أقلام حرة

أقلام حرة

على مر التاريخ، لعبت الجدران دورا مهما في تشكيل الحضارة الإنسانية. من التحصينات القديمة إلى الحواجز الحدودية الحديثة، تم استخدام الجدران لأغراض مختلفة، بما في ذلك الدفاع والأمن والفصل. يعد تاريخ الجدران موضوعا معقدا ومتعدد الأوجه تطور عبر آلاف السنين ولا يزال يؤثر بشكل عميق على المجتمعات في جميع أنحاء العالم. سنستكشف في هذا المقال السياق التاريخي للجدران، والشخصيات الرئيسية، وتأثيرها على تاريخ البشرية، بالإضافة إلى تحليل الأفراد المؤثرين الذين ساهموا في مجال دراسة تاريخ الجدران. سنناقش أيضًا وجهات نظر مختلفة حول الموضوع وننظر في التطورات المستقبلية المحتملة المتعلقة بالجدران.

تم استخدام الجدران منذ آلاف السنين لحماية المدن والحصون والمواقع المهمة الأخرى من الجيوش الغازية والتهديدات الأخرى. في العصور القديمة، كانت الجدران غالبا ما تُبنى من الحجر أو الطوب أو غيرها من المواد المعمرة، وكانت مصممة لتكون طويلة وسميكة وغير قابلة للاختراق. ومن أشهر الأمثلة على الأسوار القديمة سور الصين العظيم، الذي تم بناؤه على مدى عدة قرون لحماية الإمبراطورية الصينية من الغزوات البربرية. ويعد السور العظيم شاهداً على براعة وعزيمة الأشخاص الذين بنوه، فضلاً عن أهمية الجدران في الحفاظ على الأمن والاستقرار.

وفي العصور الوسطى، أصبحت الجدران أكثر تفصيلا وتطورا، مع بناء الحصون والقلاع والخنادق الضخمة. تم تصميم هذه الهياكل لتحمل الحصار والهجمات التي تشنها قوات العدو، وغالبا ما كانت بمثابة رموز للقوة والسلطة. شهدت فترة العصور الوسطى أيضا تطور أسوار المدينة، التي أحاطت ببلدات ومدن بأكملها ووفرت الحماية لسكانها. غالبا ما كانت هذه الجدران مزينة بالبوابات والأبراج وغيرها من الميزات الدفاعية، مما يجعلها عملية وزخرفية.

خلال عصر النهضة وأوائل العصر الحديث، بدأت الجدران تفقد أهميتها العسكرية حيث جعلها التقدم في المدفعية والتقنيات الأخرى أقل فعالية كهياكل دفاعية. ومع ذلك، استمر استخدام الجدران لأغراض أخرى، مثل وضع علامات على الحدود، والسيطرة على الهجرة والتجارة، والحفاظ على النظام الاجتماعي. كان بناء سور برلين في القرن العشرين بمثابة تذكير صارخ بالتكلفة البشرية للجدران، حيث أدى إلى تقسيم الأسر والمجتمعات والبلدان لعقود من الزمن قبل سقوطه في نهاية المطاف في عام 1989.

وفي السنوات الأخيرة، أصبحت الجدران قضية مثيرة للجدل في المناقشات الدائرة حول الهجرة، والعولمة، والأمن القومي. أثار بناء الحواجز الحدودية في دول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل والمجر معارضة شرسة من المنتقدين الذين يزعمون أن الجدران غير فعالة ومكلفة وغير إنسانية. ومع ذلك، يرى أنصار الجدران أنها ضرورية لحماية السيادة الوطنية، والسيطرة على الهجرة غير الشرعية، والحفاظ على السلامة العامة في عالم متزايد الترابط. وقد أدى الوباء العالمي الحالي أيضا إلى زيادة الاهتمام بالجدران كوسيلة لاحتواء انتشار الأمراض المعدية والتهديدات الأخرى.

وفي الختام، فإن تاريخ الجدران هو موضوع رائع ومعقد ساهم في تشكيل الحضارة الإنسانية بطرق عميقة. من التحصينات القديمة إلى الحواجز الحدودية الحديثة، لعبت الجدران دورا رئيسيا في الدفاع عن المجتمعات، وتحديد الحدود، والحفاظ على النظام. في حين أن الجدران لها جوانب إيجابية وسلبية، فإنها لا تزال تشكل مصدرا للجدل والنقاش في العالم الحديث. وبينما نتطلع إلى المستقبل، سيكون من المهم النظر في الدور المتطور للجدران في مشهد عالمي سريع التغير وإيجاد سبل لتحقيق التوازن بين الشواغل الأمنية والقيم الإنسانية. ومن خلال دراسة تاريخ الجدران، يمكننا الحصول على رؤى قيمة حول التحديات والفرص التي تنتظرنا في السعي لتحقيق السلام والأمن والتفاهم المتبادل بين الأمم والشعوب.

***

محمد عبد الكريم يوسف

...............................

المراجع

- Jones, A. F. (2015). The Great Wall: A Cultural History. Harvard University Press.

- Smith, J. K. (2010). Walls and Borders: A Global Perspective. Wiley-Blackwell.

- Patel, R. S. (2019). Beyond the Wall: Rethinking Borders and Security in the Twenty-First Century. Stanford University Press.

 

الشعب السوداني الذي همعت جفونه، وفاضت دموعه، جراء الجشع الدنيء، الذي تفاقم شره، واستطار أذاه، من قبل بعض التجار الذين لهم قلوب أقسى من الصّوان، وأفئدة أصلب من الجلمود، على الكادح الذي أضحى قبلة للنوائب، وعرضة للمصائب، هذه الفئة التي مرضت أهواؤها، وسقمت ضمائرها، حتماً سوف تهتبل هذه الفرصة التي أتاحها لها حصيف الحُجى وزير المالية الذي أظهر الخفي، وأعلن الممضمر، عن اقتصادنا الذي نكصت رايته، واستبهمت علامته، بعد أن وعرته جوانح الحرب، وطافت به مُلِمّات الأزمة الاقتصادية العالمية.

والمواطن الذي أرتاع قلبه، ونحب فؤاده، ظلّ يرقب تصرفات من لا يحجزه تقى، ولا يردعه نهى، التاجر الجشع الذي يسلك طريقاً معور، وأثراً مجهولاً، والذي لا يحتفي إلا بالمادة التي تربطه بها آصرة أبدية، وأخيةُ مستحكمة، وغفل عمّن نبا عصب صبره، وانتكت مرائره، فالشعب الذي أيبس الفقر عوده، وهّشم الغلاء فقاره، لن يظل دوماً راضياً بما قُدِّر له، ويسكن أبداً إلى ما قُسِمَ إليه، فالحزب الصمد الذي شاع حُسن الذكر له، وذاعت المحامد عنه، والذي اشتُهِرَ بنزاهة النفس، وحصانة اليد، وظلافة الهمة، يجب أنّ يخفض رفعة هذا التاجر، ويكبح تطاوله، فالتاجر الذي لا يخشى في المواطن إلاً ولا ذمة، سوف يجد في رفع الدعم عن المحروقات بلاغاً إلى مبتغاه، وسبيلاً إلى متوخاه، فصاحب الداء العُضال، والعياء المستشري، سوف يعمد إلى الأسعار فيقفز بها حتى تصل السحاب الجون، ولن تحرك الدولة المشبل صاحبة النظرة الثاقبة، والتدبير الموفق، ساكناً لنجدة من همد صوتُه، وسكنت حركاتُه، فسياسة التحرير تمنعها عن ذلك. إنّ صرعى الفاقة، وطرائد المرض، الذين حزبهم الأمرُ، وشجنهم الحال، لا يتوقون لأن تخمد جذوة الغلاء، وينطوي عهد الشره، ولكنهم يتطلعون لأن تكون رواتبهم التي ينالونها نظير السعي الدائب، والجهد المضني، مجزية حتى تصمد إذا أسرفنا في التفاؤل لمدة تربو عن الأسبوعين من صرف الراتب، كما تطمح تلك الطائفة التي تكابد الأين، وتعالج اللغوب، أن تسعى الظئر العطوف حكومتنا الرشيدة لتوفير كل السلع الضرورية في أماكن البيع المخفض، فالغلاء الذي أنطق لسان الأبكم يجب أن تتضافر كل الجهود لكف ضلاله، وكبح شروره.

***

د. الطيب النقر

 

قبل ثلاثة اسابيع؛ مرت علينا ذكرى الغزو الأمريكي للعراق في 19 مارس 2003. غزت أمريكا العراق عن سابق تخطيط وإعداد، لا كما يقول الأمريكيون، من أنه كان خطأ. كما أنه ليس بدفع من المحافظين الجدد على أهمية موقف هؤلاء من الغزو أو الدفع للتسريع به، الحقيقة أن عملية الغزو هي جزء من مخطط كوني أمريكي، وهذا هو ما أثبتته كل الأحداث التي تلت الغزو، سواء في العراق أو في المنطقة العربية.

أمريكا بغزوها هذا لم تسقط النظام فقط، بل إنها بتصميم مسبق دمرت الدولة العراقية بصورة كاملة.. وغيرت البيئة الجغرافية له؛ باستخدام غاز (الكيمتريل)، سواء في حربها عليه عام 1991، أو في عملية الغزو التي انتهت باحتلاله، إضافة الى استخدامها لليورانيوم المستنفد. استخدامها للأسلحة المحرمة دوليا؛ هو ما يفسر التصاعد المرعب لعدد المصابين بالسرطان في العراق. والأكثر رعبا لحاضر الشعب العراقي ومستقبله، والأكثر إجراما بحقه؛ هو استخدام أمريكا لتقنية (الكيمرتيل) حتى بعد احتلالها العراق ولسنوات.. هذه التقنية أثرت في مناخ العراق. الولايات المتحدة تريد تدمير العراق ليس حاضرا فقط، بل مستقبلا أيضا فقد خططت وتخطط لتجريده من كل مقومات وأسس التطور والتنمية؛ لإخضاعه لها ولسياستها، سواء في المنطقة العربية أو على المستوى الإقليمي. هذه التقنية وبالذات على المستوى العسكري، وعلى مستوى جغرافية الأرض في أي دولة في العالم؛ ستسبب كوارث بيئية، فهي وكما يقول خبراء الشأن العسكري العلمي؛ إنها ستكون مستقبلا بديلا عن السلاح النووي، الولايات المتحدة الأمريكية، سوف تجر العالم إلى سباق تسلح بين القوى العظمى في العالم؛ أي أنها بؤرة ومركز الخطورة على كل شعوب الأرض. تقول أمريكا إنها تسعى مع الحكومة العراقية إلى تطوير العلاقات بينهما، بما فيه مصلحة الدولتين، أي نفاق وأي فرية وأي كذبة هذه التي تقول بها أمريكا؛ وهي تستخدم تلك التقنية على الأرض العراقية؛ حتى تجرده من مقومات قوته، في الزراعة والبيئة. السؤال المهم هنا ماذا تريد أمريكا من العراق؟ هل تريد له أن يكون تابعا لها إلى الأبد؟ وهل تريد له أن يستمر بالاعتماد على النفط والغاز فقط كما هو حاصل بسبب البيئة في دول الجوار العربية. الولايات المتحدة تخطط للسيطرة على العراق إلى آماد بعيدة جدا؛ عبر هذه الوسائل وغيرها الكثير مما يقع في الاتجاه ذاته. وفي مقال كتبه مؤخرا، الدكتور جاسم يونس الحريري: (في ‏28‏ يناير‏1991‏ قامت الطائرات الأمريكية بإطلاق غاز(الكيمتريل) فوق العراق، بعد تحميله بالسلالة النشيطة من الميكروب المهندس وراثيا لحساب وزارة الدفاع الأمريكية، للاستخدام في الحرب البيولوجية، وذلك بعد أن قامت واشنطن بتطعيم الجنود الأمريكيين باللقاح الواقي من هذا الميكروب قبل إرسالهم لميدان المعركة). وفي ‏محاضرة ألقاها الكولونيل تامزي هاوس أحد جنرالات الجيش الأمريكي ونشرت على شبكة معلومات القوات الجوية الأمريكية، كشف فيها أن الولايات المتحدة ستكون قادرة في عام 2025 على التحكم في طقس أي منطقة في العالم عن طريق تكنولوجيا عسكرية غير نووية، يتم إطلاقها من خزانات ملحقة بالطائرات النفاثة، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تسعى لاستخدام تقنية الكيمتريل كجزء من أدواتها الرئيسية للحروب المستقبلية. مشروع (الدرع لتبريد الكرة الأرضية بالهندسة الجغرافية والمناخية)، بدأت أمريكا في استخدامه في حروبها الخاصة، الأخطر أن إسرائيل حصلت على تلك التقنية، التي تجعل الأسلحة النووية بجوارها صفرا على الشمال، وربما يكون حصولها على «الكيمتريل» وراء موافقتها على تفتيش منشآتها النووية والموافقة على جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل. عالم الهندسة الجوية العراقي وخريج إحدى الجامعات الروسية البروفيسور نوري القيسي، يشير إلى حقيقة أخرى، فهو وبعد طول دراسة وبحث تأكد أن سبب تلك الظواهر البيئية الجوية في العراق، التي ميزته عن محيطه الدولي هو مادة (الكيمتريل). وكل عراقي يعرف هذه القضية، لكنه يفتقد الوعي بها، فمنذ سنوات ونحن نشاهد الطائرات المحلقة في أجواء العراق تنشر غازا أبيض بشكل كثيف فوق المناطق العراقية، وهذا الغاز يتكاثف ويتزايد حجمه، ويأتي بعده يوم مغبر حار جاف، وشتاء العراق لعام 2010 شاهد على هذا الأمر، فقد قمت بمتابعة القضية وصورت كل المرات التي حلقت بها تلك الطائرات، ونشرت سمومها ليتحول مناخ العراق إلى الجفاف والحرارة، وإلا فمن يصدق أن العراق بلد المطر (بارد ممطر شتاء) كما تقول العلوم الجغرافية، التي يدرسها العراقي منذ الأزل، يتحول إلى جاف حار شتاء، وحتى تاريخ 10/12/2010 والسماء لم تنزل قطرة مطر واحدة على العراق، ولا تزال درجة الحرارة تراوح عند 22 ـ 27 درجة مئوية) انتهى الاقتباس. أمريكا على خطأ تماما؛ إذ تتصور أن بإمكانها من خلال هذه الوسائل الإجرامية، كما في غيرها؛ أن تتحكم بمصير العراق شعبا ودولة وأرضا وسماء، إنها واهمة بالكامل؛ لأن شعب العراق لا يعرف الرضوخ والتبعية، وسيخرجها عاجلا أو آجلا من أرضه وسمائه.. لقد مرت على أديم أرضه في عصور وأحقاب مختلفة؛ سنابك خيول الغزاة، لكنها في نهاية مشوارهم الاحتلالي والإجرامي؛ خرجوا بخفي حنين من دون ان يحصلوا على ما خططوا للحصول عليه؛ من نهب واستغلال لثرواته. كما أن الشعب العراقي فيه الكثير جدا من المفكرين والباحثين عن الحقيقة؛ الذين يعرفون تماما ما تريد أمريكا من وطنهم، وفي كشف وإماطة اللثام عن كل ما تخطط وتنفذ أمريكا من جرائم. الولايات المتحدة الأمريكية، بسياساتها هذه؛ تسحب كل العالم للدخول مجبرا إلى أتون نيران جديدة؛ تسلب منه الأمن والاستقرار والسلام، سواء حاليا كما هو جار، أو في المستقبل المنظور والمتوسط والبعيد؛ بفتحها مجالات جديدة بالإضافة إلى القديمة؛ لسباق تسلح جديد بين القوى العظمى في العالم. الأمريكيون أكثر من اي دولة عظمى؛ تتحدث عن حقوق الإنسان وعن السلام والتنمية والاستقرار في العالم، بينما الحقيقة هي عكس هذا تماما. القوى العظمى وليس أمريكا وحدها؛ كل همها هو بقاؤها كدول عظمى، وبما يكفل لها البقاء متسيدة على العالم، وتمسك بكل مفاتيح التحكم فيه. أمريكا بفعل إمكانياتها وقدراتها؛ تدفع الدول الكبرى إلى سباق تسلح يختلف مع اختلاف العصر، كما حصل في الحرب الباردة، وكما هو حاصل فعليا في الوقت الحاضر. جل الشعوب ودول العالم، هما الضحية لهذه التطورات وآفاق هذه التطورات في جانبها العسكري، وحتى في الجغرافية لجهة تحولها طبقا للمصلحة الأمريكية. ماذا تريد أمريكا من العالم؟ إنها تريد أن تتحكم في مصيره لصالح شركاتها، التي هي في التحليل النهائي؛ الإدارة الأمريكية وهي أيضا البرلمان ومجلس الشيوخ ومؤسسات الدراسات الاستراتيجية؛ أي أن الشركات الأمريكية هي أمريكا دولة ونظام حكم وخططا طموحة، وقد سعت وتسعى لإقامة ما يشبه حكومة عالمية تحكم الكرة الأرضية. السياسة الأمريكية هذه؛ كان من نتيجتها تراجعها كقوة عظمى في الاقتصاد، وانحسار قوتها وهيمنتها في الكثير من الأمكنة في العالم. وهي في الطريق، لأن تفقد الكثير والكثير جدا، من قوتها ونفوذها، بالإضافة إلى الداخل الأمريكي القلق والمضطرب. لكنها حتى هذه اللحظة لم تتراجع قيد شعرة عن طموحاتها في التحكم بمصير العالم؛ دولا وشعوبا. السياسة الأمريكية هذه؛ تصدت لها القوى العظمى والكبرى في العالم ليس لمصلحة العالم، بل لمصلحتها في إطار التنافس على الهيمنة والسيادة والنفوذ والاستغلال، بطريقة أخف كثيرا، بل للحقيقة تختلف كليا عن الاستغلال الأمريكي لنفوذها في دول وشعوب بعينها.. ما يحدث في العراق من مخطط أمريكي؛ لاستدامة احتلالها له بطرق ظاهرة وطرق أخرى خفية، وفي الحرب الروسية الأمريكية على الأرض الأوكرانية، وفي آسيا الوسطى وفي بحر الصين الجنوبي، وفي غزة وما يجري فيها أو ما تقوم إسرائيل فيها من مذابح وإبادة جماعية؛ لا يخرج عن هذا الصراع، بل هو قلب هذا الصراع؛ الذي سوف يغير شكل وصورة المنطقة العربية وجوارها والعالم..

***

مزهر جبر الساعدي

 

قالها قس بن ساعدة قبل بزوغ  الإسلام، فهل أدركناها؟.. الواقع المعاصر يشير إلى أننا نتخندق في الفائتات، ولا نأبه للآتيات، ونستلطف الغوص في دياجير الغابرات، فلا ضوء في نهاية أنفاق متاهاتنا الظلماء.

لو تأملنا أية حالة لوجدناها غائرة في الفائتات، وما أكثر القول بالنظام السابق، والنظام البائد، الذي نضع على عاتقه ما نعانيه في حاضرنا، ولا نجرؤ على العمل بموجب "ما فات مات"!!

وإذا تكلمت في أي موضوع تأتيك التبريرات ودواعي المقبولية، لأنه قد حصل في زمن مضى، والمسألة تكرارية .

عالم يسير للأمام ويتسلق سفوح الأمجاد  بالإختراع والإبتكار والتنافس الإبداعي المطلق ، ونحن نندحر في نقاط زمنية، ونحسب الأرض متوقفة عن الدوران، فلا جديد، بل إعادة للقديم والعيش في رحم الغابرات، ولا قدرة على التفاعل مع الآتيات.

وكأننا مثل الذي حفر خندقا حول المدينة بعد معركة الخندق بعقود لحمايتها، متوهما بأن ذات الآلية تصلح لحاضره!!

وإياك، إياك أن تردد "ما فات مات"، وعليك أن تؤمن بأن ما فات عاد، ويمكننا أن نعيش ما نتصوره ونتخيله عنه، فالأوائل ما كانوا بشرا بل من جنس الملائكة، أو أصحاب طاقات وقدرات لا مثيل لها فوق التراب.

وما فات عظيم ومقدس ولا يمكنه أن يموت، وعلينا أن نتمسك به وندعي القدرة على إحيائه وتمثله والإنطلاق به.

وما عرفناه، ولا إتخذناه ركيزة إنطلاق نحو إنجازات معاصرة، ذات قيمة حضارية ساطعة.

وما فات ما مات، وهكذا نعمه في قيعان الويلات!!

و"كن مخلصا في عملك تبلغ أقصى أملك"!!

***

د. صادق السامرائي

 

1 - لا نعني هنا إيمان بسطاء الناس، الذين يتعاملون معه، بالصدق ونبل العواطف والنوايا الطيبة، وحلمهم في أن يعوضهم الله، عن جهنم الدنيا، بقطعة فردوس واشياء اخرى يفتقرون اليها، في جحيم وطنهم، الى جانب الخوف، من وهم عذاب القبر وعذاب الله لهم في جهنم الآخرة، ذلك الذي يفبركه شياطين الوسطاء، من أجل ابتزازهم في خرافة الشفاعة، نقصد هنا حصراً، الدين الذي تسير عليه، قدمي المصالح المشتركة، للأنظمة الشمولية وشياطين اصحاب المذاهب، وكذلك الذين، افترضوا تمثيلهم للرب على الأرض، وبمنتهى الشطارة والأحتيال، فرضوا على العامة، كتبهم وافعالهم ثم سوقهم بالأكراه، على قبول دين جديد، جرائم استغباء. لبلع عظمة تغيير العقائد.

2 - معدمي الأرض وجياعها، ونتيجة لقسوة الجهل والأوبئة والكوارث الطبيعية، ومنذ الاف السنين، يبحثون عن مخرج انساني، وعبر تلك المعاناة وقفزات الوعي الخارقة للعقل البشري، تشكلت في العراق، ما يقارب السبعة حضارات انسانية تقريباً، قدمت انجازات علمية وأجتماعية، لا زالت معالمها شاخصة، في اغلب متاحف الدنيا، العراق المتوج بالنهرين الخالدين (دجلة والفرات)، لم تتوقف انجازاته الحضارية، التي شاركت فيها، جميع مكوناته البشرية ما بين النهرين، حتى اجتياح الفتح (الغزو) الأسلامي قبل (1400) عام تقريباً، حيث تم قطع الشريان الحضاري، الذي يوصل بين تاريخ الأنسان ومستقبله، فوقع العراق كاملاً، في عتمة الجهل والفقر والأمراض والأذلال، وتخلف متواصل الى يومنا هذا.

3 - كان الصراع دموياً، بين شعب في رأسه عقل، وغزاة قلوبهم من حجر، طموح لا يهداء، في رغبة العودة الى ما كان عليه العراق، مسلسل انتفاضات وثورات عنيدة، كلفته قوافل شهداء وجرحى، وسجناء ومنفيين، وكان الدين غطاء، للاحلاف المشينة، بين القوميين والأسلامويين، وظفوا بعض الأماكن المقدسة، عند بسطاء الناس، فكانت مكة في السعودية، والأزهر في مصر، والنجف في العراق، المتاريس الحقيقية لتدمير الأنسان العربي، والعراقي منه بشكل خاص، وكسر معنوياته ومسح هويته الوطية، فالحلف غير الشريف، بين الدولة والدين السياسي، كلفت شعوب المنطقة، خسارات جسيمة، يرافق ذلك جرائم قطع الأعناق والأرزاق، وفرض العقوبات المجحفة، اقتصادياً واجماعياً وثقافياً.

4 - حلف الدين السياسي والأنظمة المتخلفة، قائم على مشتركات مصيرية، هذا الحلف لا يمنع الأثنين، عن ارتكاب جرائم الخيانات الوطنية، وذات الحلف، يتسع لأصحاب المذاهب ومختلف القوميات، فالمنافع الذاتية والحزبية، تجعل الحلف شديد التماسك وحشي الأجراءات، شاهدنا في العراق، كيف تعامل الأسلامويين والقوميين الصغار، بوحشية مفرطة مع أنتفاضة الحق العراقي، في الأول من تشرين 2019، كسروها بوحشية، لكنها لن تموت، حثالات الردة، من زاخو حد الفاو، ينامون على جمرة الخوف، والأحتمالات غير الساره، تقترب من ابوابهم، وغدا ستطرقها الأنتفاضة لتخرجهم منها عراة، الا من فضائح ملفات فسادهم وارهابهم، غداً ستشرق شمس الله، لتعلن حقيقة  العدل والجمال فيه، وأنه (ألله) في صميم الأنسان، وليس له وسطاًء على الأرض، وهو قابع فينا، لن يحتاج وسيطاً علينا، ليشيطن العلاقة الأنسانية، بين الله والمواطن العراقي، ذكراً كان ام انثى.

***

حسن حاتم المذكور

09 / 04 / 2024

 

الألم الشديد كما قال شيلر يجعل المرء يشعر بأنه الموجود الوحيد. ولا بد بأن الناجين من مجزرة دير ياسين شعروا بأنهم الموجودون الوحيدون.

فضحت شمس السماء، المستور في الأزقة والساحات والبيوت يوم الحادي عشر من نيسان، يوم تمكن ممثل الصليب الأحمر من دخول قرية دير ياسين فوقعت عيناه على أكبر مشاهد للإرهاب في القرن العشرين، القرية التي اغتصبت على حواف بنادق خانتها رصاصاتها...

تقع قرية دير ياسين التابعة للقدس والتي لا تبعد عنها أكثر من كيلومتر على تل يبلغ ارتفاعه ثمانمائة متر. يفصلها عن مستعمرة غفعت شاؤول الأقرب إليها واد زرع منذ عشرات السنين بأشجار التين واللوز وكروم العنب. وتعتبر هذه المستعمرة التي تم تأسيسها عام 1906 هي بداية الاستيطان اليهودي في قرية دير ياسين.

منذ عام 1944 كانت قد وضعت خطة سميت دالت تقضي بتوسيع الدولة اليهودية إلى أبعد من حدود التقسيم التي اقترحتها خطة التقسيم للأمم المتحدة ، ولم يتم العمل بها إلا في ابريل 1948 وذلك بعملية نحشون والتي كان الهدف منها فتح ممر يربط تل الربيع بالقدس فكانت قرية دير ياسين من ضمن هذه الخطة.

والذي يدللنا على أن اليهود لا عهود لهم هو ما حدث قبل أسبوعين من المجزرة حيث تم توقيع معاهدة سلام طلبها رؤساء المستوطنات القريبة من دير ياسين حيث وافق عليها أهالي القرية.

قامت عصابتي الأرغون وتشيرن بشن هجوم على القرية قرابة الرابعة وخمسة وعشرون دقيقة من ذلك الفجر الرمادي فجر التاسع من نيسان لعام 1948.فدخلت القرية من عدة محاور وأطبقت عليها الهجوم، فتصدى لها أهالي القرية بأسلحة قديمة قاموا بشرائها من مصر. حيث قاتلوا حتى آخر رصاصة وكان النصر من نصيبهم لولا تباكي عصابتي الأرغون وتشيرن عند الهاجاناه التي سارعت إلى تعزيزهم بمدافع الهاون الأسلحة الأتوماتيكية من مستعمرة غفعت شاؤول.

لم تكتف العصابات اليهودية من إراقة الدماء والقتل والاغتصاب والتمثيل بالجثث بل لقد قاموا بأخذ عددا من أهل القرية الأحياء بالسيارات واستعرضوهم في شوارع الاحياء اليهودية وسط هتافات اليهود وبعد ذلك عادوا بهم إلى القرية وأجهزوا عليهم. غادر على جمر الألم من غادر إلى قرية عين كارم وتشرد أيتام القرية في شوارع القدس يبكون أبا وأما ومنهم من بكى عائلته بالكامل.

وكانت من أهم نتائج هذه المجزرة وكما قال مناحيم بيغن لولا دير ياسين لما قامت إسرائيل.

ذلك أن المجزرة أسهمت في تفريغ البلاد من معظم أهلها..

ويبقى السؤال..من المسؤول؟ ومن هو القاتل الحقيقي؟ التواطؤ أم الصمت؟

***

بديعة النعيمي

 

ما علاقة مكالمة بايدن الأخيرة بقرار الانسحاب؟ وهل اقترب موعد الهجوم على رفح؟ وأسئلة أخرى

دخلت على السردية الإسرائيلية غير المستقرة، عبارة شذت عن المسار التقليدي لمجريات حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، عقب المنحنى المفاجئ للعلاقة الأمريكية الإسرائيلية وصولاً إلى ما انتهت إليه المكالمة شديدة اللهجة التي أجراها الرئيس الأمريكي جو بايدن مع نتنياهو يوم الخميس الماضي 4 ابريل 2024.

هذه المكالمة كما يبدو كانت حاسمة، حيث أدت إلى رضوخ نتنياهو للمطلب الأمريكي المتعلق بإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة درءاً لاستفحال المجاعة ومن ثم تحميل إزرها للولايات المتحدة.

لذلك حذر بايدن عبر مخابرته في أن الولايات المتحدة ستقوم بتغيير حاد في سياساتها الداعمة للحرب في القطاع؛ وقد تعيد النظر في صفقة الأسلحة المبرمة مع "إسرائيل"، والتي كان من المفروض أن تُنَفّذُ في نفس اليوم الذي حصلت فيه مجزرة عمال الإغاثة السبعة التابعين ل"لمطبخ المركزي العالمي"، الذين قتلوا من جراء تعرضهم لقصفٍ إسرائيليٍّ جوي.

هذه الجريمة ما كان لها أن تمر لولا انتماء الضحايا لأكثر من دولة غربية كبريطانيا وفرنسا وأستراليا وكندا وأمريكا؛ ما ألَّبَ الدول الغربية على نتنياهو، وزادت من عزلة "إسرائيل" عالمياً.

لا بل عززت أيضاً من دوافع بايدن لإجراء هذه المكالمة المفصلية، بغية التخفيف من وطأة الضغوطات التي تزايدت على الإدارة الأمريكية من قبل دافعي الضرائب، الذين يشعرون بالغُبْنِ لأن أموالًهم بدلاً من استثمارها في التنمية المستدامة داخل بلادهم، فإنها تصرف في دعم الحرب المشينة على قطاع غزة، الأمر الذي أثر سلبياً على مركز الحزب الديمقراطي في الانتخابات المقبلة.

من هنا ولأسباب أخرى، أعلنت "إسرائيل" الجمعة الماضية 5 أبريل 2024 أنها ستسمح "مؤقتاً" بإدخال مساعدات انسانية إلى شمال غزة المهدد بالمجاعة.

ويوم أمس ذهبت "إسرائيل" إلى أكثر من ذلك بعد مرور 184 يوم على حرب غزة، إذْ سحبت بشكل مفاجئ كلّ قواتها من جنوب القطاع، بما في ذلك خان يونس؛ لكنّها أبقت على «قوّة كبيرة» في بقية أنحاء الجيب الفلسطيني المحاصر، لقطع شمال القطاع عن جنوبة، منعاً لالتحام جزأي القطاع ومنعاً لعودة المقاومة حماس إلى سابق عهدها، وهو هدف جاء خلافاً للأهداف المعلنة بداية الحرب بسبب صمود المقاومة والالتفاف الجماهيري الأسطوري حولها.

فيما أوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم أمس الأحد أن بلاده على بُعد خطوة واحدة فقط من النصر، متعهّداً بعدم إعلان وقف لإطلاق النار حتى تُفرج حركة «حماس» عن جميع الرهائن.. وهذا وهم لا يمكن تحقيقه إلا بانتظار موقف حماس إزاء المفاوضات المقبلة حول صفقة تبادل الأسرى.

إلا أن مراقبين ربطوا هذا الانسحاب بعملية خان يونس المركبة في سياق استنزاف جيش الاحتلال مادياً وبشرياً، ووقع ذلك لو استمر على موقف نتنياهو إزاء مناوئيه في الداخل الإسرائيلي.

فقد أعلنت كتائب القسام في بيان لها: أن مقاتليها قتلوا (تسعة) جنودٍ إسرائيليين، وأصابوا آخرين، في منطقة الزنة شرقي خان يونس، موضحة أنها استهدفت (أربعَ) دبابات ميركافا بقذائف "الياسين 105″، مشيرة إلى أنه فور تقدم قوات الإنقاذ إلى المكان ووصولها إلى وسط حقل ألغام أُعد مسبقا، استُهْدِفَتْ بتفجير (ثلاثِ) عبواتٍ مضادةٍ للأفراد.

كما أعلنت كتائب القسام قتل (خمسةِ) جنودٍ إسرائيليين من مسافة صفر وإصابة آخرين وتدمير ناقلة جند بمنطقة حي الأمل غرب خان يونس، فضلاً عن استهداف دبابة إسرائيلية أخرى بقذيفة الياسين 105 وقوة راجلة بعبوة وإيقاعها بين قتيل وجريح في خان يونس.

ويبدو أن استجابة نتنياهو لمكالمة بايدن وُظِّفَتْ لتبرير انسحاب جيش الاحتلال من مستنقع غزة، فيما تُرِكَ البابُ بالنسبة له موارباً؛ لاستئناف الحرب سعياً منه لتحقيق أهداف نتنياهو "الوهمية" من خلال الإعداد للهجوم الموعود على رفح.

يؤكد ذلك ما قاله وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في أن الجيش يستعدّ لعملية في رفح. مؤكداً أنّ "قواتنا تستعدّ لمواصلة مهامها، بما في ذلك... في منطقة رفح"،

جاء ذلك عقب إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي في أنه سحب قواتَه من خان يونس لأنّ «حماس لم تعُد موجودة كإطار عسكري» في المدينة.

ولم يفسّر هذا الإعلان سبباً وجيهاً لاستمرار هجمات حماس عليه في عموم القطاع ولو بزخم أقل ما يثبت أن الانسحاب الإسرائيلي ما هو إلا اندحاراً جاء بفعل ضربات المقاومة المؤثرة.

لا بل أن مكالمة بايدن وفق الرؤية الأمريكية، قدمت لنتنياهو حبل الإنقاذ من مصير أسود كان ينتظره بفعل العزلة التي يعاني منها وعجزه عن تحقيق أهدافه، لو بقي الحال على ما هو عليه من التردي الميداني، حيث فتحت الطريق أمامه للخروج من عنق الزجاجة بتأكيده على أن «إسرائيل مستعدّة للتوصّل إلى اتفاق» هدنة، بِيْدَ أنّها «غير مستعدّة للاستسلام»، معتبراً أنّه «بدلاً من توجيه الضغوط الدولية نحو إسرائيل، وهو ما يؤدّي إلى تمسّك «حماس» بمواقفها، ينبغي توجيه ضغوط المجتمع الدولي ضدّ «حماس»، وهذا من شأنه أن يؤدّي إلى إطلاق سراح الرهائن».

وفي سياق متصل، وصل الوفد الإسرائيلي برئاسة رئيس «الموساد» ديفيد برنياع إلى القاهرة أمس، وفق «القناة 13» الإسرائيلية. منوهةً إلى أن «الولايات المتحدة تتولّى قيادة المفاوضات»، وأنها «تُمارس ضغوطاً هائلة» طبعاً على "إسرائيل" كونها مثلت العقبة الكأداء في كل مراحل المفاوضات، فيما قرّرت حكومة الحرب" الكبينت» توسيع صلاحيات الوفد الإسرائيلي من باب المرونة إزاء ما قد يطرحه الجانب الفلسطيني، وهذا تطور إيجابي لافت.

و أفاد بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الجمعة الماضي بأن "إسرائيل" وافقت على إعادة فتح معبر إيريز المؤدي إلى شمال غزة والاستخدام المؤقت لميناء أسدود في جنوب "إسرائيل" لزيادة المساعدات الإنسانية للقطاع. وأضاف البيان أن الحكومة وافقت أيضاً على توسيع دخول المساعدات من الأردن عبر معبر كرم أب.

وتتسارع هذه التطورات وسط ضغوط داخلية من الشارع الإسرائيلي، حيث احتشد المتظاهرون أمام مبنى الكنيست في القدس المحتلة، الذي دخل في عطلة عيد الفصح اليهودي، وردّدوا شعارات مثل "كلّهم أحرار الآن! صفقة الآن!» و«أحياء أحياء وليس في نعوش» فتعنت نتنياهو صار لا يطاق على كافة الأصعدة في "إسرائيل".

هذه التداعيات تركت أثرها السلبي في العقل الإسرائيلي إزاء عبث نتنياهو بمصير "إسرائيل"، وخاصة حول تداعيات العلاقة الإسرائيلية مع الولايات المتحدة التي طالما شكلت صمام الأمان لوجود الكيان الإسرائيلي الذي بات في مهب الريح، بفعل إنجازات المقاومة في غزة والتي وضعت الاحتلال في عزلة دولية.

ففي تقييمه للعلاقة الأمريكية الإسرائيلية، قال نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، تشاك فريليتش في مقابلة مع DW مؤخراً، حيث أعرب عن قلقه إزاء التغير الذي طرأ في العبارات التي تخرج عن المسؤولين الأمريكيين، قائلاً "هذا ما يُقال عن جمهوريات الموز. إذا لم يغير نتنياهو نهجه قريباً جداً، وإذا لم تكن هناك حكومة جديدة قريباً جداً، فسوف يكون لذلك تأثير دائم ".

حينها علق على ذلك إيان لوستيك، المتخصص في الشؤون الإسرائيلية وأستاذ العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا، قائلاً :"انتقلت الولايات المتحدة (في علاقاتها مع إسرائيل) من مرحلة الضوء الأخضر إلى مرحلة الضوء الأصفر وحالياً في مرحلة الضوء البرتقالي".. على نحو" امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، ما سمح بتمريره وذلك على النقيض من المواقف السابقة. طبعاً الضوء الأحمر يشكل القطيعة وهذا مستحيل.. فأمريكا قد تتحايل على ناقديها بتنازلات هامشية لكنها لا تتخلف عن تقديم الدعم ل"إسرائيل" في حرب هي شريكة فيها، سوى أن مصدر إزعاجها هو رجل ك"نتنياهو" يبتغي جر المنطقة إلى كوارث من منطلق شخصي دون مراعاة لمصالح "إسرائيل" وحلفائها العليا.

حتى حليفه ترامب الذي كان عاقداً الأمل عليه حال فوزه في الانتخابات المقبلة انقلب عليه، إذْ ضاق ذرعاً بسياسته اليمينية الخرقاء، داعياً إياه إلى إيقاف الحرب على غزة، والجنوح إلى الحل السلمي، وذلك في مقابلة مع برنامج "ميديا باز" في 17 مارس 2024..

ومع كل ذلك فالرهانات على قيام نتنياهو بالهجوم على رفح تقع خارج كل المعايير فهي موجودة في عقله المثقل بشروط حلفائه الليكوديين واليمينيين. ولا نملك إلا انتظار مآلات الحرب في الميدان.. فرجال السياسة يكذبون.

***

بقلم بكر السباتين

8 أبريل 2024

 

ردا على الذين لا يؤمنون بالله تعالى وينكرون وجوده بتفكير قاصر وضعيف الإدراك أو بعناد مع أنفسهم التي جبلت على العناد والرفض بعيدا عن التفكير والتفكر والتدبر والفطرة السليمة للإنسان وبطريقة عقلانيه تحترم العقل وترتقي به إلى مستوى الفهم البشري الحالي وبنقاش هادئ موضوعي مثمر نقول أن الله تعالى لا يرى بالعين المجردة ولا بالحسيات المادية كون أن معرفة الله تعالى والتسليم المطلق بوجوده هو فكري عقلي وقرار متجرد عن الأهواء البشرية مدرك للأمور من حوله للموجودات المحدثة كون أن كل محدث لا يمكن وجوده إلا بواجد الوجود القائم بذاته قادر على الإيجاد لا يمكن إحساسه أو رؤيته وغير محتاج للغير وخلاف ذلك لا يمكن أن يسمى إلها بوجود  خالق يمكن خلقه غيره ومهما كانت تسميته (الله – الخالق – الواجد -  الموجود – المصمم - الفاطر) وغيرها من المسميات فلا يوجد فوق هذا الخالق الواجد لكل الكون وما فيه ألا أن يكون قادرا متمكن على خلق موجداته بدون معين أو بديل أو شريك في الملك لهذا نحن نقدس ونحترم ونطيع ونشكر ونحمد هذا الواجب الوجود المطلق الذي يدير ويدبر الكون رب الأرباب الذي لا يخضع إلى زمان ولا مكان وخارج الوعي الإنساني لا تحده صورة وليس محتاج لأنه له القدرة المطلقة على الإيجاد فالنظرة الواسعة المدركة المحترمة للعقل عليها أن تنظر لهذا الخالق للوجود بنظرة الخشوع والإذلال والخشية والتسليم بوجوده كلما زادت المعرفة بالموجودات وملكوت السموات والأرض وما بينهن وكلما بعدنا عن الرسالات والآيات البينات للكون والرسل والأنبياء المنذرين والمبشرين كلما زاد قربنا ومعرفتنا بالخالق المطلق فان المعرفة والعرفان والشكر للخالق العلي هو أطاعته في الأمور التي ينهانا عنها والأماكن التي لا يريد أن يرانا فيها فالأمر بأوامره والنهي عن نواهيه هي مراده وكلها تصب في مصلحة البشر بالمطلق من خلال التعامل بين البشر وبني جنسه أو غيرهم على أساس القيم والمبادئ الانسانيه والأخلاق والتعاملات التي تنظم حياة الفرد في مجتمعه وضمن المجتمع الكلي للبشر كعالم واحد أوجده الواجد فكلما كان الإنسان في دائرة القيم الاخلاقيه الحميدة والعمل الصالح كلما كان قريبا من الصانع للكون بغض النظر عن التسمية حينها يكون البشر ضمن نطاق مراد الخالق ومطابقا لفلسفة خلق الإنسان والكائنات الأخرى على سبيل هداية واضحة معروضة على العقل البشري للأخذ بها وطاعة العمل بها توصل الإنسان إلى الخير والسعادة في الحياة الدنيوي واما المعصية تقوده للتعاسة .فعلى الإنسان الانقياد بعقله السليم وفطرته الإنسانية على إدراك بوجود منظم ومسير وقائدا لهذا الكون بمفرداته المتعددة . أن تطبيق هذه القيم والمبادئ الإنسانية والعلاقة بين البشر والموجودات من حوله والعمل بها ومحاولة  معرفة أسرار الكون المترامي الأطراف توصلنا إلى الخالق البديع سبحانه وتعالى من غير أن نخوض في التفاصيل الفلسفية المعقدة والسفسطائية العقيمة بل بالرؤية الواقعية المحاكية للواقع المعروضة على العقل النير الخالي من الشوائب الدنيوية العالقة منذ آلاف السنين.

***

ضياء محسن الاسدي

 

عدت لما جمعته من أعمدة الكاتب المصري المعروف (مصطفى أمين) (1914 - 1997)، والتي كان ينشرها في جريدة الشرق الأوسط، ورحت أتصفحها، فمللتها، وكنت أتمتع بقراءتها في حينها.

وتساءلت: لماذا أتمتع بما كتبه زهير بن أبي سُلمى، قبل أكثر من أربعة عشر قرنا؟!

يبدو أن الكتابات الأصيلة تجيد السباحة في نهر الخلود، أما الكتابات الدخيلة فذات أعمار خاطفة، إذ تموت في لحظة ولادتها.

فهل نكتب أصيلا؟!!

السائد أن كتاباتنا إجترارية، وتدور في دائرة مفرغة، محكومة بالماضي والدين والكرسي، ولا نعرف التحرر والتفاعل مع العصر بمعطياته، وإستخلاص العناصر الكفيلة بصناعة الأصيل الواعد.

من تعريفات الشعر التي تبدو أقرب إلى الصواب أنه "الكلام الخالد"!!

أي أنه الكلام الذي يخترق حواجز الزمن.

العديد من كتب الأوائل في مسيرة الأمة الحضارية، لا تزال قراءتها ممتعة، وأكثر الكتب المعاصرة تنفر منها من أول صفحة.

والكم الهائل مما يُسمى بالشعر، لا يتعدى كونه هذربات، وبوحيات لا تمت إلى الشعر بصلة، وتزريف كلام.

كتّاب الكيبورد ما عادوا يتفكرون فيما يكتبون، ولا يجهدون أنفسهم في إختيار المفردات، وبناء العبارات، وإنما هي رقصات أصابع على مسرح الكيبورد.

وتجد الشكاوى تتزايد على أن القراءة إنكمشت، ومعارض الكتب صار الكتاب فيها بضاعة بائرة، ودور النشر تحولت إلى متاجر أو أغلقت أبوابها، وغادرت عملها الذي ما عاد مجديا.

والسبب فقدان الكلمة لقيمتها، وللكتاب أهميته ودوره، ولطوفان الكمية وإنتفاء النوعية، وتساوت " الكرعة وأم الشعر"!!

فهل أن الكتاب يحتضر، والكتابة هَزلت؟!!

***

د. صادق السامرائي

تعتبر الحركة العمالية الصهيونية الحركة التي وضعت الأساس لعمليات التطهير العرقي، وهي أيضا من خططت له ونفذته بقيادة "دافيد بن غوريون" في ذلك المبنى الأحمر الذي تم بنائه في العشرينات من القرن المنصرم، ثم أصبح في ١٩٤٧ مقرا لعصابة الهاجاناه.

وفي ١٠/آذار/٤٨ اجتمع قادة صهاينة في هذا المبنى ووضعوا اللمسات الأخيرة لخطة التطهير العرقي في فلسطين.

والجدير بالذكر أن هذه الخطة كان قد بدأ التأسيس لها قبل ذلك بأربع أعوام أي في ١٩٤٤. وبدأت عمليات القتل والطرد والاغتصاب والهدم منذ ليلة العاشر من آذار ٤٨.

وقد ارتكبت العصابات الصهيونية كل تلك الفظائع والأعمال الوحشية من أجل طرد الفلسطينيين، ومنها على سبيل المثال تلويث القناة التي تصل المياه عبرها إلى عكا بجراثيم التيفوئيد.

وبعد أن حققت تلك الحركة العمالية بقيادة الأشكيناز العلمانيين أهدافهم في تأسيس الدولة تحولوا إلى أقلية بعد مرور الوقت، ودخلت حركتهم العمالية في ازمة بسبب محاولتهم إنشاء دولة ديمقراطية شكلية على أنقاض حرب ٤٨ وما ارتكبته عصاباتها  كما ذكرنا من تدمير وتهجير وتحويل من تبقى من السكان الفلسطينيين إلى أقليات مهمشة.

كما أن حزب العمل الذي تمخض عن الحركة العمالية هو الذي بادر بعد حرب ٦٧ إلى تعزيز الاحتلال وإلى البدء في الحث على الاستيطان في الأراضي المحتلة. وكانت قيادة هذا الحزب قد أخذتها نشوة الانتصار في الحرب والفوائد التنظيمية والمالية  الخاصة بمؤسساتها. لكن حرب ٧٣ أفقدتها مكانتها كما أفقدتها السلطة في انتخابات ١٩٧٧ وصعود اليمين المتطرف المتمثل وقتها بحزب الليكود واعتلاءه سدة الحكم.

غير أن حزب العمل كان دائما ما يقف خلف الليكود يغطي عوراته ويستر أفعاله وسياسته، لأنه كان دائما حزبا صهيونيا. أما بالنسبة لمواقفه المعتدلة ظاهريا فيما يخص التسوية في الشرق الأوسط فهو لأنه متأكد أنه يستطيع تجيير هذه التسوية لصالح دولة الاحتلال والأيديوجيا الصهيونية. وليس أدل على ذلك مما حصل في أوسلو التي قادها "إسحاق رابين"/حزب العمل، حيث جيرت هذه الاتفاقية كل ما هو في مصلحة دولة الاحتلال.

فلطالما كان كلا المعسكرين "العمل" و"الليكود" يحملا نفس وجهات النظر في دعم استمرار الاحتلال أو في إنشاء المستوطنات ودفع الشعب الفلسطيني للاعتراف بيهودية الدولة. وكل الخلافات بين المعسكرين هي خلافات خطابية لا أكثر.

واليوم في حربها على غزة، دولة الاحتلال بقيادة حزب الليكود ترتكب عمليات التطهير عن طريق إبادة الفلسطينيين وطردهم من أماكن سكناهم. والفرق الوحيد هو أن حزب العمل ارتكب عمليات التطهير وكانت النتيجة إقامة دولة الاحتلال عام ٤٨ أما اليوم ٢٠٢٣_٢٠٢٤ فإن جيش الاحتلال يقوم بعمليات تطهير عرقي لكنه يذهب بدولة الاحتلال إلى الزوال والانتهاء. فما بدأه العمل يكمله الليكود لكن لا لمصلحة الاحتلال هذه المرة

***

بديعة النعيمي

يعد التعليم العالي من اهم ركائز اي مجتمع، ونجاحه يؤشر على تقدّم وتطور ذلك المجتمع. لكن، ما هي حقيقة التعليم العالي في جامعاتنا اليوم؟ هل هو ورشة عمل لبناء جيل المستقبل، ام ساحة صراع بين جيلين؟ هذه بعض الاراء ابداها لي شخصيا عدد من طلبة واساتذة جامعات عراقية مختلفة ردا على اسئلة وجهت لهم قمت باختصارها وعرضها حسب تواترها، وهي اراء شائعة وليست عامة.

اراء الطلبة

- المدرس لا يعرف اساليب التدريس الحديثة وهناك ضعف عام في المادة العلمية للتدريسي.

- كثرة المواضيع التدريسية النظرية خصوصا لطلبة الدراسات العليا معظمها غير اساسية.

- لا توجد علاقة بين مضامين الدروس والمصادر المكتبية والفعاليات العملية والمختبرية.

- اجبار الطلبة على حفظ واجترار المعلومات (ياخذ الدرس من فم الاستاذ).

- الدراسة مملة للطلبة

- لا يطلّع الطلبة على توصيف البرامج والمقررات

- يفضل الطلبة كتابة التقارير والعروض والدراسة في مجاميع والبحث.

- الامتحانات اجترار للمعلومات لا غير

- المناهج قديمة ولا تتناسب مع سوق العمل

- لا يوجد وقت كاف للفعاليات غير الصفية

- لا يتم تدريس الطلبة المهارات

- الاستاذ في وادي ونحن في وادي اخر

اراء التدريسيين

- الطلبة يشتكون كثيرا

- الطلبة متعلمين على الحفظ ويعانون من ضعف مزمن في اللغة الانكليزية

- الطالب يريد النجاح من دون جهد ومن دون فهم، وسبب انخفاض المستوى يعود الى الكيرفات والزيادات والتحميل

- عدم اهتمام الطالب بالمحاضرة فهو لا ياخذ نقاط خلال الدرس (لا قلم ولا ورقة)

- ضعف التدريس يعود الى ضعف الطلبة

- الطالب في وادي ونحن في واد اخر

- اشراف الوزارة على العملية التربوية عملية سلبية مثبطة للاستاذ

- مشكلة المناهج: لا دور لنا ولا يؤخذ راينا

- من الامور التي تثير القلق: الفساد الاداري والتدخل الخارجي وقلة الايرادات وعدم توفر استقلال مالي وعدم توفر اموال للبحث العلمي والمحاباة وعدم ملائمة القاعات للتدريس

- لا يوجد تأهيل للتدريسي بالنسبة لطرق التدريس الحديثة

- التجارب المختبرية والمعملية ضعيفة وقليلة.

- الجامعة لا تستمع الى اراءنا

***

ا. د. محمد الربيعي

بعض الشباب نفض يده من كل أمل في نيل تلك البغية التي أضحت شبه قاصرة على أهل المخمل والديباج، فحياته التي تظل موسومة بالعجز، موصومة بالفاقة، تجعل مجرد التفكير في مثل هذا الأمر أدخل في باب الخطل، وأوغل في طريق الفدامة، الأمر الذي أوقع الفزع في جيش الفضيلة التي لا يحتاج شرح معاناتها إلى درس، والنبوغ في وصف انحدارها إلى ملكة، فقبيلة الشباب الملتزم تقاسي معرة الظلم، وتكابد مذلة الحرمان، وتعيش بقلب خفاق، وعين باكية، لأنها معوزة في دنيا المحبة، محرومة في دولة الصبابة.

ولعل الواقع الذي لا تسومه مبالغة، أن فتية الصلاح الذين تلوح في وجوههم البهية غلواء الشباب، وفي أجسامهم الجزلة بضاضة العافية، استكانوا للجزع، واستسلموا للشجون، فصاحبة الخد الأحمر، والجبين الأنضر التي يشتد إعجابه بها، وتهالكه عليها، كل يوم تبزغ فيه المهاة، ترمقه دوماً بنظرات تضج بالنفور والإشفاق، وهو الذي كان ينتظر منها أن تسري عنه هموم النفس، وتهون عليه متاعب الحياة، لقد صارت عنده من ألقى الله عليها المحبة، واصطفاها بأسر المهج وخطف العقول، مبعثاً للألم، ومصدراً للشكوى، فصنوف اللوعة، وفنون الكرب، التي أتحفته بها جعلت روحه التي ذوت على وهج القروح، وذابت حشاشتها على عرك الصدود، تمور في حنايا الحزن المقيم، وتضطرب في فيافي الأسى الشاسع، فصرعى الفاقة، وطرائد الملق، الذين شحب وضؤل محياهم، لا حظّ لهم في الاقتران بالمهفهفة الدعجاء، فالخريدة التي جُمِعتَ لها الرقة من أطرافها، والتي تضئ كما يضئ الفجر، وتزخر بالجمال كما يزخر اليم اللجي بالأصداف، لا تأنس إلا للغني الذي يكثر لها من الأعطية، ويجزل لها من الهبات، ويسنى لها من الصلات.

والمعضلة التي لا يستقصيها التفسير، ولا يعرب عنها التعبير، أنّ بعض الأسر التي تنشد الجاه، وتبتغي المادة، تقف عقبة كؤوداً دون وصول الشاب الذي يبتغي الستر والعفاف، ويعيش بالقناعة والكفاف إلى مبتغاه، وتلقي في روع من أكدى الله عليه نواله، أنه رام أمراً عزيز المنال، وعر المرتقى، منيع الدرك، وتبرهن بجلاء أن الهدي النبوي الذي أمرنا بتزويج من ارتضينا عقيدته وأخلاقه، قد صار تاريخاً تطرق إليه النسيان، وديناً تغول عليه الباطل، فتلك الأسر لا تكترث لمن لا ظنة في تقاه وورعه، ولا ريبة في حلو شمائله وحسن سجاياه، بقدر ما تأبه لسليل مجد، وربيب نعمة، وحليف جاه، حتى ولو كان فتى كهاماً، عيياً، لا خير فيه، والغادة الهيفاء التي يتكلف نواطير الشباب في مخاطبتها القول، ويتعاطوا الصنعة، عافت من يحصد ماله بالكد والمجاهدة، لأنه يعجز أن يودعها منزلاً تراصت في باحاته رايات الأشجار، وامتدت في عرصاته سلاسل الأنهار، بل يعجز حتى أن تزف إليه في صالة فسيحة الأركان، متينة البنيان.

لقد أصبنا في زماننا هذا باختلال الموازين، فمن يخاتل الدنايا، ويقارف العيوب، يتهافت الناس على تزويجه من حرائرهم لثروته وغناه، أما الصائم نهاره، القائم ليله، فلا مناص له سوى صيام الدهر.

***

د. الطيب النقر

 

أيام ونودع شهر رمضان الفضيل ، صوم رمضان والمثابرة على سلوك ونمط معيشي وروحاني وإيماني لمدة شهر يصنعان بحول الله ومنته كثيراً من الشفافية، ويوصلان المسلم إلى أعماق قد لا يدركها، حيث قلبه صائم عن مشاعر السوء، ولسانه صائم عن كلام الشر، وجوارحه صائمة عن الغي والفجور، وبطنه صائم عن لذة طعامه، رمضان شهرو موسم متراص بالفضائل، وزاخر بالمعاني العميقة ومملوء بالفرص الثمينة من الوعي ومرجعة النفس والتدبر بشؤون الحياة تتيح للانسان المسلم ان يتغير الإنسان من حال إلى حال ويستطيع أن يستوعب الزمن والنظام يتغير الإنسان من حال إلى حال.

الاهم وإصلاح النفوس وتهذيبها،والاعتناء برغبات التغييرخصوصاً بعد انقضاء هذا الشهر الإيماني الكريم بالحرص على تحقق الفوائد من مدرسة الصوم لتحقيق التقوى التي يسمو بها المسلم للرقي في سلم الرفعة الروحية والأخلاقية، هي من أجلّ المقاصد التي شرع الصيام من أجلها، والكل يدرك قيمة فهم أنه ليس ثمة أفضل من شهر الصوم لبدء علاقة جديدة مع التغيير الإيجابي المستمر خصوصاً ما بعد رمضان حيث نلتزم بالتسامح ، وتصحيح كل مسار خاطئ إن وجد، وجعل خيارات الوصل والإيثار والمودة جسراً دائماً للعبور إلى دائرة التعامل الإيماني بعزيمة، فعلاقة المسلم بمجتمعه حيث يتفكر كيف ينظر إلى واقعه ومجتمعه وماذا يريد لهم..؟ ومراجعة أخلاقه ونواياه وطرق تفكير هي أحاسيسه اتجاه كثير من الأمور، وعلاقة المسلم بأهله وقرابته حيث يراجع كيف كان قبلاً ثم أثناء رمضان؟ وما يجب عليه اتجاه والديه بالذات وأسرته وأقاربه؟ ليقوم بتعزيز كل ما هو طيب وإيجابي، وتعديل كل مائل هل يريد لهم الصلاح والاستقرار أم يهتم فقط بنفسه وأخصته؟ لذا هذا الأمر مطلوب بعمق، يجعلنا سلوكنا في رمضان نتفكر بإحساس عميق كيف يتوجب أن نتغير لأجلهم؟ فنسير بمحبة الخير لهم وتقدير حوائجهم والحرص على مصلحتهم العامة، ثم علاقته بالآخر أياً كان ليعبر بالاحترام والعدل عن هذه العلاقة، وأن نخرج من هذا الصوم بوقفات ذاتية صادقة تعيدنا إلى حسابات الحق والفضيلة وإيفاء واجبات وحقوق علاقاتنا مع الله عز وجل أولاً ثم مع خلقه لنكون نحن بعد رمضان كما كنا فيه

***

نهاد الحديثي

أتصفح كتبا لتوفيق الحكيم (حماري ومؤتمر الصلح، أقاصيص ونوادر أشعب)، وأجدني في محنة فقدان متعة قراءتها، ولا أستطيع التواصل مع صفحاتها!!

وتساءلت لماذا؟

فوجدتها لا تلائم العصر الذي نعيشه، بأفكارها ومفرداتها والموضوعات التي تتناولها.

أنا إبن القرن العشرين وأشعر بالملل من قراءتها، فكيف بأبناء القرن الحادي والعشرين؟!!

هذه ملاحظة جديرة بالنظر ...

فما نتصوره سيبقى ويؤثر، يفقد قيمته ومعناه بسرعة غير مسبوقة في تأريخ البشرية، فالقليل مما كتب قبل قرون لا يزال يحافظ على قيمته ورونقه لأصالته، ومعظم المكتوب لا يجد له مكانا في عالم اليوم.

صديقي لديه أكثر من خمسة آلاف كتاب، وهو في خريف العمر ولا يدري ما يفعل بها، فلا أحد يرغب بأخذها مجانا ومنهم أنا!!

ولي قريب مولع بالكتب منذ صغره، ولا أدري كم من آلاف الكتب قد جمع، فوجد نفسه على شفا حفرة من الضياع والحيرة، يريد مَن يأخذها ويؤسس مكتبة بها، وما تقدمت مؤسسة أو جامعة وتعهدتها، وأظن أولاده سيتخلصون منها بسرعة، لأنها تشغل حيزا كبيرا في البيت.

يُقال أن هارون الرشيد فكر بالخلاص من الكتب التي جمعها أجداده في بيت الخلافة، فأرسى دعائم بيت الحكمة، أي أخرجها إلى مكان خاص بها نسميه اليوم "مكتبة"، وفي ذلك الزمان سمي " بيت الحكمة" الذي طوره المأمون وأعلى من شأنه ودوره الحضاري، فأصبح جامعة كبرى.

واليوم قادة المخترعات الإليكترونية يريدون التحرر من قبضة الورق والقلم، وسيصبح التفاعل عبر الشاشات وبواسطة الكيبورد وحسب.

فهل أن عصرنا المتسارع الفياض سيكتب تأريخا بلا أقلام؟

وهل أن كل علم لم يحوه القرطاس ضاع؟!!

ترى هل أنها فضاءات وما يسطرون؟!!

وهل "أن الكتب هي الآثار الأكثر بقاءً على الزمن"؟!!

***

د. صادق السامرائي

المشكلة الكبرى في هذه البلاد أن الجميع يتحدث عن النزاهة والإصلاح، لكنه يرفض التمييز بين النزاهة والسرقة، وفي الدول العادية يكون القضاء سيفاً قاطعاً لمحاربة الجريمة المنظمة. أما في بلاد "هيثم الجبوري" فأكثر ما يخشاه المواطن هو الحديث عن سرقة البلاد، لأن السياسيين سيغضبون ويزمجرون ويتباكون أمام القضاء، أما الحفاظ على المال العام وإشاعة العدالة الاجتماعية، فهذه أصبحت من الكماليات .

قبل أيام خرج علينا وزير المالية الأسبق، علي عبد الأمير علاوي، ليبشرنا بأن العراق انضم إلى قائمة الدول التي يوجد فيها عدد كبير من المليارديرات، فقد كشف علاوي عن وجود 30 سياسياً يمتلكون مليارات الدولارات. وقال علاوي في حوار تلفزيوني إن موارد الدولة الأساسية توزع إلى رواتب ومشاريع وهناك جزء منها يُسرق في وضح النهار، مشيراً إلى أن القطاع الخاص في بلاد الرافدين يحتاج إلى غطاء سياسي لكي يعمل.

عام 2017 قضت المحكمة الاتحادية في العراق بإلغاء القرار المرقم 120 لسنة 1994، ماذا كان ينص هذا القرار، حتى وجدت فيه المحكمة آنذاك بأنه يتعارض مع حقوق الإنسان؟، كان القرار120 لسنة 1994، يقضي بعدم إطلاق سراح المحكوم عن جرائم الاختلاس أو سرقة أموال الدولة، بعد قضائه مدة الحكم مالم تسترد منه هذه الأموال .

غريبة هذه البلاد يمكنها أن تسجن طفلاً يتهم بسرقة علبة كلينكس، لكنها تستخدم أقصى حالات الرأفة مع متهم سرق أكثر من ثلاثة مليارات من الدولارات، بل أنها اعتذرت منه وأعادت إليه ممتلكاته، وترجته أن يحاول إن سمح الوقت والمزاج ان يعيد لنا بعضا من الأموال التي سرقها من الدولة.

عندما عين (لي كوان) رئيساً لوزراء سنغافورة عام 1965، كان في الأربعين من عمره، وبعد عامين رفع شعار من أجل حكومة نظيفة : " لقد عانينا من انتشار الفساد والطمع بين عدد كبير من المسؤولين، فالمناضلون من أجل الحرية لشعوبهم تحولوا إلى نهابين لثرواتها، ولهذا حرصت من أول يوم توليت فيه السلطة على إخضاع كل دولار من الإيرادات العامة للمساءلة، والتأكد من أنه سيصل إلى المستحقين من القاعدة الشعبية دون أن ينهب في الطريق".

لماذا أصبحنا ياسادة دولة يعيش فيها عشرة ملايين مواطن تحت خط الفقر، في بلد يصدر يومياً أربعة ملايين برميل من النفط، في الوقت الذي ينافس فيه سياسيونا على قوائم أغنياء العالم؟

لم يعد أحد يسأل لماذا أصبح الفساد جزءا من لحم الدولة وشرايينها، لم يعد احد يسأل السياسي كيف تضخمت ثرواتك؟

كانت مشكلة بعض مدعي السياسة العثور على سكن مناسب وإذا بهم اليوم بعد دخول الحكومة والبرلمان يملكون القصور والشقق في عواصم العالم .

***

علي حسين

"كنت أتصور أن الحزن يمكن أن يكون

صديقاً، لكنني لم أكن أتصور أن الحزن 

يمكن أن يكون وطناً نسكنه ونتكلم لغته

ونحمل جنسيته"...  تشي جيفارا

 نعم .. نعم هو كذلك ان الحزن أصبح جزء منا، فلا نحن نتمكن من التخلص منه، ولا هو يفارقنا ..!

الى الكوكب حمزة

لك الرحمة والخلود أيّها الكوكب الذي لا يأفل، وإن كنت سيدي قد سئمت العيش في هذا العالم الرث، فإنك ارتقيت الى عالم الصفاء والنور والطمأنينة والأمن والسلام الذي كنت تحلم به، ويجري في شرايينك، وينساب مع عذوبة ألحانك، حيث أنك أردت أن ترسمه، لا بل تجسده عالما حرا سعيدا، وأنت قد عشت الواقع المرير على إمتداد مسيرة حياتك الفنية والأبداعية، والنضالية بكل معنى الأباء والأرادة الصلبة  في مقارعة الدكتاتورية الهمجية البربرية الرعناء، فلم تدنسك إغراءات الدكتاتور، لا بالأصفر ولا بالأخضر، ولا بالمغريات الزائفة الوسخة التي تعوّد  أن يشتري بها النفوس الضعيفة، فكنت الأقوى والأسمى من كل ذلك، فلم يخدعك الترغيب، فسحقته بقدميك، وكذلك لم يخفك الترهيب، فواصلت السير قُدماً شامخاً أبيّاَ، غير مبالٍ، فلا الترغيب خدعك، ولا الترهيب أخافك، رغم وحشة الطريق، ومرارة الغربة، وضنك العيش، وعبثية الزمن الرث..

فقد أصاب مَنْ سمّاك كوكباً، فكنت حقّاً كوكباً في سموك، وكوكباً في خلقك، وكوكباً  في مسيرتك، وكوكباً في عطائك، وكوكباً في نضالك، وكوكباً في ثباتك وقيمك ومبادئك ..

فيا أيها الكوكب الساطع المتلألئ، وإن ارتقيت الى عالم السمو والمثل العليا، لكنك تبقى في قلوب محبيك الأوفياء الذين دخلت قلوبهم من دون جواز سفر، لأن القلوب التي أحبتك، هي عالمك الذي كنت تحلم به.

فسلام عليك يوم دخلت قلوبنا،

وسلام عليك يوم ارتقيت  الى السماوات العلى،

وسلام عليك دائماً وأبداً مع كل نبضة قلب، ونسمة حب.

 فالعظماء هم بعطائهم، وبما قدموه للبشرية، وليسوا بأجسامهم، ولا برفاتهم بعد أن يرتقوا الى السماوات العلى.

فنحن نعرف أن الأمم تحترم عظماءها، ورجالاتها العلمية والفكرية والأبداعية والنضالية، وتفتخر بهم أمام الأمم الأخرى، وتعتبرهم أعمدة ثقافتها ونبض وتأريخها وتراثها، ولكننا للأسف الشديد لم نصل الى هذا المستوى من الوعي والحس الأنساني الخلاق، مادام مَنْ يقود البلاد والعباد، مَنْ هم لا هَمَّ لهم سوى الأستيلاء على أكبر كمية من المال السحت.

فهل يا ترى من الصعب أن تتبنى السلطات العراقية عن طريق سفارتها بنقل الفقيد كوكب حمزة الى العراق، ليوارى جثمانه تربة أرضه التي ناضل من أجلها، وتشرد في المنافي بسبب معارضته الدكتاتورية المجرمة، والعتب الآخر على أبناء الجالية العراقية هناك في تحمل تكاليف نقله الى أحضان الوطن الأم الذي طالما عاش غريباً بعيداً عنه..؟!.

***

الدكتور ابراهيم الخزعلي

5/4/2024  

 

طبيب أريب وأديب لبيب، كان يتمتع بنشاط وحيوية، وتفاعل مطلق مع الحياة، دعوته للعشاء في مطعم فيه أجواء البلاد التي ولدنا فيها.

وجاءني مقعدا على كرسي متحرك، وتتدبر شؤونه إمرأة تم تعينها لخدمته، وكأنه طفل في عامه الثاني.

هذا الإنسان الذي كنت أجالسه وأعجز عن القيام بما يقوم به من نشاطات رياضية وعمليات جراحية معقدة،

أراه أمامي غير قادر على السير ولو لخطوة واحدة، ويعجز عن الوقوف، ولابد من مساعدته في كل شيئ.

قلت له: إنها الحياة خدّاعة!!

قال: نعم!!

وقد حدّق بعيون خالية من بريق الحياة.

ساعدته المرأة المسؤولة عن رعايته بإحضار طبق الطعام، فوجدته يستطيع تحريك يده اليمنى المرتعشة ويضع الملعقة في فمه.

إحترت هل أنظر إليه أم أتحاشى تأمله، وهو المتهاوي المتهالك الغير قادر على فعل ما يريد.

حدثني عن مكتبته بصوت متحشرح، ودفع إلي بعشرات الكتب التي جلبها معه، وقد أحضرتها مرافقته بأربعة صناديق.

قال: إن مكتبته تضم خمسة آلاف كتاب، تعال وخذ ما تريده منها !!

أعرف أن كتبه عزيزة عليه، ولا أجرؤ على تلبية طلبه .

فالعلاقة بين الإنسان والكتاب ذات تفاعلات عجيبة، وأرى لو زرت مكتبته وأخذت منها ما أختاره سأبكيه لأنه لا يريد لكتبه أن تغادره.

أشعرني بحزن بليغ، وجعلني أتحسس سنابك الأيام تدوس على رأسي.

إنه العمر الرذيل، ومتاهة الحياة وخبايا المجهول فيها!!

وأعرفُ طبيبا يكتب وينشر يوميا وقد طوى مئة عام، ولا يزال ينافس الشباب!!

"فالعيش نوم والمنية يقظةٌ...والمرءُ بينهما خيالٌ سارِ".

***

د. صادق السامرائي

"رب يوم كنت فيه فلما صرت في غيره بكيت عليه"

"أبدا تسترد ما تهب الدنيا.. فيا ليت جودها كان بخلا"

"فيوم علينا ويوم لنا.. ويوم نُساءُ ويوم نُسَرُّ"

هذه الدنيا كتاب نحن فيه الفكر، كنهر موجه من جموع البشر...

وربَّ يومٍ...

فلماذا نبكي؟

وما نفع البكاء؟

إبداعنا الباكي الدامع لا ينفع!!

علينا أن نتحدى ونواجه ونستثمر طاقاتنا الإيجابية لبناء حاضرنا الأحلى ومستقبلنا الأزهى.

ولا بد من الصولة الكبرى على الدنيا والتأهب لضربتها القاضية.

فلنفترسها لا أن تفترسنا!!

إنها خدّاعة كذابة مخاتلة مراوغة، تبحث عن موضع فينا لتنشب مخالبها فيه، وتغرز أنيابها في أعماقنا!!

"ومن يصحب الدنيا طويلا تقلبت.. على عينيه حتى يرى صدقها كذبا"

و" "أحلام يومٍ أو كظل زائلٍ.. إن اللبيب بمثلها لا يُخدعُ"

وأروع منطوق سلوكي، تعلمناه منذ الصغر، وما تفاعلنا بموجبه بحياتنا، ونردده كغيره من الأقوال الخالدة المبثوثة في مجتمعاتنا، وهو: "إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا"!!

فأين نحن من هذه الحكمة السلوكية، التي تحثنا على إطلاق ما فينا من جوهر الطاقات والإبداعات، لنصنع دنيانا العزيزة الباهية وآخرتنا المطمئنة؟!!

إن نكبتنا خلاصتها " نقول ما لا نفعل"!!

وتلك أمة تعجب من قولها الأمم!!

***

د. صادق السامرائي

كان احتلال فلسطين والاستيلاء عليها يستوجب على الحركة الصهيونية تطهيرها من سكانها الشرعيين ثم إحلال يهود الشتات الذين لا تربطهم بالأرض أية روابط مكانهم.

فجاء هؤلاء تحت شعار "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". وقد مارست العصابات الصهيونية عمليات التطهير العرقي ضمن خطط تم الإعداد لها قبل البدء بتنفيذها بسنوات.

فارتكبت المجازر وهدم البيوت ومحو قرى بالكامل وعمليات الطرد والإخلاء بهدف استئصال الفلسطينيين من الذاكرة الجماعية. وقد أدت عمليات التطهير العرقي إلى فصل الفلسطينيين عن أرضهم بل وتفكيك المجتمع الفلسطيني.

واستندت تلك العمليات بالأساس على الأساطير والخرافات وتغافلت المواثيق والقوانين الدولية والإنسانية. فلم تعترف دولة الاحتلال بأنها ارتكبت تطهيرا عرقيا بحق شعب. وأنكرت مسؤوليتها عما أفرزه هذا التطهير من مشكلة للاجئين وتداعياتها على الشعب الفلسطيني لأن كل ذلك تم تحت غطاء دولي.

وقد ساهم هذا الغطاء في محو جرائم التطهير العرقي من الذاكرة العالمية، حيث لم يتم إلى اليوم محاكمة المجرم على ما ارتكب، بل على العكس لقد كوفئ هذا المجرم بعد عام واحد ١٩٤٩ من ارتكاب جرائمه بمنحه العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.

وبهذا تم تجاهل مأساة الشعب الفلسطيني سواء مشكلة اللاجئين أو عمليات التطهير العرقي. حتى أن قضية فلسطين وما يحصل داخل حدودها غُيّبت بالكامل عن الواجهة العالمية وتعامت الأنظمة العربية عنها خاصة بعد اتفاقيات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال، بل واعتبرت هذه الدول القضية قد حُلت ولهذا دخلت هي الأخرى باتفاقيات سلام مع دولة الاحتلال.

لكن وبعد توقيع اتفاقيات أوسلو ازدادت الانتهاكات من طرف دولة الاحتلال حتى أن آثار الاتفاقية وصفت بالكارثية فالجرائم بحق الشعب الفلسطيني ازدادت والمخططات الشيطانية مثل صفقة القرن والتهجير القسري وتهويد فلسطين وغيرها لم تلفت نظر العالم ولم تحرك ضميره.

فجاء 7 أكتوبر لإعادة ما تم محاولة محوه من الذاكرة العالمية، ووضعته في الواجهة الأمامية.

جاءت هذه العملية لتقول للعالم أن الجرائم الكبرى كجريمة التطهير العرقي لا تسقط بالتقادم كما كانت دولة الاحتلال تظن. جاءت لتطلق صرخة في وجه العالم بأنه لا يضيع حق وراءه مطالب.

وأن طوفان الأقصى يتكاثر في كل مكان من العالم. وأنه لا يصح إلا الصحيح، والصحيح هو أن يحاسب المجرم على ما ارتكب ويرتكب إلى اليوم، سيحاسب العدو عما ارتكبه ويرتكبه بعد 7 أكتوبر في غزة وبعد محاسبته سيخرج جارا أذيال الخيبة خلفة نحو الشتات، المكان الطبيعي له ويعود أصحاب الأرض إليها بإذن الله.

***

بديعة النعيمي

لم يسبق لي أن رأيت شيخ المقاومة المغربية مولاي عبد السلام الجبلي، حزينا واجما، قليل الكلام أو مهموما من شدة الغيظ والكمد، مثلما هو الحال وهو يبدي عجبه مما ساد فتنة غزة ومقتلتها العظيمة..

فقد صرح خلال حديث متلاطم كعادتنا ونحن نستعرض أمامه آخر أخبار أهلنا في فلسطين السليبة، أن الكلاب الغلاظ المأفونين من أبناء الجلدة، قد باعوا بالخذلان والذل والعار كل قيمة للنصرة والعزة، وطعنوا في آخرة حر الموت ومآسيه، كل أمل في استعادة العزيمة والإرادة؟

ولم يسبق لمولاي عبد السلام الجبلي، أن أبدى وجهة نظره، بهكذا ألم وحسرة، مجزما بقلق استثنائي فظيع، لدرجة استصراخ العالم المحيط، الغائب المغيب عن أفعال منكوسة مستهامة. فقد بات ينظر لقسوة الأخوة والجورة والمشترك الإنساني، كأنها قيد يسقط كل آرام الوطن الواحد والانتماء الخالص والامتداد الملتحد. وأيقن في لحظة انخطاف حائر أن مقتبل الزمن وأسراره المأزومة، أضحت وبالا وخسفا على أمة لا تسبح سوى في غثاء مهيض ومجحف.

-لا يبعد عنا، سوى ذاك النشيش المتهالك من أورامنا المزحومة بالكسل والقعود الزائف والنكوص السافر .. فكيف لبنائنا أن يتعاقدوا مع هذا الفراغ المخيف؟

وكيف لمستقبل بلاد أن تصير في هكذا احتضار وشنار؟

- يقول مولاي عبد السلام الجبلي، وهو يحاول تفكيك دراما الحرب الإبادية الشنيعة على أهالي غزة الأحرار، بأطفالها ونسائها ومسنوها.

وفي فورة كظيمة مثلومة، تعوق عبرة سخينة مقلة السارد الحصيف، وقد اجترح عن فقدان محبرة الرثاء، أنهارا من رؤى الحياة، وهي تنسرب بين مناقرها المأفونة أحزمة من بؤس الزمن وعادياته.

تستعر الخطوب والأنواء، في مصائد القول ونيرانه، فيوتر المؤرخ مولاي عبد الله العلوي، بحكمته المعتادة ودأبه المتفرد، أن يسترد من خلال الحديث إياه، نبوة التصافي وميزاب التواصل، ويعيد شيئا من شامة الدين ومبلغ العرفان إلى نافلة الابتلاء وقضاء القدر المعلوم المكتوب.. فتعود آثار القراءة لطبائع التاريخ وقصصه العابرة، لتنط بين اجتلاء وامتلاء، إغلال وإضمار، إصرار وإدبار ..

المقاوم العظيم المتفرد، المعتزلي الصامد في قيم الإخلاص والوفاء لثورة الحرية والتحرير، مولاي عبد السلام الجبلي، ما يزال ينبض بإرادة الحق وتحرير الشعوب المستضعفة، مهما جارت الأزمنة وامتنعت عن وشم إسارها، متجردا من قواصم العتمة ومسامير السقوط المحذور.

وهو إذ يفعل ذلك، مؤمنا بعاقبة الموعود بالنصر والمأثور بنوازع الصمود والتحدي.

وكأني به يردد قول جبران خليل جبران:

صمدت لصرفهن صمود صخر

فكم سهم تكسر دون صدري

هو كذلك، حينما يذكر قصص المقاومة وعبرها المبتوتة في الأوراق والأرشيفات المتجاورة، يحس كأنه يتنقل بين أيام عميقة التأثير، واجمة في مسلك الوطنية، يعدل بوصلته في راهن ينسلخ باهتبال شنيع ومدجن، ليعيد صياغة العالم، منتقدا ومنتفضا ورافضا كل أوجه القبح والرداءة وقلة البأس؟

***

د. مصـطَـــفَى غَـــلْمَــان

....................

مقطع من مشروع كتاب يحمل عنوان "نثارات سنية من سيرة الشرفا الصفية"*

البشرية تغرق في الغيبية وترتعب من المجهول الذي يحف بمسيرتها عبر العصور، ولكي تشعر بالإطمئنان تتوهم المعرفة وتستكين لأوهامها العقائدية بأنواعها.

فلا توجد مرحلة في التأريخ دون وهم فاعل ومؤثر في سلوكها ومسيرتها، فالإمبراطوريات والدول العظمى على مر العصور تكون مستعبَّدة بوهم ما.

وبعد أن توالت التجارب  بزغت العقائد الدينية وتعاظم التمسك بها والعمل بموجبها، ولعبَ التكرار المُطعم بالتأجيجات الإنفعالية في ترسيخ العديد من التصورات  اللاعقلانية، الخاضعة لإرادة الوهم الفاعل في دنيا البشر.

فالوهم حالة غير قابلة للنقاش أو المحاججة، فلا يمكنك أن تناقش أي معتقِد وتحاول إخضاعه لأنوار العقل، لأن في ذلك تفاعل سلبي وتدميري للوجود القائم مما يدفع للتقاتل وسفك الدماء.

وكم من الأبرياء ذهبوا ضحايا لسطوة الأوهام، الإعتقادية، فئوية، مذهبية، تحزبية، مناطقية وعنصرية، وغيرها الكثير مما حصل فوق التراب من مآثم وخطايا وتداعيات قاسية.

ويبدو أن لوسائل التواصل الحديثة القدرة على التجييش الجمعي للبشر، فأسهمت بإنتشار الأوهام في مجتمعات الحرمان من أبسط حقوق الإنسان.

وبآليات القهر والترويع والتبويق، يتم ترسيخ مفاهيم غير مسبوقة في أذهان ونفوس الناس المحرومة من أسباب الحياة الحرة الكريمة.

فالوهم سلطان وبه يتحقق القبض على مصير الإنسان.

وكل من عليها فان والفائز في الدنيا والآخرة مَن يدّعي الإيمان وهو فاسد وعدوان!!

و"عقلك كالمظلة لا يعمل إلا إذا إنفتح"

***

د. صادق السامرائي

الطرطور الأخير ظهر في نهاية عصر الإضمحلال، ونهاية عصر الأوبئة والمجاعات ونصبوا  انفسهم شخصية المنقذ للبشرية في مجتمعات يسودها الجهل والخوف وينتشر فيها العبودية التطوعية، من إخترع شعار النضال حتى  الرجل الأخير هو غبي ...؟ اي نضال نعم نضال في العوامات والسيارات الفارهة.. لقد صنعنا أبطال، من ورق، عاجزيين عن فهم صراعات السياسة ولا يقرؤا المستقبل، فيهربوا الى شعارات مفتوحة بلا نهاية للتغطية على الفشل مع ان الشعار الذكوري نفسه يحمل خواص الفشل والفاشية.ليس هناك نضال الى الأبد حتى في أفلام كارتون، هناك سقف زمني لكل عمل سياسي، وبرنامج عمل لأربع سنوات يتضمن رؤية سياسية واقتصادية وثقافية وضمان صحي واجتماعي وتعليم مجاني وسكن مرفه ورعاية الأمومة والطفولة وحقوق فردية والخ، وعندما يفشل هذا البرنامج ولا يتحقق، على الحكومة أو  الحزب أو النظام حل نفسه، أو تغيير المسار بلا ضجيج ولا شعارات زائفه عن النضال لآخر رجل، الأحزاب التي خدعت الناس بهذه الشعارات الغوغائية، ومناهج التلقين الحزبي التي أنتجت ببغاوات مدجنة ومعاقة عقلياً ونفسياً ومصابة بعقم معرفي وصور نمطية جاهزة في كل شيء، ليس عندها صورة عن الواقع ولا عن المستقبل ولا عن نفسها لان هذه ثقافة التلقين، وكلفت الناس كوارث كثيرة بلا مبرر ولا مشروع ثورة أو ولادة قصة مختلفة وتاريخ جديد.أحزاب العالم اليوم تطرح برامجها للناس حول رؤيتها للمستقبل عن الضمان الاجتماعي والطفولة والأمومة وحماية المسنين، والتعليم والسكن الصحي والعدالة والأمن والتوزيع العادل للثروة وسلطة القانون ولا يوجد هذا الجعير والصخب ولا السرديات الكبرى عن تفسير الكون والتاريخ وكل ظواهر الحياة تفسيرا سطحياً مبسطاً وملفقاً، ولا عن النضال لآخر رجل. ثم ماذا يفعل هذا الطرطور الأخير بين ملايين  المشعوذيين والعوز والمرض بين النساء العازبات والأرامل في مقبرة كبرى؟.

***

بقلم: محمد سعد عبد اللطيف – مصر

كاتب وباحث مصري في علم الجغرافيا السياسية

 

ظلت ابتسامته الرقيقة والحنونة، تفصح عن طيبة متناهية، وفي الوقت نفسه تخفي، مشاعر الأسى حيال ما وصل إليه العراق. كوكب حمزة الذي ظل يتمنى لأكثر من خمسة عقود أن تمر " الطيور الطايره " بعراقه، وأن تحمل السلام والأمان لأهل هذه البلاد " سلميلي الشوق يخضر بالسلامة وبالمحبة "، ولم يكن يعرف ولا نحن محبوه أن " العشك ياخذنة لمدى بعيد "، وأن النهاية ستكون على سرير في الغربة وأن الذين نحبهم أصبح دربهم بعيداً، وأن العمر سيتحول إلى محطات " عّديتهن وماكو عرف " .

عاش كوكب حمزة حياته، وهو يحمل قضية واحدة نذر موسيقاه لها، هي قضية الفقراء، والبحث عن الحرية والأمان لهم، شيّد لنفسه بساتين من الألحان التي تغنّت بالأمل والثورة على الظلم، كان حمزة واحداً من صنّاع أحلام هذه البلاد التي وجدت نفسها تدير ظهرها للذين صنعوا لها الفرح والجمال

أنا بحلم لو يمر تاخذني فرحة عيد

أنصب مراجح وادق للي الخلا يزيد

كانت هذه أولى أحلام كوكب حمزة، التي صاغها لحنا لتكون انطلاقة حسين نعمة.

في كل الحانه وموسيقاه يروي لنا كوكب حمزة حكايته مع الأمل والتطلع إلى المستقبل، ويدلنا على الفتى الذي ولد في ناحية القاسم، هناك أبصر قيمة التعايش بين مكونات المجتمع العراقي، غادر مدينته الحلة شاباً ليحط في بغداد ملبياً نداء الموسيقى والألحان،، يقدم تجربته الأولى لعدد من الأصدقاء الذين أجمعوا أن هذا الشاب مهموم بقضية واحدة وهي التأثير المباشر للأغنية على الغالبية من عامة الناس، ليس فقط تنويراً لرؤيتهم ولكن مجابهةً لما يجري وتحريضاً على رفض الظلم والنهوض صوب المستقبل والهيام بالعراق:

أنا مجنون وخذاني الهوى واطوح غرام

آنه شوكَي بالعراق والعراق بعينج الحلوة ينام

كوكب حمزة حكاية عن زمن مختلف، الطوائف فيه عارضة،، والنضال ضد الظلم فرض على كل مثقف، اختار حياته على طريقة الشعر: موزاييك من حكمة الشعوب وروحها المرحة والعميقة .

فنان مغرم بما يلحن ويدندن، يعتقد أن اللحن والقصيدة سيصنعان بلداً يكون ملكاً للجميع، ومجتمعاً آمنًا لا تقيد حركته خطب وشعارات ثورية، ولا يحرس استقراره ساسة يسرقونه كل يوم، عاش أسير أحلامه، متنقلاً في الألحان، لينتهي غريباً يئن على بلاد تُنكر أبناءها لأنهم لا يمارسون الخديعة، ولا يحملون صور ساسة الصدفة

لم يكن حمزة يُدرك أنه سيوحد العراقيين في أغنيته "ياطيور الطايره " وأن عيونهم ستدمع كلما يسمعون سعدون جابر يغني:

سلميلي يا طيور الطايره

سلميلي يا شمسنا الدايره

مو بعيدين اليحب يندل دربهم

مو بعيدين القمر حط ابغربهم

***

علي حسين

تم إضفاء الشرعية على العملية الاستيطانية الاستعمارية لأرض فلسطين كما ذكرت في مقالات سابقة من خلال استدعاء الأساطير التي مصدرها "التناخ" الذي تم تحويله إلى كتاب تاريخي موثوق، يستخدم لإثبات الأصل الواحد لليهود من سلالة داوود التي تم نفيها من الديار المقدسة كما يزعمون.

وهنا نتسائل عن هذا الأصل اليهودي الذي ينسبونه لسكان دولة الاحتلال الذين جاء أغلبهم من الشتات وهم الذين يطلق عليهم "الأشكيناز" أو يهود الخزر وقد أثبتت دراسة أجراها الدكتور "آران الحايك" في معهد "جونز هوبكنز" حول يهود الخزر، أن اليهود المنحدرون من أصول أوروبية يشكلون ٩٠% من يهود العالم البالغ عددهم ١٣ مليونا. وهذا ينسف المزاعم التي تتبجح بها دولة الاحتلال ورئيسها "بنيامين نتنياهو" من أن اليهود ينتمون إلى عرق واحد.

ولو بحثنا في أصل قبيلة الخزر لوجدنا أن بعض الدراسات أثبتت أنهم من أصل تركي عاش في منخفض الفولجا جنوب روسيا. حيث تشكلت مملكة الخزر التي كان بعض حكامها وسكانها يعبدون الأوثان ثم تحولوا إلى اليهودية. فكان نشوء هذه المملكة من تجليات اعتناق اليهودية. لكن بعد انهيار هذه المملكة تفرق يهود الخزر في شرق أوروبا. غير أن دولة الاحتلال تتغاضى عنها بل وتحاول شطبها من الوعي والذاكرة الصهيونية لأن وجود هؤلاء اليهود يتناقض مع نظرية الأصل الواحد لليهود.

ومن هنا فهؤلاء ليسوا سبطا يهوديا تاه في آسيا كما يدعي الصهاينة. وتاريخهم لا يرتبط بالمنطقة العربية ولم يرتبط يوما.

والجدير بالذكر أن اللغة التي يتحدث بها يهود الخزر هي "اليديش"، فهم لم يعرفوا يوما العبرية.

ومن هنا فإنه من الكذب الادعاء بأن هؤلاء الخزر "الأشكيناز" هم يهود ينتمون إلى العرق السامي. وهذا يدحض أكذوبة "الحق التاريخي لهم في أرض فلسطين"

ويعتبر يهود الخزر الذين لم يستطيعوا التعايش في مجتمعاتهم التي تشتتوا فيها العصب الأساسي في الحركة الصهيونية ومنذ انهيار مملكتهم وهم يحلمون بإقامة دولة خاصة بهم.

ولو دققنا بجنسيات مؤسسي دولة الاحتلال سنجد أن منهم البولندي أو البلغاري والروسي و الأوكراني.

ف "حاييم وايزمن" أول رئيس لدولة الاحتلال روسي. و "جابوتنسكي" أوكراني. أما "دافيد بن غوريون" فهو بولندي. و "إسحق رابين" أوكراني.

وهؤلاء الأغراب هم الذين يقطعون أوصال فلسطين بمستوطناتهم وطرقهم الالتفافية ويتخذون من القدس عاصمة لدولتهم المزعومة وينكلون بأهل فلسطين.

واليوم خزر الشتات يرتكبون المجازر بحق أهلنا في غزة ،هؤلاء الذين أتوا من نهر الفولجا والقوقاز يتحكمون ب ٢٢ دولة عربية. يقفزون من فوق القوانين ولا يعترفون بها. وهم الذين لا يمتلكون شبرا واحدا في فلسطين.

***

بديعة النعيمي

أضحت الوظيفة التي تمتد نحوها الأعناق، وتطمح إليها العيون، وتقف دونها الآمال، في واقعنا المتردي أنأى من الكواكب، وأبعد من الثريا، الأمر الذي دفع من لفظتهم البلاد، ومجّتهم الأمصار، أن يكون الاغتراب سمير قلوبهم، ونجيَّ أفئدتهم، بعد أن أناخت بفنائهم غواشي اليأس، وحطت بساحتهم حزم القنوط، من دولة تفرش لهم جنابها، وتبوئهم كنفها، فالخريج الذي تاقت أسرته أن يدفع عنهم غوائل الدهر، ونوائب الزمان، بعد تخرجه، وجد نفسه بعد التخرج منحوس الحظ، مغبون الصفقة،ٍ فقد بحث عن وظيفة يعين بها والده الذي اعوجت قناته، وخذلته قوته، في شعاب الوادي، وبطون الفجاج، وأشباح المدن، دون طائل، وحكومة المؤتمر الوطني وما أتى بعدها دأبوا على أن يولوا صيحات المكلومين دبر أذآنهم، لقد انتظرت جموع الخريجين طويلاً أن تنتاشهم هذه الحكومات من العثار، وتنقذهم من المهالك والحتوف، ولكنهم لم يجنِوا من انتظارهم سوى الوعود العجفاء، ولعل الأمر البعيد عن معترك ظنونه أن الوظيفة التي يخوض إليها غمرات الحوادث، ويركب دونها أكتاف الشدائد، كان المتقلبون في السيادة، والمضطلعون برعاية الذمام، يصطفونها لمن لزم غرسهم، واستنّ بنهجهم، كان هذا ديدن الدولة قبلة الراجي، وكهف الآمال في عهد التمكين الذي اختلت بسببه منظومة الإدارة وأدى لأن يكون كل مرفق من مرافق الخدمة العامة معتلاً يفتقر إلى علاج.

إنّ نواطير الشباب الذين تشربتهم حمى الفراغ، وبانت على وجوههم التواقة للخلاص نهكة الملل، غاية آمالهم، وحديث أمانيهم، أن تقدِّم الدولة التي تحسم الحرب، وتفرج الكرب، وتقيم الأود، وتحسم الداء، على إطلاق عقال الوظائف، وحل وثاقها، بعد أن تضع هذه الهيجاء أوزارها، فقد استنفذت تلك الجموع وسعها، واستفرغت جهدها، في البحث عن الرزق الشرود، الذي من أجل نيله صهرتهم الشمس، وفدحهم الزمهرير.

ومما لا يند عن ذهن، أو يلتوي على خاطر، أن السوءة الشنعاء، والمعرة الدهماء، البطالة التي هي بلا شك معضلة أرّقت مضجع الأمم، نال السودان منها الحظ الأوفر، والشقص الأغر، فالسواد الأعظم من أصحاب العقل الراجح، والفكر القادح، ألقوا عصاهم في ديار احتفت بأحلامهم الجذلة، بعد أن أوصد الوطن أمامهم الأبواب، فخريج الأداب أو الهندسة، تتضع رتبته، وتنحط درجته، وتسقط منزلته، إذا لازم حلس بيته، بل ربما دفعه الفراغ الناجم عن عدم الوظيفة إلى مخاتلة الدنايا، ومقارفة العيوب، وقبيلة "العطالة" التي سهم وجهها، وأسدف سناؤها، تكأدتها نوازل الفراغ، وطرقتها محن البطالة، فغدت تتهتك في شعاب الباطل، وتمسي في بيداء الغواية، فلا أوخم مرعى من الفراغ، ولا أزيد في الشناءة من خلو الشاب الجلد من عمل يفني فيه هدير طاقته، ويقيه شرور البطالة التي هي بلا شك أم الرذيلة، ومصدر العلة، ومنبت الأوهام، وعقل العاطل عن العمل كما يقول المثل الفرنسي مرتع للشيطان، لذا يجب على أرباب الحكم والتشريع أصحاب الحدّ الذي لا يفلُّ، والشأو الذي لا يلحق، أن يحنو على هولاء الشباب الذين حُببت لبعضهم الوحدة، وزُينت لهم العزلة، حتى يتقوا وخزات العيون، وقوارض الألسن، من الأعطية، ويكثر لهم من الهبات، ويجزل لهم من الصلات، فهم لعمري سواعد البناء، وموئل الفداء.

***

د.الطيب النقر

 

كيف واين يكون الرد الايراني على العدوان الاسرائيلي الذي استهدف القنصلية الايرانية في دمشق؟

ان قيام دولة الاحتلال الاسرائيلي في قصف القنصلية الايرانية في العاصمة السورية دمشق؛ هو خرق لكل الاعراف الدولية، اضافة الى انه اعتداء على السيادة الايرانية، في الوقت الذي لم تكن ايران في حرب مع اسرائيل. القصف الاسرائيلي كما تقول ايران؛ قد حطم بناية القنصلية بالكامل، واستشهد 13، سبعة منهم بين قيادات الحرس الثوري ومستشارين عسكرين. القادة الايرانيون وعلى ارفع مستوى؛ اكدوا بان ايران سوف ترد ردا قاسيا على العدوان الاسرائيلي، وان هذا العدوان لن يمر من دون رد. العلاقة بين ايران او قل العداء بين ايران من جانب ومن الجانب الثاني امريكا واسرائيل؛ هو عداء فيه الكثير من اللبس وعدم الوضوح لجهة شكل هذا العداء وارضيته واتجاهات حركته على ارض الواقع، وبالذات العداء الامريكي الايراني. ان هذا العداء هو عداء ملتبس، وما اقصده تحديدا هو العداء بين امريكا وايران، كما العلاقة بين امريكا والعراق؛علاقة ملتبسة جدا. في الوقت الذي تكون هناك تصريحات وتصريحات مضادة من قبل كلا الجانبين الايراني والامريكي؛ تتوارد الاخبار عن ان هناك مفاوضات سرية وعلى اعلى المستويات وهي مفاوضات غير مباشرة، والتي سرعان ما تنفيها ايران، إنما هذا النفي لا يلغي وجودها بل يؤكده؛ أذ سرعان ولو بعد حين تظهر الى العلن، هذه الاجتماعات والمفاوضات. مؤخرا تواردت الانباء عن اجتماعات ايرانية امريكية سرية وغير مباشرة؛ المصادر الصحيفة تقول عنها من انها، اي هذه الاجتماعات محورها؛ هو البحث عن تسوية شاملة في المنطقة، وهذا ما اكده الدكتور حكم امهز في مقال له مؤخرا في الراي اليوم. في رأيي المتواضع ان هناك في ايران او في السياسة الايرانية؛ موقف رافض للسياسة الامريكية في المنطقة سواء في المنطقة العربية او في جوارها. لكن من الجهة الثانية؛ ان هذا الرافض الايراني للسياسة الامريكية في المنطقة يتع اتجاهين في الحركة او في التحرك؛ اولا، عدم خوض مجابهة مفتوحة سواء مع امريكا او مع اسرائيل. وثانيا دعم كل المواقف او مقاومة المشاريع الامريكية والاسرائيلية في المنطقة. وثالثا محاولة الانفتاح على دول المنطقة العربية وبالذات في السنوات الاخيرة. ورابعا ان ايران في كل هذا؛ تبني سياستها بطريقة برغماتية وبصبر طويل النفس. وخامسا؛ بناء شراكات اقتصادية وتجارية وعسكرية مع المحور الصيني الروسي على حد سواء. وسادسا؛ من خلال كل ما تقدم؛ تريد او انها اي ايران تخطط ومنذ زمن ليس بالقليل ان تكون دولة اقليمية كبرى، معترف بها وبدروها في حلحلة او وضع حلول للتسويات المرتقبة في المنطقة العربية وفي جوارها، ليكون لها دورا ووجودا في المنطقة وتحولاتها المفترضة او المقبلة. اذا ما صرفنا النظر عن الحرب السيبرانية والمخبارتية، والمناوشات في البحر بين ايران واسرائيل او بين ايران وامريكا؛ لم يكن هناك اي اشتباك فعلي في الجغرافية، بين الدول الثلاث، بتوجيه ضربات سواء كانت منتخبة او واسعة او مفتوحة. فقد كان الامر في كل الزمن المنصرم من صراع ايران مع امريكا واسرائيل لم يتجاوز التصريحات، وحروب المخابرات ومناوشات البحر. هذا لا يعني باي حال من الاحوال؛ ان اسرائيل وامريكا كلاهما لا تريدان او لا تخططان الى تغيير النظام في ايران، بل ان العكس هو الصحيح تماما؛ ان الدولتين تريدان وتخططان على تغير النظام الايراني لو باي طريقة اوباي وسيلة، إنما قطعا من وجهة النظر الشخصية؛ ليس من بينها العمل العسكري ابدا، كما ان ايران ايضا، على الرغم مما ورد في اعلاه؛ تحارب سياسة الدولتين في المنطقة. نعود الى العدوان الصهيوني على القنصلية الايرانية؛ امريكا قالت من انها لم تعلم بأمر هذا العدوان. ايران هي اخرى حذرت امريكا من عملية توسعة الحرب والمواجهة بين ايران واسرائيل، ونصحتها او حذرتها بعدم الاصطفاف الى جانب اسرائيل في هذه المواجهة.. من وجهة النظر الشخصية المتواضعة وطبقا لسخونة واضطراب الاوضاع في المنطقة وفي فلسطين عموما وفي غزة حصريا؛ من المستبعد جدا، ان لم اقل غير هذا الاستبعاد، بأخر ينفيه؛ ان تقوم ايران بالرد على العدوان الاسرائيلي في الجغرافية الاسرائيلية؛ اي في فلسطين المحتلة صهيونيا. لسببين طبقا لما يفصح عنه المسؤولون الايرانيون، والصحافة الايرانية؛ اولا ان هذا ان حدث وهو لم يحدث؛ سوف يوسع دائرة الحرب، وهذا لا تريده ايران حسب حساباتها ذات الابعاد الاستراتيجية. وثانيا حسب ما يقول المسؤولون الايرانيون؛ من انهم لا يريدوا اعطاء او منح طوق نجاة لنتنياهو. لكن هل ايران لا ترد؟ في حكم المؤكد ان ايران سوف ترد، بطريقة تأخذ في حساباتها كل ما تقدم في هذا السطور المتواضعة. في رايي ان ايران سوف ترد في البحر اولا وثانيا ربما مخابراتي وثالثا على الارض السورية او اللبنانية المحتلة ربما كبيرة جدا.

***

مزهر جبر الساعدي

 

الرثاء: صوت البكاء مع الكلام على الميت، رثاه بقصيدة: عدد محاسنه وبكاه؟

الرثاء أحد أغراض الشعر المتواترة عبر العصور، وخلاصته "قفا نبكي"، فالأشعار المحببة للنفوس رثائية بكائية، وتجد شعراء الأمة في دولها متأهبين للرثاء المستطاب، الذي يترنم به الناس وكأن الإبداع يميل إلى سلوك البكاء.

فهل نحن مجتمعات نوّاحة باكية؟

معظم الشعر رثائي وتملقي، ووحتى الغزل يختزن من هذين الغرضين او يجمع بينهما .

يرسل إلي عدد من الأصدقاء تسجيلات لقصائد رثائية مرعبة، ويحسبونها شعرا رائعا يشاركونني به، وما يرسلونه بكائيات ولطميات بالكلمات الدامعة، وتحتها، ما أروع مَن عبّر عن الحزن والألم.

فإلى متى نبقى نتألم؟

إلى متى لا نتعلم ونتكلم؟

كلامنا كِلام، وبؤسنا غرام، وكلنا عظام، أسياد وذوو أنساب ومقام.

فمن يبكي على مّن؟

تأريخنا يبكينا، أم نبكي على ماضينا؟

نوح الحمام صديقنا، ودموع الثكالى رفيقنا، وإن لم تداهمنا الأحزان نستحضرها، فنحن قتلة ذاتنا وموضوعنا، ولا يوجد مجتمع ينوح ويتباكى على ما فيه مثلما نبكي وننوح.

العالم يتحرك بسرعة الضوء ونحن نتعثر ببعضنا، ونجلد انفسنا، ونجيد البكاء على الأطلال، والوقوف بلا أسفار، كأننا منهوكين، ومسلوبين الإرادة والمصير.

وماذا أقول وقد ناحت بقربي حمامة، وأنا القاتل والمقتول، والعال والمعلول، وأذرف الدموع على الطلول، وقال قائلهم حي على الخمول، والجهل والأفول!!

و"رأيت الدهر مختلفا يدور...فلا حزن يدوم ولا سرور"!!

***

د. صادق السامرائي

ما من شك أننا جميعا مررنا بمرحلة الطفولة، ولكل منا فيها ذكريات لا أظنها تفارق مخيلته حتى في كهولته، يومها كان اللعب شغلنا الشاغل، وابتكار ماهو جديد منه ديدننا، مع أن المتوافر بين أيدينا من أدوات اللعب آنذاك، ليس أكثر من الـ (دعابل) والـ (مصرع) والـ (چعاب) إذ لاوجود للـ (Play Station) والـ (CEEGA) والـ (X. BOX) ولم نكن قد سمعنا بعد بألعاب الحواسيب المتعارف عليها اليوم، فلا “كلاش” ولا “المزرعة السعيدة”… ولا جير ولا بسامير.

ومع شحة الألعاب آنذاك، كان التأكيد على روح التعاون هو النصيحة الأولى التي نسمعها من أهالينا دوما، ولم يكن من خيار لنا إلا الالتزام بها، وإلا فخسارة اللعبة أول ما نجنيه من تمردنا وعدم انصياعنا لمفردات التعاون، ناهيك عن الحساب والعقاب لعدم الامتثال الى النصح والأوامر.

وكبرنا -وياليتنا ما كبرنا- وتطورت بعض ألعابنا واندثرت أخرى، وحل محلها اهتمامات أملتها علينا ظروفنا الحياتية، بين أعمال وارتباطات والتزامات مهنية واجتماعية، وتغيرت حيثيات حياتنا ويومياتنا، بعضها نحو الأسوأ وأخريات نحو الأفضل، لكن الشيء الوحيد الذي بقي محافظا على ثباته ولم ينل منه التغيير هو التعاون، روح التعاون، فما من مفصل من مفاصل حياتنا وما من جانب من جوانبها، إلا وكانت للتعاون اليد الطولى في إتمام مامنوط بنا من مهام، وبالتالي يطيب جنيُنا من ثمرة التعاون، وتتحقق مآربنا جميعها. فبالتعاون إذن، يصل المرء مبتغاه، لاسيما إذا كان ذاك التعاون لغاية تصب في خدمة المصلحة العامة، إذ هي أكثر نفعا وأعم فائدة من نظيرتها الخاصة.

اليوم في عراقنا الجديد، يحتم التعاون وجوده بكل أشكاله بين فئات مجتمعنا وشرائحه جميعها، بقومياتهم وأطيافهم كافة، وفي الحقيقة أننا نلمسه -التعاون- متوافرا في الشارع والمعمل والمؤسسة، بين أبناء البلد البسطاء جميعهم، إلا أن حضوره شحّ، ووجوده ندر بين نفر من سياسيي الحاضر، كما أنه غاب عن بعض صناع القرار في سدة الحكم، فاستبدلوا تعاونهم على البِر والتقوى بالإثم والعدوان، حتى صار سمتهم البارزة، إذ نراهم غرقى في بحر الراديكالية، فهم دوما وسط تجاذبات ومناكفات لا تنقطع، ويدورون في دوامات التضاد على أعلى المستويات، مايجعلهم أسيادا في معاداة الآخر، وأساطين في الإيقاع به وتسقيطه شخصيا، فإن لم يستطيعوا فسياسيا، وإن لم يستطيعوا فمهنيا، وإن لم يستطيعوا فبالمقاطعة والتهميش وذلك أضعف الإيمان. والأمر بالتالي يفضي الى نأيهم عن معنى التعاون وكنهه وفحواه، واقترابهم من الأنانية والتحيز والإثرة والنرجسية، في وقت كان حريا بهم أن ينضووا تحت لواء الإيثار ونكران الذات.

لقد رفع البعض من أولي أمر العراقيين وساسته اليوم، كذلك من اعتلوا مقاعد التسلط في مواقع لها علاقة مباشرة بالمواطن، شعار (كلمن يحود النار لگرصته) وامتثلوا -لسوء حظ العراقيين- الى قول ابي فراس الحمداني:

معللتي بالوصل والموت دونه

إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر

أو لعلهم اقتدوا بعشيقة ملك فرنسا لويس الخامس عشر مدام دي بومبادور، حين قالت: “أنا ومن بعدي الطوفان”. إذ اضحى مؤكدا مدى تعلقهم بمصالحهم الفئوية، وبات جليا تمسكهم الشديد بمآربهم الشخصية، أما المواطن فله رب يحميه، وأما مصلحته فله فُتات مايتركونه، بعد اقتسامهم حصة الأسد منها، وأظنهم استشرعوا هذه القسمة الضيزى من أبي نؤاس، حين قال في جارية اسمها “جنان”:

جنان حصّلت قلبي

فما إن فيه من باقِ

لها الثلثان من قلبي

وثلثا ثلثه الباقي

وثلثا ثلث ما يبقى

وثلث الثلث للساقي

فتبقى أسهم ست

تجزّا بين عشاق

***

علي علي

 

مما لا شك فيه ان جميع المنافذ البرية والجوية والبحرية لا تخضع لسلطة الدولة الحديثة في ليبيا، لان الدولة تعتمد كليا على المجموعات المسلحة وبالأخص حكومة الدبيبة حيث يقوم بشراء ولائها لأجل البقاء في السلطة،  وعندما يحدث اختلاف على مواقع النفوذ بين الميليشيات يقوم الدبيبة بالدفع لإنهاء المشاكل، لذلك نجد الميليشيات تتدافع نحو الاستحواذ على هذه المنافذ لما لها من منافع  ولا ننسى قول احد زعماء المليشيات عقب اسقاط النظام،  بان السيطرة على مطار طرابلس افضل من الحصول على وزارة.

معبر راس جدير ليس استثناء،  ولأنه نافذة البلاد على تونس التي يذهب اليها غالبية سكان الغرب الليبي للعلاج والسياحة،  فان تهريب الوقود بمختلف انواعه الى تونس يتم عبره نظرا لفرق السعر،  بالتأكيد هناك مرافئ اخرى بالمنطقة الغربية لتهريب النفط ومشتقاته الى ايطاليا ومالطا،  ولان الدولة ضعيفة جدا ولا تستطيع مجابهة الميليشيات المحلية،  فإنها تغض الطرف عن ذلك،  مكتفية عند الحاجة بذكر المبلغ الخيالي (8مليار دولار امريكي في السنة) لدعم المحروقات مهددة برفع الدعم عنه،  ما يحدث غضبا في الشارع الليبي ونعلم جيدا ان المستفيد من الدعم هم تجار التهريب ويجب الحد منه قدر الامكان.

الضجة الاعلامية التي رافقت التهريب عبر المعبر هو انه يقع جغرافيا ضمن مكون الامازيغ  والذين كما غيرهم يمتلكون مختلف انواع الاسلحة وميليشيات عرقية، عندما حاولت الدولة بسط نفوذها سارع المكون من خلال جناحه العسكري الى طرد الاجهزة الامنية المكلفة بتسيير الامور بالمعبر ما اعتبر تعد سافر على الدولة التي اعلنت اقفال المعبر الى حين السماح لأجهزتها الرسمية بالقيام بعملها،  خوفا من حدوث قتنه عرقية تدخلت وزارة الدفاع لإنهاء الموقف بصورة سلمية باشراك الجناح العسكري للأمازيغ في تسيير الامور الى حين وضع تراتيب امنية تبعد شبح الفتنة .

الملفت في هذا الملف ان الامازيغ يرفعون العلم الخاص بهم بالمعبر الى جانب علم الدولة،  الأمازيغ مكون اجتماعي لا خلاف في ذلك،  ولكن ان يكون له علم (راية) خاص به ويرفعه  على كامل تراب المكون،  فهذا يعني ان المكون العرقي  يريد الانفصال عن الدولة عاجلا ام اجلا، النظام السياسي القائم لم يمنح المكون حكما ذاتيا وبالتالي فان رفع العلم بالمعبر يعتبر عملا ضد الدولة وانتقاصا من هيبتها.

ننتمى ان تتواجد الدولة عبر مؤسساتها الرسمية بمختلف المنافذ لإحكام السيطرة والحد من التهريب لمختلف السلع الى الدول المجاورة نظرا لفروق سعر الصرف. حيث سيتم استقرار الاوضاع الاقتصادية وتحقيق الامن الغذائي.

والى ان تقوم الدولة الحديثة الحاضنة لكل ابنائها بمختلف مكوناتهم العرقية،  نتمنى من الجميع عدم جر البلاد في اتون خلافات تفضي الى تشرذم الشعب وتقسيم البلاد، عندما تقوم الدولة بالتأكيد سيتم سحب مختلف انواع الاسلحة واعادة تأهيل منتسبي الميليشيات اما الانخراط بصفة فردية في الاجهزة الامنية والعسكرية للدولة واما اتاحة الفرص لهم بالعمل في المجال المدني، ، فالبلد للجميع وبالجميع يتم بناءه،  ولن يشعر أفراده بالغبن ولهم ممارسة العمل السياسي وفق النظام السياسي الذي يرتضيه غالبية الشعب.

***

ميلاد عمر المزوغي

 

معضلة: مشكلة صعبة لا يُهتدى لحلها.

لا توجد مشكلة أو قضية أو موضوع تناوله العرب في مؤتمراتهم ولم يعضّلوه، أي يعقدونه ويجعلون حله مستحيلا أو داميا، وما أكثر مؤتمراتهم التعضيلية.

إنها ظاهرة متكررة على مدى القرن العشرين ولا تزال في نشاطها المتنامي.

فهل لديكم مؤتمر إستطاع حل مشكلة مطروحة أمامه؟

مؤتمرات القمم تنتهي بويلات جسام، ولو نظرتموها، لتبين بأنها تُعقد لتأكيد المرارات وتعزيز العثرات، ولقمع التوجهات الصالحة للبلاد والعباد.

المؤتمرات بأنواعها ودرجاتها تنتهي إلى ما هو مرير وخطير، مؤتمرات سياسية، ثقافية، عسكرية، إجتماعية وغيرها.

فالأمة لديها نزعة إيذاء الذات وجلدها، وبعض دولها تعصف في ربوعها النزعات الإنتحارية، المؤدلجة دينيا وعقائديا، والتي تدفع لسلوكيات متوحشة وتفاعلات إفتراسية قاسية، فبإسم الدين يمكن تبرير المآثم وتطوير المفاسد والإستثمار فيها.

وعلى هذا المنوال تتحقق إرادة الطامعين بوجود الأمة، وبجهود أبنائها الأشاوس.

الذين ينفذون الأوامر ويخلصون للوكالات السلطوية، والإلتزام بها ليدوموا في كراسي الجور وحرمان المواطنين من أبسط حقوق الإنسان.

وعلى الباغي تدور الدوائر!!

"واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا"!!

***

د. صادق السامرائي

لمناسبة استشهاده

من المدهش ان الأمام علي سبق علماء النفس المعاصرين في تحديد مواصفات الصحة النفسية والعقلية بمفهومها الحديث الذي يعني بمصطلحات الطب النفسي بأنها: (القدرة على تحمل المسؤولية، اقامة علاقات حميمة مع الناس، التفكير بوضوح وبشكل عقلاني ومنطقي، تقييم النفس بشكل متوازن، ادراك الواقع كما هو، المحافظة على الاستقرار الانفعالي والتوازن الوجداني).

والمدهش أكثر.. انه اشترط توافرها ضمنا في شخصية الحاكم، وتلك دعوة كنّا اطلقناها في العام 2004 وموثقة في كتابنا (الشخصية العراقية بين المظهر والجوهر).

ولقد اشترط الامام توافر الضمير لدى الحاكم. ومع تعدد معاني الضمير الذي يعني الرقيب على افعال الانسان، أو القاضي الذي يحكم بالعدل، أو صوت الله في الانسان، فانه في قيمة الانسان أمام الناس أشبه بفص عقيق في خاتم، اذا اخرجته منه صار لا يساوي شيئا، لأن صاحبه يصبح بلا قيم ولا أخلاق. ومع بشاعة انواع كثيرة من الضمائر الميتة فان أقبحها هو خيانة الأمانة حين تكون هذه الأمانة تخص الناس. فعضو البرلمان مثلا، او المحافظ، أو المدير العام، مؤتمن على أموال الناس ومصالحهم، وينبغي أن يكون ضميره خالصا لمن أئتمنوه. لكنك ترى صحفنا اليومية فيها كاريكاتورات ساخرة بمرارة عن وزير هرب بأموال الناس المساكين بما يعادل ميزانية موريتانيا، وموظف كبير يستحرم أخذ الرشوة في الدائرة لأنه صائم، ويطلب من الراشي ان يأتيه بالدبس الى بيته بعد الافطار!.. ورئيس وزراء يعلن ان لديه (ملفات فساد لو كشفها لأنقلب عاليها سافلها) ولم يكشفها مع انها مصدر قوت الرعية المسؤول هو عنها. ولك في ما تقوله الناس والصحافة عن أمثال هؤلاء ما يجعلك على يقين أن غالبية المسؤولين في حكومات ما بعد 2003 هم أصحاب ضمائر ميتة.والمؤسف ان المثقفين والصحفيين انشغلوا بالسياسة التي الهتهم عن قضايا اجتماعية واخلاقية خطيرة افدحها ما حصل (للضمير العراقي) في العقود الأربعة الأخيرة، لما تعرض له من قساوة ثلاثة اعداء:الحروب والظلم والكراهية، وجهت له ضربات موجعة أماتته عند الحكام وادخلته في غيبوبة مطلقة عند معظم العراقيين.

وما حصل ان العراق الذي شاع فيه الفساد، قدم قانونا (أو تنظيرا) اجتماعيا لعلماء النفس والاجتماع السياسي نصوغه بالآتي:

(اذا زاد عدد الافراد الذين يمارسون تصرّفا يعدّ خزيا، وتساهل القانون في محاسبة مرتكبيه، وعجز الناس عن ايقافه او وجدوا له تبريرا، تحول الى ظاهرة ولم يعد خزيا كما كان).

والمدهش ثالثة أن عهد الخليفة علي لمالك الأشتر يقدم مآثر في فلسفة الحكم وسيكولوجية الحاكم.ففي قوله (لا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم اكلهم..)، فانه يطرح مقياسا كاملا للعدالة فيه بعد سيكولوجي هو ان يضع الحاكم نفسه موضع المحكوم، فيكره له ما يكرهه لنفسه. والتقط حقيقة سيكولوجية بثلاث مفردات في قوله (اجتنب ماتنكر أمثاله)..اي عدم فعل مالا تحب ان يفعله الآخرون بك، ويذكّر الذين جاءوا الى السلطة من داخل الشعب انهم كانوا قبل ذلك يثيرون النقد ضد سيئات الحاكم السابق، فيدعوهم الى ان لا ينسوا مواقعهم النقدية السابقة فيصغوا الى النقد الآتي من القاعدة الشعبية..وتلك اثمن نصيحة لم يأخذ بها من جاء بهم (الشعب) الى السلطة بعد التغيير.فضلا عن نصيحة اخرى بقوله (ثم اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك)، فيما حكّام الخضراء اختاروا من يكون رهن طاعتهم واستبعدوا افضل الكفاءات وانضج الخبرات، وعملوا بالضد من نصيحة أخرى بقوله(وانصف الله وانصف الناس من نفسك ومن خاصة اهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك). ونصيحة اخرى بقوله (الأصغاء للعامة من الناس) فيما المتظاهرون يطالبون بالاصلاح ويصرخون من عشر سنوات وهم عنهم ساهون، ونصيحة اخطر بقوله (اياك والدماء وسفكها بغير حلها) فيما حكّام الخضراء سفكوا دماء مئات الشباب وما يزالون يسفكون.

لقد اراد الأمام علي في منظوره للحاكم  ان يكون وثيقة تستقى منها المباديء التي ينبغي على الحكّام ان يهتدوا بها في كل زمان ومكان، وكان ينبغي أن يقتدي به قادة كتل واحزاب الأسلام السياسي الشيعي الذين يتباهون بانهم اخلص شيعته ، فيما كان منظورهم هو الضد النوعي ،يكفيك منها دليل واحد أن الأمام علي قال يوم تولى الخلافة:(جئتكم بجلبابي وثوبي هذا فان خرجت بغيرهما فأنا خائن).. وانظر لهم كم صاروا يملكون!

***

أ.د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

اعتاد طير الوقواق أن يهاجر من بلاده إلى بلدان أخرى بعيدة عن موطنه لتضع إناثه بيوضها في أعشاش غيرها من الطيور، ليعتاش فرخها بعد تفقيسه على غذاء طيرين آخرين بعد أن يكون قد قضى على أفراخهم كونه ينمو بسرعة وحجمه أكبر وأكثر قوة، هذا باختصار شديد مواصفات هذا النوع من طفيليات الطيور الذي استخدمته عنواناً لمقالتي في توصيف كثير من حكومات وأنظمة منطقتنا المبتلاة بالحكومات الطفيلية التي تعتاش على استكانة شعوبها وتخلفهم وأميتهم الحضارية وحتى الأبجدية، فهي تنشأ في هكذا بيئات متقهقرة وموبوءة بشتى مخلفات الماضي وصفحات التاريخ الاجتماعي الأسود لمعظم مجتمعاتنا، خاصة ما يتعلق بالفهم المنحرف للعقائد الدينية والمذهبية وتحويلها الى خرافات وأساطير من نسج خيال أشخاص مرضى بشتى أنواع العقد النفسية والاجتماعية.

زمر ومجموعات تسلطت في غفلة من الزمن وفي بيئات فكرية وثقافية قاحلة لتضع بيوضها السامة وأفكارها المنحرفة في بلدان احتضنت أولى حضارات البشرية، لكي تفقس جيلاً بعد جيل مجموعات مشوهة لا هم لها إلا السلطة والسحت الحرام لتستمر مسيرة التقهقر والاستكانة والعبودية، تارة لدكتاتور أحمق مفترض وتارة لأفكار خرافية من تاريخ مشوه ومفصل على قياساتها وفهمها المسطح وتارة لشيخ القبيلة وأخرى لفارس نرجسي إرهابي ممتلئ بالسحت الحرام والمرتزقة استطاع تحويل ما حوله الى قطعان من العبيد، كما تفعل كثير من الميليشيات وزعمائها اليوم.

في شرقنا بجهاته الأربع ووسطه الملتهب أبدا تفقست تلك البيوض على شكل حكومات وبرلمانات طفيلية لا همّ لها ولا غمّ إلا امتصاص أرزاق هذه البلدان وثرواتها مستخدمة كل مؤسسات الدولة التي خرجت من تحت عباءتها على مضاعفة تجهيل مجتمعاتها وتفقيرها وزيادة استكانتها العبودية، حتى ان ظهر من يعارضها أو يغير اتجاهات مجتمع قذفته بشتى الاتهامات وفبركت له قصصاً وروايات، حتى اعتقد القطيع أن لا عدو له ولربه إلا هذا الذي يحاول الخروج من عش تلك الطيور الطفيلية التي دمرت أعشاش الشعب ونهبت أرزاقهم وفرص حياتهم في العيش الحر.

لا غرابة فيما يحصل فقد تكالبت على ارض هذه المنطقة من العالم شتى الأقوام والأجناس وهاجرت إليها قبائل متوحشة من شتى أنحاء الدنيا واستوطنت على أديمها بعد أن اقترفت كبريات المذابح في مدنها وقراها وحولت ما تبقى من سكانها الأصليين الى أقوام مستعمَرة تحكمها بالحديد والنار والارزاق، وبعد ان كانت هذه البلاد منشأ كبريات حضارات البشرية غدت واحدة من أكثر بلدان العالم فشلاً وتخلفاً وفساداً، تحت ظلال تلك الاعشاش التي دُست فيها بيوض طائر الوقواق في مدن الشمس.

ترى هل تتقبل قوانين الطبيعة استبدال الأصيل بطير الوقواق الدخيل؟

***

كفاح محمود

 

عندما نقرأ النص القرآني نقف طويلا عند بعض الآيات المباركات ونقرأها بتمعن وتفكر وندورها في العقل كما أمرنا الله تعالى نجد أن هناك الكثير منها تتعارض وتتقاطع مع التفاسير القديمة الموروثة من السلف الصالح والمخيلة الإسلامية وخصوصا الأحاديث النبوية الشريفة التي كُتبت في العهد الأموي المتأخر والعصر العباسي الأول وحين نفتش في بطون أمهات الكتب الدينية والفكرية الإسلامية المعتبرة نجد الكثير من التأويلات والتفسيرات حين نعرضها على العقل المتدبر لا يمكن الأخذ بها أو تصديقها مع كل الاحترام والتقدير للعقول التي أدلت بدلوها في هذا الصدد في زمانها ومكانها منها على سبيل المثال (وما جعلنا لبشر قبلك الخلد أفأن مت فهم الخالدون) وحين نضعها أمام فكرة بقاء النبي عيسى بن مريم عليه السلام حيا حتى قيام الساعة أو فكرة الأمام المهدي عند جمهور علماء المسلمين وكذلك (هو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم أن الإنسان لكفور) و(كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحيكم ثم إليه ترجعون) و(قل الله يحيكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه) وقوله (قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين....) ونضعها أمام فكرة ما جاء على لسان السلف الصالح وفي تراثنا الديني وكثير من الأحاديث النبوية فكرة عذاب القبر الذي يُضاف إليه حياتا وموتا جديدا وكيف يُعذب فيه الميت ويُسأل عن أعماله وفكرة المعراج للنبي محمد صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه فان هذا الطرح لا يمكن التسليم به ولا يمكن عدم الأخذ به كونه طُرحت منذ مئات السنين وأحيطت هذه النصوص بالقداسة من مرجعيات معتبرة حينها لا يمكن تجاوزها أو نقاشها من قبل الآخرين والمعارض لها يدخل في صراع يصل إلى القتل والتكفير والاتهام بالزندقة والإلحاد من قبل الشيوخ ورجال الدين الذين ورثوا الحصانة الكبيرة من المؤسسات الدينية أمام التيار المجدد التنويري الذي يدعوا إلى أعادة النظر في التراث الإسلامي الديني والتفاسير الدينية والفقهية لنصوص القرآن الكريم وكثيرا من الأحاديث النبوية الشريفة حيث جابهت هذه الدعوات للمفكرين الجدد حملات شرسة من قبلها مدافعة عن قيادة الأمة الإسلامية بطريقة تفكيرها ووقفت بالضد من حملات التصحيح وغربلة هذه المفاهيم ومازال الصراح محتدم بين هذه المؤسسات الدينية والعقل العربي المتدبر المتفكر المتنور الذي أطلقوا عليه بـ(القرآنيون) والذي يحاول بدوره وضع المفاهيم والقيم الإسلامية في موضعها الزماني والمكاني الجديد لمواكبة التطور الفكري للإنسان للخروج من عباءة وجلباب وسطوة المفاهيم الدينية والعقلية لكثير من رجال الدين الذين تربعوا على عرش هذه المؤسسات والهيمنة على التراث السلفي الإسلامي محاطا بقداسة النص للأحاديث النبوية الموضوعة على النبي الكريم والبعيدة عن مفهوم الإسلام الحقيقي والرسالة السماوية بحصانة من رجال الدين ومرجعياتهم الذين لهم الكلمة العليا في الساحة الإسلامية .علما كلنا يعرف أن الله تعالى وعلى لسان آياته المباركات يُخاطب الإنسان العاقل والمتدبر لآياته كون أعطاه ميزة العقل للتدبر والتفكر في آياته كمشروع إلهي في تنظيم حياة هذا الإنسان على الأرض على ضوء كل مرحلة من حياته حتى قيام الساعة لهذا أعطى الله تعالى المساحة الكاملة للعقل البشري في كيفية معرفة مراد الله علي خلقه وترتيب شؤونه اليومية من عبادات ومعاملات وقيادة هذا الإنسان نمط حياته في مجتمعه برسالات ثلاث هي اليهودية والنصرانية والإسلامية المحمدية فأن الخروج من دائرة القداسة للنص تعطينا المساحة الكافية في الخوض للمعرفة المنهجية للتدبر التي لا تخرجنا من المفهوم الذي أنزله الله تعالى في كتابه الكريم وفيه تفصيل لكل شيء والذي يوافق كل عصر وزمان وكل عقل بعيدا عن هيمنة الذي يحتكرون قيادة العقل العربي والإسلامي بالتعاون مع كل ما يطرح على الساحة من محاولات لتغير مسار العقل العربي نحو الفهم الصحيح لآيات القرآن الكريم وإعطاء الفرصة والمساحة المهيأة لإخراج الدين الإسلامي للواجهة العالمية بوضوح بعيدا عن الخوف منذ سنين كثيرة والذي على ضوئه تراجع الفكر الإسلامي المنهجي وتقوقع في الجزيرة العربية وبعض البلدان الذي وصلها مشوشا.

***

ضياء محسن الاسدي

دول الدنيا عندما تواجه تهديدا مصيريا تتحد مجتمعاتها وتتناسى ما بينها من إشكالات، وتركز على أهمية الوعاء الوطني وسلامته، والحفاظ على سيادته وقدرته على إبقاء حياة المواطنين السعيدة.

أما مجتمعات دول الأمة فأنها تتشظى أمام أبسط التحديات التي تواجهها، وتصبح فرقا وجماعات وفئات وتحزبات، تتوسل بأعداء وطنها للنيل من أبناء الوطن الآخرين.

وهذا سلوك واضح إلا ما شذ وندر.

فهل وجدتم دولة لم تتمزق أمام التحديات؟!!

لا يمكن تفسير هذه الظاهرة السلوكية الغريبة، فحتى القطعان في الغاب عندما تداهمها الوحوش، تتجمع وتتكاتف لتكون جبهة واحدة ضدها.

فدول الأمة متأهبة للتفرق والتمزق وكأنها تسعى لذلك!!

ولهذا فالصراعات البينية متواصلة منذ تأسيسها، وفي القرن الحادي والعشرين أصبحت الصراعات داخل الدولة الواحدة، كما هو الحال، في العراق واليمن والسودان وليبيا وحتى لبنان.

وتلك حقيقة واقع مأزوم سيأخذ الأمة بدولها لسوء المصير، خصوصا بعد أن تحقق الإستثمار بالدين، وإمتطائه لصناعة الوجود المتشظي الإستنزافي الخسراني، القاضي بالقتل المباح للآخرين من أبناء الوطن، بفتوى قاضية بمحقهم والتخلص من وجودهم المرفوض بموجب هذه الفئة أو تلك.

والغريب في الأمر، أن لا أحد ينهض بوجه التفاعلات السلبية، ومعظم الرموز تسعى للإستثمار بالتمزيق والتفريق وإذكاء الصراعات البينية.

فلماذا يُلام الطامعون بالأمة؟!!

"وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"!!

فهل نتعاون أم نتكاون؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

مما لا يند عن ذهن، أو يلتوي على خاطر، أن الإسلام قد حفز أتباعه على تعلم الطب، ورفع المعاناه عن كاهل المريض الذي يشكو الدنف، وتشتد عليه العلة، ويشق عليه المرض، فالمريض الذي أنهكته الحمى، أو اعتراه مرض ثقيل، تراه يهش لمقدم الطبيب هشاشة السائل المعدم للمال الذي يسد عوزه، ويعالج فقره، لأنه يحسم عنه الداء، ويشفيه بإذن الله من ويلاته وآلامه المبرحة، لذا نجد أن المجتمعات تتسابق إلى وداد الأطباء، وتتنافس على رضاهم، والحقيقة التي لا يغالي فيها أحد، أن تعلم الطب فرض من فروض الكفاية، فهو واجب على كل شخص، ولا يسقطه عنه إلا إذا قام به غيره، كما هو فرض عين على الطبيب الذي زاول هذه المهنة، وسبر أغوارها، وألمّ بشتى تفاصيلها ودقائقها، ولكنه لا ينفك متزايلاً ضجراً منها لكثرة المرضى الذين يلوذون ببابه، فمثل هذا الرجل يكون التطبيب واجباً عليه طالما لا يوجد في المكان الذي يعيش فيه طبيب آخر «وقد أجمع الفقهاء على عدم مسؤولية الطبيب إذا أدى عمله إلى نتائج ضارة بالمريض، وسبب رفع المسؤولية عنه هو إذن الحاكم، وإذن المريض ثانياً، فإذن الحاكم يبيح للطبيب الاشتغال بالتطبيب، وإذن المريض يبيح للطبيب أن يفعل بالمريض ما يرى فيه صلاحه، فإذا اجتمع هذان الإذنان فلا مسؤولية على الطبيب ما لم يخالف أصول الفن أو يقترف خطأً في فعله».

فالطبيب إذا كان همه منصرفاً لصلاح المريض وعلاجه من سقمه، ولم يخالف القواعد والأطر التي يجب اتباعها، والتقيد بها، حتى يتعافى السقيم من وجعه، فإنه لا يسأل عن الخطأ الذي يقع منه في هذه الحالة لأنه خطأ يصعب التحرز عنه، فإذا حدث وأن وصف الطبيب الحاذق دواء لمريضه، ويعتبر هذا الدواء هو الوصفة المتعارف عليها بين الأطباء والصيادلة لعلاج ذلك الداء الذي يشكو منه العليل، فنجم عن تناولها تسمم حاد للمريض أودى بحياته، ففي هذه الحالة لا يتعرض الطبيب لأية عقوبة أو سؤال من الناحية الجنائية والمدنية، لأنه في واقع الأمر قد قام بواجبه على الوجه الأكمل، ويستوي في الحكم إذا تقّمص المريض لباس العافية، أو قضى نحبه، أو حتى كفّ بصره، وفي هذا الصدد يقول الإمام الشافعي رحمه الله»: «وإذا أمر الرجل أن يحجمه، أو يختن غلامه، أو يبيطر دابته، فتلفوا من فعله، فإن كان فعل ما يفعل مثله مما فيه الصلاح للمفعول به عند أهل العلم بتلك الصناعة، فلا ضمان عليه، وإن كان فعل ما لا يفعل مثله من أراد الصلاح، وكان عالماً به، فهو ضامن».

فالطبيب لا يسأل عن خطئه إلا إذا كان خطأ فاحشاً، والخطأ الفاحش هو ما لا تقرره أصول فن الطب، ولا يقرره أهل العلم بفن الطب، والفقهاء «أجمعوا على أن الطبيب إذا أخطأ لزمته الدية، مثل أن يقطع الحشفة فى الختان، وذلك عنده إذا كان من أهل الطب، ولا خلاف أنه إذا لم يكن من أهل الطب أنه يضمن لأنه متعدّ، وقد ورد فى ذلك مع الإجماع حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«مَنّ تطبّب ولم يُعْلمْ مِنْهُ قبل ذلك الطّبُّ فهو ضامن»، والدية فيما أخطأه الطبيب عند الجمهور على العاقلة، ومن أهل العلم من جعله في مال الطبيب، ولا خلاف أنه إذا لم يكن من أهل الطب أنها في ماله على ظاهر حديث عمرو بن شعيب».

وفي عصرنا الحاضر نجد أن القوانين الوضعية لا تلاحق إلا «الأطباء الذين يلجأون إلى طرق علاجية مهجورة، فالالتجاء إلى طريقة في التوليد يقدر الخبراء بأنها أصبحت مهجورة، وتمثل خطورة بالنسبة إلى الجنين يشكل خطأً فادحاً من جانب الطبيب المولد، ونفس الشيء بالنسبة للطبيب الذي يتجاهل المبادئ الأولية في التشخيص، ومعرفة حال المريض، والطبيب الذي يلجأ لطريقة خاصة في العلاج تعتمد على محض الصدفة، بدلاً من اتباع الطرق التقليدية المعروفة»، فمهنة الطب مهمة جسيمة لما يترتب عليها من أخطار قد تؤدي لضياع حياة البشر، لذا ينبغي ألا ينتحلها إلا من يحسنها، وقمين بالطبيب الذي لا يحسن الجراحة إذا شاهد شخصاً به العديد من القروح والكلوم التي ينبجس منها الدم، أن يتصل بالطبيب المتخصص، وأن يقتصر دوره على وضع الرفائد التي توقف نزيف الدم، ويقوم بتضميد الجرح وتعقيمه، ريثما يحضر الطبيب الضليع في هذا المجال.

***

د.الطيب النقر

 

عندما كتبت أول أمس الخميس 28 مارس ملاحظة متسائلا عن صحة الأخبار التي ترد من القاهرة بتواصل قيادات من السلطة ببعض ملاك الأراضي في المنطقة الوسطى من قطاع غزة وتطلب منهم توفير ٤٠٠ دونم لإقامة مخيم لإيواء مهجري رفح قبل اقتحامها من جيش الاحتلال، استنكر كثيرون هذا التساؤل واعتبروه من باب التشكيك والطعن بقيادات فتح والسلطة. وبعد التواصل مع المعنيين مباشرة لم ينفوا الخبر ولكن طرحوا الأمر على الشكل التالي: إنهم وبعد الإصرار الإسرائيلي على اقتحام رفح المكتظة بالسكان وما يترتب على ذلك من إمكانية دفع الآلاف نحو سيناء وسقوط آلاف آخرين خصوصا من النساء والأطفال، وبعد ادعاء واشنطن عجزها عن دفع إسرائيل للتراجع عن الفرار وعجز المنتظم الدولي عن ذلك، ومن منطلق الإحساس بالمسؤولية الإنسانية والأخلاقية والوطنية تشاوروا مع الأخوة في مصر حول كيفية التقليل من التداعيات الخطيرة في حالة غزة رفح، فكانت فكرة إقامة مخيمات إيواء مؤقتة في المنطقة الوسطى، وسألني المسؤول الفلسطيني هل تعتبر محاولة منع التهجير إلى سيناء وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح المدنيين تنسيقا أمنيا؟ وانتهت المكالمة التليفونية حول الموضوع عند هذا الحد. 

كان كلامه مقنع من حيث المبدأ لأن لا أحد يريد تهجير الفلسطينيين الى سيناء أو مزيدا من معاناة قاطنة رفح، كما يجب الاعتراف بأن كل من يشتغل في مجال الإغاثة والمساعدات الإنسانية من دول ومنظمات دولية في القطاع لا بد أن يبسق مع جيش الاحتلال بشكل أو آخر وإلا لن يُسمح له بالعمل وسيدمر كل مشاريعه، ولا داع أن يدعي أحد البطولة وتحدي الاحتلال بعد كل ما لحق القطاع من موت ودمار. وحيث إن كل فلسطين خاضعة للاحتلال المباشر فإن ما يجري في غزة سيكون امتدادا مع ما يجري في الضفة ولو التنسيق بين السلطة وإسرائيل ما استمرت السلطة الى اليوم، وحتى ما جرى طوال سبعة عشر عاما من حكم حماس لغزة، فلولا التنسيق المباشر أو غير المباشر مع الاحتلال من خلال عراب الانقسام الوسيط القطري ما استمرت حماس بالسلطة طوال هذه السنوات.

ولكن يجب الحذر من توظيف العدو لمسألة الغوث الإنساني لزرع بذور الفرقة والاقتتال الداخلي، كما أن العدو لا يعترف بحرمة لأي أماكن آمنة، ونُذكر هنا أنه في بداية الحرب طلب جيش الاحتلال من سكان الشمال ومدينة غزة الانتقال الى المناطق الآمنة جنوب وادي غزة وخصوصا الى رفح وخانيونس، بعدها بدأوا باقتحام خانيونس من أقصى الشرق لأقصى الغرب ولم يحترموا أي مكان آمن حتى المدارس والمستشفيات، وبعد أن عاثوا خرابا ودمارا وموتا فيها حولوا أنظارهم لرفح وقال كل قادتهم أنهم سيقتحمون رفح بذريعة أنها الحصن الباقي لحماس، فما الذي يضمن أن العدو لن ينتقل بعد اقتحام رفح، في حالة حدث ذلك، لاستهداف مخيمات الإيواء الجديدة التي بنيت بأيادي فلسطينية وتمويل عربي بحجة أن قيادات المقاومة تسربوا لهذه المخيمات؟ ألن توجه اتهامات في هذه الحالة أن السلطة ساعدت العدو في تنفيذ مخططه؟

هذا المشهد المرتبك ينطبق أيضا على موضوع الميناء الذي تبنيه إسرائيل بتنسيق مع دولة الإمارات ووكيلها في غزة محمد دحلان، حيث تقوم شركات فلسطينية وعمال فلسطينيون ببنائه في ظل صمت حركة حماس وبقية فصائل المقاومة وعدم استهداف مقاتليها للميناء والعاملين فيه مع أنها تعرف أن فكرة الميناء إسرائيلية وسابقة على قرار واشنطن والغرب ببنائه، وله أهداف تتجاوز الاعتبارات الإنسانية؟ ففي هذه الحالة لا يمكن تجاهل وجود تنسيق أمني إسرائيلي حمساوي دحلاني.

نتفهم معاناة أهلنا في قطاع غزة و افتقارها لأدنى متطلبات الحياة من غذاء ودواء ومياه، والحفاظ على حياتهم وحياة أسرهم أو ما تبقى منها، كما نقدر جهود ذوي النوايا الطيبة في مساعدة أهالي غزة، كما نقدر أن أي حديث الآن عن الوحدة الوطنية والصمود والبطولة لن يجد عندهم آذانا صاغية حبت رغيف الخبز والدواء والماء وضمان الأمان الشخصي بات سابق على أي حديث عن الوطن والوطنية، ولكن يجب الحذر من استغلال معاناة الناس في ظل استمرار الانقسام لتصبح الأطراف الفلسطينية عاملا مساعدا للعدو في تنفيذ مخططاته.

***

د. ابراهيم أبراش

 

ما يجري في الأمة ومنذ قرون وقرون، أن الكثيرين من أدعياء الدين الذي يسمّون أنفسهم بالفقهاء والعلماء وغيرها، يحسبون أنفسهم وكلاء رب العالمين، فعاثوا فسادا بإسم الرب الذي ينوبون عنه، ويدّعون أنهم وكلاؤه!!

بل أن الموضوع تطور وصار الجالس على كرسي السلطة حاكم بأمر الرب، وبهذا يكون الحكم صارما ونافذا في الحال، والجميع لا مسؤولية عليهم لأنهم ينفذون أمر ربهم بعباده الذين سلطهم عليهم.

وهذا الإدعاء تواصل فاعلا في مسيرة الأمة، بل يمكن القول لايزال قائما في بعض المجتمعات، التي إنتشر فيها نواب الرب الذين عليهم تنفيذ إرادته القاضية بالأهوال.

هذا الرب الذي ينوبون عنه أو لديهم وكالة منه، أو يحكمون بأمره، شرس متوحش دموي، مدمن على الظلم والفساد وإنتهاك الحرمات، ويتمتع بمنظر قطع الرؤوس وسفك الدماء.

هو الرب الذي بأمره يحكمون!!

وفي الواقع أنهم يمتطونه ويترجمون بواسطته غرائزهم وأهواءهم، وتوهمهم النفس الأمّارة بالسوء الفاعلة فيهم بما يقومون به، وهم بلا ضمير ولا قدرة على النظر فيما يقترفون.

ويدّعون أنهم يمثلون الدين الذي يعتقدون!!

بعضهم ربهم رحمان رحيم، لكنه أعطاهم وكالة سلوك الأشرار المجرمين، فكيف يتوافق الطرفان المتناقضان؟

كلهم من جنس حمّالة الحطب، ويجيدون التنابز بالخطب، وعلى بعضهم جنود غضب، وقد فار التنور ولسوف يأتيهم العطب.

و"كتب ربكم على نفسه الرحمة"!!

فهل نوابه يرحمون، أم لشرائع الغاب يترجمون؟!!

***

د. صادق السامرائي

كان "مناحيم بيغن" منذ مفاوضات كامب ديفيد قد وضع الأسس التي تقبل بها دولة الاحتلال فيما يدعى زيفا وكذبا "حل القضية الفلسطينية". هذا الحل الذي يتناسب مع مزاج دولة الاحتلال.

وقد التزم رؤساء حكومة هذه الدولة وقادتها بتلك الأسس التي وضعها "بيغن" حتى يومنا هذا. كما أخذتها الولايات المتحدة الأمريكية بعين الاعتبار في جميع مفاوضات السلام التي خاضتها دولة الاحتلال مع الطرف الفلسطيني. كما والتزمت بهذه الأسس الأنظمة العربية التابعة والمستسلمة لواشنطن.

أما عن هذه الاسس فتتضمن

- عدم السماح بقيام دولة فلسطينية تتمتع بمقومات الدولة المستقلة.

- رفض إعادة الأراضي التي احتلتها دولة الاحتلال إلى القيادة الفلسطينية ، لكن يُسمح بقيام سلطة ذاتية على الفلسطينيين في بعض المناطق مع إبقاء السيادة لدولة الاحتلال على الأرض. كما يحق لدولة الاحتلال تنفيذ عمليات أمنية داخل هذه الأرض.

- استمرار مشاريع الاستيطان داخل الأراضي الفلسطينية.

وعودا إلى الانظمة العربية التابعة للولايات المتحدة والتي ربطت انظمتها سياسيا واقتصاديا وامنيا، مقابل الدفاع عن المصالح الأمريكية مثل النفط وحرية الأسواق وتواجد القواعد العسكرية على اراضيها. والأنكى من ذلك كله الحفاظ على أمن دولة الاحتلال وضمان استقرارها وتفوقها. مقابل غض الطرف من قبل الولايات المتحدة عما تنتهكه هذه الأنظمة من انتهاكات وقمع لشعوبها وممارسة الفساد. ويجدر الذكر هنا ان الولايات المتحدة تستطيع إزالة هذه الانظمة مجرد إجبارها على تطبيق الديمقراطية مع شعوبها، وهنا النتيجة ستكون معروفة وهي إزالتهم عن كراسيهم لا من قبل الولايات المتحدة بل من قبل الشعوب المقهورة. لذلك فهذه الأنظمة تعمل على كل ما ذكرنا من عار للاحتفاظ بتلك الكراسي.

أما بالنسبة لأولئك الذين انحازوا للسلام الأمريكي وهرولوا نحوه بكل طاقاتهم من بعض القيادات الفلسطينية لظنهم ان الموقف الأمريكي سيكون إلى جانبهم في تقرير المصير وإقامة الدولة، فقد خاب ظنهم لان ما ظنوه يتناقض مع الأهداف الأمريكية بالحفاظ على قاعدة نفوذها "دولة الاحتلال".

ويكفي ان نذكر هنا بأن القيادات الأمريكية المتتالية كانت قد تعهدت ولا زالت بالتشاور مع القيادات اليهودية قبل اتخاذ أي قرار حول سياساتها في الشرق الأوسط وخاصة تلك المتعلقة بفلسطين.

بل ودعم جهود دولة الاحتلال في توسعها داخل الأراضي الفلسطينية. فجاءت اتفاقيات أوسلو واولادها لا لمصلحة الشعب الفلسطيني بل جاءت لتصب في خدمة دولة الاحتلال ولتحسين وضعها وجعله أفضل مما هو قبل أوسلو.

فبعد أوسلو لم يتوقف التوسع وإقامة المستوطنات في مناطق الحكم الذاتي ولم تتوقف الحواجز المهينة ولا الجدران العازلة العنصرية ولا توقفت الاعتداءات على الأراضي ولا عمليات الهدم ولا الاعتقالات والأهم لم تتوقف الاقتحامات التي يقوم بها قطعان المستوطنين للمسجد الأقصى ، بل ازدادت وأصبحت أكثر وحشية ، وها هي بقراتهم الحمر قد أصبحت جاهزة ، يهددون بذبحها والتطهر من دنسهم وهدم مسجدنا المبارك وإقامة هيكلهم المزعوم.

والكارثة الكبرى هو التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال. وكل ذلك بمباركة أمريكية.

ولهذا كانت ٧/أكتوبر التي كشفت المستور وأسقطت الأقنعة وأيقظت الوعي العربي لدى الشعوب ومن هنا يبدأ التحرير بإذن الله.

***

بديعة النعيمي

يبدو من رد وزير التعليم على حادثة العميد أن هناك تحليلات شخصية وإشاعات أثارها البعض بهدف ما، واتفق مع الوزير أن تصرف العميد فردي ولا صحة لمساومات طالبات، لكن لو فرضنا أن من ظهرت في الفيديو موظفة أو صديقة أو جارة.. أو طالبة كما تحدث البعض فذلك لايغير من سوء الموقف وأساس القضية، وهو الفساد الأخلاقي واستغلال الوظائف، أما المساومات فأعتقد أن الفتيات يتعرضن لها في كل مكان والبعض يلجأن إلى العمل في مكان آخر أو ملازمة البيت بسبب المضايقات والتحرش، لأن مجتمعنا يعاني من خلل نفسي وأخلاقي، وكثيرون من تمردوا بسبب السلطة والنفوذ والظهر القوي الذي يسندهم، وكثيرون من يستغلون ضعف أو حاجة بعض النساء، ويحاولون الوصول اليها بكل الطرق.

وبالعودة إلى صاحب الفيديو الذي انتشر مؤخراً بين المنصات الإلكترونية وهو في وضع مخل للحياء، وظهر للجميع عبر كاميرا مزروعة في مكتبه الوظيفي الموقر الذي يبو أنه يمارس فيه رغباته الشخصية المتعلقة بممارسة الجنس مع الفتيات او الطالبات ليبتزهن أكثر وأكثر، نجد أن الفساد الوظيفي انتشر بكثرة، وإن التحرش فعلياً انتقل من الشارع إلى الدوائر المهمة، وذلك بسبب انفلات الغرائز لدى كثير من المسؤولين وعدم السيطرة عليها وضبطها بالوازع الديني والأخلاقي والإنساني، ولذا فإن هناك حاجة مُلحّة بتشكيل لجنة تحقيق بكل الجامعات لأن هناك بعض الأساتذة وعمداء كليات يستغلون مناصبهم الوظيفية من اجل رغبات وغايات شخصية، ويتورطون بأفعال غير اخلاقية، حتى صارت تنتشر رائحة نتنة بين مؤسساتنا، أما عميد الكلية الذي تحدث البعض عن فعلته القذرة داخل الحرم الجامعي فلا يمثّل شيئاً أمام الواقع وما نسمع عنه.   الأستاذ المفضوح، ما هو إلا انموذج لعشرات الأستاذة الجامعيين والتدريسيين الذين ينهجون نفس النهج المعيب، ويبتزون البنت  مقابل شهادة النجاح  أو الدرجة الوظيفية، والأخيران هما ليسا مبررين للتنازل، والأهم من كل ذلك الجامعات والكليات تحتضن اساتذة نكنُّ لهم كل الإحترام والتقدير.. تعلمنا منهم ومن منهل أدبهم وثقافتهم وأخلاقهم ونصائحهم، أما الفتيات فلسنَ الأكثرية فاسدات بل الأقلية هي التي تعم.

***

ابتهال العربي

 

منذ الساعات الأولى لوفاة النبي الكريم، إنطلقت ذات الأسئلة التي ما عرفت الأجوبة الراسخة، بل خضعت للإجتهادات الفردية والتأويلات المتواصلة الإندفاق، وكلٌ يريد أن يتصرف على نهجه، والحقيقة أن النبي الكريم قد كتب صحيفة المدينة في العام الأول للهجرة، وكان من الممكن أن تكون الحجر الأساس لدستور حكم يتطور مع الزمن، لكن الفردية طغت وصار الفرد هو مرجع كل شيئ.

وجميع الأسئلة متعلقة بمسألة الحكم، وعَجِزَ قادة الأمة رغم إجتهاداتهم عن إيجاد صيغة عمل لترجمة " وإذا حكمتم فاحكموا بالعدل"، " وأمرهم شورى بينهم"، ولا تزال الأمة عاجزة عن التعبير العملي عن هذين المنطوقين، فدب التأويل في ربوعها، حتى إنتهت إلى نظام الحكم الوراثي الذي تعيبه، وسارت عليه منذ أن صار أسلوبا للحكم، ودولها إتخذته سبيلا، ولا تزال عدد من دولها في الزمن المعاصر تمضي على سكته.

والمفكرون عبر القرون المتوالية لم يأتوا بجديد، بل كرروا ذات الأسئلة وإنتهوا إلى ذات الأجوبة، حتى (طه حسين) في كتابه (الفتنة الكبرى) لم يأتِ بجديد، فأعاد صياغة ذات الأفكار والطروحات التسويغية، التي تشير إلى " ليس في الإمكان خير مما كان"، وما ظهر مفكر تحدى المنظومة الإعتقالية المعطلة للعقل، وقال كيف علينا أن نحكم، بل كلهم توحلوا في مستنقعات لماذا.

ومنذ بدايات القرن العشرين وحتى اليوم، لا توجد في معظم دول الأمة آلية لتداول السلطات، بل هي إنقلابات ووراثات وعائليات وفئويات، وكل يحسب البلاد والعباد ملكه الخاص أو غنيمته.

وكلها تسير على إيقاع " إذا تبدل السلطان تغير الزمان"!!

ولن تخرج الأمة من ورطتها الخسرانية، إن لم تأتِ بدستور يعبّر عن معاني العدل أساس الملك، وأمرهم شورى بينهم، وإلا فناعور الوجيع سيبقى يدور بلا هوادة.

و"كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم