أقلام حرة

علي علي: ركوب المصطلحات

مما يُزهّدني في أرض أندلس

تلقيب معتمد فيها ومعتضد

*

ألقاب مملكة في غير موضعها

كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد

***

ما أظنني أشط عن الصواب وأشذ عن جادة الحقيقة، إن قلت ان أرباب الكتل والتحالفات والأحزاب، ومتبوئي المناصب العليا في البلد ولاسيما القيادية منها، يمتهنون صياغة العبارات وسبك الألفاظ وانتقاء المفردات، أكثر من اتقانهم تفاصيل واجباتهم، ودقائق ما منوط بهم من مسؤوليات والتزامات مهنية تجاه الوطن والمواطن؟ وما رأيي هذا بجديد آتي به، ولا ابتكار استحق عليه براءة اختراع، ولا بُلغة بلغتها دون غيري من العراقيين، فهي بديهة تراكمت في قناعاتهم مذ كان يحكمنا دكتاتور، ومايؤسف حقا أن الدكتاتورية والظلم لم تمت بموته، ولم تتبدل بتبدل نظامه الحاكم، وكذا الحال في باقي صفاته المذكورة.

وهناك عبارات كثيرة لطالما سمعها المواطن العراقي، اليوم وأمس وأمس الأول، وقبل سنوات، على لسان ساسة الساحة العراقية الجديدة، ومن رؤساء الأحزاب والتحالفات، ومن الشخصيات القيادية في البلد، وذلك في الأوقات التي تسبق كل دورة برلمانية، وتشكيلة حكومية، أو تلك التي يحلو لبعضهم تسميتها أعراسا انتخابية، ولست أدري كيف أضحت المآتم أعراسا، إذ ما كان جني أعراس العمليات الانتخابية غير انتشار الفساد بأشكاله وأصنافه وأحجامه الفلكية، في كل مفاصل البلاد التي مرت بهذا العرس المزعوم. فالعبارات التي يرددها السياسيون والمسؤولون، وتترى على أسماع العراقيين قسرا، إنما هي عبارات سامية في ظاهرها، تهدف الى تحقيق النتائج المجدية من اجتماعات الرؤوس، لاسيما حين يكون المرؤوسون على أحر من الجمر، انتظارا لما تجود به كف أحدهم، وهو في حقيقة الأمر ليس جودا، بل واجب منوط بالرأس، ماعليه إلا إتمامه وإتقانه، وهو حق للمرؤوس عليه.

من تلك العبارات: تقارب وجهات النظر، تلاقح الأفكار، توحيد الآراء، توافق الرؤى، رأب الصدع، لم الشمل، حلحلة الأزمة، تفتيت الصراعات، تلطيف الأجواء وغيرها مما يستخدمه المتكلم من السياسيين والمتحدث من المسؤولين. وبلدنا في ظرفنا الحالي بأمس الحاجة الى تفعيل مثل هذه العبارات، وترجمتها الى سلوك ونهج واقعي معمول به، لاسيما وأن الواقع اليوم بدا مريرا من جراء الخلافات والاختلافات التي لها أول وليس لها آخر، فلا يكفي التلويح بها في اللقاءات الإعلامية او الخطب الرنانة، في اجتماعات ومؤتمرات هي أصلا خارج نطاق خدمة البلاد وملايين العباد. وبعد التجارب المحبطة التي مُرر المواطن في حلقاتها الضيقة، بات يصعب عليه الوثوق 100 % بمصداقية تلك العبارات، فهو بين مصدق -من وحي الأمل- ومكذب -من واقع الحال- لها. وماتزعزع ثقته هذا إلا نتاج سنين عجاف طوال، مرت عليه خلالها جميع أفانين الضحك على الذقون، وأساليب التحايل وطرائق الالتفاف ووسائل الخديعة وأدوات المكر. وما يؤلم أنها حيكت عليه من أبناء جلدته وأبناء محلته او مدينته او محافظته، بعد أن رشحوا أنفسهم خدمة له وللبلد، فاستحدثوا عبارات ومصطلحات عصرية امتطوها مغرضين، متخذين منها جسرا للعبور، والعبور هنا قطعا لن يكون إلا على أكتاف المواطن.

فهل يظن ساستنا أن مستلزمات القيادة الحكيمة ومقومات القائد الحكيم، هي تحليه بالمفردات الوطنية وترديده العبارات الطنانة ليغرد بها هنا وهناك، لإثبات وطنيته ومهنيته دون الالتفات الجدي الى مصالح بلده؟ وكما ينسب للشاعر مالك بن زيد مَنَاة:

أوردها سعد وسعد مشتمل

ماهكذا ياسعد تورد الإبل

***

علي علي

في المثقف اليوم