كتب واصدارات

الفكر الإسلامي المستقبلي: مقاربات منهجية کتاب جديد للدكتور علي المؤمن

صدر في بيروت عن دار روافد «كتاب الفكر الإسلامي المستقبلي: مقاربات في المنهجية» للدكتور علي المؤمن. وجاء في كلمة الناشر: ((كتاب الفكر الإسلامي المستقبلي، محاولة في طريق التأسيس لفكر إسلامي مستقبلي، وهو حصيلة محاولات بحثية نظرية وتجربة مؤسسية عملية، بدأها المفكر الإسلامي الدكتور علي المؤمن في العام 1998، ولا تزال جزءاً من اهتماماته الفكرية، وكان من أهم نتاجاتها تأسيس «المركز الإسلامي للدراسات المستقبلية»، الذي وضع القواعد النظرية لمحاولات أسلمة الدراسات المستقبلية والمقاربات التمهيدية لقواعد الفكر الإسلامي المستقبلي، ونشر بعضها في مجلة «المستقبلية» البحثية، وفي الكتب والدراسات الأُخر. وقد أطلق المؤلف على قواعد هذا الفكر: «المستقبلية الإسلامية»، وهي منهجية جديدة في التفكير الإسلامي، تناول الكتاب مداخلها ومفاصلها الأساسية، إضافة الى بحث مدخلية حركة التاريخ في صناعة المستقبل، ومحاولة تجسير المسافة بين الفكر الإسلامي المعاصر والمستقبلي)).

وفي الإجابة على سؤال: ((هـل هنـاك فكر إسلامي معاصر حتى نتحدث عن فكر إسلامي مستقبلي، أو عن عمليـة نقـل الفكـر الإســلامي من مقـولة المعـاصرة إلـى مقولـة المستقبلية؟!))، قال الدكتور علي المؤمن في مقدمة كتابة: ((لا يمكن الإجابة عن السؤال بنعم أو لا؛ لأنّ هناك نتاجاً فكرياً إسلامياً يلتزم بمقومات الانسجام مع العصر، وهناك فكر تجاوزه العصر؛ ولا يزال كم هائل من المسلمين يتمسكون به. ومن هنا، فالأفضل أن يتركز الحديث عن المقولة وليس عن الإنتاج. وكي لا تلتبس الأُمور؛ فما نقصده بالفكر الإسلامي هنا، هو النتاج الفكري البشري الذي يعتمد الأُصول الإسلامية مصادر وقواعد يستند إليها في المعالجات وحل الإشكاليات والإجابة عن التساؤلات. وتدخل في هذه المجالات؛ معادلات وثنائيات ترمز إلى صعوبة التعاطي مع عملية الإنتاج الفكري الإسلامي؛ باعتبارها خاضعة للاجتهادات الشخصية والانتماءات الجغرافية والزمانية والسياسية والاجتماعية، فضلاً عن الضغوطات العامة والمصالح الخاصة.

وعليه، يظل أي نتاج فكري إسلامي عرضة للتساؤل والنقد والمصادرة والإلغاء والإقصاء؛ بالرغم من أنّ جميع المنتجين يؤكدون انتماءهم إلى المرجعية الإسلامية. وربما؛ لا ينفع هنا كثيراً، وضع ضوابط نظرية تركز على ما نسميه بالثابت والمتغير، والملزم وغير الملزم، والمقدس واللا مقدس، والإلهي والبشري وغيرها؛ لأنّ هذه الضوابط، رغم كثرة مصاديقها، هي أيضاً عرضة لاختلاف الرأي. بيد أنّ قدراً متيقناً من المعيارية يوضح انتساب المنتج الفكري إلى الإسلام ورؤيته الكونية.

وبناءً على حقيقة التبدل والتغير في الموضوعات الحياتية؛ على مختلف أسمائها ومضامينها؛ فإنّ نوعية الناتج الفكري، أو بالأحرى، الحلول والمعالجات التي يطرحها؛ ستكون هي الأُخرى عرضة للتبدّل والتطور. وقد تكون الظروف المحيطة بصاحب الإنتاج ضاغطة إلى درجة تجعل هذا التطور قهقرائياً وتراجعياً، أو تجعله قفزة غير موضوعية إلى الأمام؛ فيكون في كلا الحالتين هروباً من الواقع وحرفاً لحقائقه. وهذا ـ دون شك ـ لا ينطبق على الإبداع الفكري والتجديد الموضوعي الذي يلتصق بالواقع ويعمل على تطويره وتحديثه، وهذا ما يمكن تسميته بالفكر الإسلامي العصري الواقعي والعملي والتطبيقي؛ حتى وإن كان يعالج موضوعات كلامية نظرية.

والفكر الإسلامي الإبداعي العصري هو فكر للحاضر والمستقبل؛ وليس فكراً للواقع المعاش وحسب؛ لأنّه فكر لصيق بالزمان والمكان. وإذا كان الواقع يعيش ـ بشكل أو بآخر ـ في المستقبل؛ فإنّ ذلك الفكر سيكون فكراً ينطلق من الحاضر لمعالجة إشكاليات المستقبل، ويجيب عن تساؤلات الإنسان المستقبلي، وهذا ما يؤكد بقوة جدوى الفكر الإسلامي، وأنّه ليس أدبيات ترفيّة.

ويتمتع الفكر الإسلامي بجملة من العناصر التي تؤهله لتطويع الواقع وضغوطاته، والاستجابة لتحديات المستقبل أياً كان شكلها أو مضمونها؛ فيما لو أحسن أصحاب الاختصاص التعامل مع القواعد الأساسية التي يستند إليها والتي تتدخل في تشكيل بنيته. ولعل الدينامية والمرونة والحصانة من أهم هذه العناصر، والتي تدفع الفكر الإسلامي باتجاه التجدد والاكتشاف والتأسيس، وتحول دون خشيته من المراجعة المستمرة؛ هذه المراجعة التي تضمن له احتفاظه بعناصر القوة فيه وبقابليته على إخضاع الزمان والمكان للشريعة وأحكامها.

ولا نريد هنا تكرار المقولات التي تؤكّد أهمية التجديد وضرورته؛ لاعتقادنا بأنّ هذه المقولات قد تم استيعابها استدلالاً وشرحاً. ولكن نجد من الضروري إعادة التأكيد على ما تقتضيه متطلبات المستقبل واستدعاءاته ومشاكله الأكثر تعقيداً، من مراجعة نوعية للفكر الإسلامي من خلال أدوات ومناهج أصيلة؛ تفرزها طبيعة المرحلة التي يراد استقبالها وتشوّف حاجاتها. ونقصد بالمراجعة النوعية هنا: إعادة قراءة الفكر الإسلامي بنظرة موضوعية شمولية تنطوي على استيعاب الحاجات الجديدة والتي ستُستجد، والاستجابة لها من خلال عمليات الإصلاح والتأصيل والاكتشاف والتأسيس. وتتمثل شمولية هذه النظرة أيضاً في استيعابها لكل مفردة من مفردات الفكر الإسلامي، بما في ذلك علوم الشريعة ومناهجها. فالنظرة المنفعلة والتجزيئية للواقع وللفكر الإسلامي هي التي تؤدي إلى ألوان من اللا توازن والإفراط والتفريط والخلل. وبالطبع فإنّ هذه المراجعة تتوقف عند المتغيّر الفكري، أمّا الأُصول الإسلامية فهي الثابت الإلهي المقدس الذي لا يخضع لضغوطات الزمان والمكان، وهو أمرٌ أُشبع بحثاً أيضاً، ولا نجد بعد ذلك ما قد يتسبب في حصول لبس أو سوء فهم خلال الحديث.

وتنطوي متطلبات المستقبل على معرفة جملة من الحقائق النسبية، من خلال استطلاع المعطيات التي ستؤدي إليها، واستشراف طبيعة العناصر التي شكلتها. ومن أبرز هذه الحقائق: حقيقة الزمن الذي سنعيشه، أي عالم المستقبل، والتحديات الداخلية التي ستبرز في واقع هذا الزمن، والتحديات الخارجية التي ستواجهنا. ففي الإجابة عن تساؤل: «في أي زمن سنعيش؟!» تكمن عملية الاستشراف المستقبلي، التي تكشف لنا عن نوعية الزمن الذي سنعيشه وشكله وضغوطاته وتحدياته. والإجابة عن هذا السؤال ستجرّنا بصورة طبيعية إلى سؤال آخر هو: «كيف سنعيش؟»، وهذه الكيفية إمّا نصنعها نحن وإمّا نساهم في صنعها، ويستلزم ذلك ألواناً من التخطيط، أو نكون مسلوبي الإرادة ولا نمتلك أيّ برنامج وتخطيط لحياتنا.

والحقيقة أنّ معرفة الزمن الذي سنعيشه، وطبيعة ممارستنا للحياة فيه، يتطلب معرفة دقيقة بالزمن الذي نعيشه الآن، ومعرفة أُخرى بآليات التطور ومعادلاته وقوانين الانتقال من الحاضر إلى الغد؛ لأنّ هذه المعرفة هي القناة التي توصلنا إلى الزمن القادم؛ إذ إنّ الزمن القادم تصنعه معطيات الحاضر وقراراته وتخطيطه. وعلى هذا الأساس؛ ستكون المعرفة بالزمن أو العصر شاملة ومتكاملة. في حين إن عجزنا عن دخول عصرنا ومعرفته، سيؤدي إلى عجز آخر؛ يتمثل في عدم توقع الآتي وكيفية استقباله؛ وبالتالي عجز عن التخطيط له. ويعود هذا إلى أنّ المسلمين لم يصنعوا حاضرهم، ولم يساهموا في صناعته؛ لأنّهم لم يخططوا له فيما مضى، وإذا خططوا له فهو تخطيط يستبطن ألواناً من الإحباط وعدم الثقة بالنفس والخوف)).

يضم كتاب «الفكر الإسلامي المستقبلي: مقاربات منهجية» ستة فصول:

الفصل الأول حمل عنوان: «مداخل الفكر الإسلامي المستقبلي»، والتي تتضمن قواعد هذا الفكر القائمة على محاولات أسلمة الدراسات المستقبلية، والتي أسميناها (المستقبلية الإسلامية) وهي منهجية جديدة في التفكير الإسلامي، لا تزال بحاجة إلى مزيد من التنظير؛ من أجل أن تنضج وتتبلور وتتكامل. وفي الفصل الثاني: «حركة التاريخ وصناعة المستقبل»، بحثنا في المدارس الأساسية التي أُسست لدراسة التاريخ وحركته، وذهبنا إلى تبنّي المدرسة التكاملية. والفصل الثالث عنوان: «المشترك الإنساني للفكر الإسلامي المستقبلي»، والذي أكد وحدة المصير الإنساني الذي ينبغي أن يأخذه الفكر الإسلامي بنظر الاعتبار. أمّا الفصل الرابع: فقد قارب بعض المفردات الفكرية الإسلامية ذات العلاقة بسحب الفكر الإسلامي من دائرة المعاصرة إلى دائرة المستقبلية. بينما كرّس الفصل الخامس موضوعاته لدراسة تجربة: (المركز الإسلامي للدراسات المستقبلية)، الذي مثل محاولة مؤسَّسية لأسلمة الدراسات المستقبلية والتمهيد لمقاربة الفكر الإسلامي المستقبلي. وتخصّص الفصل السادس: في عرض عدد من المقابلات التخصصية مع الباحث حول منهجية المستقبلية الإسلامية في وسائل الإعلام العربية.

***

 

في المثقف اليوم