علوم

الكون المضيء والكون المظلم (1)

جواد بشارةيتمحور تقدير العلماء لعمر الكون المرئي حول الرقم 13.8 مليار سنة أو ما يقارب الــ 14 مليار سنة وهو عمر أول شعاع ضوئي وصلنا منذ نشأة الكون بعد الانفجار العظيم، أي بعد مرور 380000 سنة على ولادته، وقد يكون أقدم من ذلك بكثير. واليوم، ونحن في نهاية الثلث الأول من القرن الحادي والعشرين، نتساءل، أما آن الأوان لإعادة النظر، وإعادة تأهيل دعامتي الفيزياء المعاصرة، ألا وهما نسبية آينشتاين والميكانيك الكمومي أو الكوانتوم؟ فالنسبية صحيحة وصالحة رغم مضي أكثر من قرن على صياغتها لكنها تقف عاجزة عن العمل والتطبيق في النطاق ما دون الذري أو الكمومي أو الكوانتي، وميكانيك الكموم صحيح وصالح لكنه يتوقف عن العمل عند تطبيقه على النطاق الكوسمولوجي الكوني، والعلماء يبحثون منذ عقود طويلة عن الجاذبية الكمومية أو الثقالة الكوانتية بلا طائل. وأمام الجميع تحديات عصية لأنه ما يعرف عن الكون المرئي لا يتجاوز نسبة الــ 5% وما هو مجهول يقارب الــ 95% وهناك الألغاز الدائمة التي تتطلب الحلول و تتعلق بالثقوب السوداء وما يجري في داخلها، وبالثقوب البيضاء المعاكسة لها، وبالثقوب الدودية وهل هي حقاً تأخذنا إلى عوالم أو أكوان أخرى، وهناك المادة السوداء أو المظلمة وكشف طبيعتها وماهيتها، ونفس الشيء بخصوص الطاقة المظلمة أو المعتمة أو السوداء ومعرفة أصلها وتكوينها وماهيتها، وهل الكون محدود أم لانهائي، وماذا وراء الأفق الكوني لكوننا المرئي، و أخيراً وليس آخراً، هناك ما يعرف بلغز ما قبل الانفجار العظيم البغ بانغ وماذا كان يوجد قبل حدوثه. وبدون توحيد هاتين الدعامتين الأساسيتين لا يمكن للفيزياء أن تتقدم.

هناك فريقي بحث من علماء الفيزياء في المملكة المتحدة يحاولان بث حياة جديد لفكرة تجربة   قد تقود في نهاية المطاف إلى توحيد مجالي الميكانيك الكمومي أو الكوانتي la mécanique quantique والنسبية العامة la relativité générale، المجال الأول هو فرع الفيزياء الذي يقوم بدراسة ووصف الظواهر الجوهرية التي تحدث في الأنظمة الفيزيائية وبشكل خاص على المستوى الذري أو النطاق ما دون الذري، وبموجبها تتحقق نمذجة الجسيمات الأولية والمبنية على مبدأ الاحتمالية، والتي لا توجد لها قيم ثابتة طالما لم نقم بعمل قياسات وحسابات لها. ليس لأن الفيزياء الكمومية أو الكوانتية فضفاضة، فبعد أكثر من قرن من التجارب جعلت منها أحد النظريات العلمية الأكثر صلادة ورسوخاً. والمجال الثاني هو نظرية النسبية العامة التي تصف الثقالة أو الجاذبية التي تحدث تأثيراً على نسيج ممتد ومتصل ومتسق أو متجانس يعرف باسم الزمكان l’espace-temps، وهي كذلك النظرية الأكثر صلاحية وصحة من كل النظريات التي ظهرت في مجال علم الفيزياء لغاية الآن والتي بفضلها يمكننا توقع حركة الأجسام على المستوى أو النطاق الكوني وبدقة بالغة. لكنهما رغم نجاحهما المدوي في وصف الكون المرئي بين اللامتناهي في الصغر واللامتناهي في الكبر، إلا أنهما لا يعملان معاً، خاصة عندما تدخل الجاذبية أو الثقالة، وهي إحدى القوى الجوهرية الأربعة للكون، في موضع الدراسة في النطاق الذري وما دون الذري نظراً للضعف الكبير للتفاعلات الثقالية مقارنة بتفاعلات القوى الجوهرية الأخرى للطبيعة كالكهرومغناطيسية، والقوة النووية الشديدة أو القوية، والقوة النووية الضعيفة.

في سنة 1957 ابتكر العالم الفيزيائي الأمريكي الشهير ريشارد فينمان Richard Feynman نموذج تجريبي حيث تخيل كتلة صغيرة موجودة فعلياً في مكان معلوم ومحدد في حالة وجود قياس أو حساب بشأنها، لكنها لا توجد على نحو مغاير في أي مكان آخر معلوم أو محدد، أو توجد في حالة تراكب superposé، وعند وضعها في مجال أو حقل ثقالي ينبغي أن ترتبط الكتلة بالسمات أو الخصائص الكمومية أو الكوانتية للثقالة عن طريق ما صار يعرف بالتشابك الكمومي أو الكوانتي intrication . ومن أجل أن نرى فيما إذا كان المجال أو الحقل المذكور قد كمم quantifié في الطبيعة، اقترح ريشارد فينمان البحث عن علامات تداخل بين الموضعين الممكنين، قبل حساب الموضع الحقيقي. فلو تفاعل الموضعان الممكنان قبل انفصالهما عن المجال أو الحقل، عندها سيكون للثقالة طبيعة كمومية أو كوانتية يمكن دراستها. هذه هي الفكرة التجريبية الأساسية التي اقترحها ريشارد فينمان كأساس. ولكن، وحسب أبحاث الفريقين المذكورين أعلاه، فإن أحد الجسيمات الأولية في حالة تراكب يمكن أن يتفاعل مع نفسه، حتى داخل مجال أو حقل ثقالي كلاسيكي متواصل، ما لا يدع مجالاً للشك. ففريقي بحث جامعة أكسفورد أظهرا أن أي زوج من الأنظمة الكمومية أو الكوانتية يمكن أن يتداخلا في نظام ثالث، ولكن فقط في حالة أكممة quantifié هذا النظام الثالث، وهذا يترك المجال للافتراض أن من الممكن لزوج من الكتل، كل واحد في حالة تراكب، يتزاوجان على نحو منفصل بتداخلهما في صيغة كمومية أو كوانتية لمجال أو حقل ثقالي، وإذا لم تكن الثقالة كمومية أو كوانتية، عندها لن يكون هناك تشابك كمومي أو كوانتي.

ربما حان الوقت للعثور على نظريات جديدة للزمكان:

لم يدحض أحد لحد الآن نظرية النسبية العامة لآينشتاين لكنها تعرف حدودها. وهناك محاولات لتجاوزها أو تطويرها من قبل نظرية الأوتار الفائقة le théorie des supercordes ونظرية الثقالة الكمومية الحلقية أو العروية la théorie de la gravité quantique à boucle

المتنافستان. فالنسبية العامة لم تتمكن من وصف ما يحدث داخل الثقب الأسود ولا وصف جزء من مليار المليار من الثانية الأولى للكون قبل زمن بلانك. والميكانيك الكمومي أو الكوانتي لم يتمكن من وصف الثقالة على المستوى أو النطاق الفائق، إلا أنه يفترض أن انتقال الطاقة يتم على شكل حزم من الكموم وعلى نحو غير متصل discontinue عكس ما تدعيه النسبية العامة التي تقول أنه يتم على نحو متصل continu وبالتالي لا بد من إيجاد نظرية جديدة في الجاذبية أو الثقالة الكمومية gravité quantique .

يتبع

 

د. جواد بشارة

 

 

في المثقف اليوم