علوم

ماذا لو كان "الانفجار العظيم المظلم" قد أنتج المادة السوداء أو المظلمة؟

سيكون انفجارًا كبيرًا مظلمًا

* هل ظهرت المادة السوداء أو المظلمة في نفس وقت حدوث الانفجار العظيم؟

"دارك بيغ بانغ" Dark Big Bang: هذا ليس اسم أغنية Nickelback، بل فرضية قدمها ثنائي من الفيزيائيين. وجاء في ورقتهم البحثية أنه،" كان من الممكن أن يكون هناك انفجار كبير ثان ينتج مادة سوداء أومظلمة حصريًا.

المادة السوداء أو المظلمة، العصور المظلمة، الطاقة السوداء أو المظلمة، الثقب الأسود.. والآن، الانفجار العظيم المظلم؟ تم اقتراح هذا المصطلح من قبل فريق من الفيزيائيين، الذين نشروا فرضيتهم على arxiv في نهاية فبراير 2023. نظرًا لأن هذه المنصة الإلكترونية ليست مجلة علمية، تظل الدراسة نظرية للغاية، لكنها مع ذلك مثيرة للدهشة ومثيرة للاهتمام.

يعتمد عملهم على المادة السوداء والداكنة (أو "المظلمة"). استنتاجًا من الرياضيات، لم يتم ملاحظة هذه المادة أو رصدها بشكل مباشر مطلقًا، ولكن تم افتراض وجودها في النموذج القياسي أوالمعياري للكون. ومع ذلك من الضروري شرح بعض الملاحظات. سيكون تأثير جاذبيتها في أصل شكل المجرات، على سبيل المثال، من خلال العمل "كغراء لاصق" للنجوم. في المجموعات أو الحشود أو العناقيد النجمية، يمكن أن تكون كمية المادة السوداء أو المظلمة الموجودة هناك خمسة أضعاف المادة العادية ؛ ويمكن أن تشكل 85٪ من إجمالي مادة الكون.

نظرية "الانفجار العظيم المظلم" La théorie du « Dark Big Bang

في الفرضية التي قدمتها كاثرين فريز Katherine Freese ومارتن وولفجانغ وينكلر Martin Wolfgang Winkler، كان هناك في النهاية انفجاران كبيران:

الانفجار الكبير "الساخن"، وهو النموذج الكلاسيكي للحدث الذي أنتج مادة مرئية وعادية ؛ ويتميز بأنه ساخن، والانفجار العظيم، "المظلم"، والذي كان سيحدث بعد فترة طويلة وكان سينتج المادة المظلمة لأنه كون مظلم.

كتب الباحثان: "يتوافق الانفجار العظيم المظلم مع القيود المرتبطة بتكوين الهياكل ومع إشعاعات الخلفية المكروية الكونية المنتشرة  وهو الحدث الذي حصل عندما كان عمر الكون أقل من شهر". من الواضح أنهما يذكروننا بأن تأثير المادة المظلمة على ما يبدو لم يكن موجودًا قبل فترة معينة من الكون (لم يتم قياسها أبدًا قبل أكثر من 12 مليار سنة)، في حين أن المادة العادية كانت موجودة بالفعل من قبل. كان من الممكن أن يحدث الانفجار العظيم المظلم في هذا الوقت، قبل فترة دقيقة للغاية بعد شهر واحد من ولادة الكون.

من الآن وحتى اللحظات الأولى بعد الانفجار العظيم ... // المصدر: جامعة جونز هوبكنز

تظهر كاثرين فريز ومارتن وولفجانغ وينكلر أيضًا أنه إذا كانت هذه النظرية صحيحة، فإن توقيعات هذا الانفجار العظيم المظلم ستستمر بالضرورة في الوقت الحاضر. وفقًا لهم، ستكون هذه، على وجه الخصوص، موجات الجاذبية أو الموجات الثقالية des ondes gravitationnelles التي يجب تحديدها حول النجوم النابضة (النجوم النيوترونية étoiles à neutrons التي تدور بسرعة كبيرة على نفسها).

تتمتع هذه الفرضية بميزة فصل تطور المادة المظلمة عن المادة العادية، مع الإشارة إلى فترة محددة في التاريخ الكوني كان من الممكن أن يقع فيها مثل هذا الحدث الرئيسي. في مواجهة الصعوبة التي يواجهها الفيزيائيون في العثور على هذه المادة السوداء أو المظلمة الشهيرة matière sombre ou Noire- التي تحمل هذا الاسم لأنها غير مرئية - يوفر المسار المحدد وسيلة مفيدة للبحث.

بشكل ممتع، وكما هو الحال إلى حد كبير مع طيف النظريات المحتملة حول المادة السوداء أو المظلمة، يمكننا أن نجد فرضية معاكسة تمامًا لهذه الفرضية: في عام 2019، اقترح الفيزيائيون أن المادة السوداء أو المظلمة يمكن أن تسبق الانفجار العظيم.

وماذا لو ولدت المادة السوداء أو المظلمة قبل الانفجار العظيم؟

4936 الانفجار الكبيرFlickr / CC / Chandra X-ray Observatory Centre

المادة المظلمة نتاج الانفجار العظيم؟ ليس بهذه السرعة: يسمح لنا النموذج الرياضياتي الجديد بالنظر في أقدمية المادة السوداء أو المظلمة. مسار جديد لاكتشافه.

ربما لعبت المادة السوداء أو المظلمة دورًا أساسيًا في توسع الكون منذ نشأته. الأمر الأكثر غموضًا هو أنه لم يتم إثبات وجودها من خلال الملاحظة والرصد المباشر. تم إطلاق القمر الصناعي إقليدسsatellite d’Euclid في عام 2022 في محاولة لدراسة هذه المادة الغامضة. لكن دراسة نُشرت في 7 أغسطس في مجلة Physical Review Letters تجعل المادة السوداء أو المظلمة أكثر غرابة مما هي عليه بالفعل، من خلال النظر في قدرتها على الانفجار العظيم.

وفقًا للفرضية الأكثر قبولًا اليوم، قبل 13.8 مليار سنة، كانت كل المادة تتركز في نقطة صغيرة جدًا ومتجانسة هي الفرادة la singularité، حتى حدوث الانفجار العظيم، وهو توسع هائل ومفاجئ للزمكان. ومع ذلك، سيكون للمادة السوداء أو المظلمة تأثير جاذبية على المادة العادية. هذا ما يسمح لنا بالنظر في دورها الأساسي المحتمل في التقلبات الكوانتية أو الكمومية البدائيةfluctuations quantiques primordiales التي سمحت بتكوين المجرات وعناقيد المجرات (بقدر ما كانت ستظل في أصل توسع الكون  على شكل طاقة سوداء أومظلمة ومعتمة).

4937 الانفجار الكبير

لم تتم ملاحظة ورصد المادة المظلمة بشكل مباشر. // المصدر: Flickr / CC / NASa Goddard Space Flight Centre (اقتصاص الصورة) المصدر: فليكر / سي سي / مركز ناسا جودارد لرحلات الفضاء (صورة مقصوصة)

وبسبب هذا الدور الأصلي المحتمل، يُعتقد عادةً أن المادة السوداء أو المظلمة أتت من الانفجار العظيم. أو أنها كانت قد ولدت  بعد ذلك، أثناء التضخم. المشكلة هي أن هذه المادة الغامضة لم يتم ملاحظتها أبدًا. ومع ذلك، وفقًا لتومي تينكانين Tommi Tenkanen، عالم الفلك والفيزيائي وراء الدراسة الجديدة، "إذا كانت المادة المظلمة بالفعل من بقايا الانفجار العظيم، فلا بد أن الباحثين قد رأوا بالفعل إشارة  عن المادة السوداء أو المظلمة في تجارب فيزياء الجسيمات."

قد لا يكون الجدول الزمني هو ما تعتقده:

ولكن بعد ذلك، ما هو الاستنتاج الذي يمكننا استخلاصه من هذا؟ أن المادة السوداء أو المظلمة غير موجودة؟ بالنسبة إلى تومي تنكانين Tommi Tenkanen، يشير هذا قبل كل شيء إلى أننا كنا مخطئين منذ البداية بشأن أصلها. ربما كانت المادة السوداء أو المظلمة موجودة بالفعل في الحساء البدائي soupe primordiale لكل شيء موجود اليوم. كان يمكن أن تظهر في الواقع خلال بضعة كسور صغيرة من الثانية قبل التفرد الأولي أو الفرادة الأولية singularité initiale للانفجار العظيم Big Bang.

قصة الكون

4938 الانفجار الكبيرتستند هذه الفكرة إلى عنصر أساسي للنقاش في الفيزياء الفلكية حول التسلسل الزمني لأصول الكون. من المقبول عمومًا أن الانفجار العظيم هو زمن صفري، وهو تفرد أولي أو فرادة أولية، وأن التضخم نفسه حدث بعد 10-32 ثانية. ولكن على العكس من ذلك، بالنسبة لبعض العلماء، كان هذا التضخم قد حدث قبل 10-32 ثانية من الانفجار العظيم.

وفقًا لهذه النظرية، فإن الفرادة القوية التي حدثت قبل 13.8 مليار سنة كانت نتيجة فترة تضخم بدأت من قبل. باختصار، كانت هناك حالة كونية état cosmique سابقة  للّحظة الصفرية l’instant zéro للكون كما نعرفها. في هذا الإطار الفكري، يأتي اقتراح تومي تينكانين: المادة الطبيعية كانت قد ظهرت بالفعل في وقت الانفجار العظيم، لكن المادة السوداء أو المظلمة كانت ستنشأ أثناء التضخم l’inflation الذي سبقها، قبل الصفر الفوري.

إنها الحالة الابتدائية C’est élémentaire

يوضح الفيزيائي: "إذا كانت المادة السوداء أو المظلمة مكونة من جسيمات جديدة ولدت قبل الانفجار العظيم، فإنها تؤثر على طريقة توزيع المجرات عبر السماء بصورة فريدة". يمكن استخدام هذه الصلة للكشف عن هويتها واستخلاص استنتاجات حول الأوقات التي سبقت الانفجار العظيم ".

بالنظر إلى أن المادة السوداء أو المظلمة قد ولدت قبل أن يزعزع الانفجار العظيم طريقتنا في فهم هذه المسألة الافتراضية. إذا كانت موجودة في الحساء البدائي، فهذا يعني أن جسيمات المادة المظلمة هي جسيمات أولية. نشأت هذه الجسيمات المسماة scalaires "العددية" مباشرة عن طريق التضخم الكوني l’inflation cosmique. ولكن الاكتشاف الوحيد الذي ثبت حتى الآن هو بوزون هيغز الشهير.

ومن ثم تأتي الدراسة بإمكانية وجود صلة جديدة بين فيزياء الجسيمات وعلم الفلك. وهكذا، قد تظهر طريقة جديدة تمامًا للبحث عن المادة السوداء أو المظلمة. يقول تومي تنكانين: "على الرغم من أنه من الصعب جدًا العثور عليها في تجارب رصد الجسيمات، إلا أن هذه المادة يمكن أن تكشف عن وجودها في les observations astronomiques الملاحظات الفلكية".

***

د. جواد بشارة

في المثقف اليوم