره في قضاء حوائجه؟ فيرى الدكتور سيد الجندي أستاذ المخ والأعصاب، وأحد أعضاء مؤتمر الاتحاد الدولي لجمعيات جراحة الأعصاب في نيودلهي، أن في القتل الرحيم قمة الإنسانية، فكما أن من حق الإنسان أن يعيش حياة كريمة.. فمن حقه أن يموت موتة كريمة، ويقول: ونحن الأطباء إذا كانت رسالتنا أن نحافظ على صحة الإنسان وكرامته بشكل إنساني.. فيجب أن نتركه يموت كذلك بشكل إنساني يحفظ كرامته. كما يرى الدكتور محمد شعلان أستاذ الطب النفسي، أن الإبقاء على حالة المريض وهو يتعذب، فيه تعذيب له ولأهله، وإهدار للمال دون فائدة، والمستفيد الوحيد مافيا الأجهزة الطبية.. ثم يقول: ولكن لا بد من أخذ رأي المريض قبل الإقدام على مثل هذه الخطوة الخطرة.

كما للعامل الاقتصادي أثر يستندون عليه، فالتخلص من بعض المرضى وكبار السن، فيه توفير مادي على المجتمع والدولة، فمن الواجب تخليص المجتمع من الحشائش الضارة. ويمثلون لذلك بمرضى الإيدز.

ويُرد على هذه الأسانيد المادية النزعة، أنها تهدر قيمة الحياة البشرية، وتقيس هذه الحياة بالنفع المادي للإنسان، فإذا توقف هذا النفع أو تعطّل، لمرض أو عجز فلا ضرورة لبقاء الإنسان على قيد الحياة، وفي ذلك خير دليل على عجز الفكر المادي، وإهداره لحقوق الإنسان، خاصة في حالة العجز والمرض، إن الإنسان في نظرهم مجرد آلة صماء إذا تعطلت وعجز المجتمع عن إصلاحها، يجب التخلص منها، وسعى ماديوا الفكر لإقامة المجازر للمرضى وكبار السن تحت حماية القانون على الأقل..

وقد قوبلت هذه الدعوى الخبيثة في العالم الإسلامي بالرفض، فقتل الإنسان أيا كان، سواء المريض الميؤوس من شفائه، أو المسن العاجز عن الحركة والعمل.

يقول الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق: {القتل الرحيم ليس قراراً متاحاً من الناحية الشرعية للطبيب، أو لأسرة المريض، أو للمريض نفسه، وحياة الإنسان أمانة يجب أن يحافظ عليها، وأن يحفظ بدنه ولا يلقي بنفسه إلى التهلكة، لقوله تعالى: ﴿ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة﴾[9] وقد حرم الإسلام قتل النفس، لقوله تعالى: ﴿ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما﴾[10] ونهى النبي عليه الصلاة والسلام أن يقتل الإنسان نفسه نهيا شديدا، وتوعد من يفعلون ذلك بسوء المصير في الدنيا والآخرة، فقد أكدت شريعة الإسلام على التداوي من أجل أن يحيى الإنسان حياة طيبة، كما أمرت الشريعة الإسلامية الأطباء بأن يهتموا بالمريض، وأن يبذلوا نهاية جهدهم للعناية به، وعلى الطبيب والمريض أن يتركا النتيجة إلى الله سبحانه وتعالى، كما أن الطبيب عليه ألا يستجيب لطلب المريض بإنهاء حياته، وإذا استجاب يكون خائنا للأمانة سواء بطلب المريض أو بغير طلبه وإلا اصبح قاتلا وتعرض للعقاب}.[11]

وأكدت لجنة الفتوى بجامعة الأزهر، أن الإسلام يُحرم قتل المريض بدعوى الرحمة وقالت "إن الآجال محددة بعلم الله سبحانه، ولا يدري أحد ولا يستطيع تحديد متى يموت، (وما تدري نفس ماذا تكسب غذا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير)[12].

والمرض وحده ليس كافيا في توقع الموت، فكم من حالات أجمع الناس فيها على حتمية الموت العاجل ثم كانت إرادة الله عز وجل بالشفاء. فنتائج الأسباب مظنونة، وإرادة الله عز وجل غالبة".[13]

والإسلام يحرم القتل بدافع الرحمة مهما كان الغرض منه، ولا يبيحه لمن يشرف على علاج المريض سواء أكان طبيباً أو غيره؛ حتى وإن أَذِنَ المريض أو أولياؤُه لأنه قتل حرمه الله سبحانه إلا بالحق، والمريض إن أَذِنَ به يعد منتحراً، وقد تقدم نهيه سبحانه عن قتل النفس؛ حيث قال تعالى: ﴿ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما، ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا﴾[14]

وفي مذهب الإمام أبي حنيفة، والإمام مالك وقول الشافعي، أن إذن الإنسان بقتله لا يبرر القتل، ويستثني الإمام أبو حنيفة الإذن بالجَرح، ويرى فيه عدم العقوبة، وفي مذهب الإمام أحمد لا عقوبة على الفاعل في قتل أو جرح إذا أذن له صاحبها.[15]

إن من واجب الطبيب أن يبعث الأمل في نفس المريض بالشفاء، ويواسيه ويصبّره، وعلى المريض أن يثق بالله تعالى، وأن ينظر إلى المرض بمنظور الإيمان، فيصبر على البلاء، ويرضى بالقضاء، ويتطلع ويسال الله الشفاء، ولا ييأس من رحمة الله.

إن لجوء المريض إلى الطلب من طبيبه أن يسارع في حقنه بعقار يعجل بوفاته ليسكن بذلك من ألمه ويخلصه من معاناته، وهو انتحار.فقد روى الإمام البخاري عن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان فيمن قبلكم رجل به جُرح، فجزَعَ، فأخذ  سكينا فحز بها يده فما رقا الدم حتى مات، قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه، حرمت عليه الجنة". رواه البخاري.

ويؤكد الدكتور الحسين يوسف عبد العال (أستاذ بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر)، {أن القتل الرحيم مخالف للشريعة الإسلامية ولا يمكن إباحته مهما كان نوع المرض وخطورته وشدة آلامه، فالمرض للإنسان ليعرف الصبر ولتفحص قوة إيمانه، وكلما صبر المريض زاد ثوابه والصبر درجة من درجات الإيمان}.

أما الدكتورة ملكة يوسف المختصة في الشريعة والدراسات المقارنة للأديان، فرأت أن ما يطلق عليه القتل الرحيم في مفهومه، يعتبر تدخلاً في إرادة الله لإنهاء الحياة التي منحها لمخلوقاته، وأن الله وحده هو الذي يقرر الموعد الذي يموت فيه الإنسان، ولا يحق لمخلوق أن يتدخل في هذا الأمر..

واعتبر الباحث الإسلامي بجامعة الأزهر الدكتور عبد المعطي بيومي أن هذا النوع من القتل يدل على ضعف الإيمان بالله، فقد يمن الله بالشفاء رغم فقدان كل امل بالنجاة، كما ان الموت قد يخطف حياة المريض رغم ثقة الأطباء بنجاح العلاج.

وأكد الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر أن الأخلاقيات جزء لا يتجزأ من هذه المهنة- الطب- كما أن الإسلام يحترم النفس الإنسانية ويصونها، ولا يسمح حتى للإنسان نفسه بالاعتداء عليها...

ويقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي "الموت الرحيم لا يجوز، ولا وجه له شرعاً لأن الأجل بيد الله، ولا يجوز لأي إنسان التحكم بهذا الأجل، سواء المريض أو الطبيب أو حتى أهل المريض".

وفي فتوى للدكتور يوسف القرضاوي ألقاها امام المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت، أكد على أن تيسير الموت الفعال في مثل حالة السرطان، لا يجوز شرعا.. فليس الطبيب أرحم به ممن خلقه، وليترك أمره إلى الله تعالى، فهو الذي وهب الحياة للإنسان، وهو الذي يسلبها في أجلها المسمى عنده.

ولكن ماذا عن تيسير القتل المنفعل أو غير الفعال؟

الإنعاش: هو المعالجة المكثفة التي يقوم بها طبيب أو مجموعة من الأطباء ومساعديهم لمساعدة الأجهزة الحياتية كالقلب والمخ،حتى تقوم بوظائفها،أو لتعويض بعض الأجهزة المعطلة قصد الوصول إلى تفاعل منسجم بينها.[16]

وصورته منع الدواء عن المريض الذي لا يرجى بُرؤه، وقد تيقن الأطباء أن العلاج الذي يعطى له غير مجدٍ، وجزموا بذلك. وهنا ينبغي على الطبيب أن يستمر في إعطاء الدواء ما دام الدواء متوفراً، ولكن للمريض بناءً على ما تقرر من عدم وجوب التداوي في مثل هذه الحالة أن يمتنع عن أخذ الدواء متى تحقق عدم جدواه، وجزم الأطباء بذلك.

وماذا عن موت الدماغ؟ هل يعتبر موته نهاية حياة الإنسان وإن بقي القلب ينبض؟ وهل يجوز رفع أجهزة الإنعاش عن ميت الدماغ، ولو كان في ذلك إنهاء لنبض قلبه؟

عرضت هذه المسألة على مجمع الفقه الإسلامي في دورته المنعقدة في عمان عام 1986م واعتبر: "أن الشخص قد مات وتترتب جميع الأحكام المقررة شرعا للوفاة إذا تبينت فيه إحدى العلامتين التاليتين:

إذا توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً، وحكم الأطباء أن هذا التوقف لا رجعة عنه.

إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً وحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء، بأن هذا التعطل لا رجعة فيه، وأخذ دماغه في التحلل.

وفي هذه الحالة يجوز رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص، وإن كان بعض الأعضاء لا يزال يعمل آلياً بفعل الأجهزة المركبة"[17] وقد اعتبر المجمع الفقهي فيما بعد في جلسة ثالية- الشخص ميتاً بعد توقف قلبه عن النبض، ولكنه أجاز في جلسة تالية رفع الأجهزة عنه.[18]

وأفتى شيخ الأزهر سابقا جاد الحق علي جاد الحق رحمه الله - بالإضافة إلى مقررات مجمع الفقه الإسلامي السابقة؛ حول اجهزة الإنعاش والموت الإكلينيكي، وأيضا الفتوى الصادرة من المجلس الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته العاشرة في 24 صفر 1408ه- حيث نصت الفتوى على ما يلي: {المريض الذي رُكبت على جسمه أجهزة الإنعاش يجوز رفعها إذا تعطلت جميع وظائف دماغه نهائيا وقررت لجنة من ثلاثة أطباء أخصائيين خبراء أن التعطل لا رجعة فيه، وإن كان القلب والتنفس لا يزالان يعملان آليا يفعل الأجهزة المركبة، لكن لا يحكم بموته شرعا إلا إذا توقف التنفس والقلب توقفا تاما بعد رفع هذه الأجهزة}.

التجريم القانوني للقتل الرحيم:

إن الإعتداء على النفس البشرية  يعد جريمة في الأصل العام، وينطلق هذا الأصل من مبدأ حرمة هذه الحياة وحفظها من كل اعتداء يمكن أن يقع عليها لأي سبب من الأسباب، لذلك فإن قتل النفس يعد من أبشع الجرائم المرتكبة. وقد كفلت المواثيق و الإعلانات الدولية الحق في الحياة. وهو من أهم الحقوق المرتبطة بالإنسان، وتظهر مكانته من خلال المواثيق والنصوص الدولية ومن أهمها ما يلي:

-الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) لكل فرد الحق في الحياة وسلامة شخصه [19](.

العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ) لكل إنسان الحق الطبيعي في الحياة،ولا يجوز حرمان أي فرد من حياته بشكل تعسفي)[20].

موقف الشريعة المسيحية من القتل الرحيم:

الموت الرحيم يعني السماح للمريض بإنهاء حياته تحت إشراف طبي في حالة رغبته في ذلك بعد إصابته بمرض العضال. لقد حرمت الشريعة المسيحية القتل بدافع الشفقة، فلا شيء يعفي من العقوبة، يؤكد الإنجيل على أن الله يهب الحياة، وهو وحده من يستطيع استردادها.

جاء في إنجيل متى: "يقول يسوع لتلاميذه: «قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَقْتُلْ، وَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ 22وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلاً يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ، وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ: رَقَا، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْمَجْمَعِ، وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ ».[21]

وفي رسالة القديس بولس الرسول الأولى، رأي مسيحي كتابي واضح في القتل أو العبث بالجسد، جاء في رسالة كورنتوس الأولى: «أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ 20لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ للهِ».[22]

وقد حددت الكنيسة قبولها للقتل في حالات هي:

في الحرب العادلة، وفي الدفاع عن النفس، وعند صدور حكم من محكمة عليا، لذلك لا تقبل الكنيسة بالقتل في باقي الحالات – بما فيه القتل الرحيم- بل تنقض كل القوانين التي قد تُشرع مواقف مماثلة، لأنها تعتبر أن الله أولى بالطاعة من الناس.

فالقتل الرحيم في نظر الكنيسة، جريمة وانتهاك لشريعة الله، والإنسان في آخر حياته وما يصاحبه من ساعات الشدة والضيق؛ يحتاج إلى العلاجات والمسكنات، وكذلك إلى مرافقة صادقة وفعالة من أهله وأقاربه والفريق الطبي والأصدقاء أيضا، كي يشعر بالطمأنينة والكرامة والفرح..

ففي عام 1957 كلف البابا بولس الثاني عشر، فريق عمل متخصص للبحث في القتل الرحيم وتطوره، ومما قاله: "القانون الطبي لا يسمح أبداً للطبيب أو المريض أن يمارس القتل الرحيم بصورة مباشرة.. لكن يجوز للطبيب إعطاء المسكنات للمريض المحتضر بعد موافقته بكمية كافية لتخفيف الألم وتعجيلا للموت".

وقد مؤتمر كنائس المهجر الذي عقد في هولندا منذ شهور وجهت أسئلة للكهنة والأساقفة وتم التأكيد على حرمانية ذلك وعدم قبول الكنيسة للموت الرحيم بأي شكل من الأشكال.[23]

وفي عام 1984 دعا البابا يوحنا بولس الثاني، المسيحيين ليؤسسوا وجودهم على مفهوم مسيحي أصيل عن الحياة وعن الموت، وإلى ضرورة عدم المساس بالحياة الإنسانية لأنها النتيجية المنطقية للمفهوم المسيحي للحياة، ثم جاء إعلان الفاتيكان لرفضه للقتل الرحيم في 7 يناير 1997 بعد حالتين أقرتهما أستراليا.

وتميز الكنيسة بين القتل الرحيم والمعالجة العنيدة التي تستمر مع أمراض مستعصية لا يمكن شفاؤها وغير قابلة للتحمل، كتوقف الدماغ عن العمل، أو مرض السرطان في مراحله الاخيرة؛ حيث لا تجد الكنيسة أي مانع من توقيف العلاجات التي تعطى لهذا النوع من المرضى، لأنها لا تضيف شيئاً على حياتهم.

وفي الأخير نجد أن مسألة قتل الرحيم هي قضية محرمة تحريما قاطعا ومتفق عليها بين جميع القوانين سواء كانت قوانين تشريعة أو وضعية، لأنها تعد انتهاكا لحقوق الفرد في الحياة والذي خوله الله عز وجل له في هذه الأرض ولا يحق لأحد أن ينتزعه منه، إلا في حالة كون المريض مات دماغه عندها ترفع أجهزة الإنعاش الصناعي ولا يسمى هذا بالقتل الرحيم.

وهكذا فالإنسان معرض للمرض والآلام وهي ابتلاء من عند الله تعالى وكفارة للذنوب ورفعة له في الدنيا والآخرة.

 

رجاء موليو

طالبة دكتوراه

.....................

[1] - المعجم الموسوعي الفرنسي كيي، نقلا عن قتل الرحمة والسلوك الطبي من منظور الشريعة والقانون للدكتور أمل العلمي، ص: 19، مطبعة أنفوبرانت فاس ط1/1999 .

[2] - أفلاطون :فيلسوف يوناني قديم ولد حوالي 428 ق.م وتوفي حوالي 347 ق.م وهو من أعظم الفلاسفة الغربيين من أقواله: الجسد قبل النفس،أن تتفلسف هو أن تتدرب على الموت.

[3] - عبد الحق حميش، قضايا فقهية معاصرة ،الطبعة سنة 2011 م_ 1432 ه،دار قرطبة – الشارقة، ص : 7.

[4] - جابر الحجاحجة، القتل بدافع الشفقة، المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، المجلد 05 ، العدد 3/، سنة 2009م- 1430م، ص: 225.

[5] - عبد الحق حميش، قضايا فقهية معاصرة، ص: 277.

[6] - أحكام التداوي والحالات الميؤوس منها وقضية موت الرحمة، محمد علي البار، دار المنارة الطبعة الأولى1416/1995، ص: 68.

[7] - سورة الإسراء، الآية: 33.

[8] - سورة الفرقان، الآية: 68.

[9] - سورة البقرة، الآية: 195.

[10] - سورة النساء، الآية: 129.

[11] - الدكتور محمد سيد طنطاوي وشيخ الأزهر السابق، في الجلسة التي عقدت في المؤتمر الدولي السنوي الثالث لكلية طب عين شمس تحت عنوان: "الطب المتكامل" والذي عقد في الفترة من 21-24 فبراير 2000.

[12] - سورة لقمان، الآية: 34.

[13] - مقررات مجمع الفقه الإسلامي الثالث التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في عمان بالأردن عام 1987 حول أجهزة الإنعاش والموت الإكلينيكي والفتوى الصادرة من المجلس الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته العاشرة في 24 صفر 1408ه.

[14] - سورة النساء، الآية: 29.

[15] - كشاف القناع عن متن الاقناع للبهوتي 5/518، نقلا عن مقال: "حكم ما إذا كان يجوز للطبيب إجراء نوع من التجارب على مريض يتولى علاجه"، مقال بمجلة: البحوث الفقهية المعاصرة، العدد19، ص: 239.

[16] - أحمد محمد الهاجري، موت الدماغ بين الأطباء والفقهاء، مجلة كلية الشريعة للدراسات الإسلامية،جامعة قطر،سنة 2006 م-1427ه، العدد24، ص: 293.

[17] - مجلة المجتمع الفقهي، القرار رقم 5، العدد3، 2/89، بتاريخ: 03 يوليوز 1986.

[18] - ينظر موت الدماغ بين الطب والإسلام لندى نعيم، ص: 158-175.

[19] - المادة  3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

[20] - المادة 6 من المعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

[21] - إنجيل متى: 5/21-22.

[22] - رسالة كورننثوس الأولى: 6/19-20.

[23] - صوت الأمة، الموت الرحيم في المسيحية، 11شتنبر 2018.

 

 

في المثقف اليوم