أقلام حرة

أقلام حرة

الأفكار الميتة تحقق وجودا ميتا، تلك حقيقة حضارية وحكمة تأريخية، فلكي تكون المجتمعات حية عليها أن تستحضر أفكارا ذات حياة.

فالأفكار الميتة تمتلك طاقات سلبية هائلة ومتنامية، تسعى لتوفير الأسباب اللازمة لصناعة الموت وما ينجم عنه من تداعيات وتفاعلات ذات إتجاهات قتّالة.

والمجتمعات المتأخرة تزخر بالأفكار الميتة، مما يؤدي إلى إشاعة الكآبة واليأس والبؤس وفقدان الثقة بالذات والموضوع، ويمنع عنها قدرات العطاء والنماء ويعتقلها في حفر التلاحي والخسران.

الأفكار الميتة هي التي عفى عليها الزمن وأصبحت في عداد "ما فات مات"، فكل فكرة قادمة من نبش تراب الأزمان ورفاة الأموات لا قيمة لها في حاضر الحياة.

وما يحصل في بعض الحالات أن القوى الظلامية المدّعية بدين، تتمترس في بقع زمنية مندثرة، وتوهم نفسها وأتباعها بالعيش فيها، وتسعى لمناهضة الحياة والتنكر لمقتضيات العصر، والإيمان المطلق بأن الحياة المثلى بالإندساس في التراب.

والسائد يقود، وأي مجتمع تسود فيه أفكار ظلامية معسّلة بالدجل والبهتان، تتولد فيه طاقات إندحارية، وتطلعات إندثارية تدفع به إلى سوء المصير.

فالحياة المعاصرة ذات أفكار متجددة، وسيل الوجود المتدفق لا يمتلك القدرة للإلتفات إلى الوراء، بل أمواجه المتألقة تنظر نحو المستقبل البعيد وتسابق الزمن، وتختصر القرون في بضعة أيام أو ساعات.

وفي ذروة إحتدام السباق الإبتكاري الإبداعي تجدنا في محنة التوحل بمعطيات غابرة، وتفاعلات خائبة لا تجدي نفعا، وتستنزف طاقات الأمة وتحيلها إلى عصف مأكول.

وهكذا صار العربي يفترس العربي، والمسلم عدو المسلم، والوطن بلا قيمة ولا معنى، والمواطنة سراب، والتفاعل الغابي دستور منيف، والفساد شريعة مؤدينة مقدسة، والظلم من طقوس التعبد في محراب أباليس الفتك بوجود الأمة، وسحق الإنسان الذي خلقه ربه بأحسن تقويم.

فمَن الفائز والكل في قاع الجحيم، ويرفعون رايات دين رحيم، وواحدهم أبشع شيطان رجيم؟!!

و"على قدر أهل العزم تأتي العزائم...."

و" إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه...وصدّق ما يعتاده من توهم"!!

***

د. صادق السامرائي

من حقكم ان تحتفلوا بذكرى التغيير، من حقكم ان تحتفلوا بذكرى اعتلائكم السلطة. ربما كنتم سجناء راي، ربما اضطررتم للفرار بآرائكم خارج الوطن فقضيتم سنوات في الغربة، ربما انتزعت املاككم بفعل القوانين الاشتراكية فبقيتم بالداخل مكمودين، ربما استطعتم تجميع بعض ما تيسر من اموالكم وهربتم بها خارج الوطن وقمتم باستثمارها. ترى هل كانت آرائكم التي سجنتم بسببها او غادرتم الوطن من اجلها بناءة؟ .

ربما هادنتم النظام (المراجعة) وتحصلتم على تعويضات عن سنوات السجن، ربما تصالحتم مع النظام فجئتم من منفاكم وتم احتساب مدة بقائكم بالخارج وكأنكم كنتم تعملون بمؤسساته الخارجية فصرفت لكم الاموال الطائلة، ربما انضممتم الى فريق عمل النظام بالداخل لأجل النهوض بالوطن والمواطن، وتقاضيتم رواتب ومهايا ومزايا تفوق تلك التي يتقاضاها المسؤولون بالداخل بأعلى السّلم الوظيفي، فاعتقد مواطنوكم الذين يعيشون بالداخل، أنكم قد اكتسبتم خبرة بمختلف المجالات طوال سنوات بقائكم بالخارج، وانكم ستساهمون معه في بناء الدولة العصرية التي حلمتم بها وكانت سببا في عدائكم للنظام وترككم البلاد.

المواطن العادي لازمته عدة اسئلة، هل فعلا رجوعكم لأجل البناء ام لأجل تحقيق اهداف من لجأتم اليهم؟، لا باس من تحقيق بعض مكاسبكم الشخصية، انتظار الاجوبة لم يطل كثيرا، انقلبتم على النظام وخنتم العهود والمواثيق، واتضح ان الهدف الرئيس من رجوعكم هو تنفيذ الأجندات الخارجية المتمثلة في اسقاط النظام، ومن ثم الاستيلاء على السلطة بما يمثله من استحواذ على مقدرات البلد الثابتة والمنقولة، وادخال البلاد في الفوضى الامنية وعدم الاستقرار، وفي سبيل تحقيق ذلك استعنتم بالخارج واعتبرتم طائراتهم الحربية طيور ابابيل ارسلها الرب من السماء لتعزكم وتجلب لكم النصر المبين.

شاهدنا والعالم اجمع، الثوار ومن والاهم من المرتزقة، يكبرون عندما يقومون بالإجهاز على الضحية لتقربهم الى اربابهم زلفا، فاطلقتم على الثورة ثورة التكبير.

لم نتعود ان نسمع من مسؤولينا وعبر اعلامنا الرسمي عبارات عنصرية (شنفاك) بحق جزء من اخوتنا في الوطن، قمتم بتهجير سكان منطقة بأكملها "تاورغاء" مشردين بالداخل بمختلف المناطق، كتبتم عليهم التيه، يعيشون في اكواخ الصفيح والخيام، ربما لان جزء منهم ناصر النظام اثناء الثورة، حقا انتم الرب الاعلى!.

وبعد نعيد، من حقكم ان تحتفلوا بذكرى استيلائكم على السلطة، ترى ما الانجازات التي حففتموها خلال 13 سنة من توليكم السلطة واستفاد منها المواطن؟.

بسبب اقتتالكم المستمر على السلطة والاستحواذ على المال، عقدتم مع الدول التي ناصرتكم اتفاقيات لجلب مختلف انواع الاسلحة والذخائر، دمرتم كليا او جزئيا اضعاف اعداد المباني التي طالتها القوانين الاشتراكية التي سنها النظام السابق وكذا المنشآت التابعة للدولة ومنها اسطول النقل الجوي الذي شهد انتعاشا في سنوات ما قبل التغيير، ولم تقوموا بالتعويض عن تلك الخسائر، حتى اصبح العاملون بها على قارعة الطريق دونما رواتب لمدد وصلت الى العامين، بينما تشجعون القطاع الخاص حتى اصبح عدد شركات النقل الجوي الخاصة اكثر من عشرين وهو ما يفوق مثيلاتها في دول الجوار التي تفوقنا في تعداد السكان وذات معالم سياحية معروفة.

تناحركم على الكرسي، اوجدتم حكومتان كل منهما تبعثر الاموال، وبرلمانان وجيشان، وبنكان مركزيان يصكان النقود، دولتان في دولة، أ لا يعد هذا الامر مدعاة الى السخرية؟، ربما.

على مدى 13 عاما لم تكتبوا دستورا دائما للبلد، بل اكتفيتم بالتعديلات المؤقتة لأجل الاستمرار في الحكم. ولا زال البلد تحت الفصل السابع يعني محمية، وقواعد اجنبية تجثم على الارض ومرتزقة .

في السابق كان هناك عدد محدود من اصحاب رؤوس الاموال، اما اليوم فان بلادي تعج بـ(المليونيريين) وعلى راي المبعوث الاممي غسان سلامة، فانه عند كل مطلع شمس يولد مليونيرا جديدا، بالتأكيد بسبب الاموال التي استحوذتم عليها من الخزينة العامة دون وجه حق وانفقتموها في غير محلها.

 يا ابناء المدن الثائرة والذين تتصدرون المشهد السياسي، الى متى تظلون متمسكين بالسلطة وفرض آرائكم بقوة السلاح من خلال التشكيلات المسلحة التي كونتموها (جناحكم العسكري)؟، متى تحتكمون الى صندوق الانتخابات؟ متى تجعلون صندوق السلاح والذخائر للدفاع عن الوطن في ايدي اناس متخصصين لا جهويين؟، متى تخففون اعباء المعيشة على المواطن الذي لم يعد قادرا على تلبية ابسط الاحتياجات؟ أ ليس الاجدر بكم لو قمتم منذ اسقاط النظام بتحقيق اهداف الثورة المعلنة والسير بادبياتها؟ ام ان هناك موانع تحول دون ذلك؟، أ لم تكفكم 13 سنة من الاستفراد بالسلطة؟، لئن كان التغيير من اجل ازاحة طاغوت، فاليوم يوجد اكثر من طاغوت!.

وستظل العبارتان "خلوا فيها شرف" و" عادي انخش لداري" محفورة في اذهان هذا الجيل ووصمة عار في جبين الطبقة السياسية الحاكمة وستحفظهما كتب التاريخ.

هل تعتقدون انه بعد هذه المدة، التعليق على مشجب النظام السابق يجدي نفعا؟.

نقول، ربما البلد في حاجة ماسة الى ثورة تصحيح المسار، على غرار ما حدث في الجارتين مصر وتونس، حيث السكان بهما ينعمون باستقرار امني، ونوع من الاستقرار الاقتصادي لافتقارهما الى موارد طبيعية كالتي توجد ببلادنا.. ربما...

***

ميلاد عمر المزوغي

 

قدم العراق طلب لاستضافة القمة العربية لعام ٢٠٢٥ في العاصمة بغداد، وحسب متحدث الحكومة باسم العوادي بتاريخ ٢٠ فبراير ٢٠٢٤.

نتذكر أن القمة العربية التي تم انعقادها في ٢٩ آذار ٢٠١٢ وتم تمويلها من خزينة الشعب بأكثر من مليار و ٢٠٠ مليون دينار والتي لم يحضرها ملوك ورؤساء العرب بل حضر ممثلين عنهم من الدرجة الثالثة والرابعة في السلك الدبلوماسي، أدت الى فوضى مرورية في بغداد واكثر من 100 الف عنصر امني لحماية الوفود العربية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية في بغداد بسبب منع دخول الشاحنات، مما دفع بعض أهالي بغداد الى ترك مناطقهم لحين انتهاء القمة.

شعوب المنطقة تدرك جيدا أن الجامعة العربية ومؤتمرات قممها تمثل صبغة من ديكورات ومراسيم شكلية لا تتعلق بحاجات الناس ولا مصالحهم المباشرة، في حين الجامعة العربية لم تكن إلا وسيلة لتمرير السياسة الامريكة في المنطقة، لذا هذه القمم لا تمثل الشعوب وحاجاتهم المباشرة وإنما تمثل مصالح الطبقات الحاكمة.

إن هذه الطبقات الحاكمة في العالم العربي ليست مستقلة بإرادتها وقراراتها فهي تخضع اما لسياسة امريكا وحلفائها أو لروسيا والصين وحلفائهم، لذا لا معنى لمصطلح “العزلة” لان العلاقات الدولية تخضع لقوى اصطفاف المحاور العالمي، وبالتالي؛ انعقاد القمة لا ينهي حروب الوكالة في المنطقة ولا عدم التدخل بالصراعات الدولية ولا استقلالية السوق ولا حتى أبسط الحلول للقضية الفلسطينية، بل سيتم ذكر كل هذه الأمور بشكل إنشائي استعراضي.

وأخيرا، وعلى الصعيد الداخلي، فالشعب العراقي بحاجة الى تحسين معيشته بإجراءات اقتصادية شاملة أولها إنهاء الفساد الذي عجز عنه النظام السياسي الحاكم، بحاجة الى أمان غير مشروط، بحاجة الى سيادة صلبة لا تخضع لمتناقضات، بحاجة الى رفاهية، الى حريات إنسانية وإعلامية وسياسية، بحاجة الى خدمات رصينة إستراتيجية لا يظهر عليها آثار الفشل خلال أشهر، وليس بحاجة الى قمة تكون مخرجات نتائجها إنشائية استعراضية دون تطبيق كما سبقها.

***

حسام عبد الحسين

تعتبر النساء شريحة هشة من وجهة النظر الإنسانية، وذلك بسبب تركيبة جسدها البيولوجية الحساسة من بعض نواحي وفي بعض الأوقات في حياتها اليومية التي تكون فيها ضعيفة جسديا ونفسيا. فهي التي تحمل وتلد وتربي وتسهر على المرضى وغير ذلك. فكيف وإن اجتمعت تلك الظروف في الأزمات؟ وكيف إن كانت هذه الأزمات حرب همجية موجهة نحو غزة تحديدا؟

المرأة في غزة حُرمت من بيتها، دورة المياة بل والماء نفسه، مستلزماتها، حاجياتها الخاصة. تنزح من منطقة إلى أخرى في القطاع بحثا عن مكان آمن، تحت القصف والقنص سيرا على الأقدام وسط الركام والجثث، بمفردها بعد أن فقدت عائلتها أو مع أطفالها أو بعضهم ومن غير زوج تركته هناك تحت الردم شهيدا. ينتهي بها الأمر إلى مدرسة مكتظة للنزوح، لم تحمل معها سوى ما تلبس ويلبسون. أو إلى خيمة فيكون حظها كبيرا لأن هناك من تنام في العراء البارد. كيف تتصرف المرأة في هذه الحالة؟ ولا ماء ولا غذاء ولا حتى غطاء. كيف تتصرف تلك التي تعرضت للاعتقال من قبل جيش مُنحلّ، بل ماذا تفعل أمام التنكيل الذي يتعدى إلى التحرش أحيانا؟

والتي شاهدت أعمال العنف واختبرتها بمقتل زوج وأطفال، أم وأب وأخوة وأخوات، أمام عينها، ألن تشكل لها صدمة شديدة لها تداعياتها النفسية لفترة طويلة؟

ومعبر كرم أبو سالم ألم يكن له الأثر السلبي حين حال دون دخول المستلزمات الصحية النسائية؟ نعم كل شيء كارثي بالنسبة لشريحة النساء، والعالم يقف مكتوف اليدين يتفرج وربما يصفق لما يحصل.

أين هي اتفاقية جنيف الرابعة في المادة ٢٧ التي تلزم حتى الدول التي لم تصادق عليها. حيث تنص على أنه " يجب حماية النساء خصوصا من أي هجوم على شرفهن وخصوصا الاغتصاب والدعارة المفروضة، وأي نوع من أنواع الاعتداء غير اللائق"

غير أننا رأينا نساء في غزة قمن بكسر الصورة النمطية للمرأة. فوجدنا المراسلة التي تنقل الحدث، والممرضة التي تسهر لتساهم في إنقاذ الجرحى، والطبيبة التي تتحدى القنص وتجري لتنقذ مصاب في الطرف الآخر. والتي تقطع الحطب لتطهو لصغارها. فألف تحية لجميع نساء غزة اللواتي تفوقن على نساء العالم أجمع بصبرهن وثباتهن.

***

بديعة النعيمي

 

لطالما شغل هذا الامر سكان العاصمة لسنوات، حيث تتصارع القوى المسلحة على السلطة فاستوجب ان تكون مقراتها بوسط العاصمة او على اطرافها لتكون فاعلة ،ما ادى الى سقوط العديد من الضحايا نتيجة المناوشات بينها، وفي بعض الاحيان تدمير بعض المباني الخاصة بالمواطنين.

لاشك ان الضعوط المحلية المتمثلة في الاهالي وبعض مؤسسات المجتمع المدني والمطالبات الدولية بجعل العاصمة خالية من المظاهر المسلحة، كانت وراء هذا الامر،فهذه التشكيلات تقوم باستحداث نقاط تفتيش (استيقافات) داخل حدودها الادارية (مغتصباتها) متى يحلوا لها وتفعل ما تشاء دونما حسيب او رقيب.

الاعلان عن خروج المجاميع المسلحة خارج العاصمة امر جيد، ولكن الى اين؟ ولن نتكلم عن الثمن الذي قبضته او ستقبضه نظير موافقتها على الخروج من العاصمة، فذاك ستعلمه لاحقا فلا شيء يمكن إخفاؤه، خاصة وان رئيس الحكومة الحالب دأب ومنذ مجيئه الى السلطة قبل 3 اعوام على تهدئة الاوضاع بواسطة المال العام على هيئة (صريرات).

هذه المجاميع المسلحة توجد لديها سجون خاصة تعتقل به خصومها، ما مصير هؤلاء المساجين؟.

والسؤال الاهم،الى متى يتم الابقاء على هذه التشكيلات الخارجة عن القانون؟ مهمة الاستقرار الداخلي تقع على وزارة الداخلية، هل الوزارة غير قادرة على ذلك بشريا وتقنيا وماديا؟ أ لا تتواجد العديد من المعاهد العليا والكليات المختصة في مختلف المناطق لأجل تخريج كوادر مهنية لتأدية المهام على الوجه الاكمل؟.

للأسف الشديد افراد هذه المجاميع يتواجدون وبشكل مكثف في بعض مؤسسات الدولة (حرّاس) لا يقدمون شيئا(طاقات خاملة ان لم نقل سلبية)، بل يستنزفون الخزينة العامة حيث الرواتب المرتفعة حيث مرتباهم اضعاف نظرائهم في الخدمة المدنية، أحيانا يتدخلون في عمل الدوائر العامة المكلفين حراستها، ما يستفز العاملين بتلك الجهات ويتذمرون من العمل ويسعون الى الخروج من تلك المؤسسات، ما يسبب في انخفاض مستوى الاداء بها، تكون نتيجته سلبية على المتعاملين (المستفيدين) معها.

لأن تقوم الدولة يجب تفكيك هذه التشكيلات، والاستعانة ببعض افرادها ذوي الاختصاص، وإفساح المجال لأفرادها ممن تتوفر لديهم الرغبة في العمل الامني وبشكل فردي للانتساب الى الوزارة لإعادة تأهيلهم والاستفادة منهم ، والعمل على تأهيل البقية في المجالات الحياتية الاخرى ليكونوا أعضاء فاعلين في المجتمع.

 يحذونا الأمل في اختفاء المظاهر المسلحة في الشوارع والميادين، كما نتمنى ان تخلو المؤسسات العامة من افراد هذه الجماعات والاكتفاء برجال الامن.

ندرك ان عملية اعادة البناء البشري ليست سهلة، ولكنها في المقابل ليست مستحيلة اذا توفرت الظروف والامكانيات، فهؤلاء الشباب الذين اضطرتهم الظروف للانتساب اليها،لان الحكومات المتتالية لم توفر لهؤلاء الشباب سبل العيش الكريم، يمكن الاستفادة منهم في عديد المجالات الاخرى واشعارهم بانهم ابناء لهذا الوطن الذي ربما خذلهم في اوقات حرجة من تاريخنا المعاصر باستغلالهم من قبل المتصارعين على السلطة في معارك افضت الى مقتل الاف الشباب وانقطاع العديد منهم عن مقاعد الدراسة بسبب الدمار الذي لحق بالمؤسسات التعليمية  وادى الى توقف الدراسة بها. نتمنى ان تكلل جهود الخيّرين بالنجاح، وطي صفحة الماضي القريب المليء بالماسي. 

***

ميلاد عمر المزوغي

 

(1) حِكَمُ بحاجة الى إعادة فهم

حقيقة لقد بت أخشى من سوء فهم كثيرين للحكمة ذائعة الصيت التي تتردد كالببغاء على ألسنتهم وإنزالها أو التعامل بمقتضاها في غير موضعها ألا وهي"أميتوا الباطل بالسكوت عنه" فهذه الحكمة مخصوصة بالباطل المنتشر على نطاق ضيق جدا، بالرذائل المستشرية في حيز محدود جدا، بالآثام التي يرتكبها بعض من سقط المتاع وشذاذ الآفاق من الفسقة والمنحرفين في السر وفي بعض الأماكن المنزوية، فنسكت عنها حتى لا نشيعها ولانذيعها بين الناس ومعظمهم لا يعلم بها من حيث نريد أن ننكرها ونلجمها، أما أن يظهر لنا الباطل بنفسه مستعرضا مخالبه وعضلاته ومكشرا عن أنيابه وعلى الهواء مباشرة ليشكك بالثوابت، ويسفه بالفضائل، ويجاهر بالرذائل (دعارة، مخدرات، قمار، إباحية، تجارة أعضاء، تسول، عقوق، رشوة، اختلاس، سرقة المال العام، تزوير، ابتزاز، سلاح منفلت ومؤدلج وموازي، تهريب نفط وآثار، دكات عشائرية، غش صناعي، الاستيلاء على أراضي وممتلكات الدولة ..الخ) ويطعن بالرموز أمام أنظار الملايين ليعاد بث الحلقة مرات ومرات وفي ذات القناة، قبل أن يتم نشر الحلقة على اليوتيوب وانستغرام ومنصة أكس (تويتر سابقا) كذلك فيس بوك وتيليغرام وتيك توك لمن فاتته المشاهدة، ولمن لم يحظ بشرف المتابعة، وإذا بالمعجبين والمتابعين والمعلقين والناسخين بمئات الألوف إن لم يكن بالملايين، فهنا يصبح الواجب هو"أحيوا الحق بعدم السكوت عن الباطل"وليس العكس ياقوم !

حقا وصدقا إن بعض الحِكَم والأمثال الماضية بحاجة الى إعادة فهم جديد يتناسب وحجم التحديات الكبرى والظواهر الحادثة التي انتشرت بيننا كالنار في الهشيم وبما لاتؤمن عواقبه البتة في حال ظل السكوت عن الباطل ديدننا، وفي حال ظل شعارنا في هذه الحياة الدنيا هو " دع الكلاب تعوي والقافلة تسير " كذلك شعار:

لو كلُّ كلبٍ عوى ألقمتُه حجرًا ...لأصبح الصخرُ مثقالاً بدينارِ

وشعار:

لَيسَ الغَبيُّ بِسَيدٍ في قَومِهِ … لَكِن سَيِّدُ قَومِهِ المُتَغابي

وشعار:

وها أنا ألقَىٰ في التغافل راحتي ..بهِ طاب لِي عيشي وطابت لياليا

أداري وأنسى ما يكدر خاطري ...وأغمِضُ جفني لا عليَّ ولا لِيَا

وشعار:

أنام ملء جفوني عن شواردها ...ويسهر الخلق جراها ويختصم

ففيما سلف من أبيات وحكم تدور كلها ككواكب المجموعة الشمسية في فلك فنون "التجاهل والتغافل"إنما قالها أصحابها لتنظيم العلاقات الشخصية بعيدا عن المشاكل والأزمات في بعض الأمور العائلية، سوء التفاهمات الأسرية، في جانب من الخلافات الوظيفية، في قسم من الاحتكاكات المجتمعية اليومية لتسير الأمور على أفضل ما يرام، أما في القضايا العقدية والاخلاقية والمصيرية الكبرى فإن"التجاهل والتغافل" إما دليل كسل ووهن وضعف وجبن وخور، أو دليل قناعة وتأييد وحب ورضا، ولله در القائل "حين سكت أهل الحق عن الباطل توهم أهل الباطل أنهم على حق"، وأضيف " وتوهم بعض أهل الحق أنهم على باطل " .

(2) الفقراء لا يأكلون اللحم"الحقيقي"!

قبل قليل ظهر لي على الصفحة العامة منشور في إحدى الصفحات العراقية يدعو العراقيين الى مقاطعة اللحم - الاصلي معلوم المصدر - بعد أن وصل سعر الكيلو الواحد منه الى 25 ألف دينار ما يعني احتمال وصوله الى 30 الفا في رمضان، وتحت المنشور هناك صورة لحوم داخل محل للقصابة مكتوب عليها " قاطعوها خليها تخيس ...ويرجع سعرها الى 12 الف دينار !!" فعلقت بالاتي:

هل هذا الكلام موجه للأغنياء أم للفقراء والكادحين ومتوسطي الدخل؟! اذا كان للفقراء والكادحين ومتوسطي الدخل فهؤلاء "قد قاطعوا اللحوم حتى قبل أن تقترح عليهم المقاطعة " لأنهم غير قادرين على شراء اللحم - الحقيقي - أساسا سواء كان بـ 16 أو 20 وكل أطباقهم من اللحوم - الوهمية - عبارة عن لحم هندي أو لحم مجمد مجهول المنشأ أو لحوم معلبات غير معلومة المصدر يأكلونها تارة على هيئة شاورما، وأخرى على هيئة بيتزا، وثالثة على هيئة مخلمة أو همبركر، وكبة، وكباب، وفضلا على كون اللحوم - الوهمية - غير معلومة المصدر، وغير مذكاة شرعا، فأزعم بأنها السبب الرئيس لمعظم الامراض التي يصابون بها ويزدحمون من جرائها على العيادات الاستشارية وأقسام الطوارئ مكتفين كعادتهم بإلقاء اللوم على العين والسحر والحسد" من دون أن يمروا ولو سريعا على اللحوم المجهولة التي يتناولونها في المطاعم، والكافيتريات وعلى الأرصفة من دون أن يسأل أحدهم عن مصدر هذه اللحوم " وهل هي لحوم أبقار أم أغنام أم كنغر أم تراها لحوم حمير ونافقة أيضا؟" اما اذا كان كلامك موجه للاغنياء فهؤلاء الا ما رحم ربك، لن يقاطعوا لأن الكروش التقدمية، والخلفيات الرجعية تتقاطع تماما وتخفيض أسعار اللحوم ..هذا في حال لم يكن ارتفاع اسعار اللحوم بسبب احتكارهم للحوم، وتهريبهم لقطعان الماشية، ومن جراء تجارتهم بها، وتكالبهم المحموم عليها أساسا "أما بخصوص اللافتات المعلقة في مداخل بعض المطاعم " لحم عراقي خالص 100% "، فهذه مجرد - نكتة سمجة وسخيفة - ولاتعدو أن تكون مجرد عناوين براقة لخداع البسطاء، والضحك على أذقانهم لأن أصحاب وعمال المطعم أنفسهم غير مقتنعين ولا مصدقين بما مكتوب على اللافتة أساسا وحسبك أن تطلب من أحدهم تناول وجبة من هذا اللحم العراقي المفترض والخالص 100% بحسب اليافطة المعلقة واسمع بنفسك كيف سيعتذر منك الموما إليه بعبارة فورية مسلفنة وجاهزة " قبل شوية أكلت !!

 وخلاصة القول أن معظم لحوم المطاعم الشعبية والبين بين يصدق فيها المثل الشعبي الشهير عن اللحوم النافقة أو الإكسباير المشكوك بملاءتمها وصلاحيتها للاستهلاك البشري وله قصة طريفة عن اعرابي كان يأكل المشويات الرخيصة كلما قدم الى بغداد لبعض شأنه من بائع مشويات في الهواء الطلق وبسعر زهيد جدا وذات يوم تفاجأ الأعرابي بأن الأسعار نارحيث أصبحت أربعة أضعاف سابقتها وعندما سأل عن السبب أجابه صاحب المطعم وبكل بجاحة ووقاحة " قابل يومية يموت زمال بالخندق؟!" .

وعلى - طاري - اللحوم بعيدا عن لحم البقر " ولاسيما البقرة - سميرة هيوو - والتي أصبحت ترندا في العراق بعد أن باعها صاحبها ثم ندم على بيعها فأخذ يناديها عبر الهاتف النقال باسمها المحبب -سميرة - ملحقا به صيغة النداء الخاصة بتربية البقر - هيوو- !!" فمنذ اسابيع ظهرت في بيتنا قطة مشردة تلتهم كل شيء وبشهية منقطعة النظير باستثناء - لحم القواطي - فإنها تشمه اربع مرات - وتأخذ من حوله - خمس فرات - ومن ثم تأكل بعضا منه وتترك الباقي ...وسؤالي اذا كانت القطة التي تأكل كل شيء حتى وإن كان من المزابل تتحاشى أكل - اللحم المعلب -ترى فما هي حقيقته، وما هو مصدره ياقوم؟!

(3) سياسات شرق اوسطية

لا أدري لماذا لا تريد معظم الشعوب العربية تصديق الحقيقة الدامغة التي لاتحجب بغربال وخلاصتها "في السياسة لا صداقات ولا عداوات دائمة، وإنما مصالح دائمة " أو وعلى قول ثعلب السياسة البريطانية ونستون تشرشل " لا عداء دائم ولا صداقة دائمة في السياسة بل مصلحة دائمة" ...

ولاشك أن بعضا من الصحفيين والمعارضين السياسيين، وكثير من الطبالين، والمتزلفين، هم من أكثر المتضررين وأشد المفضوحين بعد كل "محبة سياسية تعقب عداوة سياسية " فهؤلاء وبعد كم لايحصى من المقالات والتقارير والاعمدة الصحفية والبوستات والتصريحات والكاريكاتيرات وكيل الشتائم على مدار الساعة لأحد طرفي النزاع - السياسي - سيجدون أنفسهم مجبرين صاغرين لحذف المئات منها تمهيدا لمرحلة - الصمت السياسي - أو التعريص الايجابي -التي أعقبت مرحلة " التعريص السلبي " وبين هذه وتلك سيظل المثقف العربي يتوهم بأن أشد الانظمة عداوة لنظامه هي الاصلح للعيش بكنفها، والحديث بحرية مطلقة بظلها والمسكين ولا أريد أن انعته نعتا آخر لايدري ولا يريد أن يدري بأن "صداق ومهر وفلنتاين كل صلح سياسي شرق اوسطي بين نظامين متخاصمين إنما يبدأ بتعرية وتجريد وتجميد وأحيانا تسليم معارضة كل منهما الى نظيره كعربون صداقة لطي صفحة الماضي القريب" وكان حري " بالمثقف العربي المستجير بعمرو عند كربته " أن يتابع عن كثب ويسأل نفسه مرارا وتكرارا " ترى هل النظام الذي يستظل بظله ويمدحه صباح مساء، هو خال من العيوب، طاهر من الآثام، مطهر من الرذائل، نقي من المظالم التي يهجو بها نظامه من بعيد أم أن الاثنين في الهوا سوا؟ ولكن وبما أن عين الرضا عن كل عيب كليلة، وعين السخط تبدي المساويا فإنه سيظل يكابر ويتحايل ويغمض عينيه عن هذه الحقيقة المرة لحين - الصلح - بين المتخاصمين، هنا فقط سيصدم بواقع الحال ليكتشف على حين غرة بأن استجارته بعمرو عند كربته كانت مجرد " استجارة من الرمضاء بالنار .." لا أكثر .

***

احمد الحاج

يوميا أتلقى العديد من الرسائل، يسألني أصحابها الأكارم: ما نفع الكتابة عن بلاد يريد لها ساستها أن تسير من سيئ إلى أسوأ؟، ولأنني مثل كثيرين من الزملاء يدركون جيداً أن الإعلام الحر يمثل هاجساً مقلقاً لأي مسؤول حتى لو كان نزيهاً،

فما بالك ونحن نعيش وسط غابة مليئة بالمسؤولين الفاسدين والفاشلين، الكثير منهم لم يتعود على الجدل والمناقشة، تربوا على فكرة السمع والطاعة، وبالتالي فمن المنطقي أن لا يبالوا بما نكتب فهم يطبقون مقولة ميكافيللي الشهيرة: " التاريخ علمنا أن الحاكم يصل إلى السلطة على أكتاف البسطاء… والباحثين عن فرصة للعيش "، بالمقابل وللأسف هناك قطاعات مسلوبة الإرادة تتعلق بذيل الفاشل، بخطاباته، بأناشيده الطائفية.

ماذا يفعل كاتب عمود مثلي للبعض ممن يجبرهم غياب الشحن الطائفي للتعلق بأذيال مسؤول انتهازي، والدفاع عن نائبة تعتقد أن مجلس النواب مجرد سوق هرج، ماذا تفعل مع صحفي لا يزال مصراً على أن المعركة ليست مع الفشل وسرقة المال العام، وإنما مع بعض الإعلاميين، ما الذي يمكن أن تقوله لكاتب يتصور أن الفشل في بناء منظومة صحية أو تعليمية متطورة هو ظهور يحيى الكبيسي على الفضائيات، وأن المسؤولين أبرياء من الفساد براءة الذئب من دم يعقوب؟ .

ماذا يفعل كاتب عمود مثلي وهو يرى أن البعض لا يريد للعراق أن يعبر هذه الكيانات التي يسميها عشاقها أحزاباً وكتلاً سياسية، ويرقصون في طقوس عبادتها. من أجل العيش في دولة يشعر فيها الفرد بالحرية والكرامة، ماذا نفعل نحن الكتاب، عندما نقرأ عريضة الشكوى التي تقدم بها رئيس المحكمة الاتحادية ضد أحد الصحفيين، لأن هذا الصحفي تجرأ ونشر خبراً أزعج القاضي، ولهذا يتطلب أن يمنع هذا الصحفي من العمل، ليعيش بعدها المجتمع بأمان وسعادة، في الوقت الذي يصدر فيه رئيس الجمهورية فرمانا قرقوشيا بايقاف برنامج تلفزيوني حاول ان يحشر انفه في املاك فخامته .

أصرت القوى السياسية أن تقول للمواطن العراقي بعد عام 2003 : " إرفع رأسك يا عراقي فقد مضى عهد الاستبداد " وأظن أنه بعد عشرين عاماً وجدنا من يطالبنا بأن نخفض قاماتنا، فنحن نعيش في دولة الممنوعات .

كان يكفي المسؤول العراقي، أن يتطلع من نافذة سيارته ليرى أن العراقيين يقولون له إنهم لم يعودوا يتحملون التجارب الفاشلة والفاسدة . وإن العراق دولة لا مركز تدريب على نظام السمع والطاعة، وإن من يفشل يفقد الحق في تكرار تجربته في السلطة مرة أخرى، وأعتقد لو عرف بعض مسؤولينا بماذا يتحدث الناس عنهم في الشارع .. لشعروا بالخجل .

***

علي حسين

 

مجتمعاتنا مقتولة نفسيا وكأنها جثث هامدة على أرصفة الدروب المعاصرة المزدحمة بالمستجدات والمبتكرات، ومعظمها مسلوبة الإرادة ومحنطة في أوعية السمع والطاعة، ومحفوظة في فورمالين الأدينة، الموظفة للقبض على مصير الناس وتأكيد تبعيتهم وخنوعهم الغنيم.

وفي زمن التطورات الهائلة في العلوم النفسية والتفاعلات البشرية، تجدها وكأنها فئران تجارب وميادين لتطبيق النظريات والقوانين النفسية السرية والعلنية، فتحولت إلى موجودات تلبي دعوة الداعي المعادي لوجودها، وهي المنومة المثمولة بخمور الأدينة.

مجتمعات لا حول ولا قوة لها إلا بغيرها، الذي تحسبه قدوتها والموفر لِما يتوافق والحياة المعاصرة من الحاجات والتقنيات، فكل ما فيها مستورد، ويقف المواطن حسيرا كسيرا لفقدان أية مساهمة في معطيات العصر، ووحوش الغاب من حوله تنقض عليه متى تشاء، فتصادر حقوقه، وتنهب ثرواته، وهو المبتلى بالمتسلطين على وجوده من العاقين لوطنه ودينه وجوهر وجوده.

ولهذا فالمجتمعات في ديارنا لا تستطيع التغيير والتعبير عن إرادتها الحرة، فتتحول إلى مطية للكراسي، وأنى تميل الرياح تميل، فهي كالسفينة بلا ربان، تتلاطمها الأمواج والعواصف، ولا تعرف ميناءً تذهب إليه، ومَن فيها يتصارعون من أجل البقاء ، كالأسماك في مستنقع تأكل الشمس ماءه.

أي أن مجتمعاتنا غاطسة في آبار التلاحي والتلهي ببعضها، والمفترسون يستحوذون على حقوقها بحرية مطلقة، فالمواطنون دائخون، ومعلّبون في أوعية الأدينة المسخرة للنيل من الدين وإستلاب حرية الإنسان، وتحويله إلى أجير متهم ولن يثبت براءته إلا بالموت، المعسّل بالآمال الوردية الغيبية الثرية بالرغائب والملذات الخالدة.

ويبدو أن أبناء الأمة إنحشروا في دائرة مفرغة من النكسات والإنكسارات والهزائم المتكررة، التي رسّخت مشاعر الدونية والمذلة والإنهماك في مطاردة سراب معونة الأجنبي، الذي تهمه مصالحه أولا وأخيرا ولا يأبه لمصالح غيره، فهل وجدتم أسدا يراعي مصالح فريسته، أم يريد إلتهامها؟

إن الأمة لن تصنع حاضرها الأفضل ولن تصل إلى مستقبل زاهر، ما دام المواطن بلا قيمة، وحقوقه مصادرة ويتسلط عليه وكلاء الآخرين، فالوطن لقمة سائغة بأفواه الطامعين، والمواطن رقم على يسار رقمٍ مفترسٍ عتيد.

فقل زهق الوطن وإنمحق المواطن، وما فوق التراب وما فيه رزق مشاع من رب يرزق مَن يشاء بغير حساب، فهل أن الدين ضد الوطن والمواطنين؟!!

و"حب الوطن من الإيمان"!!

و"إذا عظّم الأوطان بنوها... أنزلتهم منازل الإجلال"!!

***

د. صادق السامرائي 

 

ذكرنا في المقال السابق أن مكانة جيش الاحتلال قد انخفضت نتيجة الخسائر التي مُني بها أمام المقاومة الفلسطينية. فجنود الجيش ما بين مضطرب ورافض للعودة إلى غزة لاستكمال القتال.. فما الذي حصل للجيش الذي ألصقت به دولته أسطورة لا تقهر؟

من المعروف أن دولة الاحتلال كانت ومنذ بداية حربها على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ قد انتهجت "العنف" بشكل لم يسبق له مثيل لا في تاريخها ولا في تاريخ أي جيش آخر. غير أن هذا العنف وكما هي عادتها مع الفلسطينيين انتهجته مع المدنيين. فحسب موازين القوى هي لا تقاتل ضد جيش إنما ضد حركة يراها جيش الاحتلال ماردا شكل لها الرعب من حيث لا تحتسب. فهذا المارد يتكاثر، لا مكان محدد له ولا زمان. مارد يدافع عن حقه الشرعي، يمتلك أسلحة متواضعة بالمقارنة مع ما يمتلكه جيش الاحتلال. إلا أنه يمتلك الجرأة والإيمان، وبهما تفوق على الأسلحة الفتاكة. ومن هنا كانت صدمة دولة الاحتلال بين ما كان متوقعا وما صارت إليه الأمور بعد أن كبدتها المقاومة الفلسطينية الخسائر الفادحة على جميع المستويات.

فأمام كل تلك الأسلحة التي لم يحقق من خلالها سوى الخزي والعار جراء ارتكاب مئات المجازر والتدمير، كان المقاوم يخرج بعبوات ناسفة تقليدية ويقاتل من مسافة صفر، فيدمر دبابة راهن صانعوها على الامتيازات التي تتمتع بها لتغدو مجرد جثة من العصور البائدة. فها هي الميركافا "فخر الصناعة اليهودية" التي كتب عنها أنها حصينة أمام أي سلاح مضاد تنفجر بعبوة ناسفة تلصقها أيد واثقة بأن لا نصر إلا من عند الله. كما باتت مستوطناتهم على صفيح ساخن جراء قذائف الهاون وصواريخ مثل القسام والياسين وغيرها صنعتها عقول نيّرة برغم الحصار الطويل.

كما وجدنا التئام لصفوف الفصائل الفلسطينية والدفاع عن غزة جنبا إلى جنب، مقدمين على الشهادة وهم سعداء بعكس جنود العدو الذين يذهبون للقتال وهم يرتجفون من الخوف. وإلا فكيف استطاعت المقاومة في ٧/أكتوبر اختراق الجدار العازل لولا تسلحها بكل تلك المواصفات.

فجيش الاحتلال يدرك أنه مهزوم فها هو يقوم بعقد الاجتماعات لمعرفة أسباب "التقصير" خلال هذه الحرب. وبرغم ذلك فنتنياهو ما زال يرفض فكرة الهزيمة والخسارة. فأي نصر وانتصارات بعد كل تلك الخيبات فجيشهه لم يحقق سوى الإرهاب.

الانتصار الحقيقي يا دولة الاحتلال هو حينما يتجرأ جنودكم على مواجهة المقاوم الفلسطيني على أرض المعركة وجها لوجه لا بالاحتماء خلف صاروخ يطلقه من الجو أو قذيفة يطلقها وهو يظن نفسه محصن داخل دبابة اصبحت عاجزة عن توفير الحماية له.

وهنا نذكر نتنياهو بالرسالة التي وجهتها "كتلة السلام" عام ٢٠٠٣ إلى جنرالات الجيش " قصفتم بالطائرات، قصفتم بالمدفعية، قمتم باغتيالات، عذبتم، دمرتم بيوتا، قلعتم أشجارا، صادرتم.. جربتم كل شيء، ولم يبقى أمامكم أي شيء. إنكم مفلسون، حان الوقت لكي تستقيلوا من الجيش".

واليوم أطفال غزة يطالبون جيشكم بالاستقالة والخروج من غزة.

***

بديعة النعيمي

ثلاثون عاما من الضحك على الشعب الفلسطيني وايهامه بانه ستكون له دولة والتحرر من العبودية ويلتئم شمله.

بالأمس استخدمت الولايات المتحدة الفيتو بشان مشروع قرار يعدو الى وقف اطلاق النار في غزة وهو المرة الثالثة خلال العدوان على غزة،  كيف لنا ان نتوقع منها المرافقة  على وقف اطلاق النار وهي التي هبت لنجدة الكيان الصهيوني بإرسال اكثر من مدمرة حربية الى شواطئ غزة وشرق المتوسط، أ لهذا الحد تشكل حركة حماس تهديدا وجوديا للصهاينة؟ أ لا يعني ذلك افساح المزيد من الوقت للصهاينة بان يعملوا بكل ما اوتوا من قوة في سبيل ابادة سكان غزة وتدمير ممتلكاتهم وتسويتها بالأرض.

وكنتيجة حتمية لمؤازرة امريكا للصهاينة والامعان في قتل وتشريد سكان القطاع،  الكنيست الصهيوني يصوت على قرار برفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية،  ترى ماذا يعني ذلك بالنسبة للأنظمة  الرسمية العربية التي ابدت كثيرا من المرونة في سبيل حل مشكلة الشرق الاوسط ومنها الارض مقابل السلام، ورغم ذلك قامت بالهرولة للاعتراف بالكيان واقامت افضل العلاقات معه، نجزم بانه لم يعد هناك من شك بان الصهاينة ومن خلفهم امريكا لا يريدون قيام الدولة الفلسطينية على أي شبر من الاراضي التي اعترفت بها الامم المتحدة للفلسطينيين وفق قرار التقسيم.

اتفاق اسلو  بين السلطة والصهاينة هو اتفاق لم ترعه الامم المتحدة او الدول الكبرى ذات الثقل، ا لا يعني ذلك انه مجرد اتفاق بين تشكيلين مسلحين ليس الا، وان غزة اريحا اولا ماهي الا محاولة للإيحاء بأن هناك دولة فلسطينية ستقام ولكن متى؟ قيام الصهاينة وبوتيرة متسارعة بقضم اراضي الضفة واقامة مستعمرات سكنية وعند الانتهاء من ذلك يتم اعادة احتلال غزة وهو ما يحدث اليوم، يعني ان قيام الدولة الفلسطينية امر شبه مستحيل وقد صرح بذلك اكثر من مسؤول صهيوني.

تصريح وزير خارجية مصر من ان حماس لا تتمتع بإجماع فلسطيني، ترى ماذا يعني حصولها على اغلبية المقاعد خلال الانتخابات التي اجريت ولمرة واحدة 2006،  لان منظمة التحرير لم تعد تحظى بالأغلبية بعد ارتمائها في احضان المستعمر، والانكى من ذلك مطالبة الوزير المصري بمحاسبة من امدوا القطاع بالسلاح،  أ لا يصب تصريحه في خانة وأد القضية الفلسطينية، بعد ان لاقى تصريح الرئيس المصري اقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح استهجان القوى الوطنية واحرار العالم لم يقل بايدن بان مصر اغلقت معبر رفح ولم تسمح بعبور المساعدات الانسانية للقطاع.

المتآمرون على القضية الفلسطينية كثّر بدا من سلطة رام الله وفق اتفاق اسلو التي تعمل حارسا للكيان الصهيوني والقاء السلاح والسير في مفاوضات لا نهائية مرورا ما يسمى بدول الطوق التي ابرمت اتفاقيات ثنائية مع العدو بهدف حماية مصالحها وانتهاء بالتطبيع العربي المجاني مع كيان العدو،  بل تسيير قوافل من الشاحنات التي تحمل المؤن عقب تعرض الامدادات عبر باب المندب للقصف من قبل السلطات اليمنية.

السابع من تشرين2023، يوم انكشف فيه من كانوا يتسترون خلف شعارات براقة واظهر للعالم اجمع عنصرية الصهاينة وعدم اعترافهم بأصحاب الارض الاصليين للعيش على جزء منها،  ما يجري بالقطاع هو ابادة جماعية تحدث على مرأى ومسمع العالم المتحضر وغض الطرف ان لم نقل مباركة الانظمة العربية، التي اسقطت عن نفسها ورق التوت،  لن يضيع حق وراءه مطالب، المجد لمن رفعوا السلاح بوجه العدو الذي لا يؤمن الا بالقوة.

***

ميلاد عمر المزوغي

 

كلما أرى مشاهد القتل والتدمير والتخريب والتهجير للأبرياء من أوطانهم، كلما أجد اغتيال الأطفال حديثي الولادة والرضع، أو تجارة الأعضاء البشرية أو الغش في البيع والشراء، كلما أجد الغني يزداد ثراء والفقير يزداد فقرا، وتهافت الدول الكبرى على كعكة عالمنا العربي بتمزيق دولها وزرع الفتن في صفوف شعوبها، وانتشار البدع التي تضيع أدياننا السماوية، عندما تنتشر الجماعات الإرهابية باسم الدين، وينتشر الخوف مع التغير المناخي، وكلما أجد همّا وحزنا وظلما.

فلم نعد نشعر بلذة العيش فانتشار الكره والشر والجريمة بين الأفراد والجماعات والمؤسسات حتى مخططات الدجال لتنفيذ المليار الذهبي وزرع الفتن بحجة اختلاف الدين أو المذهب أو الفكر والرأي وتفريق الناس وتشتيت الأمم وشرذمة المجتمعات تدور بي الدنيا وأدوخ بحثا عن الأسباب. فلا أجد أمامي.

مبرر منطقي لما نعيشه سوى موت الضمير، ذلك السر المكنون الذي فطر الله تعالى بها الفطرة الإنسانية، وجبل بها كل بني آدم منذ بدء الخليقة. فموت الضمير يعد بطلا رئيسيا لكل الأزمات والكوارث وتهديد السلم والأمن الاجتماعي والنفسي، فهو وراء الاستغلال والنفاق والخيانة والغدر والازدواجية وتوظيف الدين لأغراض دنيوية رخيصة وهو سبب ارتكاب الجرائم كلها ووحشية الإنسان.

بينما الضمير الإنساني الحي هو الناصح الأمين لكل سلوك بشري، فهو محكمة لا تحتاج إلى شهود ولا قضاة؛ لأن أحكامه نابعة من القلب. وهو خفي بداخلنا مضمر، الضَّمْرُ في اللغة أي: الخَفِيُّ أَو المُخْفَي.

لكنه كضوء الشمس يمدنا بالحيوية والانطلاق والطاقة والحياة، وكالبدر المنير ينير ظلمات الدياجي، وبه تتحقق انسانيتا وبدونه نتحول لغابة يفترس فيه القوي الضعيف بلا رحمة ولا هوادة كما نعيش عالمنا اليوم المتوحش.

رؤية الفلاسفة

تعددت رؤية الفلاسفة للضمير، بينما يراه الفيلسوف الفرنسي روسو، إنه قوة مضمرة تنبع من أعمق أعمال الإنسان كقوة خفية تسكنه وتوجِّه حياته. وهو الصوت الذي يعلو على صوت العقل لكونه غريزة تعبِّر عن جوهر الإنسان الطبيعي، وتجعله يعلو فوق البهائم، فيخرج من الضلال، ويميز الصواب والخطأ.

فالضمير الإنساني عند روسو هو المعيار الحقيقي لإنسانية الإنسان، أي فعله الذي لا يقوم به أحد سواه وهو لا يكذب أبداً، ولا يتغيّر أيضاً، ويمنح الإنسان المصداقية التي تعصمه من كلّ شك أو خطأ -- ولذلك هو مبعث طمأنينة وثقة.

بينما يرجع الفيلسوف الألماني الضمير الإنساني إلى أفعال العقل العملي ومبادئه الأخلاقية.

ورغم اختلاف الفيلسوفين، فإن الضمير في الحالتين يبقى هو القوة الموجهة للسلوك الإنساني، سـواء كان مبعثه عاطفياً فطرياً أو فعلاً عقلياً حراً.

وفي الأحوال كلها، فإن الضمير يحتاج إلى بيئة تربوية تنشئة، لأن الإنسانية إنشاء تربوي كما يقول كانط، وبذلك يكون للضمير جانب اجتماعي لا يمكن تجاوزه.

ومن ثم، فإن وجهة نظر علم الاجتماع، ترى في الضمير صوت المجتمع فينا، فالمجتمع هو الذي وضع فينا عند تربيتنا تربية أخلاقية هذه المشاعر التي تملي علينا سلوكنا إملاءً، وقد سكن فينا الضمير ويصاحبنا، حيث كنا ويراقبنا.

فالواجب أي الضمير إذاً ليس نتاج العقل العملي كما تصور كانط ولا نتاج فعل العاطفة كما تصور روسو إنه وليد المجتمع الذي يفرض علينا قواعده، ويضبط الحدود لطبيعتنا.

والضمير الإنساني حسب علم الاجتماع التربوي هو مجموعة من القيم الأخلاقية التي تتحكم في سلوك الإنسان، وهو أفضل منظومة الأخلاق السامية التي يمكن أن يتحلى بها كل فرد.

ويرى علماء النفس في الضمير الإنساني جهاز نفسياً داخل الإنسان يتأثر بتقييم الفرد لنفسه أو تقييم الآخرين له، ويكون هذا التقييم للشخصية كلها.

الضمير من المنظور الديني

الضمير في الكتاب المقدس، بطبيعته غريزة روحية تُفرِّق بين الخير والشر بجلاء

وبسرعة أكثر من الذهن. ومَن يستمع لصوت ضميره لا يندم قط، أو يخجل من سلوكه.

يُسمَّى الضمير في الكتاب المقدس” القلب “. وفي العظة على الجبل شبَّه يسوع المسيح.

الضمير بالعين، لأن الإنسان يُقيِّم بها حالته الأخلاقية، إذ قال: «سراج الجسد هو العين".

وفي المفهوم الإسلامي، فإن الضمير هو النفس اللوامة التي تلوم صاحبها إذا أخطأ في حق الرب والعباد، فيسارع إلى التوبة والندم وإصلاح ما أفسده كي يتطهر وتزكي نفسه وتصفو.

فالضمير هنا هو تزكية النفس وتطهيرها من الرذائل والأخلاق الدنيئة وكما يقول الله في محكم كتابه:

(وَنَفۡس وَمَا سواها ۝٧ فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا ۝٨ قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا ۝٩ وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا ۝١٠﴾ [الشمس ١-١٠]

أي أَفْلَحَ مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ، أَيْ: بِطَاعَةِ اللَّهِ وَطَهَّرَهَا مِنَ الْأَخْلَاقِ الدَّنِيئَةِ وَالرَّذَائِل، وَقَدْ خاب مَنْ دَسَّاهَا.

أَيْ: دَسَّسَهَا ، أَيْ: أَخْمَلَهَا وَوَضَعَ وبعد عن الحق حتى رَكِبَ الْمَعَاصِيَ وَتَرَكَ طَاعَةَ.

لذلك جاءت دعوة نبينا المصطفى (اللهم آت نفسي تقواها وزكها، أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها)، أي طهرها وهذبها واحفظها من الغفلة، ومن الوقوع في براثن الظلم والظلمات.

من هذا المنطلق الإسلامي، فإن الضمير هو سر داخلي أودعه الله داخل الإنسان يستطيع به التمييز بين الصح والخطأ، وبين الحلال والحرام، وبين النور والظلام فبعض الناس.

عندما يظلمون يشعرون بلوم لأنفسهم، لأن لديهم ضميراً، والبعض الآخر يولد بضمير، ولكنه يقتله حتى يُصبح بلا ضمير.

فالضمير يقود صاحبه للخير، ويبعده عن الشر كما في حديث وابنة ابن معبد الذي سأل الرسول محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- عن البر والإثم فقال له: “يا وابصة، استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في القلب.

وتردد في الصدر، وإن أفتاك المفتون” رواه أحمد بإسناد حسن.

ووفق هذه التصورات، فإن الضمير هو "النفس اللوامة" التي تلوم صاحبها على الأخطاء التي يقع فيها، سواء كانت أخلاقية أو دينية بإصلاحها. ولذلك نجد البارئ جل جلاله قد يقسم بهذه النفس تعظيما لها ولأنها الوحيدة التي تستطيع إرجاع الإنسان إلى ربها، وإلى الحق مهما كانت جرائمها كما في قوله تعالى: (فلا أقسم بالنفس اللوامة.

التأنيب والموت

فكل بني البشر مولود بفطرة الضمير، مما يجعله يستغفر يتوب عن ذنب السرقة مثلا الأول بعد أن ألمه ضميره، ويتمنى أن لا يكرر سرقته، ويظل الضمير حيا صوته عالياً داخلنا محذرا لنا مهما حاولنا إسكاته إلا إذا تعمد الإنسان موته بتكرار الأخطاء والعدوان على العباد - فيألف الإنسان الذنوب، و يعتدادها فيموت الضمير، ويكف عن التأنيب.

برأيي إن الضمير هو صوت الله الخفي فينا يوجعنا عندما نظلم ويغبطنا عندما نعطي كل ذي حق حقه، ونربت بيدنا على اليتيم، ونعطي المسكين ونعطف على الضعفاء، ونرحم الحيوان ونحارب قوى الشر ومنع الاحتراب، وننشر السلام ونقيم العدل، ونتراحم ونتحاب معا، ونزكي أنفسنا بكل عمل صالح بلا تكبر وعلو؛ مما يجعلنا أهلا للخلافة على الأرض.

مصداقا لقوله تعالى: (تلك الأرض نورثها للذين لا يريدون علو في الأرض ولا استكبارا.

فما أجمل أن نعتذر عندما نخطئ ونحاول إصلاح ما أفسدناه بعقولنا، وما أجمل أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع الآخرين لا نخون من ائتمننا، ولا ننقض العهود، وما أبدع أن ننجز أعمالنا على الوجه الأكمل حتى نحلل أرزاقنا، وهنا يتجلى فينا الضمير الحي الذي هو صوت الإله الخفي في قلوبنا إله الحب والجمال والخير والعطاء فالإنسان قوته النفسية والروحية من مصدر الضمير الكامن فيه، فيعيش في جنة على الأرض إذا استمع لصوت ضميره، ويعيش في سجن وشقاء ونار الحياة إذا أمات هذا الضمير، ويا حظه السعيد من اتخذ ضميره صديقه الوفي يرشده وينير دربه على الدوام ووقتها يشعر براحة بال مهما اهتزت الجبال، وتصحرت الأراضي وجفت الينابيع من حوله فهو في سكينة ورضا وطمأنينة منتظرا الفرج من رب البرية.

ولكل من يؤمنون بالعقل والمنطق على أهميتهما، أقول لهم أن المنطق قد يقودنا إلى الخطأ في بعض الحالات وتدمير البشرية كما في العلوم العقلية التي قد تنحرف عن مسارها، وتدمر البشرية بالأوبئة المصنوعة والقنابل النووية وإحراق الغابات وشن الحروب وتدمير اقتصاديات الدول وافتعال الأزمات لتجويع البشر، بينما الضمير الذي لا يمنعك من فعل الخطيئة، لكنه يمنعك من الاستمتاع بها، ويعذب روحك بها حتى ترجع إلى الحق، فأي الصديقين أولى بالوفاء؟ ً!!!!

فلنتذكر الضمير: أن تحب لغيرك ما تحب لنفسك. وأن تراعي المحبة والخير مع الضعيف والقوي والصغير والكبير ومن تحتاجه، ومن لا تحتاج إليه الضمير هو الصوت الذي يحاسبك عند الغلط ويثني عليك عندما تفلح.

الضمير هو الرضا بداخلك عن نفسك، حين تشع كالشمس

لمن حولك الضمير هو تسامح ومحبة وأن تمد يد العون للجميع دون تفرقة على أسس دينية أو عرقية أو قومية الضمير هو أن تنام، وعلى وجهك ابتسامة؛ لأنك أكملت

يومك دون أذية الناس وكنت شخصا خيرا مثمرا بالكلمات والأفعال والمواقف.

الضمير أن تعتذر حين تخطيء وتحاول دوما إصلاح نفسك للأحسن؛ لأنك لست ملاكاً، ولكنك تسعى أن تكون

شبيها ولو بنسبة منهم الضمير هو أن تكون صادقا مع نفسك ومع الآخرين وأن.

لا تكون منافقا ومدعيا الضمير أن لا تخون من ائتمنك، وأن تفي بالوعود وأن. تنجز عملك على أكمل وجه حتى تحلل رزقك.

الضمير هو صوت الإله في قلوبنا إله الحب والخير والعطاء

***

سارة طالب السهيل

 

عقد مجلس الأمن الدولي يوم الثلاثاء 20 فبراير2024 جلسة التصويت التي انتظرتها شعوب العالم على مشروع قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة لأسباب إنسانية، وكانت نتيجة التصويت 13 صوت مؤيد وصوت واحد معارض وصوت واحد ممتنع.

للأسف كان الصوت المعارض داخل المجلس هو صوت الولايات المتحدة الأمريكية، ويعبر عن الصوت المعارض لإحدى الدول الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الأمن " بالفيتو" ويعني في حقيقته رفض مشروع القرار المقدم حتى وإن حاز على أغلبية الأصوات.

معنى الفيتو الأمريكي أن لا وقف لإطلاق النار في الوقت الراهن بقطاع غزة، وأن للكيان الصهيوني المغتصب أن يسعد بتمتعه بهامش زمني واسع ليحدد على مهل خطوات استكمال جرائمه ضد الإنسانية،ولاشك سيتهلل وجه الزومبي النتن بعدما تخلص من ثقل الضغوط الدولية  للانطلاق المحموم نحو مواصلة مؤامرته ضد الشعب الفلسطيني : القتل،الإفقار، الهدم والتدمير، التشريد، إخلاء قطاع غزة من أهله وتهجيرهم نحو مصر وصولا إلى تحرير جنوده الأسرى لإرضاء الرأي العام الداخلي، وبالتالي الإفلات من مصير ينتظره وهو محاكمته على تهوره السياسي الذي أضاع اقتصاد الكيان الصهيوني دون تحقيق أي هدف محدد وواضح ودفع بالشباب إلى أتون حرب لم يحسن تقدير عواقبها سقط منهم الكثير بين قتيل ومصاب وأسير.

المؤامرة الصهيونية لا تحترم المجتمع الدولي لأنها لم  تعبأ بأحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني طالما أن العم سام يدعم الكيان المحتل سياسيا وماديا وعسكريا ... وكل شيء، بمعنى أن العم سام قد أباح لنفسه التواجد في نفس الموقع المخزي للكيان الصهيوني، لقد أباح الفيتو الأمريكي للكيان الصهيوني مواصلة قتل الشعب الفلسطيني واستحلال دمه، وببساطة حرم الشعب الفلسطيني في العيش بحرية وكرامة، وأسقط حقه في الحياة، فلا تساهل بعد الآن في مراقبة عبور قوافل المساعدات الإنسانية والإغاثية، ولا مؤاخذة في عرقلة مرورها،  الموت جوعا وعطشا وبردا ومرضا .. وقتلا هو ما  ينتظر مئات الآلاف من النازحين إلى جنوب قطاع غزة المتزاحمين قرب الشريط الحدودي مع مصر الذين كفروا منذ أكثر من 75 سنة بمبادئ حقوق الإنسان وبقيم الحرية والسلام حين وقفت منظمة الأمم المتحدة إلى جانب المغتصب فوقعت أكبر سقطة تاريخية نفضت عن هذه المنظمة التعيسة أي مزاعم بائسة بالعدالة والشرف والنزاهة .

ليس أمام الشعب الفلسطيني الآن سوى التمسك بالحياة، بالإقبال على الموت شرفا بالاستشهاد، لقد سبقوهم أقوام في إدراك هذه الحقيقة فكان لهم ما أرادوا، ولم يسقط حقهم في الحياة ... عاشوا .

الفيتو الأمريكي وصمة عار ثابتة في جبين الولايات المتحدة منذ سنين طويلة حين أكد انحيازه الكامل للمغتصب الصهيوني، والمصيبة أن يكون وراء هذا الانحياز اطمئنان بأن الدول العربية جمعاء تحتاج إلى أمريكا وأنه لا يمكنها الاستغناء عنها مهما حدث ومهما بدر منها، والحقيقة بالعكس لأن البدائل كثيرة والخيارات متنوعة، وعديد الدول تتقرب توددا ومازالت  تمد يد الدعم  والعون والتعاون .

***

صبحة بغورة

هجوم إعلامي وسياسي ممنهج لفك الارتباط الجماهيري حول المقاومة في غزة تمهيداً لما بعد الحرب..

لا يختلف اثنان على أنّ المقاومةَ لها الفضل خلال "طوفان الأقصى" في إزالة الأقنعة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية؛ لا بل أعادت تعريف من هو الصهيوني الذي لم يعد قاصراً على ذِي الأصولِ اليهودية فقط؛ بل قد تصادف وجود صهاينة عرب ضمن هذا التعريف بدلالة تأييدهم ل"إسرائيل" أو التشويش على صوت المقاومة وشيطنتها توافقاً مع السردية الإسرائيلية.

وعلى العكس من ذلك، فهنالك يهود في العالم يؤيدون حقوق الفلسطينيين من منطلق إنساني فيعبرون عن مواقفهم عبر الفضاء الرقمي دون كوابح، لا بل أن بعضهم يناصر القضية الفلسطينية من منطلق عقائدي، مثل جماعة ناطورا كارتا حيث يقيم افرادها في فلسطين التي يرون بأنها محتلة، دون أن ننسى وجود طائفة سامرية يهودية ذات جذور فلسطينية وتقيم في نابلس وتحمل هويتها الوطنية الفلسطينية.

وعليه.. لم يكن سهلاً على المقاومة الموحّدة ممثلة بحماس أن تُطْلِقَ نداءً للجماهير الفلسطينية المنكوبة في غزة، تحذّر ها من مثيري الفتن والنعرات الجهوية من كتاب ومعلقين أو سياسيين ينتمي كثير منهم لسلطة أوسلو الفاسدة.

ومنهم من يحمل كاميرة تصوير ويطوف بها بين المجاميع البشرية في غزة للتحفيز على نقد المقاومة لصالح الإعلام العربي المتصهين، وتشكيكهم بذمة حماس من خلال شيطنتها واتهامها بالفساد والعجز في ضبط التسيب الذي تشهده عملية توزيع المعونات على الغزِّيين في صورة قبيحة، تَبَنّى الإعلامُ المتصهينُ تضخيمَها والترويج لها، في إطار الحرب النفسية التي تشنها "إسرائيل" على المقاومة، مستهدفة التلاحم الأسطوري بينها وبين الشعب الذي يتعرض للإبادة من قبل جيش الاحتلال "النازي".

والهدف من هذه الحرب المستعرة، هو قتل روح الغزِّيين المعنوية، وحرفهم عن بوصلة المقاومة لفك ارتباطهم المقدس بها كخيار مصيري؛ حتى يتهيأوا لما بعد الحرب على قطاع غزة التي يتلاهف المأجورون لتنفيذها شكلاً ومضموناً.

هذه فتنة ما لبث يحركُها الإعلامُ الصهيونيُّ وحلفاؤه من المطبعين الإبراهيميين، الذين انطلقوا في حربهم الإعلامية ضد حماس من عدة محاور،تمثل بمجملها الأجندة الإسرائيلية التي يبحث القائمون من خلالها عن نصر وهميّ، يكون من شأنه لو تحقَّقَ إخراج نتنياهو من عنق الزجاجة.

وتتجلى هذه المحاور بما يلي:

أولاً:- اتهام ما فعلته حماس في طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي إرهاباً وفق السردية الإسرائيلية التي يكذبها العالم من خارج المنظومة المتصهينة.

ثانياُ:- ربط إدانة "جرائم الاحتلال الإسرائيلي" في غزة بالمتسبب من خلال إدانة حماس على "تهورها" واستفرادها بالقرار الفلسطيني، وتحميلها مسؤولية الكارثة، وفق تصريح وزير خارجية مصر سامح شكري في مؤتمر المناخ الأخير.

وهو موقف باطني معتمد لدى بعض الدول العربية خلافاً لما يظهرون من بيانات.. وذلك باعتراف بعض قادة "إسرائيل".

وهذا يفسر الانحياز الأمريكي للطرف الإسرائيل، إذْ اقترحت الولايات المتحدة يوم أمس، الاثنين، مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي يدعو إلى "وقف مؤقت" للحرب على غزة، خلافاً للمشروع الجزائري الذي يطالب بوقفها وإلزام "إسرائيل" بتنفيذ متطلبات قرار المحكمة الدولية المُدِيْن لجرائمِها؛ وذلك لدواعي إنسانية.

وكان قد أخضع المشروع للتصويت يوم أمس الثلاثاء إلا أن واشنطن أوقفته بالفيتو، ففي عالم إزدواجية المكاييل توقع الأسوأ.

ثالثاً:- شيطنة كل من يدعم المقاومة في غزة من محور المقاومة، سواء في البحر الأحمر أو جنوب لبنان.

فحزب الله الذي يواجه جيش الاحتلال شمال فلسطين المحتلة ليس في نزهة، وقد انتهى التصعيد بينه وبين "إسرائيل" بقصف الحزب لقاعدة عسكرية في صفد، والتسبب بانفجار طائرة مسيرة في منطقة إربيل، قرب بحيرة طبريا وفق موقع "إسرائيل اليوم".

ليأتي الرد الإسرائيلي التصعيدي الضخم الذي أصاب مناطق سكنية في قضاء صيدا.

فالدم اللبناني أريق من أجل وقف النزيف الفلسطيني في غزة وهو ما تأنفه السردية الإسرائيلية ومن يدور في فلكها من المتصهينين.

والأمر نفسه ينطبق على اعتراض الحوثييين للسفن المتوجهة إلى "إسرائيل" مباشرة أو عن طريق وكلاء آخرين، كوسيلة ضاغطة بقوة على الاقتصاد الإسرائيلي، لولا الخط البري العربي البديل الذي تبنته الإمارات انطلاقاً من جبل علي في دبي وصولاً إلى أسواق الاحتلال.

رابعاً:- إطلاق حملة ضخمة من قبل الإعلام الصهيوني لشيطنة رموز المقاومة وكسرهم في عيون الفلسطينيين وزعزعة الثقة بهم، تتضمن انتاج أفلام مفبركة، ناهيك عن بث أخبار متضاربة حول هروب السنوار متنكراً أو التمكن من القبض عليه! ناهيك عن أكذوبة استسلام مئة مقاتل حمساوي في مستشفى النصر دون دليل بصري! في حرب نفسية يائسة حذرت منها حماس، و"تهدف إلى رفع معنويات جيشهم وكيانهم المنهارة".

وأمس الأول، الأحد، قال وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت في تصريحات صحفية "إن حماس لا تثق في قادتها" منوهاً إلى أن قيادة الحركة بالخارج تبحث عن قيادة داخل القطاع بدلاً من السنوار (هراء)، على حد زعمه.

فنتنياهو الذي فشل في تحقيق أهدافه ميدانياً يعوّل على تحقيقها من خلال الحرب النفسية؛لضرب التلاحم الجماهيري مع المقاومة من خلال بث الأكاذيب والفتن ولكن حصاد ذلك الخيبة.

وللتذكير، فإن أهداف نتنياهو التي مَرَّ عليها أربعة أشهر دون تحقيق، تتجلى بإسقاط حكم حماس في القطاع والقضاء على قدراتها العسكرية، وإعادة الأسرى الإسرائيليين، والتأكد من وجود إدارة في غزة لا تشكل تهديداً ل"إسرائيل".

خامساً:- قيام مصر -خلافاً لدورها المنتظر بحكم مجاورتها لقطاع غزة- بتهيئة المنطقة لقبول خيارات ما بعد الحرب وفق الرؤية الإسرائيلية التي تشترط عدم وجود حماس. وربما يفسر ذلك أمرين:

- عدم منح حماس الثقة الكاملة لمصر في المفاوضات حول صفقة تبادل الأسرى الأخيرة، مثلما فعلت مع قطر.

- ويوضح أيضاً المغزى المفترض من مبادرة مصر إلى إقامة مخيمات مغلقة، ومحاطة بأسوار متصلة بأبراج مراقبة؛ كأنها سجون، كما هو الحال في سيناء التي يسيطر عليها رجل السيسي في سيناء، إبراهيم العرجاني ومليشياته المسلحة.

هذا إلى جانب تجهيز مئات المدافن -تم نشر صور عنها من قبل ناشطين- استعداداً لحصول مجازر قد يقترفها الاحتلال بحق الفلسطينيين المطعونين في الظهر، ويرجح بأن يقوم جيش الاحتلال بالهجوم على رفح عند حلول شهر رمضان الفضيل بعد أسابيع.

ولكن عدم إسقاط حماس من أية مفاضات تثبت بأن مستقبل غزة بدون حماس غير ممكن، إذْ أن صمود المقاومة الموحدة الأسطوري والتفاف الجماهير حولها قلب الطاولةَ على المقامرين.

فقد أجرت قيادة حماس في غزة تعديلاتها على مقترح الهدنة الذي تقدمت به قطر ومصر وتمت مناقشته مع المعنيين في مصر من باب القوة لا الضعف، وقد جدد رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية يوم السبت الماضي 15 فبراير، رد حماس على مقترح الهدنة قائلاً بأن المقاومة لن ترضى بأقل من وقف كامل للعدوان وانسحاب الاحتلال خارج قطاع غزة ورفع الحصار وتوفير مأوى للنازحين.

سادساً: إدانة حماس من قبل وزير خارجية مصر سامح شكري في مؤتمر المناخ وتحميلها مسؤولية دمار قطاع غزة والتوعد بمحاسبتها من قبل الفلسطينيين، وهذه إذا لم تكنْ سقطةَ غشيمٍ فهي موقفٌ مُخْجِلٌ لوزيرٍ يُمَثِّلُ دولةً يُفْتَرَضُ بأنها وسيطٌ يحاول إثباتَ نزاهته أمام التاريخ. ولكن هيهات!، ف"إسرائيل" أحرقت أوراق مصر لدى المقاومة والشعب الفلسطيني ومحكمة الجنايات الدولية وذلك من خلال تهمتين:

- اتهام مصر بأنها هي التي تتحكم بمعبر رفح وتمنع وصول المعونات إلى القطاع؛ إلا أن مصر أنكرت ذلك متهمة الاحتلال بأنه يهدد بقصف الشاحنات إذا ما دخلت القطاع.

لكن الأمور تعقدت مع وجود شبهة فساد بطلها رجل السيسي في سيناء، المدعو إبراهيم العرجاني الذي حوّل المعبر إلى استثمار مذل مهين.

وفق ما قاله موقع "مدى مصر" الذي افتضح ممارسات العرجاني عند المعبر، يوم الأحد الماضي، لذلك تم استدعاء رئيسة تحريره، لينا عطاالله، للتحقيق في أمر ما وصفه الموقع بـ"بيزنس" المرور من معبر رفح في الاتجاهين.

- اتهام مصر بتهريب الأسلحة إلى غزة ( وهو شرف لها لو حصل ذلك).

ووفق بيان للهيئة العامة للمعابر والحدود على حسابها في موقع "فيسبوك" ورداً على الاتهاملات الإسرائيلية، فقد أعلن أن "مصر نفسها قد عانت كثيرا من هذه الأنفاق خلال المواجهة الشرسة مع المجموعات الإرهابية في سيناء، فهي كانت تمثل وسيلة لتهريب المقاتلين والأسلحة إلى سيناء لتنفيذ عمليات إرهابية.

وهذا هُرَاء، إذْ يضع حماس في خانة الأعداء بالنسبة لمصر، ويجعل التعامل معها حذراً جداً.. والثقة منقوصة.

ويكمل البيان: بأنه تم تدمير أكثر من 1500 نفق، كما قامت مصر بتقوية الجدار الحدودي مع القطاع الممتد لـ14 كيلو متر، عبر تعزيزه بجدار خرساني طوله 6 متر فوق الأرض و6 متر تحت الأرض، فأصبح هناك ثلاثة حواجز بين سيناء ورفح الفلسطينية، يستحيل معها أي عملية تهريب لا فوق الأرض ولا تحت الأرض.

من هذا المنطلق تثبت مصر أنها الحارس الأمين على المصالح المصرية الإسرائيلية المشتركة مع أن ذلك ينطبق على المثل القائل " ربّ ضارة نافعة" ما دامت هذه الموانع التي أقيمت لحماية الاحتلال هي العائق الكبير لمؤامرة التهجير التي كثر الحديث عنها.

ورغم ذلك لا تجد حماس بداً من اعتبار مصر وسيطاً مقبولاً -منقوص الثقة- إلى جانب الوسيط الموثوق به، قطر.

وهذا يفسر ما قاله سياسيون إسرائيليون بأن استمرار الحرب على غزة يمثل هدفاً لبعض الدول العربية المطبعة مع الاحتلال دون شعوبها -إلا من رحم ربي- فيما يستمر الإعلام المتصهين في استهداف العلاقة المقدسة بين الشعب ومقاومته من خلال بث الفتن الطائفية والجهوية، لذلك كان على حماس التحذير من مُوْقِظُهَا وما أكثرهم بيننا.

***

بقلم: بكر السباتين

20 فبراير 2024

 

البعض يرى أن لا يجوز قراءة التأريخ بإقتراب تأويلي، لكيلا تضيع الحقائق، فهل أن ما جاء بكتب التأريخ حقائق خالصة؟

الكذب المكرر يتحول إلى صدق مع توالي الأجيال.

لابد من القول بجرأة وصراحة إن معظم الذين دوّنوا التأريخ كانوا يتكسبون بكتاباتهم، مثلما الشعراء بمدائحهم المترعة بالأكاذيب والتهويلات الوصفيةعلى الشخص الممدوح.

فهل يُعقل أن مدونا للتأريخ يريد أن يجني مالا مما كتب أن يقول الحقيقة التي ستغضب الكراسي؟

إن المتتبع لمسيرة التفاعلات والأحداث بأنواعها يكتشف أن المكتوب لتأمين وترسيخ السلطة المطلقة لصاحب الكرسي الأول.

ومن الأمثلة الواضحة ما قام به الشاعر البحتري، الذي كان جليس المتوكل ومرافقه طيلة حكمه، وبعد مقتله صار يمدح مَن جاؤا بعده، ويضفي عليهم أوصافا لا تمت بصلة حقيقية إليهم، والهدف أن ينال المال والمكارم والجاه، وعلى منواله سار المؤرخون، الذين كانوا يهدون كتبهم لذوي السلطة والمكانة في الحكم لينالوا على ذلك مالا، فمعيشتهم تعتمد على ما يكتبونه، فهل نتصورهم سيكتبون ما يقطع أرزاقهم، ويصيبهم بالفقر والفاقة.

ومن المعلوم أن العديد من الشعراء وأصحاب الرأي والمنتقدين لأي كرسي متجبر نالهم الويل الشديد وأكثرهم قتلوا ونكل بهم.

فالقول بالقراءة التأويلية لا يستند على أدلة موضوعية، بل أن القراءة النفسية السلوكية للتأريخ تكشف الكثير من المزاعم المزيفة، التي لا تتوافق والقدرات البشرية الشخصية والظروف التي يكون فيها السلطان، والتي يتسيد فيها الخوف والشك والهلع من الذين حوله بأنواعهم، فأقرب الناس إليه قد يقتله، وهذه الظروف المقلقة تم إغفالها في معظم دراسات التأريخ.

ولو تعمقنا بهندسة قصورهم وما فيها من الخبايا والمنافذ المعدة للهروب، لتبين لنا ما كان يعصف في نفوسهم من الإرهاصات القاسية، فمعظمهم لم يكونوا سعداء لأنهم يعرفون بأن أيامهم معدودة، وسينقض عليهم فريق ما من الحاشية، فهم محكومون ولا يحكمون، بل كالرموز الخاوية التي تلقى في التراب بعد إستنفاد الحاجة إليها، وخصوصا خلفاء بني العباس بعد مقتل المتوكل.

"وتلك الأيام نداولها بين الناس..."

***

د. صادق السامرائي

 

من أمثلتنا الدارجة القديمة مثل يردده من يريد مواراة مقصده، خلف ظاهر من كلام يخالف الباطن المقصود، وما يجبره على اتباع هذا الأسلوب هو المجهول مما سيلقاه لو أفصح بما يريده علنا، ذاك المثل يقول: "أحاچيچ يابنتي واسمعج ياچنتي".

ومن موروثات أجدادنا أبيات شعر قديمة قالها سهل بن مالك الفزاري في امرأة من قبيلة طي، بعد أن ثوى في حيهم، حين خرجت من خبائها ورأى جمالها وحسنها الذي أبهره، حيث وقف في فناء الدار وأنشد الأبيات التي غدا شطرها الأخير مثلا على ألسنتنا، قاصدا ان يسمعها مايعنيه، متخوفا من الرقباء، وكيف لا! وهي سيدة قومها. فقال فيها سهل:

ياأخت خير البدو والحضارة

كيف تريـن في فتى فـزارة؟

أصبح يهوى حرة معطـارة

إياك أعني واسمعي ياجارة

ومعروفة هي القصة عن آخرها، حيث فهمت المرأة المبتغى من كلامه والمقصد من إشارته تلك. وعلى بعد المكان والزمان بيننا في عراق القرن الحادي والعشرين، وبين صاحبنا سهل وفاتنته الطائية، هناك تشابه بين ماقال وما نقول اليوم، والشبه تحديدا ممزوج بالخوف والاحترام والـ (مستحاة). فهو كان يخاف العرف الإجتماعي السائد آنذاك، فيكبح رغبته في البوح بالغزل والتشبيب بامراة، أما نحن فنخشى على (لوزتنا) و (خبزتنا) من البوح بما نعاني منه أمام أنظار الساسة والمسؤولين على وصول أيديهم الطولى الى رقابنا، حيث حرية الرأي والتعبير مازالت حبيسة الراديكالية، وسياسة مواجهتها بقسوة وتعنيف لم يبرحها بعض أرباب الكتل والأحزاب.

ففي عراقنا اليوم مامن كبير او صغير، كاتب او ناقد، صحفي او اي انسان من الذين يمتلكون الهوية العراقية، إلا وكلهم مشتركون بنفس المشاعر، وعليهم نفس الضغوط التي تتعدد مصادرها من أفراد وشخوص كانوا قد انتخبوها، إلى نواب وزعماء اصطبغت لأجلهم إصابع ناخبين. والعراقي مرغم على الحديث عنهم لصعوبة الحديث معهم، إذ هم أبعد مايكون عن المواطن قلبا وقالبا، فهم كما يقول مثلنا: (مبيتين المحبس) بعد أن ضمنوا ان الكرسي أصبح (طابو) بكل صلاحياته وامتيازاته. ولم يعد لنا نحن العراقيين من منفذ، إلا التلويح والإيماء بالأيادي او الغمز واللمز بالاعين، او تسخير أقلامنا في صياغة مقالات وكتابات ملأت الصحف العراقية، وأخرى هموم ناءت بحملها صناديق الشكاوى، بحق وزير أو محافظ او موظف تبوأ منصبا، يمكّنه من التلاعب بمقدرات العراقيين حين يطوي طلبا او حاجة لمواطن، في درج من أدراج مكتبه ويتركه الى حيث غبار النسيان.

لكن الفرق بين حسناء شاعرنا المذكور وبين أغلب موظفينا بدرجاتهم كافة، بدءًا من كاتب بسيط، صعودا الى مدير ومدير عام ووكيل ووزير، وأعلى من ذلك الى قمة الهرم العراقي، ممن بات أمر العراقي المسكين بيدهم، ان تلك الفاتنة أجابت (سهيل) ببيتي شعر أشفت بهما غليله و(انطته مراده). أما السادة المسؤولون فأظنهم يرون في تلكم الكتابات والشكاوى، متعة في تكاثرها وتزايدها، وهم يتلذذون برؤيتها تزدحم على مكاتبهم صباح مساء.

فليت شعري يامن كتب لكم العراقيون أسفارا من الهموم، وبنودا من الطلبات والشكاوى، وهي جلها من واجبكم تنفيذها له، لاتنسوا انكم موظفون، مهما علت درجاتكم وازدادت رواتبكم، فحللوها وتذكروا حين تسمعون أنين عراقي مغبون حقه، انه يعنيكم ويُسمعكم شكواه ويقصدكم وحدكم لاغير، إذ ما من غيركم مسؤول عنه وعن شكواه، فأنتم ياساسة المقصودون وأصابع اللوم تتجه صوبكم.

***

علي علي

 

لم تنكشف حقيقة الحكم القائم في العراق كما انكشفت في جلسة البرلمان التي أطلقوا عليها جلسة طارئة لبحث الاعتداءات الأميركية على السيادة العراقية قبل أيام قليلة: في هذه الجلسات ظهرت دويلات الأمر الواقع العراقية الطائفية والعرقية الثلاث (الشيعية والسنية والكردية) على حقيقتها بكل وضوح، ويبدو أننا على أبواب مرحلة جديدة من صراعات ضباع الطائفية السياسية على الغنائم والمال السحت قد تكون مصحوبة بالتفجيرات والاغتيالات. فقد سجل المراقبون في هذه الجلسة سقوط النصاب وتحول الجلسة من جلسة عادية إلى جلسة تشاورية حيث:

1- لم يحضر أي نائب من العرب السنة الذين قاطعوا الجلسة. والتبرير الذي تردد هو رفضهم لقرار محتمل يصدر من البرلمان بوجوب انسحاب القوات الأميركية من العراق حتى لا تنفرد إيران وحلفاؤها بالوضع العراقي العام!

2- لم يحضر النواب الكرد باستثناء نائبين من الحزب الإسلامي الكردي، والتبرير الذي طُرِحَ هو قول بعض الساسة الكرد إن كل إنجازاتنا (غنائمنا وسرقاتنا) تحققت بوجود القوات الأميركية وسنخسرها كلها إذا خرج الأميركيون.

3- لم يحضر نصف النواب الشيعة وقيل إنَّ الغائبين أكثر من النصف، وحجة هؤلاء كما قال محللون هي إنهم لا يريدون أن يغامروا بالتقدم الاقتصادي الذي تحقق (يقصدون الغنائم والسرقات التي حققوها) ويلقوا في العراق تحت حصار أميركي واضطراب مالي وهذه حجج تافهة سبق وأن وضحنا تهافتها بالأرقام والحجج الموثقة/ رابط 1.

* سجل النواب المستقلون والمنسوبون إلى انتفاضة تشرين – باعتراف نائب من الإطار التنسيقي هو مصطفى سند - سجلوا "حضورا جيدا في الجلسة" وهذه شهادة لمصلحة تشرين والمستقلين رغم كل تحفظاتنا على من يزعمون الانتساب حاليا إلى الانتفاضة الشهيدة المغدورة برصاص الحكم الطائفي التابع، فالذين يمثلون الانتفاضة هم شهداؤها والمخلصون لها ولمبادئها ومثلها الاستقلالية والتحررية الكبرى.

وقد أضاف النائب مصطفى سند أن الجلسة انتهت الى تشكيل لوبي شيعي من عدد من النواب قرروا معاقبة النواب السنة والأكراد بكسر نصاب الجلسات القادمة لعرقلة اختيار رئيس مجلس النواب من الكتلة السنية، بما يعني أن مجلس النواب سيبقى بلا رئيس وهكذا يكون الساسة العرب السنة قد خسروا هذا المنصب كما سيتم منع أي تعديل بالموازنة من شأنه رفع حصة الإقليم الذي سترسله الحكومة بتعديل الجداول. وأعتقد أن هذه التهديدات مجرد كلام فارغ لا قدرة لمن أطلقوه على فعل شيء فالقرارات ليست بأيدهم ولا بأيدي رؤساء كتلهم النيابية بل بيد "المندوب السامي - والسفيرة صاحبة الجلالة إلينا رومانوسكي".

***

علاء اللامي

.....................

1- رابط مقالتي ردّاً على ترهيب العراق بالعقوبات الاقتصادية.

https://al-akhbar.com/Opinion/375770/

2- رابط مداخلة أدلى بها وزير النقل الأسبق والنائب الحالي المستقل عامر عبد الجباروقال فيها أن عدد الحضور لم يتجاوز الثلاثين ويبدو أن بعضهم انسحب ورابط في كافتيريا البرلمان ولم يدخل القاعة!

https://www.tiktok.com/@deco.7777/video/7334712865816956165?_r=1&_t=8jwYvAbwUCb

 

عندما يتحدث النتن يخيل للمرء إنه جثة متحركة أثارتها وسائل سحرية أو حدث خطأ بالعقل جعله شخصا منوّما أو مجردا من الوعي الذاتي، وعندما يتحرك النتن يبدو جسدا ميتا تم إحياؤه بطرق تنطوي على سحر لانعاش الموتى، أما عندما يغضب النتن يصبح زومبيا.

ما تمر به الأراضي الفلسطينية المحتلة من بشاعة ممارسات قوات الاحتلال الصهيوني بالمدن الفلسطينية من جهة،ومن حيوانية تصرفات المتطرفين الأغبياء من المتسكعين في المستوطنات من جهة اخرى يؤكد أنهم ليسوا أناسا واعين لما يفعلون، تراهم يهرعون خوفا مثل القردة تارة،ويتخبطون في سيرهم كالسكارى جبنا تارة أخرى، لذلك فهم أبعد ما يكونون عن سلوك المقاتلين وشرف المحاربين وقواعد الاشتباك، إنهم موتى أحياء يتحركون بفعل السحر الأسود، وأكاد أجري مقاربة بين النتن وبين ما جاء في أسطورة الزومبي في التاريخ الإسلامي، حيث ذكر القرطبي في كتاب " التوبة والتذكرة" : أنه مر أعرابي على قبر رجل ميت كان شديد الكفر والطغيان وفوجئ بيد تتحرك من تحت الأرض وظهر له الشخص الميت في هيئة زومبي ففزع الرجل وهرب ثم أخبر أهل المدينة بأن الشيطان قد تلبس جسد هذا الرجل لكثرة طغيانه وظلمه. 

إن النتن قد سقطت عنه إنسانيته وأضاع أدميته وفقد بشريته وخسر دنياه و يا صبره في آخرته، إنه يسير على نفس طريق إجرام سلفه السفاح التعيس أرئيل شارون الذي أدخله المولى عزّ وجلّ في غيبوبة بسبب جلطة دماغية لأكثر من ثماني سنوات ظل خلالهابين الحياة والموت من عام 2006 إلى 2014 ولاشك كان بصره حديدا ورأى شريط جرائمه صوراماثلة أمامه وآلام ضحاياه تصم آذانه وأرواحهم تلاحقه وتتشبث بعنقه وتفزعه بصراخها، هكذا هم بني صهيون وتلك سيرتهم منذ الأولين،خونة الرسل وقاتلو الأنبياء، لا عهد لهم ولا ميثاق.

يطلق الفلاسفة اسم زومبيZOMBIEعلى ذلك الكائن الذي يشبه الإنسان تماما لكنه غير واع، أي تصدر عنه أفعال بغير وعي منه، ولا يمتلك أي تجارب على الإطلاق، ويحمل عالما كاملا من التعقيدات النفسية، وإذا  كانت قوة الوعي شكل من أشكال القوى التي تؤثر تأثيرا مباشرا في العالم،فإن فقدان الوعي يعني غياب العقل وهو ما يؤدي بصاحبه إلى الجنون وهذا حال الكائن الزومبي النتن.

الإسراف في قتل الأبرياء وسفك دماء النساء والحوامل وقتل الأطفال والخدج داخل المحاضن، وقتل المرضى داخل المستشفيات بقطع الكهرباء والأكسجين عنهم وحرمان مئات الآلاف من الماء والغذاء، وقنص كل كائن حي في الشوارع، وإطلاق النار على الحشود اللاهثة وراء شاحنات المساعدات الغذائية والإغاثية،واصطياد الحيوانات في الطرقات .. كلها أفعال شاذة ودنيئة  تنم عن إجرام أصيل متأصل لا تصدر إلا من كائنات من صنف الزومبي النتن.

لقد استنكرت مرارا معظم دول العالم الاعتداءات الصهيونية المستمرة على المواطنين الفلسطينيين، وأدانت احتلالها أراضيهم وأراضي الدول العربية المجاورة، واصدرت الهيئات والمنظمات العالمية عشرات بيانات تجريم غطرسة الكيان الصهيوني تجاه المدنيين وقتلهم داخل المساجد، ولكن التعطش لزهق الأرواح ولسفك الدماء عند الصهاينة أقوى من أن يقاوم، وهم بخلاف هذا سيعانون من عذاب النفس الشريرة الساكنة فيهم التواقة إلى التمتع بممارسة التعذيب والقتل، ولا عجب في ذلك فالصهاينة التعساء يفرغون على فترات شحنة الضيق والحنق ورغبة الانتقام على كل من يصادفونه في الحياة ولو كانوا حلفاءهم في أوروبا وأمريكا لنسيان ذل ما جرى لهم خلال الحرب العالمية الثانية، فهل أخطأ العرب في معاداة النازية بعدما كانت قد أوشكت بقيادة هتلرعلى الانتهاء من أباء وأجداد الزومبي النتن.

الاندفاع المجنون نحو إشعال نار الانتقام إلى دول الجوار الفلسطيني يحمل ملامح خطر شن الحرب في جنوب قطاع غزة دون أي اعتبار لوجود أكثر من مليون ونصف المليون من الفلسطينيين النازحين نحو منطقتي رفح والحدود مع مصر وهذا رغم علمه أن العبث مع الشعب المصري لا يحمد عقباه، ولكن الغرور الذي أعمى بصر الكيان الصهيوني عام 1973 فناله ما ناله من خزي الانكسار وأصابه عار الهزيمة على يد الجيش المصري في خمس ساعات فقط، هو نفسه الغرور قد تجدد لدى سيء الذكر، فاقد الوعي والذاكرة الزومبي النتن.

لقد بدأت في 19 فبراير 2024  جلسات الاستماع بمحكمة العدل الدولية في لاهاي لمرافعات أكثر من 50 دولة تتناول على مدى اسبوع العواقب والتبعات الناشئة من الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية والآثار المترتبة على السياسات والممارسات الاسرائيلية بالمنطقة وذلك بهدف الحصول على فتوى قانونية سيتم إفادة الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة بها، ويأمل المجتمع الدولي أن تتكشف خيوط الحقيقة الساطعة وتتأكد حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية بعد سقوط قناع الضحية عن الزومبي النتن .

***

صبحة بغورة

نيكيتا خروتشوف (1894 - 1971) زعيم شيوعي ورجل دولة سوفييتي، حكم الاتحاد السوفييتي من (1953 إلى 1964) وتميز حكمه بالمعاداة الشديدة للستالينية وبإرساء الدعائم الأولى لسياسة الانفراج الدولي والتعايش السلمي.

وفي احد المؤتمرات الصحفية مع الرفاق في موسكو وبعد انتقاده لسلفه ستالين بشدة وسياسته القاسية واحكام الإعدام بالجملة لمجرد ابسط خطأ. طلب من الحضور كتابة اسئلتهم على ورقة دون حاجة لذكر الأسم  لتأكيد (ديمقراطيته). وقد ورد في احد الاوراق مجهولة الكاتب السؤال التالي بما معناه:

(يارفيق خروتشوف كنت مساعداً لستالين طوال طوال فترة حكمه ولكنك لم تنتقده في حينها وجهاً لوجه والان بعد موته اخذت توجه له سهام النقد؟)

قرأ خروشوف السؤال وقال: هل من الممكن أن يقف كاتب هذا السؤال ويعرفنا عن نفسه؟

ساد الصمت في القاعة

 وطبعاً لم يقم احد

فقال خروشوف:

- انظروا يارفاق أنا حينها كنت مثل هذا الرفيق!!!

- واذا عدنا للوراء قليلاً اثناء حكم ستالين ورد ان اطارات العجلات الروسية تنفجر بمجرد استعمالها مما عطل المصالح المدنية والعسكرية

- فطلب ستالين من مساعده خروشوف ان يحقق في الموضوع بعد ان عجزت الادارات المحلية عن ايجاد السبب

- ذهب خروشوف بنفسه إلى المعمل ووجد في واجهة المعمل صورة كبيرة لأحد مهندسي المعمل وقد كتب عليها:

- (بطل الانتاج لسنة ….) (للعام الماضي).

ارسل خروشوف في طلب هذا المهندس البطل وسأله:

- كيف أصبحت بطلاً للإنتاج؟

- قال لقد قللت الأسلاك التي توضع في الإطارات ووفرت مبلغاً كبيراً للدولة!!!

فمنحني الرفاق صفة بطل الانتاج!!

أمر خروشوف بفصله ونفيه إلى سيبيريا، وعاد إلى ستالين وروى له ماحدث. فقال له ستالين: الم تعدم هذا الرفيق ياخروشوف؟

قال خروشوف؛ لا يارفيق اكتفيت بفصله ونفيه لأنه إذا أعدمته سيكون امراً محيراً لعمال روسيا ويفكرون ويتساءلون كيف يكون الرفيق بطلاً للإنتاج في سنة ويعدم في السنة اللاحقة!!!؟؟

هنا تذكرت العشرات من خيرة ضباط وقادة العراق الذين طرز المقبور صدورهم بأرفع الأوسمة والنياشين ومنها وسام الرافدين، ثم اعدمهم لمجرد الشك أو لحظة غضب ليعود بعد ذلك ليعتبرهم شهداء ...

***

فارس حامد عبد الكريم

1 - يا شقيق الفقر والجهل والأذلال، أهديك سؤالي ولماذا؟؟، لسىانك المثقوب بالمنقول يرجمني، بفائض الكفر والألحاد لأني، لم اكن نسخة منك او مثلك، فاقد عقلي غبياً  بين أكوام الجماعة، لا يوجد بالكون كافراً، لكل نظامه وقناعاته واسلوب حياته، ومثلما أنت تعبد شيئاً لم تراه، هو يعبد بقرة في باب داره، الى جانب منافعها الكثيرة، تغذي أطفاله بالعافية، لا تنطح جار له او تؤذي غريب، لا تغزوا بيتك وتحتل مزرعتك وتستولي على رغيف خبز أطفالك،  لو قلت له، ان دينك خاتم الأديان ونبيك خاتم الأنبيا وكتابك معجزة، وتنتمي لخير امة، لما كفرك وهاجمك وحلل قتلك، لو قال لك مثلما قلت له، لأطلقت عليه وابل الشتيمة والتكفير، وقتلت بقرته وهي آلهته، وسبيت زوجته، واغتصبت ابنته القاصرة، فقط لأنك غبي منقوع بسؤ الفهم والكراهية.

2 - يا شقيق الجوع من بلدي، ما دامت سواقي السماء، تغذي دفيء الأرض، تتجدد الحياة معها  وتتطور، تتغير الأفكار والمفاهيم، ومعها الأديان والمذاهب والعقائد والشرائع، ويأتي أنبياء مصلحين، يجددون مسيرة الحياة ويتجددون معها، ولا يمكن لأي ان يسير في الأتجاه المعاكس، او يغير حركة الكون او يضع خاتمة لها، الا اذا حاول ان يقود انقلاباً ضد الله والأرض والأنسان، وتلك عبثية ستسحقها حتمية المتغيرات وسرعتها، يا شقيق الجوع والجهل والأذلال، أنت لا تريد أن تفهم اوغير قادر على ذلك، فتلجأ الى اسهل الطرق، حتى ولو كانت غبية عميا، تلجأ الى التكفير والألغاء، او الحسم بالذخيرة الحية، شقيق الجوع لا يملك عقله، فقد علقه، على مشجب عقول المذاهب والجماعة، وربما اصبح مستهلكاً ونسى، كيف يمكن استعماله اصلاً.

3 - الى كل شيء أنت جائع يا شقيقي، الى حريتك وكرامتك ورغيف خبزك، الى سلامة وأمن عائلتك، وحق أطفالك في الصحة والتعليم، أنت مثلي ونحن مثل الأخرين، جياع لكل ما يجعلنا سعداء، ومن فقد عقله، لا توقظ ضميره، الرغبة الى الرفاهية، أي طعم هذا الذي، يجذبك الى أجترار علف الكراهية للأخر، حاول ولو مرة، أن تبتلع انفاسك، قبل ان تزفر بوجه الأخر، شتيمة التكفير، أنت جائع في كل شيء والى كل شي ومتوحش، كفّرتهم وخطفتهم وغيبتهم كونهم "أرادوا وطناً"، وأفرغت رصاصات حقدك، في رأس الطبيبة الشابة، ريهام يعقوب وغيرها، فقط لأنها هتفت للعراق، فأصبحت مجاهد، تُكرم بسبعة رواتب تقاعدية، قالوا عنك حشدي مقدس، وهناك أكثر من اربعة مليارات انسان على الأرض، سخروا منك وضحكوا عليك، ايها الولائي واللص المجاهد!!!.

4 - يا شقيقي وقاتلي المجهول، دعنا قليلاً نتذكر، يوم فتحت داعش الأسلامية، مدينة سنجار الأيزيدية، وأجزاء من سهل نينوى المسيحي، قتلوا الرجال وسبوا النساء، واغلبهن قاصرات، وفي عملية اغتصاب عشوائي خاطف، دخلن الأسلام واصبحن زوجات، وما فاض عن الحاجة، تم بيعهن في مزادات الخليج العربي وتركيا وايران، لدواعش البيت الشيعي، جولات قنص وخطف واغتيال، في شوارع وساحات، محافظات الجنوب والوسط العراقي، بعد كل هذا، وفضائح كثبرة أخرى، خبرني اقلد من وخلف أي شيطان اصلي؟؟، ايها المجاهد الكاذب، الحالم بعقارات الآخرة، كما انت مالكها في الدنيا، ربما ربكم يسمح بذلك، اما رب الناس، الذي يحبون، فلن يسمح، طريقكم معبد بالنوايا الفاسدة، احلم والجماعة ما شئتم، فبعد القبر يا هذا، لا شيء سوى ألقبر، وعفونة الماضي الكريه.

***

حسن حاتم المذكور

19 / 02 / 2024

أساس البلاء فوق التراب يتأتى من الرؤوس المعلولة، المقبوض عليها من قبل النفوس الأمّارة بالسوء والفحشاء والمنكر اللذيذ.

ولهذا تعلمت بعض مجتمعات الدنيا أن تحتكم إلى دستور يمنع تمركز القوة عند فرد واحد، يمتهنها بعلله الخفية ومطموراته السيئة.

أما مجتمعات أمتنا فتحتَ رحمة الأهواء الفردية المعبرة عن عاهات سلوكية متنوعة، أوصلت أحوالها إلى قيعان الحضيض المهين.

والحقيقة المريرة أن الأديان ودعوات المصلحين والمفكرين توجهت نحو النفس الأمارة بالسوء، وما أفلحت في تهذيبها كما أرادت، ومعظمها تحقق إمتطاؤه من قبلها وتطويعه للوصول إلى غاياتها ونوازعها المقيتة.

وما يجري في الدنيا من مصائب وويلات وتفاعلات سلبية أساسه، إستذءاب تلك النفس وممارستها لسياسة الأنياب المكشرة والمخالب الناشبة في الأبدان.

والذين يتوهمون بأن العقل سيد النفس لا يقتربون من جوهر العلاقة السلوكية بينهما، فالعقل عبد النفس والقادر على تبرير وتسويغ ما تقترفه من المآثم والخطايا، ويجتهد في وضع الضمير في متراس سميك، فيحرر الشعور من وخزاته.

فالأديان فشلت في تأهيل البشر للسيطرة على نفسه، بل وجدت النفس في الأديان ضالتها اللازمة لتمرير تطلعاتها وتأمين رغباتها، وعندما تكون الرؤوس عليلة فأن النفس تستفحل وتسود وتطغى على الواقع الذي تتحرك فيه.

ونفوسنا بهذا المنظار تحكمنا، وتدوس على عقولنا، لأن القدرات الدماغية على قمعها ضعيفة لما تعانيه من علل وعاهات، متوطنة في دوائرها العُصيبية المترجَمة بسلوكيات تدل عليها.

ومعظم التداعيات المريرة والحروب الخطيرة أوقدتها النفوس الفاعلة في أبدانٍ رؤوسها عليلة، وذات عاهات سلوكية ما.

و"لا مال أعود من العقل"!!

"وقد صار هذا الناس إلا أقلهم ...ذئابا على أجسادهن ثياب"!!

فهل سنتوقى من الرؤوس العليلة؟!!

***

د. صادق السامرائي

بعد دخول الحرب على غزة شهرها الخامس ٢٠٢٣_٢٠٢٤، واستخدمت دولة الاحتلال خلالها كافة الوسائل والأساليب البشعة من تدمير شامل للبنى التحتية وارتكاب المجازر على مدار الساعة والولغ في دماء الابرياء وغير ذلك من حصار وسياسات حقيرة كالتجويع وإجبار المدنيين على الارتحال من منطقة إلى أخرى داخل القطاع وملاحقتهم بصواريخهم، واعتقال وتنكيل وارتكاب كل ما لم يرتكب على مرّ التاريخ البشري من فظائع وفضائح. هل نجحت سياسية دولة الاحتلال بعد كل ما ارتُكب في ردع المقاومة الفلسطينية عن مقاومتها؟ وهل نجحت هذه الدولة الدموية بإقناع أهل غزة أن ما تقوم به المقاومة ضد هذه الدولة لا يخدم أهدافهم كشعب فلسطيني أو يضر في تحقيق مطالبهم؟

الإجابة ببساطة كانت، لا، بل لقد رأيناهم وقد زادت قناعتهم بمقاومتهم التي تُركت وحيدة تجابه دول تعتبر نفسها عظمى، بحضارتها وأسلحتها المتطورة ،هذه المقومات التي صنعتها بنفط بلادنا. غير أن المقاومة كسرت جبروتها ومرغت أنفها بالوحل. ويا ليت دولنا المطبعة تخلت عنهم وحسب، إذن لقلنا عنهم مساكين وأضعف من أن يتحركوا بخطاباتهم ،لكن المصيبة هي أنهم شاركوا تلك الدول بخطيئتهم ضد غزة وأبريائها وغزة تليوم تبصق في وجوههم جميعا مع كل قطرة دم تنزل من شهيد.

وبما أن هذه الدولة فشلت في ردع المقاومة عن مقاومتهم وعن إقناع أهل غزة بعقّ مقاومتهم ،ولجأت إلى الطابور الخامس الذي رأينا حفنة من أفراده تندد بالمقاومة وتنادي بإسقاطها فقد ثبت بأنها ليست أكثر من سياسة فاشلة أضيفت إلى سياسات كثيرة سقطت في وحل كذبها وتزييف الحقائق.

غزة التي أفقدت جيش الاحتلال مكانته وخلعت عنه أسطورة التنين الذي لا يهزم، من خلال ما تناقلته مصادر عبرية عن رافضي الخدمة العسكرية والعودة إلى غزة من جيش الاحتياط بعد أن أوقعت المقاومة الرعب في قلوبهم وكانت لهم ذلك اللغم الجاهز دائما للانفجار في وجوههم. فها هو الاحتياط من لواء جفعاتي يرفض العودة لاستكمال المشاركة في الحرب على غزة بحجة معاناتهم من أوضاع نفسية وجسدية صعبة. ناهيك عن الخسائر الأخرى التي كنت قد تطرقت إليها في مقالات سابقة.

فلماذا لا تعترف دولة الاحتلال وحكومتها المتمثلة ببنيامين نتنياهو لم يعودوا قادرين على حسم هذه الحرب؟ وأن جيشه ما بين كسيح أو مضطرب نفسيا أو جثة هامدة، مقابل القدرة لدى المقاوم الفلسطيني على تحمل المعاناة ، فلا دبابة ولا طائرة أو أي سلاح آخر يثنيه عن تقديم روحه في سبيل دينه ووطنه.

فعن أي انتصارات يتحدث نتنياهو وتكلفة الاحتلال باهظة جدا وترتفع مع ارتفاع حدّة صمود المقاومة والشعب داخل قطاع غزة؟.

***

بديعة النعيمي

عندما أصبح في الثالثة من عمره قرر والده أن يستخرج له شهادة ميلاد، وقف الأب أمام موظف التسجيل ليدون الاسم جوزيه دي سوزا، وحين سأله موظف التسجيل عن اسم العائلة، فكر قليلاً ثم قال "ساراماغو"،

وقد اكتشف الأب الورطة التي وقع فيها عندما قرر تسجيل ابنه في المدرسة الابتدائية، حين استغرب أحد المعلمين أن يكون لقب العائلة نوعاً من أنواع الفجل البري . جوزيه ساراماغو. المولود في السادس عشر من تشرين الثاني عام 1922 في البرتغال، عاش حياته التي امتدت 88 عاماً يؤمن بمقولة سقراط الشهيرة "إعرف نفسك"، في شبابه اضطر أن يعمل في الكثير من المهن، لكنه برغم الظروف كان يردد: " إننا نعيش الحياة كلها .. وإن بامكاننا أن نمتلك حياة أكثر غنى وأكثر إنسانية "، قبل نيله جائزة نوبل للآداب عام 1998 كانت الصحافة تتحدث عن استحالة حصول صاحب رواية "العمى" على الجائزة لأنه شيوعي، وكان يسخر من هذه الأخبار ويقول:" على الأكاديمية السويدية أن تكون أدبية وحسب، لأنني أستطيع اليوم أن أقول إنني لن أتخلى عن كوني شيوعياً من أجل الفوز بهذه الجائزة، إذا كان علي أن أختار بين جائزة نوبل وقناعتي فانني سأتخلى عن نوبل".

ظل ساراماغو من أبرز المناصرين للقضية الفلسطينية ولم يكتف بالتعاطف مع الفلسطينيين بل أشار وبوضوح إلى الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في حقهم، وعندما زار الضفة الغربية عام 2002 قال أمام الصحفيين: " ما يحدث هنا يصدر عن روح مماثلة للنازية وهذا واضح جداً "، في واحدة من تدويناته التي كتبها عام 2008 يشير إلى التجويع الوحشي الذي تتعرض له غزة تحت طائلة حصار مشين، فينعت الأمم المتحدة بالجبن واصفاً إسرائيل بالضالعة في الوحشية والكراهية.

عارض الفاتيكان منح ساراماغو جائزة نوبل بسبب روايته "الإنجيل برواية يسوع المسيح" التي جعل المسيح فيها يصارع رمزاً عصرياً متعطشاً إلى السلطة على حساب عذاب الآخرين وموتهم. يسخر من لقب الملحد، فهو لا يسخر من الأديان، فما يسخر منه ويدينه هو هذه السيادة التي تتمتع بها الكنيسة على الشعب، هذه السيطرة التي تجعل الناس تتكبد كل شيء، فهو يدين بقوة تحالف رجال الكنيسة مع السلطة السياسية في أحلك سنوات الدكتاتورية:" هدفي عدم التخلي عن الناس الذين جاؤوا إلى هذا العالم في الظلام ".

بعد وفاته بأربعة عشر عاماً يجد ساراماغو نفسه مطارداً وممنوعاً من جديد، بعد أن قررت اللجنة المشرفة على معرض كربلاء للكتاب غلق جناح دار الجمل بسبب روايات المحب لفلسطين والانسانية ساراماغو.

***

علي حسين

كنت دوما أدافع عن الأطروحة التي تقول بالتمييز بين اليهودية كديانة والصهيونية كأيديولوجيا وعقيدة سياسية، وأن خلافنا وصراعنا كفلسطينيين مع الصهيونية وليس مع اليهودية كديانة سماوية.

وفي هذا السياق دافعت عن موقف محمود عباس بداية السبعينات عندما كان رئيس لجنة المفاوضات في المنظمة وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح وكان من أبرز الداعين للتواصل مع الإسرائيليين واليهود غير الصهاينة في مراهنة على اختراق المجتمع الإسرائيلي وإيجاد قواسم مشتركة مع يهود يؤمنون بالسلام و الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، ولكن بعد التحولات التي طرأت على (المجتمع الإسرائيلي) وتبني غالبيته للصهيونية الدينية الملتزمة بالنصوص التوراتية واساطيرها وبعد وقوف الغالبية العظمى من يهود إسرائيل والعالم داعمين لحرب الابادة في غزة أو ساكتين عنها، أصبحت على قناعة بأن صراعنا ومشكلتنا مع اليهودية وخصوصا النصوص التوراتية، فمنها تُستمد كل الشرور وتُبنى عليها كل ممارسات اليمين الديني المتطرف الحاكم في دولة الكيان، وحتى الموقف الغرب المسيحي يعتمد في مساندته لإسرائيل على العلاقة بين اليهودية والمسيحية خصوصا الأنجليكية إيمانا منهم بأن عودة المسيح المنتظر مرتبط بقيام الدولة اليهودية.

فقد هيمنت الجماعات والأفكار اليهودية الدينية المتطرفة على كل مناحي الحياة في دولة الكيان، فمنها تتشكل الأحزاب والجماعات المسيطرة و المهيمنة كجزب الليكود والصهيونية الدينية وحزب شاس وحزب يهودت هتوراه" (التوراة اليهودية الموحدة) واليها ينتمي قطعان المستوطنين المتطرفين، حتى القوى المعتدلة وبقايا اليسار ملتزمون بمرتكزات اليهودية الدينية كالإيمان بالهيكل ووعد الرب والقدس عاصمة أبدية لإسرائيل ودولة اليهود من البحر الى النهر، أما من لا يؤيدون هذا النهج التوراتي فهم قلة لا يؤثرون على سياسات الدولة أو مجريات الحياة سواء في إسرائيل أو خارجها.

تمكن اليهود من التلاعب بعقول اليسر منذ بداية التاريخ من خلال ترسيخ أن التوراة أصل الديانات وجعلوها مرجعية لكل تاريخ البشرية، وهولوا و ضخموا من معاناتهم على يد النازية في ألمانيا (الهولوكوست) وأصبح نكرانها أو التشكيك فيها في دول الغرب يؤدي للفصل من العمل أو للسجن، و رسخوا قانون معاداة السامية في الغرب بحيث أصبح كل من ينتقد إسرائيل وممارساتها معاد للسامية، و رسخوا مقولة أن مقاومة الاحتلال إرهابا وأن الفلسطينيين ارهابيون، روجوا بأنهم حرروا أرض إسرائيل عام 1948 من الاحتلال العربي والإسلامي، ويزعمون أن الضفة والقدس هي يهودا والسامرة فلب إسرائيل التوراتية، وأخيرا اختلقوا وبدعم أمريكي (الديانة الإبراهيمية) التي تُلحق كل الديانات السماوية بالديانة اليهودية وأصبحت اليهودية الأصل بل وتجب ما بعدها، بعد أن كان الإسلام يجب ما قبلهّ !! ّوبسبب هذه المزاعم وبناء عليها يقومون بحرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية على مسمع ومرأى العالم الذي صدق أكاذيبهم وروايتهم التوراتية.

لا يعني هذا الدعوة للحرب الدينية أو مواجهة اليهودية بالإسلام فهناك من المسلمين والجماعات الاسلاموية ممن لا يقلون سوء عن اليهود، ولكن الهدف معرفة العدو الحقيقي ونبذ كل أشكال التطرف الديني والفصل بين الدين ومعتقدات البشر حوله من جانب والسياسة وكيفية تدبير وإدارة الدولة والعلاقات الدولية من جهة أخرى.

***

ا. د. إبراهيم ابراش

 

الوعي: الفهم

ترى هل مشكلتنا تتركز في الوعي الذي يستوجب القراءة والدراسة وتوفر المعلومة، وتأكيد الدور الإعلامي الصادق، وتحرير العقل من معوقاته ومعطلات الإبداع والإبتكار، والجرأة في النقد ومواجهة النكسات والإحباطات بشجاعة العارفين.

فهل نعي أولا نعي؟

في الزمن الجديد، صار الوعي متقدما عما كان عليه في القرن العشرين، والمشكلة التي تواجه مجتمعاتنا أنها مرهونة بالخوف والفساد وضياع قيمة الإنسان، وغياب الدستور الذي يضمن حقوقه وسلامته، ولا يُحسب رقما أو شيئا يُمحق بلا مساءلة.

الوعي بمعنى الفهم يتطلب قراءة، وأمة إقرأ عليها أن تقرأ، ولكن كيف تقرأ؟

فالكراسي الموكلة بتأمين مصالح الآخرين الأسياد لعبت دورها في قهر الشعوب وإعتقالها في ميادين الركض الإستنزافي وراء تأمين الحاجات، فينتهي عمر المواطن وهو أسير الحاجات الأساسية المحروم منها، فقيمته وحقوقه لا وجود لها، ويعامَل على أنه رقم مجرد يمكن محوه أنى تشاء الكراسي.

فهل يمكن لمواطن يلهث متعبا وراء الحاجات الضرورية للعيش أن يقرأ؟

القراءة سلوك في أعالي هرم أسلو للحاجات ومعظم مجتمعاتنا تتخبط في قاعه، فكيف لها أن تقرأ؟

وهذا يعني أن المجتمعات غير واعية نسبيا، بالمقارنة إلى غيرها من مجتمعات الدنيا التي يشعر فيها المواطن بقيمته ودوره وحقوقه.

فالموضوع في جوهره سياسي إقتصادي، فيجب تحقيق الإستقرار السياسي، والأمن الإقتصادي والمجتمعي، وبعدها يحق لنا الكلام عن القراءة والوعي.

الوعي في مجتمعاتنا مختزل بالتبعية والسمع والطاعة والخنوع المطلق للكراسي بأنواعها.

فالمواطن لا يشعر بالقوة، بل يدثره الخوف والقلق ويأسره الرعب ويتناسى حقوقه وينكر قيمته، فهذه هي معالم ومميزات الوجود القطيعي اللازم للنهب والسلب والفساد المقدس، والغنائم المؤيدة بفتاوى كل شيئ مُشاع.

فلماذا نغالط أنفسنا ولا نريد رؤية الحقيقة ونتبجح بالكلام النظري؟!!

و"المعرفة قوة"!!

***

د. صادق السامرائي

 

لا يستخدم التعذيب أحيانا بهدف الإيذاء البدني فحسب بل يتعداه إلى هدف أقبح وهو إذلال الضحية. فكيف وإن كان من يمارس فعل التعذيب هو ذلك الفاشي المحتل؟

طالما مارست دولة الاحتلال التعذيب على الفلسطيني، فتقوم بتطبيق أبشع أنواع العذاب وخاصة امتهان الكرامة عندما تقوم بتعريته بالكامل أثناء جلسات التعذيب، لأسباب منها سحب اعتراف من المعتقل. أو لأسباب أخرى مثل التشفي. والفلسطيني لا ينسى قضيته بالتالي هو دائم الدفاع عنها بشتى الطرق المتاحة له. لكنه بهذا الدفاع لا يغدو أكثر من "إرهابي" من وجهة نظر العدو، وهنا تبدأ عمليات الانتقام في حقه تبرره هذه الدولة بالدفاع عن نفسها. فتمارس عليه همجيتها وإرهابها.

ففي حربها على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ تعرض معتقلين من قطاع غزة بما فيهم الأطفال والنساء لمختلف عمليات التعذيب الوحشية البدنية والنفسية، فمن الممارسات التي تحط من الكرامة الإنسانية إلى تلك التي تترك أثرها على جسد المعتقل. بما في ذلك القيام تعريته، والتحرش الجنسي أو التهديد به. والضرب بشكل وحشي وانتقامي وإطلاق الكلاب تجاههم والشبح لساعات طويلة. ناهيكم عن السب والشتم وإجبارهم على الجلوس في أقفاص ومعاملتهم كأنهم حيوانات.بالإضافة إلى الحرمان من الطعام والذهاب لدورات المياه. كما أبلغت معتقلات من القطاع بأن جنود الاحتلال تحرشوا بهن، بما في ذلك وضع أيديهم على أعضاء حساسة، والإقدام على إجبارهن على التعري وخلع الحجاب.

وكم منهن من نادت وامعتصماه! لكن اليوم لا معتصم، فالملوك والرؤوساء عموا وصموا عن غزة وصرخات النساء. فأي دم ذاك الذي يسري في أجسادهم؟ اليوم لا عاصم يا غزة سوى قدرة الله.

ومن المعروف بأن التعذيب من الممارسات المحظورة دوليا، حيث توضح المادة المشتركة في اتفاقيات جنيف ١٩٤٩ أن"الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية وبخاصة القتل بجميع أشكاله والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب" وبالمثل " الاعتداء على الكرامة الشخصية وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة من الكرامة، ممنوعة في ظل أية ظروف"

ونعود لنتسائل أين هي اتفاقيات جنيف؟ وأين كرامة الإنسان أمام دولة تبجحت حينما لم تجد من يردعها؟ عرب نيام وأخر يمارسون رياضة الخيانة في بحر الخنوع والتطبيع.

***

بديعة النعيمي

صدرت العديد من التقارير من مؤسسات تحليلية تؤكد ان قوات التحالف كان يمكنهم تجنب قتل ثلاثة من جنودهم في قاعدة التنف على الحدود(السورية الأردنية العراقية) والتي تم استهدافها بصواريخ المقاومة، والذي ينبغي أن يكون دافعاً لتسريع خروجها من سوريا والعراق، وكان ينبغي عليها أن تقلل المخاطر المحدقة بجيوشها المنتشرة في منطقة الشرق الاوسط، وأن عملية التصعيد التي تمارسها خطأ ربما يؤدي الى زيادة التوتر والمواجهة.

المهمة التي من أجلها جاءت قوات التحالف الدولي الى المنطقة قد انتهت بنهاية عصابات داعش الارهابية، ويمكن أن يكون هناك استخدام التقنيات الحديثة في مراقبة المنطقة من خلال القواعد السكرية الثابتة في تركيا أو قطر او الكويت، بدلاً من الدخول في صراع ربما يدخل المنطقة في حرب لا تنتهي سريعاً، وتكون وطأتها أشد على التحالف الدولي، والذي لا يسعى لأي اقتتال يخسره المزيد من الارواح بجنوده، ويعزز حالة الصراع الدائم فيها.

مازالت هنا بعض الرؤى التي تعزز فرضية ان الضربات الموجهة الى القواعد العسكرية في سوريا والعراق توفر الامن لقوات التحالف الدولي، وان الخطر ينحسر بوجود هذه الضربات، ولكن هذا التحليل لا يصمد أمام الواقع الحقيقي لطبيعة المنطقة، وطبيعة القوة العسكرية المتواجدة فيها، كما انه يسيء لفهم المنطقة لطبيعة التحديات والمخاطر المحدقة فيها لذلك بات من الضروري النظر الى مستقبل المنطقة بدون التحالف الدولي لأن هناك العديد من الدول تريد خروج القوات الامريكية منها كـ(تركيا، العراق، سوريا) حيث يعاني الشعب السوري من حصار اقتصادي خانق العقوبات الامريكية بالإضافة الى وجود قوات أمريكية تحتل 30% من الاراضي السورية ويقومون بسرقة النفط من آبارها.

الحكومة العراقية تعرضت للكثير من الاستفزاز من قبل التواجد الامريكي في البلاد، خصوصاً بعد استهداف عدد من القيادات في الحشد الشعبي، والذي ادى الى تصاعد وتيرة الهجمات التي تشنها فصائل المقاومة على القواعد العسكرية سواءً في العراق او المنطقة عموماً، كما أن واشنطن وجدت نفسها بمواجهة مباشرة مع الحكومة العراقية، إذ أن الحشد الشعبي يعد احدى التشكيلات العسكرية التابعة للقوات الامنية برئاسة القائد العام للقوات المسلحة ما يعني أن المواجهة باتت واضحة ومباشرة.

أن حالة إشعال المنطقة لن يحل أي مشكلة فيها، ولن يحل أي خلاف بين الدول المتصارعة، خصوصاً مع الدعم اللامتناهي لتل أبيب في حربها ضد الشعب الفلسطيني وتحديداً في غزة، وهذا ما أجج المشاعر المعادية للغرب في جميع إنحاء العالم، كما ان قوى المقاومة في المنطقة لا يمكن الانتصار عليهم أو دحرهم بالقوة والضربات الانتقامية،  خصوصاً مع حالة الظلم التي تعرضت لها هذه الشعوب في المنطقة وأن فكرة تواجد الجنود الأمريكان في معسكرات في الصحراء منتشرة بمساحات كبيرة لا يمكن الاعتماد عليه كثيرا ويبقى مجرد آمال لا يمكن تحقيقها فلا الشعوب تقبل بهذا الامر ولا الحكومات سوف تستمر بدعمهم وحمايتهم.

***

محمد حسن الساعدي

الإستعمار: قوة تحتل بلاد ما وتقهرها وتخضعها لسلطانها السياسي والإقتصادي.

وقد تطور مفهوم الإستعمار، فبدأ مباشرا وعلى مدى عدة قرون، ومن ثم تحول إلى لعبة الإستعمار اللامباشر في بدايات القرن العشرين، ومضى يتطور حتى صار معقدا ومتداخلا وينطلي على المواطنين في البلدان المُستهدفة.

فما هو الإستعمار النفسي؟

هو ترويض متواصل للمجتمع حتى يصل إلى درجة الإنهيار فيستسلم لإرادة الطامع فيه.

والأمة تحت وطأة الإستعمار النفسي الذي أدواته المفكرون والمثقفون المسوَّقون من الذين أوهموهم بأنهم نجوم الإبداع ورموزه.

والواقع أنهم يختارون ما يخدم الهدف الإستعماري النفسي ويستثمرون فيه، ويجعلون الهدف يقضي على ذاته وموضوعه بأدواته وطاقاته الفاعلة فيه.

ويندرج في هذا الميدان الإتلافي للأمة، الدين بتشعباته، والفئويات والتحزبات بأنواعها.

فالأحزاب مستوردة لتأمين متطلبات الإستعمار النفسي، الذي يمهّد لمسيرة الدمارات الصاخبة، وفقا لمتواليات هندسية متعاظمة التأثير والتبرير.

ومن أولويات هذا الإستعمار أن يتفرق أبناء الحالة الواحدة إلى كينونات متعادية، فيتحقق تجريد بعضها من آدميتها وتحويلها إلى شياطين وفئات إجرامية، وفقا لمسلسل أحداث دامية تنسب إليها، وتقرن بما تراه وتتصوره، لكي تتأجج الفئة الأخرى عاطفيا ويتعطل عقلها، وتلتهب عدوانيتها، فتقوم بجرائم شنيعة ترفقها بتبريرات متنوعة ذات مهارات وخبرات إيقاعية ما بين الأطراف.

"ولا تتبعوا خطوات الشيطان، إنه لكم عدو مبين"!!

و"الناس أعداء ما جهلوا"!!

***

د. صادق السامرائي

 

الشيء الطبيعي فيما يتعلق باللجنة الدولية للصليب الأحمر أن تتسم بالإخلاص لمبادئها التي تمنعها من التحيز في النزاعات الداخلية أو الدولية. وفي حال انتهاك القانون الدولي الإنساني يتحتم عليها أن تتخذ الإجراءات التي تهدف إلى إنهاء حالات الانتهاك ومنع وقوعها. ومن هذه الإجراءات على سبيل المثال، الملاحظات الشفوية أو التقارير المفصلة من قبل رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر الموجّهة إلى الدولة المنتهكة للقانون الدولي الإنساني. وفي حال رأت أن هذه الانتهاكات خطيرة ومتكررة فإنه يتوجب عليها أن لا تتوانى في إبداء رأيها علنا وتطلب إنهاء الانتهاكات وخاصة عندما تكون قد خرقت القانون الدولي الإنساني. فكيف عندما يكون هذا الانتهاك بشكل علني، فاضح يتم لا أمام هذه اللجنة فقط بل وأمام هذا العالم أجمع.

لكن ما رأيناه من هذه اللجنة في حرب وعدوان دولة الاحتلال على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ هو موقف صادم في الحقيقة وعار من الإنسانية. وبالفعل فغزة أسقطت الأقنعة التي تقنعت بها وجوه ادعت المثالية والإنسانية على مستوى دول وأشخاص ومنظمات ولجان وقوانين بل ووصلت لتسقط هذا القناع عن جينات الأخوة، فأثبتت زيفها وكذبها وأنها ليست إلا جينات صهيونية بامتياز.

وسأطرح مثالا واحدا من عشرات أثبتت الموقف السلبي تجاه غزة وتواطئ ليس له مثيل مع دولة الاحتلال المعتدية والظالمة. فمع بدء الاجتياح البري على شمال القطاع كان مجمع الشفاء الطبي هدفا رئيسيا له. حيث تعرض للقصف من جيش الاحتلال فقصف هذا الجيش ألواح الطاقة الشمسية ومولدات الكهرباء. كما فرض على المجمع حصار كامل ومنع دخول الإمدادات الغذائية والطبية للمحاصرين بداخله من كوادر طبية وجرحى ونازحين. وهنا لم نرى لجنة الصليب الأحمر قد تحركت لتقوم بدورها الإنساني، بل لقد رأيناها تبرر صمتها المتعمد "بعدم وجود التنسيق مع الاحتلال". عذر أقبح من ذنب!

كما أنها قد غابت بشكل كامل وقت إطلاق الصرخات والمناشدات من قبل الطواقم الطبية بهدف التنسيق من أجل إخلاء الأطفال الخدج، عندما قرر جيش الاحتلال الإخلاء القسري لمجمع الشفاء. فوضعت في الأذن الأولى طين وفي الثانية عجين وتجاهلت كل ما ما سمعت. بالرغم أن من الإجراءات التي يتحتم عليها تطبيقها لإنهاء الانتهاكات الإنسانية الخطيرة هي تلقي ونقل الشكاوى. فما الذي فعلته هذه اللجنة التي تدعي الإنسانية غير التواطئ مع دولة الاحتلال عن قبول ورضا؟ فما أقبحها من إنسانية!

والأمثلة كثيرة ومعقدة على التجاوزات والانتهاكات التي ارتكبتها هذه اللجنة من عدم القيام بأي إجراء من تلك التي يحتمها عليها القانون الدولي الإنساني. لكن لا غرابة فحتى القانون الدولي الإنساني سقط في غزة وسقط معه الصليب الأحمر ومن هنا فإن كل طفل في غزة يوقع على عريضة مفادها إضافة لجنة الصليب الأحمر إلى رؤوس الشيطان التي تتواطأ محبة ورضى مع دولة تعشق دم "الأغيار".

ولا غرابة أيضا مما يحدث ما دامت الأنظمة التي تحكمنا أنظمة كسيحة أخلاقيا وإنسانيا جبانة وذليلة تتحكم بشعوب مدجنة عاجزة عن صنع الحرية.

***

بديعة النعيمي

توطئة: الآن وبعد ان هدأت الأنفعالات الأيجابية والسلبية بخصوص مهرجان المربد الشعري بدورته الخامسة والثلاثين الذي عقد في البصرة للفترة من (7-10 شباط 2024)، وقبل أن نبين ما له وما عليه بموضوعية، فأن الأمر يستوجب ان نقر بحقيقة ان اللجنة المنظمة للمهرجان بذلت جهودا كبيرة في تنظيمه، برغم صعوبات كبيرة تتصدرها ان عدد المشاركين فيه من العراقيين والعرب تجاوز الأربعمئة مدعوا، ما يعني ان على المنصف ان يشكر اللجنة المنظمة ممثلة بالدكتور الشاعر عارف الساعدي لمتابعته الحثيثة لفعاليات المهرجان، ولرئيس الأتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق الشاعر علي الفواز، وأمينه العام الشاعر عمر السري اللذين تواجدا في البصرة قبل ايام من انعقاد المهرجان، وشكر خاص لرئيس فرع الأتحاد في البصرة الشاعر فرات صباح الذي كان دينامو المهرجان.

 ونشير الى حقيقتين،الأولى ان اي مهرجان ثقافي بحجم مهرجان المربد الأخير، لن يكون ناجحا تماما بدون مآخذ فنية او تنظيمية او ثقافية.

 والحقيقة الثانية، انني تصفحت ما كتب عن مهرجانات المربد السابقة (من عام 1971) فوجدتها لم تسلم من النقد الموجه لها، بل ان بعضهم وصف عددا منها بأنها (مهزلة، مسخرة).

***

أ.د. قاسم حسين صالح

تتسارع الأحداث الأليمة في قطاع غزة، وتتوالى التطورات المأسوية للممارسات العدائية  الصهيونية على مختلف الجبهات: المصرية، والأردنية، واللبنانية، ولعل الوضع الحرج للفلسطينيين في جنوب قطاع غزة قد جعل العالم ينظر بقلق كبير وانشغال عميق لما سيؤول إليه مستقبل القضية الفلسطينية الذي لا يحمل حاليا سوى نذر الخطر الداهم .  

استمرار تراكم الفلسطينيين النازحين بجوار الشريط الحدودي مع مصر مع مواصلة قوات الاحتلال ضغطها العسكري عليهم يدفع إلى الاعتقاد بما لا يدع مجالا للشك أن الواقعة أصبحت قريبة حيث لا مفر أمام تزاحم المواطنين عند معبر رفح من تجنب آلة القتل الداهم سوى باقتحام حرمة الحدود المصرية وتحمّل الفوضى العارمة نتيجة ذلك حيث ليس مستبعدا إجبار الأشقاء على المواجهة العنيفة فيما بينهم على مرأى من الأعداء وإما التعرض لآلة القتل الصهيونية ومن ثمة الفناء.

لم تجد نفعا القرارات الأممية والضغوط الدولية من أجل التهدئة ووقف إطلاق النار تمهيدا للبدء في عملية تبادل الأسرى بين الجانبين الفلسطيني ممثلا في حركة حماس والصهيوني، لقد خابت مساعي واشنطن والاتحاد الأوروبي وكل العالم لوضح حد للممارسات الصهيونية المتطرفة التي تجاوزت قواعد الاشتباك والقانون الدولي والإنساني، إلى أعمال إجرامية بهدف الإبادة الجماعية كاملة الأوصاف لشعب أعزل كل ما أراده من الحياة العيش بكرامة وحرية.

توحي مؤشرات الوضع القائم في جنوب غزة إلى الاعتقاد بأن الغرور الصهيوني سيدفع قادة الاحتلال إلى ارتكاب حماقة يمكن أن تؤدي إلى نتائج مأساوية، فالخط الأحمر الذي حددته مصر أمام تقدم قوات الاحتلال نحو رفح ومحور صلاح الدين أي الاقتراب من حدودها سيؤدي حتما إلى إعلان مصر اعتبار تجاوزه مخالفة صريحة وخطيرة لاتفاق السلام بين البلدين تستدعي تعليق العمل به وربما تمزيق وثيقة الاتفاق، ومنه لن يكون للوضع الميداني الناتج عن الاتفاق أي اعتبار، ولن يكون لأحكامه أي وجود، بمعنى إن تجاوز ما نص عليه الاتفاق من أحد الأطراف هو مبرر كافي للطرف الآخر لاتخاذ كل ما يضمن سيادته ويحمي حقوقه ويحفظ مصالحه ولو بالقوة المسلحة.

قد يبلغ الأمر أعلى درجات القذارة المؤامراتية عندما تدفع جهة نأت بجانبها وفضلت لنفسها أن تبقى خارج دائرة الصراع ما يكفي لعناصر تفتقد مقومات الحياة لاختلاق أزمة أمام معير رفح وتهييج المواطنين بترديد الشعارات التقليدية المعتادة والدفع بمئات الآلاف من الشبان لتكسير الحواجز واختراق الحدود المصرية وانتهاك سيادتها على أرضها، وفي حال ما إذا استعصى عليهم الأمر تطلق قوات الاحتلال نيران دباباتها مع تعمد إصابة الجدار الحدودي بطلقة مدفعية بزعم أنها كانت عن غير قصد محدثة فتحة كافية لاندفاع الآلاف من الشباب الباحث عن الطعام والماء، والنتيجة واحدة تخلص الكيان المحتل من الأزمة،وتصديرها بوضع مصر في موقف حرج أمام أشقائها فتضطر إلى إبقائهم على أراضيها حيث لا عودة بعد ذلك للوطن الأم .

إنها أم الكوارث التي تحدق بالعرب أجمعين، وستعذب الضمير العالمي إلى أبد الآبدين.

***

صبحة بغورة

 

هناك أسئلة تزيد الفضول لدى الإنسان الواعي المتدبر لهذا الكون والبشرية والخلق العظيم للإله الواحد الأحد الذي نؤمن به وبقدراته ونسلم بغيبيات عظمته والاستسلام والانقياد له منها أن هل للإنسان وللبشرية صحبة أو رفقة في هذا الكون الشاسع وهذه الأجرام السماوية القريبة من كوكبنا الأرض وهل هناك حياة لعوالم أخرى خارج منظومتنا أو رفاق نتشارك معهم الحياة في هذه الأرض كل هذه الأسئلة تحفز العقل البشري للتفكير والتدبر بها وقد نجد بصيص من الأمل في الإجابة عليها قدر ما يستوعبه العقل الحالي في كتاب الله تعالى (القرآن الكريم) ضمن ما تطرحه أربعة آيات مباركات في مواضع متفرقة منه وقد نجد تفسيرا أوليا له وهي عبارة (خلائف الأرض) و(خلائف في الأرض) و(خلفاء الأرض) وغيرها من المسميات والكلمات القريبة لهذا المعنى (وهو جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم أن ربك سريع العقاب) الأنعام 165و(ثم جعلناكم خلائف في الأرض من  بعدهم لننظر كيف تعملون) يونس 14 و(فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فأنظر كيف كان عاقبة المنذرين) يونس 73 و(وهو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا) فاطر 39 أن القرآن الكريم يحاكي كل الكائنات الحية العاقلة في الكون لا يحده زمان ولا مكان وتفهمه كل المخلوقات في السماء والأرض على حد سواء وقد ارتبطت هذه العلاقات التي تجمع الإنسان الحالي النسخة المطورة من خلقه والتي أرادها الله تعالى أن تكون على كوكب الأرض ليعمروها ويتمتعوا بها وليكونوا امتدادا لما سبقه من خلائق وكائنات أوجدها الله تعالى خارج المجموعة البشرية والكونية فالعلاقة التي كانت موجودة فيما بينهم دلت عليها الآثار والحفريات والعلم والتكنولوجيا المتطورة الآن وهذه هي امتداد للتطور العقلي والعلمي الذي تمتعت به هذه المخلوقات الموغلة في القدم والغائبة الآن عنا بسبب التعتيم الإعلامي والسياسي فأن الدراسات المتمعنة المستفيضة المتجردة في فهم الرسالة المحمدية السماوية والكتاب المقدس (القرآن الكريم) يستطيع المتدبر الذي يغوص في أعماق بحار علم القرآن وتفاسيره للبحث عما يريده من معرفة لاستطاع أن يستخلص الكثير مما يريده الإنسان الحالي ,  وعندما قال الله تعالى وقوله الحق أني جاعل في الأرض خليفة حينها احتجت عليه الملائكة وقال أتجعل من يفسد فيها ويسفك الدماء لأنها شهدت وعرفت كل المخلوقات والكائنات الحية التي سبقت خلق الإنسان العاقل والتي لا تشبه خلقهم وشاهدت الصراعات والحروب الكونية ومدى الدمار الذي خلفته هذه الحروب كون العمر الافتراضي للكون الذي قدره الفلكيون حوالي (12-14) مليار سنة وعمر الأرض حوالي (4.54)مليار سنة وعمر البشر حوالي(1,2) مليون سنة في بعض الدراسات الأحفورية .ولا يمكن أن يترك هذا الفارق الزمني بدون حراك وحيوية ومعيشة على الكون وإلا كان غير منطقي واعتباطا حاشا لله لكن لهذا المخلوق (الإنسان) العاقل الخاص والمبرمج بخاصية التمييز والعقل والألسنة وبهذا الشكل الجميل البديع في صنعه وصورته وخلقه (الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ......) غافر 64 ويكون خليفة في جزء معين من الكون وهو الأرض دون سائر الكواكب (وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون) الملك 24 وان أكثر الحفريات السرية والعلنية والدراسات تؤكد وجود تعاون واختلاط وتعاون علمي وعملي بينهما وخصوصا في أوائل ظهور الإنسان على الكرة الأرضية والبحوث السرية المسربة وعلى نطاق سري وحصري بين الدول المالكة لزمام الأمور في العالم وحكرا عليها والدليل ظهور بعض المعلومات والصور خصوصا في بلاد ما بين النهرين ووادي النيل وأفريقيا فالإنسان الحالي يعد النسخة المعدلة والمحسنة من مخلوقات سبقته (وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين) الأنعام 133 . علينا معرفة أن الخطاب القرآني هو عام وشامل لكل زمان ومكان في الكون لا يمكن أن نسقط آياته ونفسرها على فئة أو قوم أو جنس أو عرق في هذا الكون لهذا يمكن القول أن مراد الله تعالى هو إيصال المعلومات إلى خلقه أنكم من سلالة واحدة متسلسلة في الخلق والزمن والمكان كل ضمن تكليفه الموقعي والزمني ومن هنا نؤكد أن الإنسان حقيقة ليس وحده في الكون الواسع وقد يتأكد له ذلك في المستقبل القريب أو البعيد حسب معطيات العقل والعلم.

***

ضياء محسن الاسدي

قد يعتبر البعض استذكار الماضي وما نتج عنه من ماسي لازلنا نعيش اصنافها المختلفة نوع من النبش الذي لا فائدة منه، ولكن على مدى 13 سنة هل تقدمنا قيد انملة في أي من المجالات الحياتية؟ هل تحسنت حالة المواطن ؟ كلا...فالتذكير بما حدث ويحدث قد يجعل المسؤولين واصحاب القرار يعيدون النظر فيما يحصل والعمل على تغيير الاتجاه بما يحقق الامن والاستقرار وتمتع المواطن بخيرات البلاد المنهوبة وحريته المسلوبة ..فالثورة التي تستنجد بالخارج او تبارك تدخله تكن رهنا له وتنفذ اجنداته التي لا تنتهي.

بعد سقوط النظام، تمت السّيادة للمدن التي تسمي نفسها مدن الثورة ونسيجها القبلي وتشكيلاتها المسلحة، فتكون اللادولة واقعاً مأساويا، حيث تسجن وتخطف وتقتل، ولها حصتها من الميزانيّة، فرؤساء الحكومات المتتالية  يقدمون لها الهبات والمنح لأجل نيل رضاها.

في الشرق الليبي الذي انشق باكرا عن الحاكم، شهد زيارات لكبار ساسة الغرب المؤيدين لانتفاضته، عانى ويلات التنظيمات الارهابية التي تم استجلابها من قبل داعمي (التغيير/ الثورة) من عرب وعجم وخاض افراد القوات المسلحة الذين اصبحوا مستهدفين من قبل التنظيم وبمساعدة الاهالي معارك طاحنة اسفرت في النهاية عن تحرير بنغازي ودرنة اللتان كانتا تمثلان البؤر الرئيسية للتنظيم، ومن ثم اعيد بناء الجيش الوطني واصبحت المنطقة الشرقية تنعم بالأمن والاستقرار وانسحب ذلك على المنطقة الجنوبية .   

في الغرب الليبي ثلاثة مدن قادت التمرد على النظام وشكلت خطرا عليه افلح النظام في اخماد التمرد بمدينة (الزاوية) لقربها من العاصمة، بينما افلحت الاخريتان (مصراته /الزنتان) في الاجهاز على النظام بمساعدات عربية وغربية، وبعد الاطاحة به اصبحتا تستحوذان على نصيب الاسد بالمنطقة في التشكيلات الحكومية المتعاقبة، كما ان لكل من المدينتين اكثر من تشكيل مسلح مدجج بمختلف انواع الاسلحة،يمثل جناحها العسكري لمؤازرة جناحها السياسي في فرض الرؤى والحصول على مغانم او لنقل هبات سخية لصالح رعايا المدينتين ومنها على سبيل المثال عقود توريد السلع .

منذ اسابيع قال عضو المجلس الرئاسي اللافي: لا يوجد حاليًا مليشيات في ليبيا، بل أصبحت كلها تتبع الأجهزة الرسمية للدولة.. انضواء هذه الجماعات تحت أجهزة الدولة يجعلها قابلة للمُساءلة رسميًا ...ان كان الامر كذلك فماذا عن الاقتتال بين المجاميع المسلحة وسقوط ضحايا وماذا ايضا عما يحدث بين الفينة والاخرى من قفل للطرقات العامة؟ هل تمت محاسبتها ام انه تم ضخ الاموال اليها (الصريرات) لأجل التوقف عن الاقتتال او فتح الطرقات؟. هذه الأجهزة أو الكتائب أو الميليشيات تفرض قوانينها الخاصة في ليبيا بقوة السلاح.

يتم صرف الاموال الطائلة في شراء اسلحة وذخائر للاقتتال بين الليبيين، ولا يزال الانقسام بين من يدعون تعاطي الشؤون السياسية، يبعثرون الاموال يمنة ويسرة(اكثر من 800 مليار دولار في 12 سنة ولا يوجد شيء ملموس على الارض لصالح المواطن)، ويدعون حرصهم على اجراء الانتخابات ولكنهم في الحقيقة يعيقونها، ويسعون بكل ما اوتوا من قوة البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة، وفي سبيل ذلك رهنوا مستقبل البلاد لداعميهم من القوى الاستعمارية او تلك التي تتطلع الى لعب دور اقليمي للحصول على اكبر منافع حدية.

 لا تزال البلاد تحت الفصل السابع (محمية)، بينما يعيش المواطن اوضاع معيشية صعبة والتلويح (التهديد) بفرض المزيد من الضرائب عليه، تم رفع الدعم عن جميع السلع بل تشترى بأضعاف اثمانها، لم يبقى الدعم الا عن المحروقات، يريدون رفع الدعم عنه وهم يحرقون اموال الشعب، شياطين الانس يرفعون سعر صرف الدولار في السوق السوداء ثم يخفضونه قليلا وتثبيته رسميا بدل رفع الدعم عن المحروقات الى ان تهدأ الامور ومن ثم يصار الى رفع الدعم كليا، الطوابير على محطات الغاز والوقود وامام البنوك لأجل الحصول على السيولة اصبحت احد معالم البلد، ناهيك عن الانفلات الامني وقفل الطرقات بين الفينة والاخرى طلبا للمال من خزينة الشعب التي يتولى اناس غير مؤهلين منصّبين من الخارج ادارتها، وانتشرت ثقافة (الصريرات) التي يسيل لها لعاب الخارجين عن القانون، فيفعلون ما يؤمرون.    

الدبيبة اكمل عامه الثالث ولم ينجح في الايفاء باي من تعهداته، لم يتم إنهاء الانقسام بل زاد اكثر، لم يتم تحقيق المصالحة الوطنية، لم تتحسن الخدمات للمواطن، لم يتم الوصول الى الانتخابات، انها الحكومة الاكثر فسادا مقارنة بسابقاتها حيث تم ايقاف بعض اعضائها والتحقيق معهم،ومنحوا صك (براءة) وعادوا الى مزاولة اعمالهم !، وزير الاقتصاد بحكومته اللا موحدة قال منذ ايام بان 40% من الليبيين يعيشون تحت خط الفقر اعتراف صريح في بلد نفطي وعدد سكانه قليل جدا.

سجلت اول محاولة ليبية للتطبيع مع الكيان المحتل بلقاء وزيرة خارجية الدبيبة مع نظيرها الصهيوني في روما، منتهكة بذلك مشاعر الليبيين واعتبار فلسطين قضيتهم الاولى وشارك العديد منهم في حرب 1948 بفلسطين.

الذين يتصدرون المشهد بمدن (الثورة) يشكلون العقبة الرئيسية نحو المصالحة الحقيقية،ويسعون الى فرض نفوذهم على حاضر ومستقبل البلاد، انهم يمتلكون الثروة والسلطة والسلاح ومن ثم لهم الكلمة العليا وليذهب الباقون الى الجحيم.

يبدو ان الاطراف المتصارعة اقتنعت بان  أيا منها لن يستطيع ازاحة غيره، فلكل طرف داعمين له، خاصة بعد وضع الخطوط الحمر بشان الحدود بين المتقاتلين، وبالتالي يشوب هذه الاطراف نوع من الرضى والتعاطي مع بعضها بما يحفظ لها مصالحها واقتسام خيرات البلاد.

احسسنا من خلال ساستنا بان البلاد ستتحول قريبا الى سنغافورا ؟فاذا بليبيا تتحول الى تورا بورا .

لا حل يلوح في الافق للازمة في ليبيا، تُفكك بعض العقد فتصنع اخرى، لان الرعاة الرسميين يريدون بقاء الوضع في ليبيا ساكنا، في ظل الاحداث الدامية في غزة والبحر الاحمر التي تنذر بنشوب حرب عالمية تسعى الاطراف المعنية الى اجتنابها ليقينها التام بان أيا منها لن يكون الرابح.

***  

ميلاد عمر المزوغي

يعالجنا الطبيب إذا مرضنا

فكيف بنا إذا مرض الطبيب؟

*

ولا حيف إذا فسد الزواني

وكل الحيف لو فسد النجيب

ما تقدم هو بيت للشاعر العراقي الريفي الجنوبي علي الغراوي، الذي لم يمهله العمر من العقود إلا أربعا، وكان دأبه يتغزل في العراق، ويتألم للعراق، ويبكي على العراق، ويأمل ويرجو للعراق والعراقيين حياة حرة كريمة، وفارق الحياة في النصف الأول من القرن المنصرم، ولم يتحقق شيء من أمله ورجائه، لا في حياته ولا بعد مماته حتى ساعة إعداد هذا المقال.

وأراني أتذكر أبياته -رغم قلتها- ونحن نعيش منعطفات خطيرة في حياتنا بين الفينة والأخرى، وكلنا يذكر أحداثا ليست ببعيدة عنا، حين ثار الشعب في تشرينيته التي ثبّت تأريخها بالدم بعد أن طفح به الكيل، وانتفض على الفساد الذي توغل أيما توغل في مفاصل الدولة، بأشكال وأصناف وأنواع لم نكن نعيها او ندركها، فعلى حد علمنا أن السارق لاينفذ سرقاته إلا ليلا، حتى قال في هذا صاحب المثل؛ "الليل ستر الحرامية". كما علمنا أن جل ما يخشاه الـ "حرامي" هو الـ "چرخچي" حارس الليل، مع أنه -الچرخچي- لايحمل غير صفارته وعصاه، إذ لم يكن التسلح بالأسلحة النارية مسموحا له، ومع هذا نراه مُهابا يتجنبه اللصوص.

لصوص اليوم -لسوء حظ المواطن العراقي- غير لصوص الأمس، وهم لايهابون الرقيب، إذ أنهم "دهن ودبس" مع "الچرخچي". فنراهم يصولون ويجولون ليل نهار، ولا يردعهم رادع ولا يردهم راد، بل أن سرقاتهم تتم تحت جنح الليل بأريحة، كما أنها تنجز في وضح النهار بأريحية أكثر، ولا خوف عليهم ولا هم يهربون.

وإذا علمنا أن الطامات الكبرى في العراق كثيرة، فإن كبريات الطامات هي أن اللصوص هم أنفسهم الذين يتربعون على عرش السلطات، ويتقلدون المناصب العليا في البلاد، ويمتلكون حصانات رسمية فضلا عن المال والنفوذ اللذين يتمتعون بهما، وبذا فهم يجسدون المثل القائل: "حاميها حراميها".

ولا أبالغ في شيء إن قلت أن العقدين الأخيرين اللذين مرا على العراقيين، حملا صورا وقصصا للفساد، يشيب لها الوليد من هول التفاصيل التي تحويها، وما زاد الطين بلة هو الرؤوس والـ (صماخات) التي شكلت عصابات بأذرع أخطبوطية، توسعت وتمددت في مؤسسات البلد ومرتكزاته بأعلى المستويات، حتى بات الفساد السمة الواضحة في أية مؤسسة حكومية، بدءًا من "العارضة" وباب النظام مرورا بالاستعلامات ثم الواردة فالسجلات فالمتابعة... صعودا الى المدير والمدير العام والوكيل... وانتهاءً بالوزير (عدا نفر قليل لم يحد عن مبادئه وقيمه السامية).

ومع هذا النكوص في مكافحة الفساد، نسمع عبارات معسولة، تفتح أبواب الأمل مشرعة على مصاريعها، عادة ماينطقها متبوئو المناصب الرفيعة في البلاد، مؤكدين ملاحقة رموز الفساد وكشف أوراقهم ليتسنى القضاء عليهم، وتتكرر هذه التطمينات لتحسين سمعة كانت قد تشوهت. وحين يشعر المسؤولون الفاسدون أن أكاذيبهم وخدعهم، لم تعد تنطلي على المواطن العراقي، يتدرعون بجلد الحرباء ويتقمصون دور الشرفاء، فيما تهب الأحزاب على قدم وساق، لطلاء أوجهها الكالحة، بألوان براقة وببهرج فتان، لتظهر بوجه البراءة من كل فعل دنيء لا وطني.

وعلى هذا المنوال، يستمر الضحك على الذقون، ويبقى المواطن المغلوب على أمره، بين مطرقة الفاسدين وسندان الصبر والتحمل، وتستمر اللعبة إلى أجل غير مسمى، ذلك أن أعداد البناة أقل بكثير عن جيوش الهدم وإحلال الخراب، وقد قيل سابقا:

متى يبلغ البنيان يوما تمامه

إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم

***

علي – كاتب وصحفي عراقي

 

حندس: ظلام دامس

الأشياء من حولنا تتحندس بأساليب متطورة تعجز عن وعيها (فهمها) أذهان العامة الأبرياء، الغارقين في آبار العتمة والغفلة المبرمجة لإستعبادهم والإستحواذ على ثرواتهم.

ديناميكية الحندسة مضت بعنفوان في ديار الأمة، منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، ولا تزال في أقصى سرعتها وذروة تعجيلها الدوار.

فما حصل ويحصل غايته واحدة ثابتة ما تغيرت إلا أساليبها، وآليات تطبيقها على واقع يتشظى ما فيه.

وعمليات التشظي تجري بإندفاعية متسارعة، فأصبح القول بشيئ واحد من المتعذرات على الفهم والإدراك، حتى سورة الإخلاص ما عادت ذات معنى ودلالة.

فالأمة كل شيئ فيها واحد، وكل شيئ صار ألف واحد.

دينها، كتابها، ربها ونبيها، وما جاء به فرقانها، صار تأويلات وتفسيرات وخرافات مقدسة، وتحولت أصنام الحجر إلى أصنام البشر.

فما أكثر الأصنام المعممة، الهرمة المعصومة التي لا تنطق عن الهوى.

فما هو الدين؟

لن تجد جوابا واحدا، بل لكلٍ دينه وربه وما يراه وتربى عليه في ديار الإستعباد وتعطيل العقول.

فكيف تكون أمة تتخبط في ظلمات العصور، ولا تبصر طريقها وتنكر جوهرها، وترى أن عدوها مَن لا يتوافق مع رؤاها المعفرة بنزعات النفوس الأمارة بالسوء، وهي تمتطي الدين وتشهر سيوف النيابة عن رب العالمين.

وكأنها الواقعة، ولسوف تدركها بعد فوات الأوان، وما نفع الدين إذا صار نارا لحرق البشر؟!!

و"الكتب والرسل والأديان قاطبة...خزائن الحكمة الكبرى لواعيها"!!

***

د- صادق السامرائي

 

منذ اندلاع حرب غزة وما يتعرض له الفلسطينيون من ابادة جماعية على يد قوات الكيان الصهيوني، وما تبعه من تحرك خط المقاومة الاسلامية في الشرق الاوسط لرد كرامة المسلمين، عبر مساعي الدعم الممكن لأهل غزة، والمناقشات السياسية داخل النخبة الامريكية الحاكمة لا تنتهي، حول الطريقة التي ينبغي لها في التعامل مع قوات الحشد الشعبي في العراق، والتي اضحت تشكل تهديد كبير للقوات الامريكية المتواجدة في العراق وسوريا، ولمشروع امريكا في المنطقة، مما جعل كرامة امريكا بالوحل، بسبب قوة الضربات التي تعرضت لها قواتها طيلة الأشهر الماضية، بعد كل هذا أدركت الإدارة الأمريكية ان الموقف يتطلب قدرًا كبيرًا من الاهتمام، والا ذبلت صورة امريكا.

حاليا في امريكا لا يوجد نقاش او جدل حول الجيش العراقي، ولا حول الشرطة العراقية، ولا حتى حول القوة الجوية العراقية، وما تملك هذه التشكيلات من عناصر قوة او عناصر الضعف، فقط النقاش والجدل حول الحشد الشعبي العراقي.

وسنوضح هنا طبيع التفكير الامريكي في الموضوع، اي اننا سنبين الرؤية الامريكية للواقع الحالي.

- أمريكا من الداخل بين مدرستين

توجد مدرستان فكريتان مؤثرة في القرار الأمريكي، في حول كيفية معالجة "أمريكا" لمخاوفها بشأن قوات الحشد الشعبي: 

- مدرسة التأني في الرد:

المدرسة الاولى: تنصح المدرسة الاولى بالصبر، وتقلل من الخطر المتزايد الذي تشكله قوات الحشد الشعبي كمؤسسة، وتشير هذه المدرسة إلى أنه لا ينبغي النظر إلى الميليشيات المدعومة من إيران (كما تسميها امريكا) داخل قوات الحشد الشعبي على أنها تغير قواعد اللعبة؛ ويعرف الامريكان ان هذه الكيانات المقاومة موجودة قبل تشكيل قوات الحشد الشعبي في عام 2014، وستستمر في الوجود سواء داخل قوات الحشد الشعبي أو خارجها، وما دامت قدراتها المالية محدودة، ولا تصل لحد التهديد، فالامور تحت السيطرة.

وتنظر المدرسة الصبورة إلى التعاون الأمني الأمريكي مع وزارة الدفاع العراقية ووزارة الداخلية وجهاز مكافحة الإرهاب ومجتمع الاستخبارات، باعتباره حجر الأساس للنفوذ الأمريكي في البلاد، بحجة أنه من غير المرجح أن ينمو حجم وميزانية قوات الحشد الشعبي.

- مدرسة الخبث:

المدرسة الثانية: ترى مدرسة أن قوات الحشد الشعبي هي في الواقع أداة تغيير محتملة لقواعد اللعبة في العراق، وهم يخشون أن ينمو حجم قوات الحشد الشعبي وتمويلها لتتفوق على قوات الأمن العراقية النظامية، مثلما تغلب الحرس الثوري الإسلامي في إيران على القوات المسلحة الإيرانية النظامية، وترى هذه المدرسة الناشطة داخل الحكومة الأمريكية أنه لا يوجد سوى القليل من الوقت لتغيير مسار قوات الحشد الشعبي نفسها، وتعتقد أن المساعدة الأمنية الأمريكية للقوات المسلحة النظامية العراقية يجب أن يتم حجبها جزئيًا أو كليًا حتى تتم معالجة المخاوف الأمريكية بشأن قوات الحشد الشعبي.

وهذه المدرسة الامريكية تنظر إلى الحكومة العراقية على أنها تسير نائمة نحو الهاوية، مما يدفع المعسكر الأمريكي الناشط إلى اتخاذ موقف أكثر تطرفاً من أجل تركيز الاهتمام العراقي بشكل عاجل، على المخاطر المتصورة التي تشكلها العناصر الموالية للشهيد المهندس في قوات الحشد الشعبي.

وتشعر هذه المدرسة بالفزع من مجرد ذكر اسم الشهيد المهندس، وتشعر بالخيبة وهي ترى رواتب الحشد الشعبي من الموازنة العامة للعراق، وتدرك ان قوة العراق قد تتعاظم من استمرار وجود الحشد الشعبي، على شكل موازي للحرس الثوري الايراني، لذلك هي تدفع الادارة الامريكية لدفع مخاطر مستقبلية. 

- اخيرا:

يجب على قيادات الحشد الشعبي ان تدرك ان العدو الامريكي يدرس الحشد الشعبي ويضع خطط وبرامج للقضاء عليه، لان امريكا تدرك ان العائق الاكبر لهم في العراق هو استمرار وجود الحشد الشعبي، وهي قد وعت جيدا الدرس السابق، بعد ان فشل مخططها عام 2014 في تقسيم العراق بواسطة (داعش)، كان بسبب الفتوى المباركة للمرجعية الصالحة وظهور كيان الحشد الشعبي كقوة ردع  حقيقية لمخطط القوى الظلامية، لذلك يجب ان تكون خطط وبرامج بعيدة المدى للحشد الشعبي، وان توجد ادارة استراتيجية ليكون الفعل على الأرض نابع من خطط رصينة، فيكون المستقبل بيد الحشد الشعبي وليس بيد الأعداء.

***

الكاتب: اسعد عبد الله عبدعلي

بالأمس البعيد تبجحت الحركة الصهيونية بهولوكوست كاذب، فانتفض العالم وساهم في بناء دولة من لا شيء. أما اليوم فالجميع يساهم في قتل وذبح سكان غزة بأبشع هولوكوكست للموت. وليت هذا الموت كان رحيما. فأمام صرخات المتألمين جراء الأسلحة المحرمة التي تأكل الجلد وتذيب اللحم تُلغى الإنسانية وتتخذ لها زاوية بعيدة عن الأعين..

الشهادة أصبحت أمنية وسط ملاحقة هذه الأسلحة المحرمة وخروج معظم مستشفيات القطاع عن الخدمة بسبب جيش الاحتلال الذي ارتكب ما لم يُرتكب في تاريخ البشرية من بشاعة.

ومن هذه الأسلحة التي يستخدمها اليوم هذا الجيش اللاأخلاقي في غزة ويجرب مفعولها على أهلها ومدى فعاليتها ١-القنابل العنقودية، حيث تضم الواحدة منها عشرات القنابل الصغيرة التي تتوزع عند إطلاقها في كافة الاتجاهات.

٢- قنابل جدام الذكية، وهي صناعة أمريكية تصنف ضمن القنابل الأكثر تدميرا ويصل مداها قرابة ٢٨ كم.

٣- القنابل الفراغية، تصنف أنها الأشد تدميرا وتقارب في مفعولها قنبلة نووية من العيار المصغر.

٤- القنابل الغبية، وهي قنابل تزن حوالى ٩٠٠ كغم وتلقى من الجو وتتسبب في إحداث دمار في مساحات كبيرة.

٥- قنابل هالبر ، وهي قنابل حارقة وخارقة للحصون ،وقد دمر بها جيش الاحتلال المباني في غزة.

٦- الفسفور الأبيض ،وهي مادة كيميائية تشتعل عند تعرضها للأكسجين وتنشر دخان كثيف حيث تتسبب في حروق شديدة.

وقد صرح مدير الإعلام في غزة على أن تل أبيب ألقت أكثر من ٦٥ ألف طن متفجرات على القطاع ،وجيش الاحتلال يستخدم الفسفور الأبيض والقنابل الغبية والجدام وغاز الأعصاب.

كما أكد أطباء في غزة أن جثامين ومصابين تصل المستشفيات متفحمة وأشلاء مقطعة الأوصال.

ووفقا لخبراء عسكريين أكدوا أن دولة الاحتلال زودت قذائف المدفعية والدبابات "يورانيوم منضب" للفتك بأجساد الضحايا. كما أن دولة الاحتلال تستخدم غاز الأعصاب الذي يسبب الشلل والهلوسة والموت المحقق.

ومن المعلوم بأن القانون الدولي الإنساني يحظر" استخدام الأسلحة والقذائف والمواد ووسائل القتال التي من شأنها إحداث إصابات وآلام لا مبرر لها"

لكننا نكررها وسنظل نكرر بأن في غزة لا قوانين تطبق على القاتل لأن واضعوا هذه القوانين يقفون خلف جبروت دولة الاحتلال ويعملون معهم على محاولة إركاع غزة وأهلها..لكن هيهات فغزة قوية بأهلها وهؤلاء أقوياء بمقاومتهم التي لم ولن تتخلى عنهم ،فطوبى لغزة وأهلها ومقاومتها.

***

بديعة النعيمي

بلا شك، ان لكل شعب او اي مجتمع، عاداته وتقاليده وأخلاقياته وإشراقاته وخيباته وسلوكياته وثقافاته وظواهره العجيبة والغريبة جداً، وهكذا هو واقع الحال والامر بالنسبة لشعبنا العراقي. ولا أُخفي انني كنتُ قد عايشتُ او لاحظت او قمتُ انا او بعض اخوتي واصدقائي، بواحدة من تلك السلوكيات او التصرّفات او الثقافات التي قد تكون غير موجودة عند شعوب ومجتمعات أخرى في هذه المعمورة.

ويمكنني الآن الإشارة الى واحدة من تلك السلوكيات والحالات والثقافات والظواهر، ألا وهي: (الزعل بدون سبب)، وبلا اي معنى ولا ايّة إساءة سابقة او القيام بأي فعل سلبي وبقصدية مبيَّتة اتجاه (الزعلان. ة) اعتقد أن الكثيرين منا قد واجهوا وابتلوا بمثل حالات هذا (الزعل الغامض) من قبل احد الاخوة والأخوات او من قبل واحد من الأصدقاء او الصديقات وزملاء العمل وجيران الحياة.

وعلى سبيل المثال لا التمثيل، فقد  أحسست وفوجئت قبل أيام ان احد الأصدقاء، وهو فنان تشكيلي مبدع ومعروف وتربطني به علاقة صداقة قديمة وقائمة على الاحترام والتقدير والإعجاب المتبادل فيما بيننا كلٌّ وحسب اختصاصه الفني ونتاجه والإبداعي،  والمفارقة العجيبة والغريبة هي عدم حصول  اي خلاف سابق او اية اساءة وسوء بيني وبينه منذ أيام معرفتي وصداقتي الاولى له في بدايات ثمانينيات القرن الماضي والى حد ايام قليلة.

ومن ناحيتي فقد استمريت بارسال التحيات الصباحية له ومقاطع الفيديوهات التي نشترك بحب ثيماتها وتقنياتها الرائعة، وكذلك نتبادل الأغاني والسمفونيات والموسيقى الكلاسيكية العميقة. ولكن - للأسف - ان الذي اعتبره أخي وصديقي وزميلي، لم يُكلّف نفسه بالرد على (مسجاتي) لا سلباً ولا ايجاباً لا قدحاً ولا مدحاً ولا خراباً ولا إعجاباً. تُرى هل ان زعله بهذه الطريقة الدراماتيكية الغامضة مُبرر؟  وماذا لو انني اقوم بمعاملته بالمثل؟

والادهى من كل الذي قلتهُ أَعلاه: ما الذي يمكن ان يحدث لو انني قد ألغيتهُ من حياتي بكل هدوء وبساطة، وذلك بضغطة زر  ومن ثمَّ:

Block

والســـلام عليكم.

***

سعد جاسم

 

تدخل حرب الكيان الاسرائيلي على غزة، الشهر الخامس، ولا تزال المجازر الاسرائيلية على اشدها بحق الشعب الفلسطيني في غزة؛ ولا تلوح في الافق اي بارقة امل في ايقاف هذه المذبحة؛ سوى مفاوضات متعثرة لم ينتج حتى اللحظة منها؛ ما يؤكد على قرب انهاء هذه المحرقة. إنما العكس يحصل تماما في كل يوم يمر على هذه المجازر على الشعب الفلسطيني؛ من انها تزداد شدة وسعة مع الايام. أذ،. في ظل هذه  المذابح؛ يواصل بضوء اخضر مستتر من العراب الامريكي والغربي معا، بصرف النظر عن الشجب والتحذير الامريكي والغربي؛ هذا الكيان المجرم جرائمه، بقياداته الصهيونية والمجرمة والعنصرية والمتطرفة جدا. في أتون نار ومحارق هذه الحرب؛ يشدد نتنياهو وطاقم حكومته الحربية العنصرية؛ من ان هذه الحرب سوف لن تتوقف الا بتحقيق كل اهدافها، او بعبارة اخرى وكما قال نتنياهو؛ بانتصار مطلق وساحق. يهدد نتنياهو باجتياح رفح على الرغم من التحذير الامريكي له؛ الذي يتمحور حول ضرورة حماية المدنيين وتوفير ممرات امنة، قبل البدء بالهجوم على مدينة رفح. في هذا الصدد مع ان رأيي الشخصي؛ ان هذا التحذير الامريكي ما هو الا خدعة وكذب واضح وفاضح؛ فأمريكا ربما ومن تحت الطاولة وفي العتمة؛ قد منحته اي نتنياهو الضوء الاخضر لهذه الجريمة الصهيونية المرتقبة كما اسلفت القول في السطور السابقة من هذا المقال. ان ما يؤكد هذا الرأي؛ هو استمرار امريكا في دعم، بل في مشاركة فعالة لحرب هذا الكيان على المقاومة الفلسطينية في غزة وحتى في الضفة الغربية؛ عبر الدعم السياسي والمعنوي والتسليحي والذي هو واقعيا؛ مفتوح بلا حدود، وايضا في شن ضربات امريكية وبريطانية على محاور المقاومة التي تدعم ولم تزل تدعم صمود وقوة مواجهة المقاومة الفلسطينية لهذا التوحش الاسرائيلي؛ لتحييدها واجبارها على اسكات مسيراتها وصواريخها في البر والبحر. لكن في المقابل ان محاور المقاومة لم تسكت لا مسيراتها ولا صواريخها في دعم صمود المقاومة الفلسطينية. ان مجازفة الكيان الاسرائيلي في اجتياح رفح؛ سوف تكون المحطة الأخيرة في الحرب الصهيونية على الشعب الفلسطيني. لذا؛ فان كل من يصبر ويصمد في هذه المواجهة التاريخية؛ سوف يكون هو المنتصر. ان المقاومة الفلسطينية التي هي حتى اللحظة؛ قدمت اكثر من 28 شهيدا واضعاف هذه العدد من الجرحى والمصابين، واصاب ما اصاب بنيتها التحتية من دمار وخراب؛ لا يمكن ان تنهار وتنهزم ابدا، بل ان الانتصار سوف يكون حليفها. أذ؛ ليس من طريق اخر امامها الا طريق الانتصار ولا طريق غيره؛ كي يكون لها في الوجود وجود مادي على الارض، وليس المقصود هنا هو الوجود الفكري؛ فهو موجود وجودا كليا في نفوس وعقول الشعب العربي الفلسطيني، مهما كانت نتيجة هذه المنازلة التاريخية؛ والتي سوف تكون بالرأي الشخصي؛ انتصارا مدويا. القيادات الصهيونية تقول وتؤكد بخلاف ما هو موجود على ارض الواقع؛ من انها سوف تواصل هجوماتها بعد وسط وشمال غزة الى جنوب غزة، الى مدينة رفح، حتى يتم لها كما تقول على عكس الحقيقة والواقع المعيش على الارض؛ تصفية حركة المقاومة الفلسطينية في رفح كما تم لها تصفيتها في الوسط والشمال من غزة. ان هذه القيادات تناست او هي تريد ان تخاطب الراي العام داخل الكيان الصهيوني؛ من انها او ان جيشها قد تمكن من القضاء على المقاومة الفلسطينية في امكنة القطاع الاخرى. إنما الحقيقة ان المقاومة لم تزل على اشدها في الوسط والشمال وفي خانيونس. ففي كل يوم او لا يكاد يمر يوما من دون ان نقرأ او نشاهد؛ عمليات قتل واقتناص جنود الاحتلال والجريمة الصهيونية في غزة. ان نتنياهو والطغمة المجرمة المحيطة به والداعمة له؛ يريد مواصلة جريمته هذه على الرغم من اصوات كل شرفاء العالم بضرورة ايقافها؛ ليس من اجل امن دولة الاحتلال الاسرائيلي فحسب؛ بل بدرجة اكثر ارجحية وضرورة ملزمة له؛ من اجله هو شخصيا؛ للنجاة من المحاكمة، وانقاذ مستقبله السياسي. ان هذا كله سوف يتحدد برأيي في القليل من الزمن المقبل. عندما يهاجم الجيش الصهيوني مدينة رفح، والتي فيها اكثر من مليون واربعمائة من الفلسطينيين واغلبهم من النساء والاطفال وكبار السن في حيز جغرافي محدود المساحة اي انه مكتظ بالناس؛ سوف تكون هناك مجزرة في الفلسطينيين العزل من السلاح؛ اكثر كثيرا مما هو حاصل في الاشهر الاربعة التي مضت، على ما جرى فيها؛ من مذابح، والتي ندد بها كل الشرفاء في العالم؛ ادت الى عزل اسرائيل دوليا على الرغم من الحماية الامريكية والغربية له في المحافل الدولية، واجبرت بطلب من جمهورية جنوب افريقيا؛ على وقوف ممثلها امام محكمة جرائم الحرب بتهمة ارتكابها جرائم حرب بحق الشعب الفلسطيني. من الجانب الثاني ان هذه المساحة المحدودة؛ سوف تتيح او تمنح مرونة للمقاومة الفلسطينية في المواجهة الفعالة والمؤثرة جدا، مع جيش الصهاينة المجرم؛ وسوف تكون التكلفة اكثر كثيرا مما هو قد جرى في الاشهر الاربعة المنقضية من دون ان يصل نتنياهو الى مبتغاه؛ فالمقاومة صامدة وتزداد قوة وقدرة مع كل يوم يمر او كان آنيا حتى اللحظة؛ قد مر عليها، ويزداد التأييد الشعبي لها. ان هذه التكلفة والتي سوف تكون باهظة؛ هي من سوف تكسر عنق هذا المتطرف العنصري الصهيوني، والثلة المجرمة الداعمة له والمحيطة به. اضافة الى التكلفة البشرية وايضا لناحية الخسارات من ألة حربها المصنوعة في جلها؛ في المجمع الصناعي العسكري الامريكي وايضا الغربي. هناك جانب أخر الا وهو موقف مصر من هذه المذبحة على حافة حدودها، في معبر رفح، ومعبر صلاح الدين (فيلادلفيا) وما سوف ينتج عنها من نزوح لأكثر من مليون واربعمائة من الفلسطينيين من الاطفال والنساء وكبار السن وغيرهم؛ الأكيد ان مصر سوف يكون عندها؛ لها موقف غير موقفها حتى اللحظة؛ لأسباب تتعلق كما هي او مسؤولوها يقولون؛ بأمن سيناء. هنا تكون المواجهة او الاصدق والادق عمليا وواقعيا المحرقة الصهيونية؛ قد اقتربت جدا، من حد الاحتكاك مع الجيش المصري المرابط او الذي رابط منذ تفجير الاوضاع؛ بصاعق طوفان الاقصى الاسطورة؛ على حدود غزة. عندها سوف تكون حرب الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في غزة؛ على حافة الهاوية، التي في قاعها سوف تقود الي توسيع الحرب؛ التي تفضي كضرورة حاكمة او لابد منها، وربما مخطط لها سلفا، بين الحكومة الصهيونية العنصرية وحماتها الامريكيون والغربيون؛ الى ان يتمظهر تمظهرا كليا وواضحا وبإرادة قصدية؛ الضغط الدولي الفعال والمنتج على العكس مما كان عليه، في الذي سبق من الاشهر الاربعة المنصرمة (امريكا والغرب وربما غيرهما) على الكيان الاسرائيلي وقياداته العنصرية المجرمة؛ بإيقاف هذه المذابح الصهيونية. في رأيي المتواضع وكي تخرج اسرائيل وكأنها منتصرة وغير مهزومة؛ سوف يجري بجدية وبسرعة تنشيط المفاوضات، لإيجاد مخارج تحفظ ماء وجه اسرائيل وحكومتها العنصرية؛ في ابرام هدنة مستدامة. في هذا الوقت يبدأ؛ الاخطر.. الذي فيه، في زمنه؛ تكون للمساومات والدوران حول المحور المفاوضات المرتقبة، بقصدية واهداف مبطنة غير معلن عنها، تستتر بأثواب عربية وامريكية وغربية براقة اخرى معلنة لجهة الانسانية وحفظ السلام المستدام والاعمار، وإدارة غزة تحت مقولة كلمة حق يراد بها باطل.. اعتقد ان قيادة المقاومة واعية تماما الى هكذا لعبة. عليه سوف يكون الانتصار واضحا تماما وكامل الاركان.

***

مزهر جبر الساعدي 

 

القياس: رد الشيء إلى نظيره، ويأتي بمعنى المقارنة.

آلية تفكير رسّخها التكرار في عقول الأجيال، فلا تستطيع التفكير والإتيان بأصيل، إذ عليها أن تركن إلى أسلوب المسطرة، لتقيس ما تريد على ما عاش قبلها.

أي أن عقلنا قياسي.

ولهذا تجد العديد من نخب الأمة لا يقدمون ما ينفع، لأنهم يكررون ذات السلوك القياسي المبني على ما تراكم من رؤى وتصورات بهتانية باطلة.

وهذه الحالة تشمل مناحي الحياة ومعارفها، وتجدنا في الوقت الحاضر نتخذ من الآخر مقياسا  وسندا، فلا نكتب موضوعا إلا وإعتمدنا على مصادر أجنبية لتعزيزه، وتحديد صلاحيته ومقبوليته.

ونخشى الإنطلاق من واقعنا لنكشف ما يعوزنا، وعليه فالواقع يتأسن ويرزخ في مستنقعات الخراب والدمار، وعدم القدرة على الإتيان بصالح.

والعجيب أننا نتفاعل بآلية إعتمادية على ما هو قائم، ولا نريد الإستثمار بعصرنا وطاقاتنا المتوفرة في مكاننا.

والأغرب من ذلك لا ننظر لنشاطاتنا إن لم تكن مرهونة بمقاسات سابقة لها، وباترونات تتوافق معها لتبدو متلائمة مع رؤيتنا للحياة.

وبهذا الأسلوب ننكر وجودنا ونمحق عناصر ذاتنا، وننطلق في مسيرات التبعية والخنوع والتداعي في أحواض الآخرين، الذين يكرّسون سلوك الإستحواذ والعدوان على وجودنا ويأخذون ثرواتنا، ونحن صاغرون، نتوسلهم ونبجلهم ونتعبد في مقامات دجلهم وبهتانهم الرجيم، حتى صار الدين شخصا مقدسا يدوس على ما يشير للدين وهو الأعلى والأقدس، ومن أنداد رب العالمين!!

***

د. صادق السامرائي

 

إن الحرب على غزة ٢٠٢٣- ٢٠٢٤ أقل ما يمكن أن يطلق عليها مسمى "عدوان" بكل ما تحمل الكلمة من ظلم وجبروت وشوفينية ودم.

والعدوان بمعناه المتعارف عليه في القانون الدولي هو"استعمال القوة من قبل دولة ضد أخرى، ولا يبرره الدفاع عن النفس أو أية استثناءات قانونية معترف بها".

فكيف عندما يكون العدوان من قبل دولة لا تأخذ بالآخر إلا ولا ذمة، ولا تردعها قوانين ولا محاكم؟ كيف وهذه الدولة تشن عدوانها ضد مدنيين يرزحون تحت حصار طويل ظالم من قبلها؟ كيف ستتصرف القوانين في مثل هذه الحالة؟

وكيف سيكون شكل العدوان وقد تجمعت تحت رايته السوداء المغمسة بالحقد ورغبة الانتقام دول الشيطان بأسلحتها وجنودها ومرتزقتها ضد قطاع ضيق، عدّته الدراسات أكثر المناطق اكتظاظا في العالم؟

وأين القانون الدولي الذي يعتبر العدوان من أكثر المعايير اللاشرعية فيه؟ بل وأين الأمم المتحدة الصهيوأمريكية التي جعلت منع العدوان بمعناه العادي من أكثر غاياتها. فكيف عندما يكون العدوان بالمعنى الذي ذكرناه؟

وعصبة الأمم المتحدة التي جعلت منع العدوان هدفا مركزيا لها، أين هي من هذا العدوان الغاشم؟

وهل تستطيع محاكم الحلفاء التي انعقدت بعد الحرب العالمية الثانية أن تأتي اليوم لتعتبر العدوان على غزة جناية تحت اسم جرائم ضد السلام؟

وأين هي ال ٢٢ دولة عربية إن جاز لنا تسميتها بالعربية بعد أن انقلب شعار "بلاد العرب أوطاني" الذي تغنينا به إلى "بلاد العرب أوجاعي"؟ فحتى تلك الخطابات التي كانت في السابق أقرب إلى حبة مسكن منتهية الصلاحية، لم نسمعها اليوم! فكأن غزة غدت جمرة ستحرق حناجرهم لو نطقوا بها!

في غزة كل شيء مختلف، فالمقاومة الفلسطينية التي تطلق عليها دولة الاحتلال "إرهابيين" دافعت في ٧/ أكتوبر/٢٠٢٣ عن شرف الأمة وحاولت انتشاله بعد أن غرق في وحل الغرب ووحل التطبيع، غير أنه أبى إلا أن يغرق.

والحرب اليوم وقد تخطت ١٣٢ يوما نجد أن المقاومة قد استطاعت فعل ما لم تقدر عليه خمس جيوش عام ٤٨ وثلاث دول في ٦٧. واليوم مقاومة يرتدي مجاهدوها بزّات الصبر والثبات، تدحر دول تطلق على نفسها "عظمى".

فلتسقط المواثيق والاتفاقيات والمحاكم الدولية التي أشاحت بوجهها عن غزة.فلتسقط كل الأعراف والقوانين التي ما صنعت إلا لتخدم بكل طاقاتها مخططات دولة الاحتلال بعدوانه الفاشي.

***

بديعة النعيمي

في المثقف اليوم