دراسات وبحوث

عتيق العربي: الصوفية من وجه آخر

لقد أقدم علماء الغرب وغيرهم البحث التاريخيو - الفكري والاجتماعي مثل أطروحات شبينجلر وهيجل وبارك ورودنسون وكما يسقط أرنست وجيرتز في منهج هيرمينيتيكي يبحث في اعماق الفكر وكواليس السلوك ومبادىء المجتمع وأفكاره وعقائده التي تحرك الاجتماعي ثقافيا في الدولة القطرية أو دولة – الأمة المعاصرة والحديثة، فكان أن انتهى الاستعمار إلى إدراك خفايا الشعائر والطقوس الإسلامية وإثرها فهم الدرس وأخذ المنهج الروحي عنهم ولكن بتحور متغطرس، كما بدأ بتدرس القيم والعادات والافكار والعقل الإسلامي وجعل من ألاف المسلمين المهاجرين، دفعة روحية وتغذية مانعة للميوعة ورافعة للتعالي الإنساني.

يشكل الصوفية كشكل من الخطاب التقليدي، وهو ممارس بديل عن الخلل السياسي والميع الإجتماعي في بعض تطورات التاريخ والحضارة؛ داخليا وعالميا ... أي هو خطاب لاحق مباشرة للحدث الانفصالي للدين عن الدولة، ونشأة الأمة الاسلامية وظهور الفتن وسيطرة الطوائف وتدخل الأجانب في حكم المناطق العربية، بالاضافة إلى سيادة ظروف القمع والظلم والقهر الاجتماعي، وبالتالي إنكسار نفسي وروحي لمعظم الطبقات الاجتماعية التي ابتعدت عن السلطة طوعا أو كرها، فهي إما رافضة لسلطة جديدة ناشئة أو داعية لفكرة سياسية جديدة مما يؤكد شدة العلاقة القائمة بين التصوف والسياسة في المجتمع الإسلامي . فالتصرف كان شاهدا ظرفيا في الحدث السياسي الإسلامي، بحيث ابتعد عن ملاذ الدنيا وحياة الرفاه ولجأ إلى التقليد الديني أو للدعوة السرية أو البحث النظري والفلسفي في ظواهر الكون والطبيعة وقراءة الفلسفات القديمة وتفسير القرآن والسنة النبوية تفسيرا باطنيا وعميقا .

وقد المشرق والمغرب وفارس وتركيا، مراكز توسع أفقي وعمودي للصوفية، عكس الخليج والحجاز نحيث مجدت الصوفية ضربات فكرية وتهرب إجتماعي منها حيث التصادم المباشر والسريع مع الغرب المتوسطي والتعدد الثقافي، مايلزم لأخذ الموذج الصوفي لتساهليته لحفظ الدين وتماسك المجتمع.. لقد حلل الخطاب الصوفي إشكالية العلاقات السائدة بين الله والبشر ودرجات الإيمان وأنواع الكائنات كالجن والملائكة وعلاقتهم بالله والبشر، وتفسير الظواهر الطبيعية كالريح والمطر والعواصف والزلازل والأمراض وتحليل القدر والمكتوب وحادثة خلق الإنسان وأصله، وكيفية نشوئه وكيفية حلوله في ذات الله وحلول روح الألوهية وتناهي الإنسان فيها، الشيء الذي أحدث ضجة كبيرة بين أهل الكلام والمعتزلة والأشاعرة والفلاسفة في الفكر الاسلامي القديم، حيث نسجل المناظرات بين أبن عربي وابن رشد والغزالي وأبي حامد والبسطامي وأبي القاسم الجنيد، وأبي طالب الملكي والحلاج وصهيب الرومي وحتى ابن خلدون كان فقيها وقاضيا ومتصوفا .

شكلت الحركة الصوفية مظهرا ثقافيا متقدما وروحيا متعاليا على المجتمع الإسلامي وعلى قواعده الأخلاقية مثل الخروج عن السياسة وأنظمة الحكم وابتعادا عن الظواهر العادية والحقيقية. وانقسموا إلى فئات منها:

- التصوف الأشعري: السني وما حفظ الفروض والنوافل الأساسية وترك الحرية لإضافات غير محرفة.

- التصوف الشيعي: وهو ما ظهر أول الإسلام من مراقد وخلوات وحوزات شيعية كتجمع فكري وعائلي.

- التصوف الفلسفي: الذي نجده عند الحلاج والسهروردي وإبن عربي.

وهكذا تأثر بالفلسفة والأديان الفارسية والهندية والصينية. وكانت لهم مواقف متعددة ومتغيرات حول المجتمع وحول المواقف السياسية . فمنهم من شكل معارضة، ومنهم من اعتكف ولجأ إلى الزهد، ومنهم من لزم الصمت، وكان ذلك تجنبا للفوضى والعنف وبهدف نشر السلم الاجتماعي في مجتمع يتميز بسيطرة مختلفة . حيث كان المجتمع الاسلامي " .في وضعيات كرستها مقولات نجد في كتاب جاك بيرك وعلنر وجيرتز في فلسفة العمق العقائدي في المغرب الإسلامي الحديث.

وهنا يمك الرجوع إلى تقديمات حليم بركات وعبد القادر جغلول وهواري عدي ونور الدين حقيقي وهشام جعيط والعروي؛ من حيث المقاربة الإجتماعية للفعل التكاملي للمجتمع، وليس تنميط فلسفي حسب الوردي أو الجابري، وإنما حسب مقاربىة إبن خلدون من خلال الدين والعادة والرابط المعاشي وهو تحليل حول الطابع الروحي والتقليدي للمجتمع العربي والمغاربي والعالم الثالث . ونظرية ابن خلدون الذي وصفت المجتمع الإسلامي بالرعوية والقبلية. كما يقول أن " هناك من المرابطين من كان طرفا في النزاعات والصراعات ولكنهم لم يستطيعوا أن يكونوا قضاة وأعضاء في الحل "

وقد كانت لهم مكانة علمية وسياسية في الأمر والنهي وحل النزاعات حسب عدي ." فقد كان دور المرابط ليس أساسيا في السلم عندما ينشأ النزاع بين قبيلتين فقط ولكن أيضا داخل القبيلة الواحدة "، حيث يرى لويس غاردي ذلك وهو الباحث الكبير في التراث الإسلامي وتاريخه الذي واجه عدة انتقادات علمية ومنهجية من طرف البعض، وخاصة المفكرين العرب الحداثيين الذين نهلوا من الفلسفة الغربية ودرسوا التاريخ العربي والإسلامي على يد هؤلاء المستشرقين .

يقول غاردي: "إن التصوف كان مهمشا في الحياة العامة . فقد كان عنصرا من الحياة الاسلامية الحضرية في العصور الكلاسيكية، وقد كانت هناك حلقات كبيرة . مثل حلقة رابعة العدوية التي تعزف الناي وتدعو إلى العشق الإلهي في مدينة البصرة في عهدها". ولكن يجب ملاحظة أنه تواجدت إلى جانب الصوفية، كجماعة علمية ودعوية للإسلام، جماعات معادية لها، وهي جماعات سياسية وأخرى فلسفية ولاهوتية وأصولية وفقهاء من المعتزلة وفقهاء الحنفية، أي أنصار المذهب الحنفي الذي أنشأه أبو حنيفة النعمان في العهد العباسي ليضع نظاما متطورا من الشرائع والقواعد الإسلامية. إن الحالة الروحية للصوفية هي حالة توحد مع الله بالتجربة، لهذا اعتبرت الصوفية فرقة كافرة وخارجة عن الدين.وتقوم بالزندقة، إذ حاربها العلماء والفقهاء . وهكذا شاركت السلطة ورجالها وأهل العلم في محاربة الحلاج الذي اعتمد نظرية الحلول والتماهي مع الله وطرد من الأماكن المقدسة وقام الناس بتكفيره .

وقد نلاحظ في بداية ظهورها صرامة القضاء الإسلامي مع هذه الجماعة وتعليماتها ومواقفها وبالتالي شكلت تيارا هامشيا في الواجهة الإسلامية لتلك الفترة التي يسود فيها الإسلام الرسمي . منذ ذلك الحين نشأت مؤلفات ضخمة تدافع عن تلك الحركة وذلك المذهب وتؤسس له مبادئه وتعاليمه المذهبية التي تميزه عن الإسلام السني والإسلام الرسمي المسيطر .

كان تطور الفكر الغربي الحديث والأدب الأوروبي مرتبطا بكل جدارة بالإنتاجات الاهوتية المسيحية واليهودية من العهد الأو والثاني، ثم الفلسفة اليونانية قليلا ثم بالمنتوج الإسلامي الذي ترجم أهم إنتاجات اليونان . وهكذا تحمل الإسلام عبء التثاقف الكوني لمرحلة عشرية قرنية، وحمل الثقافات العربية والفرسية والامازيغية والتركية والإفريقية بكل ذكاء وكل إشتمال معنوي ومادي ورمزي في تفاعلية وتناظرية متوازية ومتواصلةمع التاريخ.فكان نتيجتها أن تكامل تصور العقل والإنسانية ووحدة التفاعل الإنساني الحضاري وضرورته.

وقد مثلت مرابع فكر النهضة متكأأ عضيما على التجذر الإسلامي على إنسانيات القرون الوسطى مثلما نجد عند مقالات وميكيافيلي وكتب توماس مور وبودان والحركة الإنسانية للنهضة.

وتواصل المسار حتى ظهرت المشاعر الأوروبية من حيث الملامح، طبق نزعات التوجهات الدينية والفكرية للثقافة الحداثية الصاعقة المختلفة عن المدونات المسيحية وتقاليدها، مما جعل هذا التيار، يجد مقاومة شديدة من طرف علماء الإسلام وعلماء اللاهوت المسيحي وعلماء الفقه أحيانا لأنه هناك طرفين في البحث العلماني المتحرر. ونتج عنه تيارين. فكان منه:

تيار غرائبي ساخر

وتيار غرائبي إيجابي

وتيار إغرابي وإستلابي، يريد الإحتواءوإستيلاء على حضارة الإسلام....

لقد كان البحث العلمي ومنجم عنه من رفاهيات فنية وروائية، دافعية للترقي الإقتصادي لإعادة بعث للهجوم الصليبي أحيانا بصورة فكرية ولكنه في الجانب الآخر لعب الطرف المدني والحيادي الإنساني إعادة احياء التراث الإسلامي والأمازيغي والإفريقي إلى الحياة، وهذا لا يمكن إنكاره، .

وجعل البحث عن المجتمع المدني والدولة الوطنية وسيادة الأمة؛ اساليب للتكتل والتنميط الهوياتي للمجنمع الغربي ثم بناء اطر التنمية والتطوير ونقل التكنولوجيا والديمقراطية وحقوق الإنسان ولإستشراف محطات لتوقف ونبذ الذات الىثمة حين الإستعمار والفكر الدائري النرجسي .مع العلم أن المسلم اليوم لم يقرأ الكل فكري الغربي والذي لازال غامضا في عدائيته أو عشقه للمنتوج الإسلامي .

***

عتيق العربي - الجزائر

في المثقف اليوم