دراسات وبحوث

اياد الزهيري: قرائن ومشاهدات لا تصح في نسب القرآن (1)

تخرج علينا بين الفينة والأخرى دراسات جُلها غربية، تدعي بأن القرآن ما هو اٍلا خليط من التعليمات والنصوص اليهودية والمسيحية، وواحدة من هذه الدراسات قام بها المستشرق الألماني (كريستوف لكسمبورغ)، هذا المستشرق (يزعم أن للقرآن أصولاً سريانية آرامية، ولكن لَقيَ هذا الزعم رفضاً واسعاً في أوساط المجتمع الأكاديمي)(القرآن ونقوش اليمن ص22)، ويقول هاني هياجنة أحد الباحثين في كتاب (القرآن ونقوش اليمن ص22) (والواقع أنه لا يوجد حتى الآن أي دليل نقشي أو نصي في مكة أو حولها يؤيد رأيه (يعني رأي لوكسمبرغ)، وعلى كل حال فأني لست بصدد تفنيد ما قاله لوكسمبرغ باعتبار أن بحثي هذا يتوجه بشكل خاص الى من يدعي إن القرآن يستمد أصوله من نقوش اليمن القديمة، وهذا أيضاً أدعاء آخر يناقض الأول، باعتبار الادعاء الأول ينحو الى أن القرآن أستمد مادته من منهل السرديات اليهودية والمسيحية، ولكن بالحقيقة أن أدعاء الأثنين معاً يهدفان الى هدف واحد، وهو أن القرآن ليس وحياً ألهياً، وأنما جاء به محمد من مصادر أخرى مدعياً أحدهم بالسريانية، حيث يقول لوكسمبرغ (فاٍن الكلمات السريانية في القرآن عُربت خلال تطور الاٍملاء العربي) (القرآن ونقوش اليمن-ص22)، والآخر باليمنية، حيث يقول (فيرنر داوم) (قصة اٍبراهيم واٍسحاق وطقوس الصيد اليمني متطابقة بنيوياً)(القرآن والنقوش اليمنيه ص256) وهي أدعاءات لا تصمد أمام البحث العلمي لأن مايقدموه من مشاهدات وقرائن لا ترقى الى مايرمون اٍليه من زعم التناص مع محتويات النقوش اليمنية، وأن تعليلاتهم تدور حول أمراً حدسياً كما يقدمه أهل الهرمنيوطيقا في فهمهم وتأويلهم للنصوص، وخاصة الدينية، فهم يقدمون أفتراضات مسبقة، ويُرجح أحداهما على الآخر، ولكن تبقى النتائج ضمن دائرة النسبية وعدم الثبات في فهمها، وهؤلاء غالباً ماتكون قبلياتهم الفكرية حاجزاً ومانعاً للفهم العيني والحقيقي للنص.

من الضروري الأشارة قبل البدأ ببحثنا الرجوع الى ما يقوله الفيلسوف الأمريكي (اٍريك هيرش) من دراسته لمعيار صحة الفهم للنص، والذي يقول فيه بأن عملية فهم النص تتحقق من خلال مرحلتين:

المرحلة الأولى: هي مرحلة فهم مراد المؤلف، وهي مرحلة تعتمد الحدس في معرفة نوايا المؤلف، وهو حدس يحتمل الصدق والكذب على حد قوله .

المرحلة الثانية: يقوم بها المفسر للنص بتقيم هذا الحدس وأختبار صحته من خلال قواعد وضوابط مدروسة وبالتالي التنبؤ بالمراد الحقيقي لصاحب النص، وذلك بالأعتماد على الشواهد التي تؤيد حدسه في فهم النص، ومدى أحتمالية مطابقة الحدس الى المعنى الحقيقي التام للنص، وهذا ما أردت الأشارة اليه في الشواهد والقرائن التي ساقها هؤلاء الباحثين من نقوش يمنية أدعوا فيها بأنها هي النصوص التي أستمد منها القرآن بشكل خاص والأسلام بشكل عام أساس نصوصه الحالية، والتي لا أرى فيها صدق مايدعون، وأن أدعاءهم لا يصمد أمام ماسوف مانعرضه من مفارقات لا تثبت أي مشتركات وشواهد تؤكد مدعياتهم، وإن مايسعون اٍليه هم،أو من يستعمل بحوثهم الغير رصينة من أجل أشاعة الشبهات واعتباره سلاح من أسلحة الحرب الناعمة، وهي حرب تقودها مؤسسات ومراكز غربية منذ زمن ليس بالقصير، ولكن ما نقدمه من دراسة سوف تؤكد أن ما نقوله لا يدخل تحت مدعى الأيمان التام بنظرية المؤامرة، بل من خلال البحث والدراسة العلمية التي تخضع للضوابط والقواعد المعتمدة .

أن التوجه الشكي لهؤلاء الباحثين، وهو أتجاه ديكارتي هو من رسم خطتهم في البحث والدراسة والتوجه، ولا بأس في ذلك اٍذا كان هذا البحث غايته الحقيقة وأن يكون الباحث بعيد عن المسبقات الذهنية وخلفياته المعرفية ووميوله النفسية، ولكن هنا أردنا أستعارة بعض الدراسات الغربية التي قدموها في فهم النصوص كآلية ومنهج . من هذه المناهج وأشهرها ما يُدعى بمنهج الهرمنيوطيقيه الفلسفية والتي تقول (ليس هناك فهم نهائي حتمي للنص، بحيث يتوقف معنى النص عنده) (الهرمنيوطيقا وأشكاليات التأويل والفهم-ص94)، وكما يرى اٍيرك هيرش (بأنه لايمكن للمفسر وفاهم النص أن يعثر على مراد المؤلف ويكشف نواياه بصورة قطعية)(الهرمنيوطيقا وأشكاليات التأويل-154) وعلى هذا المنهج الهرمنيوطيقي مضاف اليه ما نطرحه من مشاهدات نقارن بها النصوص والتي تكشف مدى المفارقات والمحدوسات من القناعات الغير حقيقية والتي تظهر زيف أدعاءاتهم وتهافت أفهامهم للقاريء الكريم واللبيب .

من المفيد أن أذكر ماقالته المستعربة الألمانية (أنجليكا نويفرت) وهي عالمة أسلاميات كشاهد يعيننا في فهم تهافت ما أستند عليه أصحاب نظرية التناص في محتوى القرآن، الذي يحاكي به نصوص سبقته، فتقول (اٍن منهجه (وتعني منهج لكسمبورغ) ينتهي الى وجود طبقة سريانية كامنة خلف النص العربي)(القرآن ونقوش اليمن ص22)، وتُضيف نوبرث في ردها على لكسمبورغ (أن السريانية تزخر بالمفردات الدينية، وهذه المتوازيات في حالات كثيرة هي ببساطة نتيجة لعلاقة القرب اللغوي بين هاتين اللغتين الساميتين، ولا تعكس تواصلاً ثقافياً بالضرورة) (القرآن ونقوش اليمن ص23)، وهنا (لايمكن اعتبار اللغة العربية التي أستعارة مفردات من لغات أخرى على أنها خليط من اللغات لأن ثمة عوامل صوتية وصرفية ونحوية هي مايؤسس العناصر الأساسية للتجمع اللغوي) هاني هياجنة (القرآن والنقوش العربية ص23) وهذا ما قاد لكسمبورغ الى نتائج خاطئة، وهو نفس الخطأ الذي وقع فيه (سيرجنت) وآخرين، حيث أعتمد لكسمبورغ على التشابه اللغوي، وأعتمد سيرجنت على وجود تشابه لممارسات طقوسية، أو حدس لتشابه مواقع مقدسة كدليل قطعي على وجود تناص أو محاكات تجربة سابقة، ألتقطها كاتب القرآن كما يزعم هؤلاء المستشرقون، وهنا سوف نعرض الكثير من الممارسات المنتشرة في كثير من بقاع العالم، وهي بعيدة عن الجزيرة العربية، ولم تكن بينها صلات وصل ثقافي بزمن الرسول، ولا هو الرسول محمد (ص) يعرف عنها بالبته لكي يحاكيها ويلتقط منها هذه الممارسات، ولكن مايحدث من ممارسات مشتركة في بقاع العالم المختلفة،هو دليل على تشابه الفطرة الأنسانية، وسليقتها المتماثلة في توجهها في التقرب الى الرب. يتبع

***

أياد الزهيري

 

في المثقف اليوم